ردع «غوغل» للحؤول دون «التصحر الإخباري»
تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT
في عام 2021، حقق موقف أستراليا في مواجهة استفادة «غوغل»، و«ميتا»، من احتكار إيرادات الإعلانات الإخبارية نجاحاً ملموساً؛ ما أجبر عمالقة التكنولوجيا إلى الدفع مقابل الأخبار بعد محاولات تنمر عدة، وصلت إلى حد محو جميع روابط الأخبار الأسترالية من منصاتها، فقد بقيت صفحات «فيسبوك»، الخاصة بأكبر شركات الإعلام الأسترالية فارغة، وتسببت في انخفاض حركة زيارة هذه المواقع الإخبارية.
أقرت أستراليا، «قانون التفاوض مع وسائل الإعلام وصانعي الأخبار»، الذي أعدّه كل من أمين الخزانة الأسترالي جوش فررايدنبرغ، ووزير الاتصالات بول فليتشر، على أساس فرضية منطقية مفادها أنه يجب تقاسم الإيرادات مع منتجي المحتوى الإخباري في بلادهم بشكل عادل، مقابل مساعدة هذه الشركات الاحتكارية التكنولوجية على جذب الزوار إلى المعاملات التجارية العادية، التي قد تحدث في سوق متوازنة من دون أن تميل كفة السلطة في المفاوضات بشكل مفرط نحو أحد الأطراف.
توجَّهت صناعة الأخبار برمتها إلى العالم الرقمي قبل عقود عدة، فقد كانت تدرك تماماً التهديد الكبير الذي تتعرض له، لكن الآن تمّ حلّ المشكلة الكبيرة لهذه الصناعة على الصعيدين الوطني والحكومي من خلال التزام أسترالي ثابت بحماية أحد أهم أصول الدولة، وهو الصحافة. قد يُجادل بعضهم، بأن هذا الإجراء جاء متأخراً، حيث رأينا العديد من وسائل الإعلام الصغيرة والمستقلة تنهار أمام التحديات، التي أحدثتها التغيرات في الاتجاهات وانخفاض عائدات الإعلانات، لكنه بث الأمل في روح ما تبقى منها.
قامت «غوغل» مع شركتها الأم «ألفابيت»، بتحكيم سوق أدوات تكنولوجيا الإعلان التي يعتمد عليها الناشرون والمعلنون، وبفعل ذلك، عزلت منافسين آخرين في تبادل الإعلانات مثل «مايكروسوفت»، و«ياهو»، ما أدى إلى انخفاض في أسعار المساحات الإعلانية بمعدل النصف، بالإضافة إلى ذلك، قامت «غوغل»، بتطوير جامعي أخبار أسهموا في تحويل حركة الزوار عن المواقع التقليدية للأخبار. أشار أحد النقاد في هذا السياق إلى أن: «غوغل هو حَكَم ولاعب في المباراة ذاتها».
هذا الوضع المستمر بات أشبه بقصة داوود وجالوت، قد ترك عالم صناعة الأخبار مهدداً أمام تدفق متواصل من تحديثات التكنولوجيا، التي تؤثر مباشرة في طريقة استهلاك الأخبار. تصْرف شركات الأخبار مبالغ هائلة للتكيف مع هذه التحديثات، ولكن سرعان ما تصبح الإجراءات، التي تم اعتمادها سابقاً غير فعالة مع طرح «غوغل»، لتحديثات جديدة، فهذه التحديثات غالباً ما تتطلب الامتثال الصارم لكلمات مفتاحية محددة، ومواضيع رائجة، وهذا يجبر وكالات الأخبار والمنشورات الباحثة عن إيرادات على إعطائها الأولوية على حساب مسائل ذات أهمية وطنية. هذا لا يؤدي فقط إلى تآكل مهنية الصناعة، ولكنه يؤثر أيضاً في نزاهتها، حيث يتم استدراجها بقوة لتنسجم مع مسار الأخبار الذي تفضله الخوارزمية. يمكن للشخص أن يجادل أن مؤسسات الأخبار، يمكن أن تختار عدم الامتثال لتدابير شركات التكنولوجيا، ولكنه ليس خياراً حقيقياً عندما يهدد أحد الخيارات جدياً بقاء المؤسسات الإعلامية على قيد الحياة.
قام عدد كبير من وكالات الأنباء والمنشورات في السابق باتخاذ إجراءات قانونية ضد «غوغل»، ولكنها فشلت في الانتصار أمام هذا العملاق، إذ قامت «غوغل»، بتعزيز فريقها القانوني من خلال استقطاب خمسة من موظفي وزارة العدل السابقين تحسباً للتحديات المحتملة. هذا يؤكد دور الحكومة بشكل حاسم في دعم قضية بقاء وسائل الإعلام الخاصة بها، فالحكومات تدرك العبء المالي الهائل الذي يترتب على وسائل الإعلام التقليدية، بينما تسعى للتكيف والازدهار في بيئة تصنعها التكتلات التكنولوجية، بالتالي تعتبر التنظيمات التشريعية المدعومة أمراً أساسياً لتسهيل هذا التحول. إن المؤسسات الإعلامية والخبرية تمثل أكثر من مجرد أعمال تجارية؛ إذ تتحمل مسؤولية مواجهة نشر المعلومات المضللة، وفي عصر يتميز بمعارك إعلامية مكثفة، يتعين على الحكومات حماية ودعم مؤسسات وسائل الإعلام المحلية للخروج من هذا الصراع المستمر بنجاح.
تسعى كل من المملكة المتحدة وفرنسا وكندا والولايات المتحدة، إلى تنفيذ نسخها الخاصة من «قانون التفاوض مع وسائل الإعلام وصانعي الأخبار» الأسترالي، وهو أمر لا بدّ من تبنيه من قبل باقي دول العالم، وتعتبر الإمارات العربية المتحدة، مثالاً ساطعاً بين الدول العربية، حيث اهتمت بوسائل الإعلام، ورعتها منذ السنوات الأولى لتأسيسها، فقد أنشأت مدناً إعلامية استضافت فيها العديد من المؤسسات الإعلامية من مختلف أنحاء العالم، ولكن الأهم بينها هي وسائل الإعلام والمنشورات الوطنية، حيث تمثل صوت الشعب، فعلى مدى عقود، كرست هذه الوسائل الإعلامية نفسها لنقل هموم المواطنين في الإمارات، ومعالجة القضايا الحرجة والضرورية لتقدم البلاد، وهي تعدّ رموزاً بارزة للحداثة وحرية الصحافة، التي تم إنشاؤها من أجل هذا الوطن.
لقد تحملت هذه المنشورات مسؤولية الدفاع عن البلاد، ومكافحة نشر المعلومات الخاطئة، ودعمت جميع الإنجازات الوطنية. لقد استفاق العالم إلى الآثار الضارة لاحتكار الأخبار، وبناءً على ذلك، يجب أن يشكّل الأمر أولوية قصوى لجميع الحكومات، بما فيهم السباقة دائماً دولة الإمارات، في استخدام كافة الوسائل اللازمة للحفاظ على تنوع وسائل الإعلام، وضمان المساءلة.
لقد شكلت أستراليا سابقة إيجابية، ويتعين على بقية حكومات العالم أن تحذو حذوها، وإلا فإنها تخاطر بالتحول إلى «تصحر إخباري»، يتكون من مجتمعات لا تمتلك صحفاً محلية، وتعتمد فقط على التغطية، التي تحكمها أجندات معينة وتقارير متحيزة.
عائشة عبدالله تريم – صحيفة الخليج
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: وسائل الإعلام
إقرأ أيضاً:
غوغل تشدد الرقابة على تطبيقات «أندرويد»
أعلنت غوغل عن خطتها لتشديد الرقابة على تطبيقات نظام أندرويد بدءاً من العام المقبل، في خطوة تهدف إلى تعزيز أمان المستخدمين وحماية أجهزتهم من التطبيقات غير الموثوقة.
وتشير التقارير إلى أن نظام أندرويد الجديد سيمنع تثبيت التطبيقات الصادرة عن مطورين غير موثوقين، سواء من متاجر خارجية أو مطورين مستقلين، إلى جانب متجر Google Play. وسيخضع كل تطبيق جديد للفحص عبر خدمة Android Developer Verifier المدمجة، التي تتحقق من هوية المطور، وتكشف عن أي مشاكل في الحزمة التطبيقية، وتحدد مدى أمان التثبيت. في حالة عدم الاتصال بالإنترنت، سيعتمد النظام على ذاكرة محلية للتطبيقات الشائعة والموثوقة، بينما قد يتطلب الاتصال بخوادم غوغل في بعض الحالات.
كما ستقدّم غوغل آلية “رمز التفويض المسبق” لمتاجر التطبيقات، وهي أداة تشفيرية للتحقق من هوية المطور دون الحاجة لاتصال إضافي بالشبكة.
ومن المقرر أن يُطرح أول تحديث لدعم هذه السياسات مع إصدار Android 16 QPR2، على أن تدخل قواعد التحقق حيز التنفيذ لاحقاً.
ولحماية المطورين الشباب والهواة، ستُعفى الحسابات الطلابية والهواة من رسوم التسجيل، مع تقييد نطاق انتشار تطبيقاتهم، مع توفير آلية تفويض التثبيت عبر معرفات الأجهزة، وإمكانية تحويل الحساب إلى حساب كامل للوصول إلى جمهور أوسع.
وأشارت غوغل إلى أنها ستشدد الرقابة على المطورين المخالفين، وستمنع تثبيت التطبيقات غير الآمنة، لضمان بيئة أكثر أماناً لجميع مستخدمي أندرويد حول العالم، بحسب صحيفة ميل.