طريق على ماهر.. غير آمن يا رئيس الوزراء
تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT
تعيش القرى المصرية فى أزهى عصور التنمية والرخاء، بعد أن تحققت فيها أكبر نهضة تنموية فى جميع قطاعات البنية التحتية، والخدمات المرفقية لم تشهدها من قبل، فقد شهدت الدولة هذه الطفرة من الإنجازات فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى ظل وجود استقرار أمنى وسياسى كليهما الباعث الحقيقى على قوة نشاط الدولة، والعمل على زيادة دورها الاقتصادى والاجتماعى، من أجل تحقيق الأهداف التى تصبو إليها الجمهورية الجديدة، وتعتبر الطرق الآمنة والسير عليها، هى النواة التى تبنى عليها الركائز الأساسية فى تثبيت دعائم دولة التمدين الحديثة، بل هى الجزء الأكبر على حسن سير العمل وزيادة الإنتاج، لأن ليس هناك قيمة لبناء منشآت اقتصادية ومصالح إنتاجية، دون ضمانات حقيقية فى تمهيد طرق يحسن السير عليها، وهذا ما تكرسه الدولة عملا من جهود مبذولة فى أن يتبوأ الإنسان مكانة اجتماعية عظيمة تليق به من خلال حياة كريمة يعيش فيها.
وإذا كانت الدولة لا تدخر فى وسعها جهدا لتحقيق الأهداف المرجوة، التى ترفع من شأن قيمة حياة الإنسان، فى تحقيق رفاهيته واحترام حقوقه، إلا أنه يؤخذ على المسئولين فى محافظة البحيرة، إهمالهم الشديد فى صيانة وإصلاح طريق على ماهر باشا، المعروف «بالخط الوسطانى» مركز كفر الدوار، وجعل نسبة الأمان للسير عليه قد تكون منعدمة، والمسئولية التقصيرية للكوارث التى قد تحدث عليه يتحملها نائب المحافظ الحالى، حتى رئيس الوحدة المحلية التابعة له، إلى جانب الشركاء فى المسئولية أيضا، من الشركات المنفذة لدخول مشروع الغاز الطبيعى للقرى، وشركة مياه الشرب وشركة توزيع كهرباء البحيرة، والمقاولين المسئولين عن تنفيذ مد خطوط شبكات الصرف الصحى للقرى، لأن كل شركة من الشركات المذكورة قامت بحفر أجزاء بطول الطريق، بعمق أمتار كبيرة لتغذية القرى بمنتجاتها، من خلال توصيلها بمحطاتها الفرعية دون أن يفكروا جيدا فى إصلاح ما أتلفوه من الطريق المسفلت، أو رد الشيء لأصله جراء هذا الحفر، وكانت نتيجة عدم عنايتهم فى إصلاح الأجزاء المهدرة من الطريق، أدى إلى هبوط أرضيته، وزيادة الحفر والمطبات وتحولت إلى برك طينية ومستنقعات وخصوصًا فى فصل الشتاء، ومما زاد من الأمور سوءًا أن المقاول المنفذ لشبكة الصرف الصحى بطول الطريق، لم يراعِ دقة الأعمال الإنشائية فى تنفيذ أعماله، حيث يقوم بحفر عمق حوالى ( 6 أمتار) لمد خطوط شبكة الصرف الصحى بجانب الطريق، معتمدًا على الطريقة البدائية فى إنشاء السقالات الخشبية لرفع الطمى نتيجة حفره لهذه الأعماق، ويجعلها كأساس تغطيته، دون أن تحتوى التغطية على طبقة سطحية من الرمل لأنها الأساس السليم والصحيح فى تشييد هذا البناء، للحفاظ على البنية التحتية للطريق، لأن تغطية الحفر بالطين مباشرةً تؤدى إلى احتمالية هبوط الطريق فى مرحلة إعادة سفلته فوق الطين المردوم.
ومن الجدير بالذكر أن طريق على ماهر باشا «الخط الوسطانى»، يبلغ طوله حوالى( 9 كيلو مترا) بدايته طريق محور المحمودية عند قرية عوايد ضيف، ونهايته عزبة المزرعة طريق الطابية رشيد، وعرض المساحة المسفلتة منه حوالى (6 أمتار) ولكن تغيرت معالمه إلى أرض وعرة مليئة بالحفر والمطبات والتعرجات نتيجة لتأكل طبقته السطحية من الأسفلت، مما يجعل السير عليه غير آمن وشاقًا مؤلمًا، وهو يقع وسط أكثر من عشر قرى ريفية على جانبيه، يتخللها امتداد للعمران البشرى بين كل قرية وأخرى، ما يجعلنا نقول إنه امتداد عمرانى بطول الطريق أى (9كيلو مترات)، يسكنه عدد مأهول من السكان، وقبل إنشاء الطريق الدولى الجديد، كان هو الرابط القديم بمحافظتى البحيرة والاسكندرية، وبه أجود أنواع الأراضى الزراعية التى تجود بخيراتها التى تعمل على زيادة الدخل القومى، وإن كان مدى حيوية ومكانة هذا الطريق الاستراتيجية، إلا أنه محفوف بالمخاطر التى تعوق سير السيارات السليمة عليه، لما يسببه هذا الطريق من خسائر على الممتلكات، ومما يجعلها تعزف عن المرور عليه، فتكون حياة الناس فى خطر لأنهم يكونون ضحية للسيارات غير الآدمية بل غير المرخصة ومركزها القانونى غير سليم، إلى جانب خطورة عيوبها الفنية وعدم الكشف عن إطاراتها وعن مدى مطابقته للمواصفات القياسية، ولا يوجد بديل عنها مما يجعل الأهالى منقادين مرغمين لركوبها، من أجل الوصول إلى أعمالهم وأيضًا طلاب العلم يصلون إلى مدارسهم وجامعاتهم، بالرغم من أنه قد يقع أى حادث فجائى يتوقع حدوثه، مثل انفجار إطار السيارة أو تختل عجلة القيادة فى أى وقت، مما يكون كل البشر الركاب على متنها ضحايا هذا الإهمال الجسيم، صرعى على الطريق أو فى قاع ترعة أو مصرف زراعى، ومما يزيد الموقف تعقيدًا بأن هذا الطريق المفتقر للصيانة تسير عليه سيارات وجرارات النقل الثقيل (التريلات)، وهى تحمل الحمولات الثقيلة من الأسمدة والمركبات الكيميائية والورق والبلاستيك، لأنه يحيط به مصانع الأسمدة وشركات المبيدات وصناعة الورق والبلاستيك، وكل كمية المرور عليه تستخدم على مساحة عرض (6 مترات ) فقط من الأسفلت غير الممهد، وقد حدثت حادثة مفجعة بانقلاب جرار كبير يحمل أطنانا من الأسمدة الأزوتية، ولكن العناية الإلهية أنقذت السيارات القريبة منه، ولتفادى تلك الأخطار والحوادث التى قد تسبب خسائر بشرية كبيرة فى الأرواح، لأبد فورًا وعلى عجل إزالة المطبات وردم الحفر والبرك والمستنقعات بزلط سن مؤقتا، لأن عوامل الحفر لتوصيل خطوط المرافق الحيوية لقرى حياة كريمة لم يتم الانتهاء منها بعد، وبالطبع لا يصعب على الدولة أو تعجز عن ملء فراغات الطريق، لكى يكون ممهدا للسير عليه ولتفادى حوادث التصادم، من هنا تقع مسئوليتها فى أخذ الحيطة والحذر من هذه الكوارث، على عجل وسرعة لردم البرك وتسوية سطح الطريق بطبقة من السن والرمل للحفاظ على الأرواح، أما الموضوع بخصوص المركبات التى لا يوجد لها لوحات معدنية، أو ترخيص وتفتقد للكفاءة الفنية والتى تعرف (بالسيارات الفارغة)، حيث تستخدم فى نقل أهالى القرى إلى محال أعمالهم، ولا وجود لأى وسيلة مواصلات أخرى تخدم الأهالى إلا تلك السيارات، وبناء عليه تستطيع قيادات مرور البحيرة التوازن بين مدى حاجات الأفراد لقضاء مصالحهم لاستخدامهم هذه المركبات، وبين إشباع هذه الاحتياجات عن طريق التنظيم القانونى السليم فى التراخيص، من حيث توفيق أوضاعها القانونية، لحين إيجاد البديل لها، من هنا تعمل الدولة على مراعاة الظروف ومدى مراعاة ضرورات المواطنين لممارسة حياتهم اليومية، وهذا ما نرجوه ونستغيث به من الحكومة، فى أن تسرع فى إصلاح طريق «الخط الوسطانى» حتى لا يصبح طريق الموت.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدوله البنية التحتية الرئيس عبدالفتاح السيسي
إقرأ أيضاً:
بحّار ماهر في محيط صاخب
أكّدت التجارب أنّ الظروف الصعبة هي الكفيلة بصنع رجال قادرين على بناء حياة أفضل لهم ولسواهم، وهناك مثل شائع يقول: «المحيطات الهادئة لا تصنع بحّارة ماهرين» ، فالعواصف الشديدة التي تهبّ من كلّ اتّجاه على مياه البحار، والمحيطات، ترفع الموج عاليا، فتتحوّل السفن الضخمة، إلى أوراق قلقة في مهبّ ريح عاتية، وهنا تبرز القدرات الذاتية التي تميّز فردا عن سواه، وتُظهر معادن الأشخاص، وتصقلهم، كما أنّ هذه العواصف تكسب البحّارة خبرة في التعاطي معها، عكس الرياح الهادئة التي تمرّ بهدوء، وسلام، و«الضربات القويّة إذا لم تكسر الظهر تقوّيه» كما يقال.
وتأسيسا على ما سبق، فإنّ الظروف الصعبة التي عاشها العمانيون قبل السبعينيات، وفي بداياتها، أكسبتهم مهارات، وأظهرت قدراتهم، ومنحتهم قوّة في مواجهة منعطفات الحياة، وصعوباتها، والسيد سالم بن ناصر البوسعيدي، الذي غادر عالمنا قبل أيام قليلة، واحد من هؤلاء الرجال الذين حفروا بالصخر، لينبجس ينبوع الماء العذب، لترتوي منه الأجيال الجديدة، فيصدق به الوصف كونه عصاميا، وفي ذلك استدعاء لقول الشاعر العربي:
نفسُ عصام سوّدت عصاما
وعلّمته الكرّ والإقداما
الذي صار مثلا سائرا، ويتضمّن إشارة تُحيل إلى عصام بن شهبر الجرمي الذي نجح بجهوده الشخصية وكفاحه واعتماده على نفسه، دون أن يتكئ على إرث عائلي، أن ينتقل من إنسان بسيط إلى شخصيّة مرموقة في المجتمع لها مكانتها، حتّى صار حاجبا للنعمان بن المنذر حاكم المناذرة، وأشهر ملوك العرب قبل الإسلام، ولم يكن يبلغ تلك المرتبة العالية لولا جدّه واجتهاده، وحرصه على تطوير الذات .
و(عصاميّة) السيّد سالم بن ناصر البوسعيدي، رحمه الله، ظهرت حين أجبرته ظروف أسريّة بعد فقد الوالد إلى ممارسة شتّى الأعمال في سنّ مبكّرة، ليعيل أسرته، ليس فقط بالعمل داخل سلطنة عمان، بل حتى في خارجها، ورغم قسوة تلك الظروف، إلّا أنّ الراحل لم يهمل الدراسة، إيمانا منه بأنّ العلم هو الذي يبني الإنسان، ويدفعه للأمام يقول شقيقه السيد قحطان بن ناصر البوسعيدي عن الراحل «كان يعمل صباحًا ويدرس مساءً، وكان تركيزه منصبًّا بشكل كبير على دراسة اللغة الإنجليزية في مدارس خاصة، كما كان يتابع ويراسل إذاعة تبثّ من هولندا تقدّم دروسًا في اللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها، وبعد اكتشاف النفط في سلطنة عمان عمل في شركة النفط العُمانية، ووصل إلى درجة كبار موظفي الشركة وابتُعث من الشركة إلى بريطانيا لدراسة الكمبيوتر»، وكانت النقلة الأهمّ في حياته حدثتْ بعد تولّي السلطان قابوس بن سعيد – طيّب الله ثراه - مقاليد الحكم في البلاد، فقد «أُبتُعث إلى لبنان لدراسة إدارة المطارات في مطار بيروت، ثم إلى اسكتلندا في دورة لقيادة الطائرات، وشغل موقع مدير الطيران المدني تمت ترقيته إلى وكيل وزارة المواصلات، ثم عُيّن وزيرًا للمواصلات، وقد ناب عن السلطان قابوس – طيّب الله ثراه- في رئاسة مجلس حماية البيئة، ومثّل السلطنة في كثير من المؤتمرات، وكُلّف عدة مرات بإلقاء كلمة عُمان في الأمم المتحدة، ثم عُيّن رئيسًا للمجلس الاستشاري، ثم مستشارًا للدولة «هذه السيرة المرصّعة بنياشين الإنجازات المهنيّة والوطنية، تقدّم نموذجا للرجل العصامي، الذي صعد سلّم النجاح درجة درجة، ولم تتوقّف أنشطته، حتى بعد تقاعده عن العمل الوظيفي، فقد واصل جهوده الحثيثة في تقديم الخدمات المجتمعيّة، ساعيا في أعمال الخير، يلتقي بمحبّي الثقافة والأدب في مجلسه العامر، الذي كان يقيمه أسبوعيا مساء كلّ أربعاء، ثم صار كلّ شهر، ولم يتخلّ عن أهله وناسه، تشهد على ذلك جهوده في( صاد) و(الفتح) التابعتين لولاية (بوشر)، حيث بنى مسجد الفتح، ومسجد صاد وجامعًا كبيرًا في مرتفعات بوشر الغربية، أسماه باسم والده هو جامع (السيد ناصر بن خلفان البوسعيدي)، وبنى مجلسًا كبيرًا ملحقًا بالجامع، وقاعة كبيرة للمناسبات، إلى جانب جهود أخرى كثيرة، وهذه الخدمات تمثّل قاسما مشتركا بين الأشخاص العصاميين، كونهم عركوا الحياة، وذاقوا مرّها، قبل أن تبتسم لهم، ويتذوّقوا حلوها، مثلما يبتسم البحّار الماهر بعد أن تتكسّر موجة عنيدة على صدر مركبه الذي صرعها، وظلّ يسير بثقة وعزيمة في مياه محيط الحياة الصاخب.