هل يمهّد قرار مجلس الأمن لغدٍ جديد لغزة أم يعيد إنتاج الوهم؟
تاريخ النشر: 19th, November 2025 GMT
علينا أن نناقش مسألة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2803 بشأن غزة من دون شعارات جوفاء، ومن دون توزيع آمال كاذبة، ومن دون تجاهل الواقع القائم على الأرض، ومن دون إنكار مقاومة محاصرة داخل الصناديق.
نحن جميعا في حالة تأرجح ما بين التشاؤم والرجاء. الوضع الحقيقي هو ما تعيشه الآن الأمهات والآباء الذين يحاولون حماية أطفالهم من البرد في الخيام التي غمرتها المياه في غزة.
ما نتيجة حرب غزة؟ من انتصر، ومن خسر، ومن خرج رابحا في النهاية؟
إنها حرب مدهشة للغاية، حطمت جميع المفاهيم والأطر التي يمكن أن تصف الوضع، وقلبتها رأسا على عقب. أعتقد أننا بحاجة إلى إعادة تعريف حالة البشرية، ووضع الأنظمة الحاكمة، والقيم الأخلاقية، وقواعد الإنسانية بعد هذه الحرب.
على سبيل المثال، يمكن الآن إصدار حكم يقول: "الذين وقفوا إلى جانب فلسطين في حرب غزة هم أناس أصحاب ضمير". وإذا نظرنا إلى الانتخابات في نيويورك، فإن الدافع الأكبر للناخبين الذين صوتوا لزهران ممداني كان دعمهم لفلسطين. إذن يمكن القول إن غزة أصبحت حجر زاوية يعيد تشكيل مسار السياسة.
أولئك الذين يتحدثون عن الانتصارات العظيمة التي تحققت، وأولئك الذين يقولون إنهم تعرضوا لهزائم فادحة، كلاهما على حق.
سيُقسم التاريخ من الآن فصاعدا إلى "ما قبل غزة"، و"ما بعد غزة". أليس هناك فرق كبير بين إسرائيل ما قبل حرب غزة، وإسرائيل ما بعدها؟
حتى الهوية الفلسطينية قد انتقلت إلى مكان مختلف تماما بعد حرب غزة. لذلك أقول إن حرب غزة قلبت الكثير من المفاهيم والتعريفات والتصورات في العالم. علينا أن نقرأ المسألة في ضوء المفاهيم الجديدة المتغيرة.
لا يمكن لأي من الطرفين، لا إسرائيل ولا فلسطين، أن يصوغ جملة من نوع "نحن سعداء بهذا القرار". ولا يستطيع أحد أن يعيش حياته في راحة وطمأنينة بناء على هذا القرار أيضا. لأن القرار مليء بالغموض، وقابل للتأويلات المختلفة، ويحوي بنى مرنة تتغير بحسب الظروف
أوقات صعبة على فلسطين، لكنها أيضا أوقات جيدةجمل افتتاحية رواية "قصة مدينتين" لتشارلز ديكنز شهيرة جدا. وعندما قرأتها لأول مرة، تساءلت بدهشة: كيف يمكن أن يكون هذا؟
لكن العالم بعد حرب غزة أصبح بالفعل كما وصفه ديكنز:
"كان أحسن الأزمان، وكان أسوأ الأزمان.
كان عصر الحكمة، وكان عصر الحماقة.
كان عهد الإيمان، وكان عهد الجحود.
كان زمن النور، وكان زمن الظلمة.
كان ربيع الأمل، وكان شتاء القنوط.
كان أمامنا كل شيء، ولم يكن أمامنا شيء.
كنا جميعا ماضين إلى الجنة مباشرة، وكنا جميعا ماضين إلى جهنم مباشرة".
إذا نظرت إلى الأعلام الفلسطينية المرفوعة في أنحاء العالم، والأعلام الإسرائيلية الملقاة على الأرض، فإن الخاسر في هذه الحرب هو إسرائيل. لكن إذا نظرت إلى الـ70 ألف مدني الذين استُشهدوا في غزة، وإلى المدينة التي دُمرت عن بكرة أبيها، فإن المنتصر ليس حركة حماس.
إنها حرب كانت هزيمة قصيرة المدى لفلسطين، لكنها نصر بعيد المدى. وهي حرب كانت مكسبا قصير المدى لإسرائيل، لكنها هزيمة كبرى على المدى البعيد.
أفهم المفارقة والتناقض اللذين تخلقهما هاتان الجملتان. لكن كما قال ديكنز، أحيانا يمكن أن يعيش الإنسان "ربيع الأمل وشتاء القنوط" في اللحظة ذاتها.
بالنظر إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2803 بشأن غزة، لا يمكن لأي من الطرفين، لا إسرائيل ولا فلسطين، أن يصوغ جملة من نوع "نحن سعداء بهذا القرار". ولا يستطيع أحد أن يعيش حياته في راحة وطمأنينة بناء على هذا القرار أيضا. لأن القرار مليء بالغموض، وقابل للتأويلات المختلفة، ويحوي بنى مرنة تتغير بحسب الظروف.
وفي بيئة قُتل فيها 70 ألف إنسان، فإن الولايات المتحدة، التي زودت إسرائيل بالسلاح وقدمت لها الحماية السياسية، أصبحت هي الضامن والمنفذ لهذا الاتفاق. كأن الذئب نُصب حارسا على الخراف.
لكن وفقا لهذا الاتفاق، فإن إسرائيل تخسر أيضا رفاهية احتلال غزة بالكامل، وطرد الفلسطينيين، وقتل الناس كما يحلو لها. قال أحد المسؤولين الإسرائيليين بأسى: "كنا نستطيع قتل 150 ألف فلسطيني في اليوم، لكننا فوتنا الفرصة". ولو أن إسرائيل قتلت 700 ألف فلسطيني بدلا من سبعين ألفا، فمن كان سيوقفها حقا؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات حرب غزة من دون
إقرأ أيضاً:
في قرار مجلس الأمن حول غزة
تنصّ المادة الأولى في ميثاق الأمم المتحدة، الذي جرى تبنّيه عند تأسيس المنظمة في عام 1945، على «المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها». كما تحرّم مادة الميثاق الثانية «التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة». فمن سمات زمننا الراهن، زمن الذروة في تبخيس القانون الدولي والطعن في مبادئه، أن القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي حول قطاع غزة، الذي جرى تبنيه مساء السابع عشر من الشهر الجاري ورقمه 2803، يشكل خرقاً فاقعاً للمبدأين المذكورين.
يبدأ القرار بالترحيب بما يسمى «الخطة الشاملة» الخاصة بغزة، أي خطة النقاط العشرين التي أعلنها دونالد ترامب في البيت الأبيض بحضور بنيامين نتنياهو يوم 29 سبتمبر/ أيلول الماضي، وهي ملحقة بالنص، بل «يثني» القرار «على الدول التي وقّعت عليها أو قبلتها أو أيّدتها». كما يرحّب بما يسمى «إعلان ترامب التاريخي من أجل السلام والازدهار الدائمين»، أي تلك الوثيقة الخاوية التي جرى التوقيع عليها في شرم الشيخ يوم 13 أكتوبر/ تشرين الأول بحضور الرئيس الأمريكي، بعد إلقائه خطاباً أمام الكنيست أشاد فيه بالدولة الصهيونية وبرئيس وزرائها، في احتفالين أسميناهما «مهرجان التملّق في الكنيست وشرم الشيخ»
وبعد هذه المقدمة غير المسبوقة في قرار دولي بمدحها لرئيس دولة عظمى بما يتماشى مع التملّق السائد إزاءه في العلاقات الدولية المعاصرة، يرحّب القرار بإنشاء ما يسمى «مجلس السلام» بصفته «إدارة انتقالية» لقطاع غزة «إلى أن تُتِمّ السلطة الفلسطينية برنامج إصلاحها على نحو مُرضٍ كما ورد في مقترحات مختلفة، بما فيها خطة السلام للرئيس ترامب لعام 2020»، وهي الخطة التي رفضتها كافة الأطراف الفلسطينية، بما فيها سلطة رام الله، ورفضتها جامعة الدول العربية. أي أن انتهاء الوصاية الدولية على القطاع وتسليمه للسلطة الفلسطينية مرهونان بتغيير السلطة بما يتناسب مع «خطة سلام» لم ترحّب بها سوى دولة الاحتلال. عندها، «وبعد تنفيذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية على نحوٍ أمين وتقدّم أعمال إعادة تطوير غزة، قد [may] تتوافر الشروط أخيراً لبلورة مسار موثوق نحو تقرير المصير وقيام دولة فلسطينية»، وهو اقتباس من خطة النقاط العشرين، التي سبق أن قلنا فيها إنها «تعترف بأنها لا تستند بصيغتها الراهنة إلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، بل تجعل من احترام هذا الحق احتمالاً ليس إلّا (قد)»
ثم «يأذن» القرار «للدول الأعضاء العاملة مع مجلس السلام وللمجلس ذاته بإنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة (ISF) في غزة تُنشر تحت قيادة موحّدة مقبولة لدى مجلس السلام، وتُسهم فيها قوات من الدول المشاركة، بالتشاور والتعاون الوثيقين مع جمهورية مصر العربية ودولة إسرائيل». أي أن القوة الدولية يجب أن تكون مقبولة للمجلس الذي سوف يترأسه دونالد ترامب ويضم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، بين أعضائه، بالتشاور مع دولة الاحتلال الخارقة للقانون الدولي ومقترفة الإبادة الجماعية.
ثم يتابع القرار: «تعمل القوة مع إسرائيل ومصر… ومع قوة شرطة فلسطينية جديدة مُدرَّبة ومُدقَّق في أفرادها، للمساعدة في تأمين المناطق الحدودية؛ واستقرار البيئة الأمنية في غزة عبر ضمان نزع السلاح في القطاع، بما يشمل تدمير البُنى التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية ومنع إعادة بنائها، وكذلك الإخراج الدائم للأسلحة من الخدمة من قبل الجماعات المسلحة من غير الدول». أي أن القوة الدولية المقبولة من إسرائيل والعاملة بالتعاون معها سوف تقوم بنزع السلاح في القطاع وتدمير الأنفاق بوصفها «البُنى التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية»، وهي لغة الدولة الصهيونية بالذات التي طالما وصمت حق المقاومة بالإرهاب.
ثم يضيف القرار: «ومع إحكام القوة سيطرتها وإرسائها الاستقرار، تنسحب قوات الجيش الإسرائيلي (IDF) من قطاع غزة وفق معايير ومحطات زمنية مرتبطة بعملية نزع السلاح، يتم الاتفاق عليها بين الـIDF وقوة الاستقرار والضامنين والولايات المتحدة، باستثناء وجود محيط أمني سيظل قائماً إلى حين تأمين غزة على نحوٍ كافٍ من أي تهديد إرهابي متجدد». أي أن القوات المحتلة لن تنسحب من القطاع سوى إذا كانت راضية عن نزع السلاح الفلسطيني الخارج عن سيطرتها وسيطرة القوة الدولية والذي ترى فيه سلاحاً «إرهابياً». كما لن تنسحب سوى «وفق معايير ومحطات زمنية» تتفق عليها دولة لاحتلال ذاتها مع الولايات المتحدة، أي الدولتان اللتان تعاونتا على اقتراف الإبادة الجماعية في قطاع غزة وتدميره بصورة شبه كاملة.
وحتى لو انسحب الجيش الصهيوني من مساحات إضافية في القطاع، فإنه سيظل محتفظاً بـ«محيط أمني» على طول حدود قطاع غزة إلى حين اقتناعه بأن غزة غدت آمنة «على نحوٍ كافٍ من أي تهديد إرهابي متجدد»، أي بتأجيل الأمر إلى أجل غير مسمى. والحال أن إسرائيل لا زالت تحتل الضفة الغربية التي اجتاحتها في عام 1967، قبل ما يناهز ستين عاماً، وتواصل قضم أرضها بتوسيع نطاق المستوطنات فيها بغية ضمّها رسميا في أول فرصة سانحة كما وعدتها به «خطة السلام للرئيس ترامب لعام 2020».
وأي اعتقاد بأن الدولة الصهيونية، في الأفق التاريخي المنظور، سوف تعيد الانسحاب من قطاع غزة الذي انسحبت منه في عام 2005 قبل أن تعيد اجتياحه قبل عامين إثر عملية «طوفان الأقصى»، أو أنها سوف تنسحب من الضفة الغربية، إنما هو ضربٌ من الوهم والخيال، ليس إلا.