الجزيرة:
2025-11-19@16:59:07 GMT

هل تحبني؟.. سؤال بيروت الأبدي حيث الذاكرة فيلم وثائقي

تاريخ النشر: 19th, November 2025 GMT

هل تحبني؟.. سؤال بيروت الأبدي حيث الذاكرة فيلم وثائقي

أمستردام – التاسعة ونصف صباحا، الجو بارد والمطر اخترق حذائي الرياضي غير المقاوم للماء، لكني لن أعود لتغييره بل أمشي سريعا لمحطة القطار التي أمر منها فقط للساحل البحري، ومنه آخذ السفينة المجانية الصغيرة إلى الضفة الأخرى حيث سينما "العين" الجميلة.

أدخل القاعة في اللحظة الأخيرة، وسرعان ما يصل صوت بيروت قبل صورتها على الشاشة، فـ "هل تحبني" (Do You Love Me) للمخرجة اللبنانية لانا ضاهر يحمل معه حكايات وأصوات وصور لبنان مكثفة في عاصمتها التي تجمع شتاتها ثم تبعثره في أحيائها المتناقضة.

"هل تحبني" رحلة بصرية عاطفية (هل أسميها مقالة بصرية شاعرية؟!) عبر سبعة عقود من الذاكرة اللبنانية المبعثرة، مُجمَّعة من أكثر من ألفي قطعة أرشيفية، بينها أفلام سينمائية قديمة، برامج تلفزيونية، فيديوهات منزلية، صور فوتوغرافية، ونشرات أخبار، وبالتأكيد مع موسيقى وأغاني لبنانية كثيرة تحاول تركيبها على الصور خلال المشاهدة.

محظوظ أنا بالطبع أن أفهم الصوت العربي بينما يقرأ المشاهدون الترجمة التحتية للفيلم، لكنهم بالتأكيد يستمتعون مثلي بفسيفساء سينمائية تحكي قصة وطن عالق بين الحب واليأس.

في مهرجان إدفا الدولي للأفلام الوثائقية بأمستردام – للربط بثيمة الجنوب العالمي 

يحاول الفيلم منح الذاكرة الجماعية جسدًا بصريًا يمكن لمسه، تقول لانا ضاهر في حديثها لنا بعد الفيلم إن البداية كانت "من أرشيفي العائلي في فترة طفولتي ثم تحوّل إلى فيلم".

ما بدأ كبحث شخصي عن ذكريات طفولة ضائعة في بيروت تحوّل إلى مشروع استغرق ثمانية أعوام من العمل المضني، كما عبرت بعد اختتام العرض، وأضافت "ثمانية أعوام من التنقيب في الأرشيفات، ومشاهدة آلاف الساعات من اللقطات، واتخاذ قرارات مؤلمة حول ما يُستخدم وما يُستبعد".

وطن بلا كتاب تاريخ مدرسي

واحدة من أكثر الحقائق إيلامًا التي يكشفها الفيلم هي أن لبنان لا يملك سردًا تاريخيًا موحدًا لأبنائه.

وقالت لانا ضاهر بعد الفيلم: "ليس لدينا كتب تاريخ رسمية موحدة في التعليم اللبناني"؛ فالحرب الأهلية التي مزقت البلاد لخمسة عشر عامًا غائبة تقريبًا عن المناهج الدراسية، والذاكرة الجماعية مشظاة بين طوائف ومناطق وروايات متضاربة.

إعلان

يشرح فيلم ضاهر بإيجاز واقع بلد تتعدد فيه الهويات والذكريات ويتوسل بالشخصي خاصة مع غياب أرشيف وطني مركزي وفي ظل تجاهل رسمي للتاريخ القريب، ما يجعل اللبنانيون يعتمدون على ذكريات شخصية متناثرة وروايات عائلية لفهم ماضيهم.، وهذا ما يفعله الفيلم أيضا.

يحاول الفيلم إعادة تجميع هذه الشظايا، لتقديم تاريخ بصري جماعي يمكن للأجيال الجديدة أن تعود إليه، كمحاولة لكتابة التاريخ بالصورة لملئ الفراغ الذي تركته كتب المدارس

جمعت لانا من أكثر من مئة فيلم لبناني من الستينيات وما بعدها، مضيفة إليها مواد أرشيفية متنوعة، لتبني سردًا موازيًا لما عاشه اللبنانيون عبر العقود.

(لقطة من الفيلم)بيروت بعيون أهلها

لا يقدم الفيلم تاريخًا رسميًا من أعلى، بل يستكشف بيروت من الداخل، بعيون أهلها وأصواتهم.

نرى -في الفيلم- صحافيًا لبنانيًا يعود إلى منزله المدمّر بعد غارة إسرائيلية على بيروت، يتفحص الأنقاض بصمت، ونسمع سائق أجرة يروي بحماس حكاية برج من الهيكل الخرساني الشاهق الذي بقي مهجورًا منذ الحرب الأهلية، رمزًا حيًا لجرح لم يلتئم.

نتابع مرشدًا سياحيًا يصطحب زوارًا غربيين في جولة على معالم المدينة، في تباين ساخر بين فضول السائح وبرودة الواقع الذي يعيشه أهل البلد.

هذه القصص الصغيرة، اليومية، الشخصية، هي ما يمنح "هل تحبني" قوته الإنسانية× فالفيلم لا يتحدث عن الحروب كأحداث كبرى، بل عن أثرها على الناس العاديين، على بيوتهم وأحلامهم وحياتهم اليومية.

موسيقى تعبر الأجيال

للموسيقى دور محوري في الفيلم، وهو أمر مقصود تمامًا من المخرجة. تقول لانا ضاهر: "الموسيقى مهمة جدًا لنا كلبنانيين، وتلعب دورًا كبيرًا في حياتنا اليومية. لهذا كان لدي حس شخصي لاستخدامها، وحاولت خلطها بالتاريخ والأرشيف".

عنوان الفيلم نفسه مستوحى من أغنية شهيرة لعائلة بندلي اللبنانية صدرت عام 1978. لكن السؤال البسيط "هل تحبني؟" يكتسب في سياق الفيلم عمقًا يتجاوز بعده الرومانسي،  وربما هو سؤال موجّه للوطن نفسه، عن علاقة حب معقدة وعنيدة بين اللبنانيين وبيروت،

تشرح ضاهر اختياراتها الموسيقية: "اخترت أغاني تتجاوز الأجيال وتتقاطع مع الطبقات المختلفة، وحاولت دمجها في سرد الفيلم".

الحب في زمن الدمار

لا يكتفي "هل تحبني" بإثارة الحنين الرومانسي لبيروت الجميلة، بل يغوص في التناقضات العاطفية العميقة التي يعيشها اللبنانيون.

تصف المخرجة رؤيتها: "لا خلاصة في الفيلم، لكني أردت الغوص في المساحة الرمادية، بين الهدوء الذي يسبق العاصفة والضبابية والقلق المستمر".

هذه المساحة الرمادية هي ما يميز التجربة اللبنانية؛ أي العيش المستمر على حافة الأزمة، في حالة من الترقب الدائم بين لحظة فرح ولحظة انهيار.

الفيلم يرصد تلك اللحظات الفاصلة بين الانفراج واليأس، ويحلل حالة الانفصام الوجداني بين الرغبة في الهجرة بحثًا عن أمان، وبين العجز عن ترك الوطن والتخلي عن عشق متجذّر في النفوس.

يبرز الفيلم هشاشة مفهوم "الوطن" في بلد يمكن أن تنقلب أوضاعه بين ليلة وضحاها، وحتى البيت والأرض معرضان للضياع في أي لحظة.

لكنه في الوقت نفسه يصوّر بيروت كـ"عروس الشرق" الجميلة المليئة بالحياة رغم الندوب، من خلال عيون سكانها الذين يحبونها بإخلاص رغم كل شيء.

"هل تحبني" لـ لانا ضاهر، لا يكتفي بإثارة الحنين لبيروت، بل يغوص في التناقضات العميقة التي يعيشها اللبنانيون (الجزيرة)تأثير عميق على المشاهدين

الأثر العاطفي للفيلم على مشاهديه كان واضحًا منذ عروضه الأولى؛ أحد المشاهدين عبّر عن تجربته بعد انتهاءا العرض بقوله: "كنت أبكي لمدة ساعة، وإذا كان الفيلم أربع ساعات فربما كان ذلك سيعالجني"، وبالفعل فرؤية الذاكرة الجماعية معروضة على الشاشة تمنح نوعًا من التطهير العاطفي

إعلان

وصول "هل تحبني" إلى مهرجان إدفا يحمل أهمية خاصة، فهي منصة عالمية لأصوات لا تُسمع عادة في السينما التجارية، والفيلم حقق انطلاقة قوية عالميًا بعرضه الأول في مهرجان البندقية السينمائي (أيام البندقية 2025)، ثم جال في مهرجانات دولية مرموقة.

في مهرجان هامبورغ 2025، حصدت لانا ضاهر جائزة الفيلم السياسي من مؤسسة فريدريش إيبرت، حيث رأت لجنة التحكيم في الفيلم "فسيفساء من الذكريات" ترسم صورة شعرية لبيروت وكأنها عالقة في حلقة مفرغة من العنف وانعدام اليقين.

اعتُبر الفيلم رسالة حب حارّة لوطن يعاني، ليس فقط لبنان بل كناية عن أوطان أخرى واجهت الحروب والأزمات، هذا البعد الإنساني العالمي هو ما يجعله مناسبًا لجمهور إدفا المتنوع، الباحث عن أفلام تتجاوز الجغرافيا لتلامس التجربة الإنسانية المشتركة.

وبالتأكيد "هل تحبني" ليس فيلمًا عن الماضي وإنما عن علاقتنا بالماضي، والسؤال الذي يطرحه العنوان "هل تحبني؟" يبقى معلقًا في الهواء بلا إجابة نهائية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات فی مهرجان فی الفیلم

إقرأ أيضاً:

أحمد عبد الباسط يطرح سؤالًا بشأن مباراة منتخب مصر الودية أمام كاب فيردي

طرح الإعلامي أحمد عبدالباسط سؤالًا بشأن مباراة منتخب مصر الودية أمام كاب فيردي عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.


وكتب أحمد عبد الباسط عبر حسابه على فيسبوك:"ما هي توقعاتك لمباراة منتخب مصر الودية أمام كاب فيردي؟".


استقر الجهاز الفني لمنتخب مصر الأول لكرة القدم بقيادة حسام حسن، بالتنسيق مع اتحاد الكرة، على خوض مباراة ودية واحدة فقط أمام منتخب نيجيريا يوم 14 ديسمبر المقبل على استاد القاهرة، ضمن استعدادات الفراعنة لبطولة كأس الأمم الإفريقية 2026 في المغرب.

وجاء هذا القرار بعد دراسة جدول المباريات الدولية وحرص الجهاز الفني على تجهيز الفريق بشكل مناسب قبل انطلاق البطولة.

وسحبت قرعة كأس الأمم الإفريقية 2025 منتخب مصر في المجموعة الثانية إلى جانب منتخبات زيمبابوي، جنوب إفريقيا، وأنجولا. وتقام البطولة بمشاركة 24 منتخبًا للمرة الرابعة على التوالي، بعد زيادة العدد من 16 فريقًا ابتداءً من نسخة 2019.

تشكيل منتخب مصر المشارك في كأس العرب أمام الجزائر بالودية الثانيةمنتخب مصر يختتم معسكر الإمارات بمواجهة الرأس الأخضر الليلة طباعة شارك الإعلامي أحمد عبدالباسط مباراة منتخب مصر منتخب مصر الودية منتخب مصر كاب فيردي اتحاد الكرة

مقالات مشابهة

  • محمد علي رزق يسلط الضوء على فيلم وثائقي لـ شادي حبشي عن علي معلول
  • كيف دافع ترامب عن محمد بن سلمان بعد سؤال عن خاشقجي؟
  • سؤال برلماني حول سياسات دعم المشروعات الصغيرة وفرص تصديرها
  • مخرج لبنانيّ شهير يفارق الحياة.. أعماله خالدة في الذاكرة
  • لانا نسيبة تحضر حفل السفارة الألمانية بمناسبة يومها الوطني
  • أحمد عبد الباسط يطرح سؤالًا بشأن مباراة منتخب مصر الودية أمام كاب فيردي
  • لانا زياد درويش السطري الف مبارك
  • ضاهر: لاستكمال مشروع الأوتوستراد العربي فوراً
  • لماذا يفقد الشباب اليوم تركيزهم وينسون أكثر؟.. نصائح سهلة لاستعادة الذاكرة