بالفيديو... سيارة تحترق وسط الأوتوستراد
تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT
أدّى "ماس كهربائي" إلى اشتعال سيارة من نوع "رابيد"، على أوتوستراد الهري باتّجاه بيروت. وحضرت فرق الدفاع المدني إلى المكان، وعملت على إخماد الحريق، وقد اقتصرت الأضرار على الماديّات.
إحتراق سيارة على أوتوستراد الهري باتّجاه بيروت#lebanon24 pic.twitter.com/3RcjcDgUZu
— Lebanon 24 (@Lebanon24) February 25, 2024 .المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
هل تحبني؟.. سؤال بيروت الأبدي حيث الذاكرة فيلم وثائقي
أمستردام – التاسعة ونصف صباحا، الجو بارد والمطر اخترق حذائي الرياضي غير المقاوم للماء، لكني لن أعود لتغييره بل أمشي سريعا لمحطة القطار التي أمر منها فقط للساحل البحري، ومنه آخذ السفينة المجانية الصغيرة إلى الضفة الأخرى حيث سينما "العين" الجميلة.
أدخل القاعة في اللحظة الأخيرة، وسرعان ما يصل صوت بيروت قبل صورتها على الشاشة، فـ "هل تحبني" (Do You Love Me) للمخرجة اللبنانية لانا ضاهر يحمل معه حكايات وأصوات وصور لبنان مكثفة في عاصمتها التي تجمع شتاتها ثم تبعثره في أحيائها المتناقضة.
"هل تحبني" رحلة بصرية عاطفية (هل أسميها مقالة بصرية شاعرية؟!) عبر سبعة عقود من الذاكرة اللبنانية المبعثرة، مُجمَّعة من أكثر من ألفي قطعة أرشيفية، بينها أفلام سينمائية قديمة، برامج تلفزيونية، فيديوهات منزلية، صور فوتوغرافية، ونشرات أخبار، وبالتأكيد مع موسيقى وأغاني لبنانية كثيرة تحاول تركيبها على الصور خلال المشاهدة.
محظوظ أنا بالطبع أن أفهم الصوت العربي بينما يقرأ المشاهدون الترجمة التحتية للفيلم، لكنهم بالتأكيد يستمتعون مثلي بفسيفساء سينمائية تحكي قصة وطن عالق بين الحب واليأس.
في مهرجان إدفا الدولي للأفلام الوثائقية بأمستردام – للربط بثيمة الجنوب العالمي
يحاول الفيلم منح الذاكرة الجماعية جسدًا بصريًا يمكن لمسه، تقول لانا ضاهر في حديثها لنا بعد الفيلم إن البداية كانت "من أرشيفي العائلي في فترة طفولتي ثم تحوّل إلى فيلم".
ما بدأ كبحث شخصي عن ذكريات طفولة ضائعة في بيروت تحوّل إلى مشروع استغرق ثمانية أعوام من العمل المضني، كما عبرت بعد اختتام العرض، وأضافت "ثمانية أعوام من التنقيب في الأرشيفات، ومشاهدة آلاف الساعات من اللقطات، واتخاذ قرارات مؤلمة حول ما يُستخدم وما يُستبعد".
وطن بلا كتاب تاريخ مدرسيواحدة من أكثر الحقائق إيلامًا التي يكشفها الفيلم هي أن لبنان لا يملك سردًا تاريخيًا موحدًا لأبنائه.
وقالت لانا ضاهر بعد الفيلم: "ليس لدينا كتب تاريخ رسمية موحدة في التعليم اللبناني"؛ فالحرب الأهلية التي مزقت البلاد لخمسة عشر عامًا غائبة تقريبًا عن المناهج الدراسية، والذاكرة الجماعية مشظاة بين طوائف ومناطق وروايات متضاربة.
إعلانيشرح فيلم ضاهر بإيجاز واقع بلد تتعدد فيه الهويات والذكريات ويتوسل بالشخصي خاصة مع غياب أرشيف وطني مركزي وفي ظل تجاهل رسمي للتاريخ القريب، ما يجعل اللبنانيون يعتمدون على ذكريات شخصية متناثرة وروايات عائلية لفهم ماضيهم.، وهذا ما يفعله الفيلم أيضا.
يحاول الفيلم إعادة تجميع هذه الشظايا، لتقديم تاريخ بصري جماعي يمكن للأجيال الجديدة أن تعود إليه، كمحاولة لكتابة التاريخ بالصورة لملئ الفراغ الذي تركته كتب المدارس
جمعت لانا من أكثر من مئة فيلم لبناني من الستينيات وما بعدها، مضيفة إليها مواد أرشيفية متنوعة، لتبني سردًا موازيًا لما عاشه اللبنانيون عبر العقود.
لا يقدم الفيلم تاريخًا رسميًا من أعلى، بل يستكشف بيروت من الداخل، بعيون أهلها وأصواتهم.
نرى -في الفيلم- صحافيًا لبنانيًا يعود إلى منزله المدمّر بعد غارة إسرائيلية على بيروت، يتفحص الأنقاض بصمت، ونسمع سائق أجرة يروي بحماس حكاية برج من الهيكل الخرساني الشاهق الذي بقي مهجورًا منذ الحرب الأهلية، رمزًا حيًا لجرح لم يلتئم.
نتابع مرشدًا سياحيًا يصطحب زوارًا غربيين في جولة على معالم المدينة، في تباين ساخر بين فضول السائح وبرودة الواقع الذي يعيشه أهل البلد.
هذه القصص الصغيرة، اليومية، الشخصية، هي ما يمنح "هل تحبني" قوته الإنسانية× فالفيلم لا يتحدث عن الحروب كأحداث كبرى، بل عن أثرها على الناس العاديين، على بيوتهم وأحلامهم وحياتهم اليومية.
موسيقى تعبر الأجيالللموسيقى دور محوري في الفيلم، وهو أمر مقصود تمامًا من المخرجة. تقول لانا ضاهر: "الموسيقى مهمة جدًا لنا كلبنانيين، وتلعب دورًا كبيرًا في حياتنا اليومية. لهذا كان لدي حس شخصي لاستخدامها، وحاولت خلطها بالتاريخ والأرشيف".
عنوان الفيلم نفسه مستوحى من أغنية شهيرة لعائلة بندلي اللبنانية صدرت عام 1978. لكن السؤال البسيط "هل تحبني؟" يكتسب في سياق الفيلم عمقًا يتجاوز بعده الرومانسي، وربما هو سؤال موجّه للوطن نفسه، عن علاقة حب معقدة وعنيدة بين اللبنانيين وبيروت،
تشرح ضاهر اختياراتها الموسيقية: "اخترت أغاني تتجاوز الأجيال وتتقاطع مع الطبقات المختلفة، وحاولت دمجها في سرد الفيلم".
الحب في زمن الدمارلا يكتفي "هل تحبني" بإثارة الحنين الرومانسي لبيروت الجميلة، بل يغوص في التناقضات العاطفية العميقة التي يعيشها اللبنانيون.
تصف المخرجة رؤيتها: "لا خلاصة في الفيلم، لكني أردت الغوص في المساحة الرمادية، بين الهدوء الذي يسبق العاصفة والضبابية والقلق المستمر".
هذه المساحة الرمادية هي ما يميز التجربة اللبنانية؛ أي العيش المستمر على حافة الأزمة، في حالة من الترقب الدائم بين لحظة فرح ولحظة انهيار.
الفيلم يرصد تلك اللحظات الفاصلة بين الانفراج واليأس، ويحلل حالة الانفصام الوجداني بين الرغبة في الهجرة بحثًا عن أمان، وبين العجز عن ترك الوطن والتخلي عن عشق متجذّر في النفوس.
يبرز الفيلم هشاشة مفهوم "الوطن" في بلد يمكن أن تنقلب أوضاعه بين ليلة وضحاها، وحتى البيت والأرض معرضان للضياع في أي لحظة.
لكنه في الوقت نفسه يصوّر بيروت كـ"عروس الشرق" الجميلة المليئة بالحياة رغم الندوب، من خلال عيون سكانها الذين يحبونها بإخلاص رغم كل شيء.
الأثر العاطفي للفيلم على مشاهديه كان واضحًا منذ عروضه الأولى؛ أحد المشاهدين عبّر عن تجربته بعد انتهاءا العرض بقوله: "كنت أبكي لمدة ساعة، وإذا كان الفيلم أربع ساعات فربما كان ذلك سيعالجني"، وبالفعل فرؤية الذاكرة الجماعية معروضة على الشاشة تمنح نوعًا من التطهير العاطفي
إعلانوصول "هل تحبني" إلى مهرجان إدفا يحمل أهمية خاصة، فهي منصة عالمية لأصوات لا تُسمع عادة في السينما التجارية، والفيلم حقق انطلاقة قوية عالميًا بعرضه الأول في مهرجان البندقية السينمائي (أيام البندقية 2025)، ثم جال في مهرجانات دولية مرموقة.
في مهرجان هامبورغ 2025، حصدت لانا ضاهر جائزة الفيلم السياسي من مؤسسة فريدريش إيبرت، حيث رأت لجنة التحكيم في الفيلم "فسيفساء من الذكريات" ترسم صورة شعرية لبيروت وكأنها عالقة في حلقة مفرغة من العنف وانعدام اليقين.
اعتُبر الفيلم رسالة حب حارّة لوطن يعاني، ليس فقط لبنان بل كناية عن أوطان أخرى واجهت الحروب والأزمات، هذا البعد الإنساني العالمي هو ما يجعله مناسبًا لجمهور إدفا المتنوع، الباحث عن أفلام تتجاوز الجغرافيا لتلامس التجربة الإنسانية المشتركة.
وبالتأكيد "هل تحبني" ليس فيلمًا عن الماضي وإنما عن علاقتنا بالماضي، والسؤال الذي يطرحه العنوان "هل تحبني؟" يبقى معلقًا في الهواء بلا إجابة نهائية.