كيف تحوّل تهريب الوقود إلى أخطر عملية استنزاف في ليبيا؟
تاريخ النشر: 19th, November 2025 GMT
تتصاعد أزمة تهريب الوقود في ليبيا بعدما كشفت تقارير دولية عن شبكة منظمة توسعت خلال السنوات الأخيرة لتتحول إلى واحدة من أخطر عمليات الاستنزاف الاقتصادي في البلاد.
ونشر موقع "نيجريتسيا" تقريرا سلط فيه الضوء على الانفجار الخطير لعمليات تهريب الوقود في ليبيا، إذ يكشف أن البلاد خسرت نحو 20 مليار دولار بين 2022 و2024 نتيجة شبكة تهريب ضخمة يقودها كبار مسؤولي طرابلس وبنغازي.
وقال الموقع، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن عشرين مليون دولار تمّت سرقتها من خزائن الدولة خلال ثلاث سنوات، إذ يكشف تقرير "ذا سينتري" خفايا منظومة منظَّمة على مستوى عابر للحدود وفي توسّع مستمر، تموِّل – من بين جهات أخرى – المرتزقة الروس في أفريقيا وميليشيات قوات الدعم السريع (آر إس إف) في دارفور، وفي السياق نفسه، فإن نحو 20 مليار دولار في ثلاث سنوات فقط هو الثمن الذي دفعته ليبيا نتيجة عمليات التهريب الضخم للبنزين والديزل بين عامي 2022 و2024.
وأوضح الموقع أن منفّذو هذه العمليات لم يكونوا أشخاصًا عاديين، بل قادة البلاد أنفسهم، المسؤولون عن الموارد الوطنية، وبالتالي فهم مسؤولون عن الكيفية التي ينبغي أن تسهم بها هذه الموارد في تنمية البلاد ورفاهية المواطنين، فتكشف هذه القصة وما وراءها تحقيقٌ صحفي جُمعت نتائجه في تقرير «عملية داخلية: تصاعد تهريب الوقود في ليبيا» الصادر عن منظمة التحقيقات "ذا سينتري".
وأضاف أنه ليس تهريب الوقود أمرًا جديدًا، بل هو منذ زمن طويل أحد أكثر الأنشطة غير المشروعة استمرارًا في البلاد الواقعة بشمال أفريقيا. ومع ذلك، فإن اللافت في الأمر هو أن القيادات الليبية نفسها متورّطة فيه، إذ استغلّت – بالتواطؤ مع أطراف أجنبية – برنامجَ دعم الوقود لتحقيق مصالحها.
وذكر الموقع أن الفارق الهائل بين سعر الوقود الليبي – المدعوم بشكل كبير – وأسعار السوق يجعل من التهريب نشاطًا بالغ الربحية، فليبيا تمتلك في الواقع أحد أدنى أسعار الوقود في العالم بفضل برنامج دعم ضخم، حيث يقلّ سعر اللتر الواحد عن 0,03 دولار، لكن هذا الأمر، كما ذكرنا، أوجد نشاطًا واسعًا لتهريب الوقود. ففي عام 2024 وحده، جرى حرفيًا نهب ما يقارب 7 مليارات دولار – أي نحو 15% من إجمالي الإنفاق العام للبلاد.
ويكشف تقرير "ذا سينتري" أن من يقف وراء هذه العمليات هي عائلة حفتر في شرق ليبيا، وشخصيات نافذة مرتبطة بعائلة الدبيبة في غرب البلاد.
وقد لفت الموقع الي أن بعد نيجيريا، تُعدّ ليبيا – إلى جانب الجزائر – من أكبر منتجي النفط في العالم، فقد بلغت إنتاجية عام 2024 نحو 1.4 مليون برميل يوميًا، يُضاف إليها إنتاج الغاز، لكن هذه الثروة، بدل أن تنعكس على أوضاع الليبيين وأن تموِّل المستشفيات والمدارس والبنى التحتية، تحوّلت إلى أداة نفوذ وبضاعة للاستغلال بأيدي من يتحكمون تعسفيًا بالموارد.
ووفقًا للموقع، فإن الأموال الطائلة الناتجة عن عمليات التهريب لا تكتفي بتمويل دكتاتورية حفتر شرق البلاد والمجموعات المسلحة التي تتحرك في الغرب، بل إن العائدات المتأتية من الأنشطة غير المشروعة تُموّل كذلك – من بين جهات أخرى – وحدات عسكرية روسية في أفريقيا، و"قوات الدعم السريع" (آر إف إف) التابعة لحميدْتي في السودان.
فالتوسع الذي يشهده نظام أصبح منهجيًا ومنظَّمًا أصبح مُقلِق إذ جاء في التقرير: "نظرًا لحجمه، لم يعد بالإمكان وصف تهريب الوقود بأنه مجرد نتيجة جانبية لحوكمة ضعيفة. ففي عام 2021، تبنّى كبار المسؤولين الليبيين هذا النشاط فعليًا كجزء من استراتيجية أوسع وأكثر منهجية لنهب ثروات هائلة من الشعب".
ويضيف التقرير: "إن الكلبتوقراطيين وشبكات الجريمة المنظَّمة – الذين يعملون عن كثب مع مسؤولين فاسدين يمارسون نفوذًا على البيروقراطية الحكومية، ومحاور النقل، ونقاط التوزيع، والمسارات، والمعابر الحدودية – قد دبّروا زيادةً حادّة في صادرات الوقود المدعوم غير القانونية". وقد تم ذكر السودان، لكن الوجهات لا تقتصر عليه، فهي تشمل تشاد، النيجر، تونس، ألبانيا، مالطا، تركيا، وحتى إيطاليا.
روابط مع إيطاليا
وأكد الموقع أن في إيطاليا يصبح التهريب سهلا أيضًا عبر العلاقات مع المافيا، ففي العام الماضي، فكّكت الشرطة شبكة متهمة بإدخال ديزل – منخفض الجودة أيضًا – إلى إيطاليا وأوروبا بقيمة 30 مليون يورو، ثم بيعه بالسعر الرسمي.
وأحد الليبيين، الملقّب بـ "الزعيم"، والمرتبط بالمافيا الصقلية، كان يستخدم قوارب صغيرة لسرقة الوقود من مصفاة الزاوية، وهي مدينة ساحلية تقع على بُعد 40 كيلومترًا غرب طرابلس. وكان الوقود المسروق يُنقل بعد ذلك عبر قوارب صيد معدّلة خصيصًا إلى عرض سواحل مالطا، ثم يُنقَل إلى ناقلات نفط قبل وصوله إلى ميناء أوغوستا في جزيرة صقلية الإيطالية.
وأضاف الموقع أنه كان من بين الموقوفين في العملية رجل متهم بالانتماء إلى عشيرة مافيا سنتاباوْلا. والحقيقة أنّه لعدة سنوات، بعد اندلاع الحرب الأهلية في ليبيا، شارك وسطاء مقرّهم مالطا في تنسيق عمليات تهريب الوقود بين الميليشيات وأمراء الحرب الليبيين وبين الجريمة المنظمة الإيطالية.
وكانت هذه العمليات تستفيد من المياه الإقليمية والموانئ والبُنى التحتية المالطية. وفي عام 2016، كان تقرير طويل ودقيق أعدّه خبراء الأمم المتحدة قد وثّق بالفعل هذه الأنماط التشغيلية، والعلاقات بين منظمات إجرامية تعمل على المستوى الدولي، مشيرًا – من بين أمور أخرى – إلى أنّ السلطات المالطية كانت على علم ببعض تلك الأنشطة.
تداعيات على المصرف المركزي
وبحسب الموقع فإن التحقيقات الجديدة تُبرز أن تهريب الوقود في ليبيا تحوّل إلى أزمة وطنية خطيرة، مع تكلفة تُقدّر بحوالي 6.7 مليارات دولار سنويًا على البلاد، وعلى الرغم من ثبات إنتاج النفط والظروف الملائمة في السوق طوال عام 2023 ومعظم عام 2024، سجّل المصرف المركزي الليبي (سي بي إل) عجزًا كبيرًا في العملات الأجنبية للعامين المتتاليين.
إن برنامج دعم الوقود الضخم يقلّل من كمية النفط الخام التي يمكن لليبيا بيعها بالدولار، ما يحرم المصرف المركزي الليبي من العملة الصعبة اللازمة لشراء الغذاء والدواء وغيره من الواردات الأساسية. ويجب الأخذ في الاعتبار أن البلاد، رغم كونها منتجًا ومصدّرًا مهمًا للنفط الخام، تُضطر لاحقًا إلى استيراد المشتقات النفطية المكررة لتلبية احتياجاتها الداخلية، لأنها غير قادرة على تكريرها داخل ليبيا.
المؤسسة الوطنية للنفط… طرف مُضعَف
وأوضح الموقع أن تهريب الوقود لا يقتصر على حرمان المصرف المركزي الليبي من إيرادات حيوية بالدولار، بل ينسف أيضًا مكانة المؤسسة الوطنية للنفط (إن أو سي)، التي تمثّل صادراتها من الهيدروكربونات شبه كامل دخل ليبيا.
وقد تتجاوز المشكلة الجانب المالي؛ إذ تتعلق أيضًا بمصداقية واستقلالية هذه المؤسسة، التي كثيرًا ما تُتَّهم بممارسات غير منتظمة، وبمقايضة النفط الخام بوقود مكرّر وارد من الخارج، وبانعدام الشفافية – إن أردنا استخدام تعبير مخفّف – إضافة إلى تشويه بيانات الإنتاج.
ولفت الموقع إلى أن هذا الوضع قد سمح للمؤسسة الوطنية للنفط (إن أو سي) بزيادة وارداتها من الوقود من دون أي زيادة في الإنفاق العام المُعلَن. وكانت النتيجة أنه خلال ثلاث سنوات فقط، تضاعفت واردات ليبيا من الوقود أكثر من مرتين، لتصل مع نهاية عام 2024 إلى نحو 41 مليون لتر يوميًا.
وفي مطلع هذا العام، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط أنها ستضع حدًا لتلك «الاختلالات». لكن رغم ذلك، لا تزال كميات استيراد الوقود مرتفعة بشكل غير مبرَّر، فيما يظل التهريب واسع النطاق قائمًا دون أن يتراجع.
ويترأس المؤسسة الوطنية للنفط (إن أو سي) اليوم مسعود سليمان، الذي عُيّن مؤخرًا، لكن العشيرتين الرئيسيتين اللتين تتحكمان في ليبيا – بقيادة إبراهيم الدبيبة وصدام حفتر – تسعيان للسيطرة على المؤسسة الوطنية للنفط، بل إنهما يمارسان بالفعل نفوذًا واسعًا عليها.
دور صدام حفتر
وبحسب التقرير، فإن الجنرال صدام حفتر، نجل خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي وزعيم الشرق الليبي بحكم الأمر الواقع منذ عام 2017، هو القوة الدافعة الرئيسية وراء الارتفاع الهائل في تهريب الوقود، فقد أدّت هيمنته على المؤسسة الوطنية للنفط (إن أو سي) – وخصوصًا منذ عام 2022 – إضافةً إلى اندماج فصائله المسلحة بشكل متزايد وتوسّع قدراته البحرية، إلى تحويل نشاط كان مشتتًا في السابق إلى منظومة مُنظَّمة تعمل على نطاق صناعي.
وأضاف الموقع أن الهيمنة العسكرية لتحالف حفتر على معظم مناطق شرق ليبيا وأجزاء واسعة من الجنوب سهّلت تدفق كميات أكبر من الوقود نحو وجهات البحر المتوسط عبر البحر، ونحو أفريقيا جنوب الصحراء عبر الطرق البرية، وبالتالي، يقول معدّو التقرير، لقد جرى تسخير المؤسسة الوطنية للنفط (إن أو سي) لخدمة مصالح شخصيات نافذة وإضعافها، ومع غياب تدخّل دولي قوي يضمن محاسبة المسؤولين، سيواصل الفاعلون من داخل المؤسسة وخارجها تقويض الاستدامة الاقتصادية للبلاد.
استكشافات جديدة: تداعيات على الشركات الأجنبية
وأكد الموقع أن المديرة التنفيذية لمنظمة "ذا سينتري"، جوستينا غودزوفسكا توضح بشكل أعمق كيف تطوّر هذا النظام واشتدّ، كما تلفت الانتباه إلى تداعياته على شركات الطاقة الدولية. وتشير الباحثة، في مقال لها بمجلة فورين بوليسي، إلى أن شركات النفط العالمية تصطفّ اليوم للعودة إلى قطاع النفط الليبي.
وتُطلِق ليبيا حاليًا أول مناقصة لها للاستكشافات الجديدة وتطوير النفط منذ نحو عقدين، ويبدو أن هناك العديد من المهتمين من مختلف أنحاء العالم. غير أن هذا الواقع يصطدم بنظام الفساد المتجذّر الذي تحدّثنا عنه للتو، وهو ما ينبغي على قادة الدول الأوروبية والولايات المتحدة أخذه في الاعتبار قبل المضيّ قُدمًا في أي اتفاقيات.
وبحسب غودزوفسكا، يتعيّن على الشركات الأجنبية تقييم مدى استدامة مشاريعها قبل الحديث عن الصفقات، خصوصًا في ظل مخاطر الاضطرابات الاجتماعية وإمكانية اندلاع موجة جديدة من الحرب، وللبداية فقط، ترى الخبيرة أنه من الضروري ضمان استقلالية المؤسسة الوطنية للنفط (إن أو سي) وفرض الشفافية عليها.
واختتم الموقع تقريره بالتأكيد على أنه في هذه الأثناء، تُظهر البيانات أن النافذين الليبيين يزدادون ثراءً، ويموّلون حروبًا ومجازر – مثل ما يحدث في دارفور – بينما يجد المواطن الليبي نفسه كثيرًا في مواجهة نقص الوقود، وحتى عندما يجده يُجبر على دفع ما يصل إلى 40 ضعف التعرفة المدعومة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية ليبيا تهريب الوقود ليبيا الاقتصاد الليبي تهريب الوقود سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المؤسسة الوطنیة للنفط تهریب الوقود فی لیبیا المصرف المرکزی الموقع أن الوقود ا إن أو سی عام 2024 من بین
إقرأ أيضاً:
الخليج العربي للنفط تبحث مع NESR توسيع التعاون التقني لتعزيز الإنتاج والتحول الرقمي
الوطن|متابعات
ناقشت شركة الخليج العربي للنفط وشركة NESR للخدمات النفطية توسيع مجالات التعاون في عدد من القطاعات الفنية والخدمية بما في ذلك تقنيات التحول الرقمي والحفر الموجه وزيادة الإنتاج، وذلك خلال اجتماع عقد صباح الأحد بمكتب رئيس لجنة إدارة شركة الخليج المهندس محمد بن شتوان.
وتناول الاجتماع استعراض الأعمال والمشاريع التي تنفذها شركة الخليج العربي للنفط حالياً وإمكانية الاستفادة من خبرات وإمكانات شركة NESR البشرية والتقنية في دعم خطط الشركة لرفع الإنتاج وتحسين الأداء التشغيلي إضافة إلى مناقشة عدد من الجوانب المالية المرتبطة بالمشروعات المشتركة.
وأكد رئيس لجنة الإدارة على أهمية تشجيع الشركات المتخصصة ومنحها فرصاً متكافئة للمساهمة في تطوير القطاع النفطي، بما يتماشى مع أهداف شركة الخليج العربي للنفط في الارتقاء بالأداء وتحقيق الاستدامة.
من جانبها استعرضت شركة NESR لمحة عن نشاطاتها الإقليمية والدولية بما في ذلك أحدث التقنيات النفطية التي تطورها عبر مراكزها البحثية، مع التأكيد على إمكانية نقل هذه الخبرات إلى السوق المحلي بما يخدم مشاريع شركة الخليج العربي للنفط في مختلف المجالات الفنية.
الوسوم#شركة الخليج العربي للنفط المهندس محمد بن شتوان تقنيات التحول الرقمي شركة NESR للخدمات النفطية ليبيا