الجزيرة:
2025-07-03@14:52:51 GMT

المرابطون والمرجفون..

تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT

المرابطون والمرجفون..

في محاضرة عامة بمكتبة الإسكندريّة دُعيت إليها في غمرة العمل الثقافيّ والسياسيّ الذي ملأ الدنيا وشغل الناس في أعقاب ثورة 2011 المصرية، سُئلت في تلك المحاضرة: عن رأيي في علاقتنا بإسرائيل؟

أجبت: «أريد علاقة طبيعية بيننا وبين إسرائيل»!!

وَجَم أكثر الحاضرين، إذ كان موقفي من اتفاقية كامب ديفيد معلنًا غير خفيّ، ومدونًا في طبعات متتالية من كتابي: (في النظام السياسي للدولة الإسلامية)؛ وكذلك كان موقفي من التطبيع، بجميع صوره، مع العدوّ الصهيونيّ منشورًا في عشرات المقالات، ومسجلًا في عدد كبير من المقابلات التلفزيونية.

وكنت في زمن غير بعيد من تاريخ تلك المحاضرة، قد خضتُ معركة مع شيخ الأزهر وقتها، على صفحات الصحف المصرية، بعد استقباله حاخامًا صهيونيًا، وقوله ردًا على منتقديه: «لقد حدثته عن الحق الفلسطيني، وعن ضرورة تخفيف القبضة الصهيونية على أهل فلسطين…» أو كلامًا هذا معناه. فرددت عليه بمقال عنونته: «يا سيدي شيخ الأزهر.. ليتك لم تقابله ولم تقل له» [نصه في كتابنا شخصيات ومواقف عربية ومصرية، دار المعرفة بيروت 2004، ص 185].

ثم أعقبه موقف آخر لوكيل الأزهر – آنذاك- إذ نُشرت له في الصحف المصرية والصهيونية صورة يتأبط فيها ذراع حاخام صهيوني، وهما خارجان من جلسة في مؤتمر ما في بلد أوروبي. وسأَلَتْهُ الصحف عن هذه الصورة فقال ما حاصله: ليس هناك شيء يؤخذ عليّ إذا تأبطت ذراع زميل لي باعتباره رجل دين(!) فنشرت- ردًا على موقفه- مقالًا عنوانه: «تأبط شرًا» [المصدر السابق، ص 194]. وبعد ذلك بدأت وقائع معركة فكرية سياسية على صفحات الصحف المصرية.

ترحيب وحفاوة

كل ذلك كان ماثلًا أمام الجمهور الغفير، الذي ضاقت به القاعة الرئيسية بمكتبة الإسكندرية، ولذلك كان الوجوم مفهومًا، وكانت علامات الاستفهام على الوجوه سائغة!

قلت بعد ذلك مباشرة علاقتنا الطبيعية مع إسرائيل: «عدو بيننا وبينه هدنة، ولكل هدنة نهاية، وليس في الدنيا معاهدة لم تنقض».

ولا تسلْ عن ترحيب الحضور بهذا الجواب وحفاوتهم به، فقد فاقا كل تصور.

سيطرة غير مشروعة

منذ مكّنت القوى الاستعمارية كافة، وبعض الخيانات العربية، لقيام الكيان الصهيوني الغاصب على أرض فلسطين ونحن لا نشعر نحوه إلا بالعداوة الناتجة عن اغتصاب الحق العربي، والسيطرة غير المشروعة، بالقوة، على المقدسات المسيحية والإسلامية، والاعتداءات المستمرة على البشر والحجر، وسرقة الثروات وإنكار الحقوق على أصحابها.

وهي عداوة دفعت أهل الأرض، أصحاب الحق، إلى محاولات عديدة لمواجهة هذا العدو بوسائل بدائية، هي وحدها التي كانت متاحة لهم، واستطاع العدو الصهيوني في كل مرة أن يقضي على محاولة أصحاب الحق أن يستعيدوه باستعمال قوة عسكرية لا تراعي قانونًا، ولا تعتصم بخُلق، ولا تردها عن البغي الباطش مروءة إنسانية، أو قيمة خُلقية.

وكانت فئة قليلة مؤمنة بالحق العربي، كارهة للتسلط الصهيوني، ترابط على أرض فلسطين، وتعد ما استطاعت من قوة، وتبني على الإيمان بالله، واليقين بصدق وعده، نفوسَ الرجالِ والنساءِ مبشرةً إياهم بحديث رسول الله ﷺ الذي رواه أبو أمامة الباهلي وغيره: «لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء (الشدة والضيق) حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» [مسند أحمد، رقْم 22320] وفي بعض رواياته أنه قيل: يا رسول الله وأين هم؟ قال: «ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس».

هؤلاء المرابطون -مهما تكن انتماءاتهم التنظيمية- هم من هذه الطائفة، الثابتة على الحق، العاملة لنصرته، المقدمة أموالها وأرواحها في سبيله، المنصورة في النهاية بإذن الله، على عدوها.

هؤلاء المرابطون هم الذين صنعوا مفاجأة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023م = 22 من ربيع الأول1445هـ [طوفان الأقصى].

وهو الصنيع الذي بدأت به حرب التحرير الشاملة في فلسطين، وهو الخطوة الأولى في طريق زوال إسرائيل وعودة الوطن السليب إلى أصحابه. ومن أراد أن يستيقن من صحة ذلك فليتذكر أن (طوفان الأقصى) هو المعركة الأولى في تاريخ الصراع مع العدوّ التي يبدأ فيها أصحاب الحق مهاجمة المعتدين الغاصبين.

نعم! هي المرة الأولى التي يكون فيها زمام المبادرة في يدنا، ويكون لنا الفعل لا رد الفعل. ولا أقول المرة الأولى من 1948 ولكنها المرة الأولى، منذ بدأ الاستيطان الصهيوني -تحت رعاية بريطانية- التي نفعل فيها ذلك.

أخرجنا (طوفان الأقصى) والمرابطون الذين صنعوه من أسْر (المفعول به) إلى حرية (الفاعل). وإنه لنبأ لو تعلمون عظيم.

هزيمة نفسية

وكما عرفت الأرض المقدسة «المرابطين»، عرفت أصنافًا من «المرجفين» المخذِّلين الذين تفضح أقوالهم ما انطوت عليه قلوبهم من هزيمة نفسية، وما يعيشون في ظله من استحواذ الشياطين عليهم حتى أنسوهم وعد الله- تعالى- بالنصر: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتُهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار} [غافر: 51-52].

يقول هؤلاء المرجفون: ماذا كسب أهل فلسطين من هذه الحرب التي شنها المقاومون (المرابطون) ضد «دولة إسرائيل»؟! قتلُ الآلاف، وإصابةُ أضعافهم، وهدمُ نسبة كبيرة من البيوت -بل الأحياء السكنية كاملة- على رؤوس قاطنيها، ثم لن يكون لنا نصر، مهما حاولنا، على أقوى دولة في الشرق الأوسط
-زعموا!- وخامس جيش أو سابع جيش في العالم.

وهؤلاء يجهلون، أو يتجاهلون، أنهم ينعون هدم الحجر دون أن يأبهوا لحقوق البشر. ويجهلون أو يتجاهلون أن الذين بنوا (غزة) أول مرة يستطيعون بناءها مرات ومرات.

وهم يجهلون، أو يتجاهلون، أن الموت بكرامة وعزة وشجاعة أفضل ألف مرة -عند ذوي العقول- من الحياة مع الهوان والمذلة والاستسلام.

وهم يجهلون، أو يتجاهلون، قول الله- تبارك وتعالى- لنبيه وأصحاب نبيه: {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا([النساء: 104].

وهم يجهلون، أو يتجاهلون- عندما يعيروننا بشهداء المرابطين- ما قاله عمر (رضي الله عنه) لأبي سفيان يوم أحد عن قتلى المشركين وشهداء المسلمين، قال: «ليسوا سواءً، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار».

فتح قريب

ولا يعلم إلا الله متى يتوقف القتال، ومتى نضع القلم عن القول في المرابطين والمرجفين. لكننا بعد مائة وستة عشر يومًا نرانا أقرب كثيرًا من يوم الفتح، يوم زوال الدولة الصهيونية الغاصبة، مما كنا عليه يوم انطلق (طوفان الأقصى).

لا أقول سيكون ذلك غدًا، لكنني أقول ما قاله رب العالمين: )وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا) [الإسراء: 51].

والحديث موصول إن شاء الله. والحمد لله رب العالمين.

 

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: طوفان الأقصى

إقرأ أيضاً:

أوقاف الفيوم الحفاظ على المال العام مطلب شرعى ووطني ولا مكان لمقصر أو مهمل

عقد الشيخ سلامة عبد الرازق، مدير مديرية الأوقاف بمحافظة الفيوم، اليوم الثلاثاء، اجتماعًا موسعًا مع مديري الإدارات، وذلك بديوان عام المديرية، بحضورالشيخ يحيى محمد، مدير الدعوة.


وفي كلمته، رحب الشيخ سلامة عبد الرازق، بالحضور جميعًا داعيًا الله (عز وجل) أن يتقبل منهم صالح الأعمال، مشيدًا بما تم إنجازه من جهد مشرف، مؤكدًا أن المساجد أمانة في أعناقنا، وأن خدمة بيوت الله شرف ومسئولية، مشددًا على أهمية الانضباط، والنظافة، والالتزام الكامل بالتعليمات الدعوية والإدارية، موضحًا أن الإمام والداعية قدوة في كل تصرف وسلوك.

وأشار إلى أن الوزارة، بقيادة الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، تولي عناية خاصة لتحقيق الانضباط والارتقاء برسالة المسجد، وأن المتابعة الميدانية هدفها الإصلاح لا العقاب، لكنها حازمة تجاه أي تقصير متعمد.

 

كما دعا مديري الإدارات إلى تفعيل الدور التوعوي للمسجد، ومخاطبة الجمهور بلغة واقعية، تؤكد وسطية الإسلام وسماحته،لافتًا إلى أهمية المشاركة في مشروع صكوك الإطعام موضحا، أنه مشروع تنفذه وزارة الأوقاف بالتعاون مع وزارتي التموين والتجارة الداخلية والتضامن الاجتماعي ومؤسسات الدولة المعنية بشئون الأسر الأولى بالرعاية،وهو مشروع وطني إنساني خدمي تطوعي ليس الهدف منه الربح المادي، وإنما تسعى وزارة الأوقاف فيه بجهد صادق حسبة لوجه الله (عز وجل) وصالح الوطن وتحقيق مصلحته من خلال توفير اللحوم والسلع الغذائية للأسر الأولى بالرعاية على مستوى الجمهورية بعزة وكرامة.


وختم فضيلته حديثه بأهمية تشجيع الأئمة المتفانين المتميزين وفرض سياسة الثواب والعقاب، واتخاذ إجراءات حازمة تجاه حالات التقصير، معتبرًا أن المرحلة الحالية تتطلب ارتقاءً شاملًا بالأداء العلمي والدعوي بما يحقق رسالة وزارة الأوقاف في نشر الوعي والتنوير وخدمة قضايا الوطن والمجتمع، مؤكدًا في ختام اللقاء أن مكتبه مفتوح لكل من يعمل بإخلاص لخدمة الدعوة.

 

 

 

ضمن برنامج "مجالس الفقه والإفتاء".. أوقاف الفيوم تنظم مجلسين علميين حول ضوابط بناء الأسرة في الإسلام b358ffa4-94e8-441a-b696-7b7d33a91161 d028fa5c-bde6-4159-b537-5e9f61d3d6f1 56e5630a-2742-4b13-b25a-feb607d7006a 87da424d-7be4-4280-a2e5-a54f09ba1594 288efeb6-c9a1-45e9-b40f-fbdba9e81276 817874f1-a5fd-414a-b1b6-506eaed43e13

مقالات مشابهة

  • راغب علامة يخضع للاستجواب: الحق ظهر وتبينت مظلوميتي
  • فعالية خطابية في مديرية يريم إحياء لذكرى عاشوراء
  • هل ورد ذكر يوم عاشوراء في القرآن الكريم؟.. تعرف الآيات التي أشارت له
  • أوقاف الفيوم الحفاظ على المال العام مطلب شرعى ووطني ولا مكان لمقصر أو مهمل
  • هجرة الحق
  • نعيم قاسم: سنكون مع الحق ولن ندع الاحتلال يستقر
  • قاسم نعيم: سنكون مع الحق ولن ندع الاحتلال يستقر
  • سفارة فلسطين: الدكتور “ناكر” وعد بتوفير حلول مناسبة لجاليتنا في ليبيا
  • مركز فلسطين يؤكد استمرار العدو الصهيوني في القتل الممنهج والتعذيب بحق الأسرى
  • دروس من كربلاء