جريدة الرؤية العمانية:
2025-11-19@20:34:35 GMT

همس وطني

تاريخ النشر: 19th, November 2025 GMT

همس وطني

علي بن سالم كفيتان

نستحضرُ اليوم مشهدًا آخر لاحتفالنا باليوم الوطني المجيد؛ فالإمام السيد أحمد بن سعيد البوسعيدي، أشغلته الأحداث التي تجري في عُمان، ولم يعد النوم يعرف طريقه إلى مآقي الإمام الذي يتجول في قلعة صحار، بينما تتساقط المدن الواحدة تلو الأخرى وتنغمس في الفوضى والصراع، وقد سأل نفسه مرارًا وتكرارًا: هل غابت دولة اليعاربة التي ذاد أئمتها- أمثال قيد الأرض وناصر بن مرشد- عن حياضها وطردوا الاستعمار ولاحقوه إلى غياهب أفريقيا؟

نعم.

. أفل نجم وأشرق آخر، هذه هي عُمان الولّادة؛ إذ عزم الإمام أحمد بن سعيد على تأسيس مجدٍ جديدٍ، وحشد كل أفكاره طوال الليل، وفي الصباح توشح بلباس الحرب ونزل إلى برزة القلعة، وأعلن عن نضال جديد لتوحيد عُمان وطرد الغزاة وإخماد سخيمة الفتن، التي باتت تنخر حواضر عُمان التاريخية: الرستاق ونزوى، وأعلن ابن سعيد عن دولة جديدة بزغت مع إشراق نهار العشرين من نوفمبر 1744.

حشَدَ الإمام وجهاء الساحل العُماني واستقطب خيرة علماء الداخل وأئمتها وخطب فيهم متوشحًا سيفه ورابطًا حصانه على مقربة من البرزة، حصل الإمام على ولاء الحاضرين ووعدوه بالنصرة؛ فأطلق جيشه ليستعيد المدينة تلو الأخرى، حتى سيطر على مسقط، وأعلن دولته التي ما تزال رايتها تُرفرف منذ 281 عامًا فوق القلاع والحصون وعلى صواري الاساطيل وبلاط ملوك الأرض.

حمل آل بوسعيد هَمَّ عُمان على عاتقهم، وانبروا للحفاظ على وحدتها؛ فهادنوا أممًا وحاربوا أخرى، وزاحموا إمبراطوريات الشرق والغرب بلواء أهل عُمان وبحنكة ودهاء أحفاد الإمام احمد بن سعيد، تحالفوا مع الأقوياء واوجدوا واقعًا عربيًا جديدًا ساحته المحيط، الذي لم ترهبهم أمواجه ولا الأمم التي تجري فيه بحثًا عن السيادة. أخذوا قسمتهم من فك الأسد، وقارعوا الكبار وأجلوهم من البصرة إلى ممباسا؛ لتعود العمائم السعيدية وهيبة العرب إلى العالم، ويستمتع الجميع لهدير أساطيل السلطان سعيد بن سلطان، الذي تتسابق الأمم القوية لتوقيع الاتفاقيات معه، وكسب ود الإمبراطور العربي الذي أخضع الشرق لسلطانه.

لم يكن السلطان سعيد بن سلطان مُهادنًا ولم يكن عنيفًا؛ بل متزنًا بين الامرين، كسب كل الأمم التي مدَّ عليها ملكه بالعدل والرخاء والاستقرار وبالرفاه؛  فخضعت له وآمنت به ومنحته ولاءَها المطلق.

توالى السلاطين وراية عُمان ترفرف في فضاءات واسعة، مرَّات تنحسر ومرات تتوسع، لكنها لم تخبُ أو تنكسر.. إنها ممارسة احترافية للحكم والسيادة وكسب القلوب والافئدة، بمد الرخاء والاستقرار، ووحدة عُمان من أقصاها إلى أقصاها.

وكان السلطان قابوس بن سعيد على محك كبير عندما تولى الحكم، إمَّا الاستمرار في الظلام او الذهاب إلى النور؛ فاختار وهج الشمس على عتمة الظلام، مواجهًا وبكل قوة واقعًا مريرًا تعلوه كل التحديات، وتندس تحته آلاف المؤامرات على وحدة عُمان واستقلاها، فناصر الثوار وعدَّل المسار وصالح الأخيار وألجم الأشرار.

وتستمر راية الدولة البوسعيدية عالية خفَّاقة؛ فبغياب القائد المؤسس، استلمها سلطان الخير ووجه الرضا والسماحة والقلب الرحيم السلطان هيثم بن طارق- أيده الله- حيث اخذ عهدًا على نفسه ان يُخلِّص عُمان من حبال الديون، وأن يعمل على تصحيح المسارات الاقتصادية؛ لبلوغ الغايات العظيمة وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على النفط، كما شَحَذَ هِمَم أبناء عُمان لإخراج أفضل ما عندهم من إبداع.

نعم كانت خمس سنوات صعبة، لكنها أوجدت استحقاقات مُهمة؛ أبرزها: المساواة والعدل في الوظيفة العامة، وحرمة المال العام، والشفافية، والمساءلة؛ فتوحيد الرواتب والمميزات أصبحت واقعًا، والتقاعد يحكمه سقفٌ واحد، وصندوق الحماية الاجتماعية يشمل الجميع، ويُوسِّع رداءه عامًا بعد آخر للفئات الضعيفة المتأثرة بتدافع الإصلاحات، فمن كبار السن الى الأطفال وصولًا لكل الفئات الأخرى بإذن الله تعالى.

حفظ الله عُمان، وحفظ شعبها العظيم، وحفظ جلالة السلطان المعظم.

وكل عام والجميع في خيرٍ وسلامٍ على أرض السلام.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: بن سعید

إقرأ أيضاً:

حيوا عُمان بيومها الوطني

حمد بن مبارك بن محمد المعشري

بمناسبة اليوم الوطني المجيد، أتشرف أن أرفع إلى المقام السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- أحر التهاني وأطيب التبريكات، سائلا الله جل جلاله أن يمد في عمر جلالته وأن يؤيده بنصره ويوفقه لمواصلة مسيرة النهضة المُتجددة. 

حيوا عمان بعيد يومها الأحرار … ما خيره ابن الإمام سيّدٌ مغوار

بعشرين نوفمبر تجلت عظمة … تجلى عمان عرشها الأخيار

سلطان أسس ملكها بسواعد … ومضى سعيد ابنه المغوار

قهر الغزاة من العداةِ وأبحرت… أساطيله يقهرنها الأشرار

مضت تقارع فلولهم حتى رست … على شاطي الأحرار والأخيار

فأنشأ بها السلطان مجد أكابر… وغدت عمان بما حوته فخار

من بعده تركي تربع عرشها … وكذاك فيصل حازها الأفخار

من بعده تيمور شيد حصنها … وسعيد من بعده مغوار

ثم أتى من بعده شاد العلى … قابوس باني نهضة وفخار

مضى وجاء بعده الشبل الذي … شد السواعد لمنهج المختار

سار على درب الهداة مشمر … سواعد عزمٍ جلها إصرار

هيثم تراه بالمهابة شامخاً… ما خيره شهمٌ ولا مغوار

جمع المهابة والشهامة عنوة … زان به عرش وزان فخار

ثمّ الصلاة على الرسول وآله … ما أشرقت فوق الدنا الأنوار

مقالات مشابهة

  • عُمان والعرس الوطني
  • الإمام أحمد بن سعيد.. مؤسس دولة ورائد نهضة
  • البوسعيد.. ورسوخ الدولة العمانية
  • من العرف إلى الدولة: «التدرج التاريخي لبناء السلطة في عُمان حتى قيام الدولة البوسعيدية»
  • جلالة السلطان يتلقّى التّهاني من قادة الدّول الشّقيقة والصّديقة
  • حكم إقامة المتاحف واشتمالها على التماثيل والانتفاع بالتعلم منها
  • حيوا عُمان بيومها الوطني
  • من الإمام إلى السلطان
  • 20 نوفمبر.. مسيرة عُمانية تسكننا حبًّا واعتزازًا