بوست على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» كان أشبه ببلاغ إلى القائمين على مهنة الصحافة، كتبته الزميلة والصديقة العزيزة الشيماء عزت، واحدة من «أمهر» أبناء مهنتنا، منذ أكثر من 3 أسابيع، كانت حالة الراحل المحترم العامرى فاروق، نائب رئيس مجلس إدارة النادى الأهلى، وزير الرياضة الأسبق، قد بدأت فى التدهور الشديد فى المستشفى الذى كان يرقد فيه، تحت عنوان: «عندما تخجل من كونك صحفيًّا»، جاء بوست الشيماء بصفتها «شاهدة» على الواقعة ليس بصفتها «الصحفية»، وإنما «الإنسانية» بقربها من عائلة العامرى- رحمه الله- فكتبت نصًّا: «يعنى إيه صحافة، ويعنى إيه خبر، وإيه الفرق بين إنك تكون صحفى محترم، باحث عن الحقيقة اللى تهم الناس، وبين إنك تكون جاهل ومتطفل، تتجاوز حدودك، وتقتحم حياة الناس الشخصية بكل وقاحة؟.
من يومين، وحالة الصديق الغالى العامرى فاروق فى تدهور شديد، وكل أهله وأصدقائه ومحبيه فى حالة حزن وقلق وخوف عليه، وطبيعى جدًّا نكون متواجدين فى المستشفى طول الوقت، لكن هل من الطبيعى اننا نعانى فى وسط كل ده من شائعات وفاته فى منتصف الليل؟، هل من المنطقى اننا نعيش حالات الفزع كل شوية على والده ووالدته وزوجته وأولاده، اللى بتجيلهم مكالمات تعزيهم فى وفاته، رغم أنه مازال على قيد الحياة بسبب أخبار كاذبة متداولة على السوشيال ميديا؟، هل من المهنية اننا نفضل نلاحق صحفيين تسللوا جوة المستشفى، وحاولوا الوصول لغرفة العناية المشددة عشان يلتقطوا صورة العامرى فى لحظات خاصة جدًّا، أو آخرين واقفين على باب المستشفى يعملوا بث مباشر لأهله وأصحابه وهُمَّه قلقانين عليه؟! إيه الصحافة دى، وإيه المهنية فى كده، وإيه المعنى اللى بتقوله للناس والقيمة والرسالة اللى بتقدمها؟، الصحفيين المحترمين بيتصلوا بينا، وبيسألوا عن الحالة، وبينشروا أخبار حقيقية، لكن للأسف أنا حاولت امبارح احافظ على صورة الصحفيين، وأقنع الناس اللى رافضاهم بأنهم بيعملوا شغلهم، لكن اللى شفتهم من مواقع صحفية أخجلونى من كونى صحفية ومن انتمائى لمهنة كان زمان اسمها (صاحبة الجلالة)»، انتهت رسالة الشيماء، ومات الرجل المحترم العامرى فاروق، وبقى «الخزى» لمهنتنا الجليلة بسبب دخلاء عليها، لا يريدون سوى «زهوة» الترند و«الشير».
ولا عزاء للإنسانية قبل المهنية. قبل نحو 6 سنوات ليس أكثر، كنا نتسابق فى هذه المهنة على تنفيذ أكبر قدر ممكن من الموضوعات المرتبطة بحياة الناس، واستجابة المسؤولين لشكاواهم، وكان قمة «زهونا»، ونحن نكتب ردود أفعال المسؤولين عما نفجره من قضايا ومشكلات، ولكن لن أتحامل كثيرًا على مَن «يجرى» خلف الترند، ففى مقابل هذا، وكما كتبت الشيماء، هناك صحفيون محترمون ويبحثون عن المعلومة من مصدرها، هؤلاء هم الأكثر معاناة الآن، فمعظم المصادر المسؤولة باتت تخشى الحديث مع الصحفيين بسبب اختلاط «المحترم» مع «الباحث عن الترند»، فإذا كنا نبحث عن عودة الصحافة والقضاء على الشائعات، فالحل بسيط «ادعموا المهنيين».
وفاء بكري – المصري اليوم
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
حين تُصبح المجالس فخًا للغيبة
في زمن التواصل السريع والكلمات المتدفقة بلا توقف، تحوّلت كثير من المجالس إلى مساحة خصبة لغيبة الآخرين، وكأن الحديث عن الناس أصبح عادة اجتماعية لا تستدعي الوقوف أو التأمل. تتبدل المواضيع، لكن الثابت فيها هو التطرق إلى الآخرين، حياتهم، اختياراتهم، وحتى زلاتهم، في غيابهم.
إن الغيبة ليست مجرد زلة لسان أو خفة ظل عابرة، بل هي سلوك مرفوض وقول مُدان شرعًا وأخلاقًا، نهى عنه الإسلام بشدة، حتى شبّه من يقع فيها بمن يأكل لحم أخيه ميتًا. أي بشاعة هذه الصورة؟ وأي نذير أقوى منها؟!
الخطير أن بعض الناس يزينون الغيبة بعبارات منمقة، فيسمونها “صراحة”، أو يغطّونها بثوب “النصح”، أو يبررونها بـ”تنفيس” عن الذات، بينما في الحقيقة هي اعتداء على الكرامات، وإساءة تفتك بالثقة، وتنشر السم في العلاقات.
ليس من المقبول أن تظل المجالس ساحة للهمز واللمز، وأن نشارك فيها بوعي أو بلا وعي، دون أن ننتبه إلى الأثر العميق الذي تتركه كلماتنا في غياب من نتحدث عنهم. ومن الواجب أن نُعيد النظر في طريقة تفاعلنا، فننأى بأنفسنا عن هذه المهلكة، ونتعلم كيف نحافظ على طهارة مجالسنا ونقاء ألسنتنا.
بوسع كل واحد منا أن يكون نقطة تحول في محيطه، بأن يُحسن اختيار المواضيع، ويقود الحديث نحو ما هو نافع ومُلهم: كقصة نجاح، أو عبرة من تجربة، أو حتى نقاش عن فكرة بنّاءة.
المجالس ميدان للتأثير والتواصل، فلنحسن استغلالها، ولنُجعل منها مرآة لأخلاقنا، لا ساحة لمحاسن الغيبة الخادعة