◄ اعتماد 20 نوفمبر يومًا وطنيًا يؤكد الارتباط العميق بجذور الدولة البوسعيدية

◄ الإمام أحمد البوسعيدي شخصية محورية رائدة في التاريخ العُماني

◄ الأسرة البوسعيدية استمرت في مسيرة بناء الدولة الحديثة عبر مراحل تاريخية متكاملة ومتغيرة

◄ العلاقة بين العُمانيين والقيادة البوسعيدية تميزت بطابع فريد من الولاء المتبادل والتلاحم

 

 

مسقط- العُمانية

تُشكل لحظة تأسيس الدولة البوسعيدية على يد الإمام المؤسس السيد أحمد بن سعيد عام 1744م حدثًا مفصليًا وعلامةً فارقةً في التاريخ العُماني؛ إذ وضعت الأسس الأولى لوحدة البلاد، ورسمت ملامح السيادة الوطنية.

ومنذ ذلك الحين، ظلت الأسرة البوسعيدية حاضرةً في قيادة مسيرة الدولة، محافظةً على توازنها الداخلي، ومواجهةً لتحديات الخارج، مُكرسةً قيم الاستقرار والانفتاح، مواصلةً مسيرة البناء والتجديد.

ويؤكد اعتمادُ 20 نوفمبر يومًا وطنيًا في سلطنة عُمان الارتباطَ العميق بجذور الدولة البوسعيدية، حيث تستحضر عُمان ذاكرتها التاريخية لتجسد استمرارية النهج؛ فإرثُ التأسيس لم يكن لحظةً عابرةً، بل مشروعًا ممتدًا تتواصل دلالاته في حاضر النهضة المتجددة، بقيادة حضرةِ صاحبِ الجلالةِ السُلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظهُ الله ورعاه. وهو ما أشار إليه جلالتُه -أعزهُ اللهُ- في خطابه السامي بمناسبة الحادي عشر من يناير يوم تولي مقاليد الحكم في البلاد في يناير 2025؛ حيث قال: "إنهُ لمن دواعي سُرورِنا وتكريمًا لأسلافِنا من السلاطين واستحضارًا ليومٍ مجيدٍ من تاريخِ عُمان الحافلِ بالأيامِ المشرقةِ أن نُعْلِنَ في هذا المقام بأن يكونَ يومُ العشرينَ من نوفمبر من كل عامٍ يومًا وطنيا لسلطنةِ عُمان وهو اليومُ الذي تشرفتْ فيه الأسرةُ البوسعيدية بخدمةِ هذا الوطنِ العزيز منذُ العامِ (1744) على يدِ الإمامِ المؤسسِ السيد أحمدَ بنِ سعيدٍ البوسعيدي الذي وحدَ رايةَ الأمةِ العُمانيةِ وقادَ نضالَها وتضحياتِها الجليلةِ في سبيلِ السيادةِ الكاملةِ على أرضِ عُمان والحريةِ والكرامةِ لأبنائِها الكرام، وجاءَ من بعدِهِ سلاطينٌ عِظام حملوا رايَتَها بكلِ شجاعةٍ واِقتدار وأكملُوا مسيرَتَها الظافرة بكلِ عزمٍ وإصرار".

وقال الدكتور ناصر بن عبدالله الصقري أستاذ التاريخ الحديث المساعد بقسم التاريخ بجامعة السُلطان قابوس لوكالة الأنباء العُمانية إن حكم الإمام المؤسس السيد أحمد بن سعيد البوسعيدي أرسى جذور الدولة البوسعيدية ووضع أسس القيادة التي جعلت منه شخصية محورية في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وامتدت لتأسيس مفهوم السيادة الوطنية، الذي يظل حتى اليوم حجر الأساس لاستقلال القرار السياسي العُماني، كما يوضح إرثه كيف استطاعت الأسرة البوسعيدية المحافظة على استقرار الدولة عبر القرون، مع تعزيز الوحدة الوطنية، ليبقى مشروع الإمام المؤسس مرجعًا حيًا للجيل الجديد في فهم القيادة والاستراتيجية الوطنية.

وأضاف أن الإمام المؤسس السيد أسس جذور الدولة البوسعيدية بحزم وثبات، ليُرسي بذلك جذور دولة تاريخية حكمت عُمان حتى يومنا هذا ولم يكن ذلك بالأمر الهين في ظل تحديات داخلية وخارجية واجهته منذ تسلمه مقاليد الحكم في عُمان بتاريخ العشرين من نوفمبر من عام 1744م، ليصبح هذا اليوم يومًا وطنيًا لسلطنة عُمان تحتفل به في كل عام ويشكل علامة فارقة في مسيرة الدولة العُمانية، واستحضارًا لإحدى الصفحات المضيئة في تاريخها العريق. وأشار إلى أنه في الـ20 من نوفمبر 1744م تُستعاد ذكرى تأسيس الدولة البوسعيدية التي تمتد آثارها إلى حاضرٍ مجيدٍ تعيشه عُمان اليوم وحضارة مزدهرة، في ظل قيادة حكيمة يقودها حضرةُ صاحبِ الجلالةِ السُلطان هيثم بن طارق المُعظم -حفظهُ اللهُ ورعاهُ-، مستلهمةً من رصيد التاريخ قوةً تُعينها على رسم ملامح الحاضر وصناعة مستقبل واعد.

وتقول الدكتورة بهية بنت سعيد العذوبية الباحثة في التاريخ العُماني لوكالة الأنباء العُمانية إن الأسرة البوسعيدية استمرت في مسيرة بناء الدولة الحديثة عبر مراحل تاريخية متكاملة ومتغيرة، بدأت بتوطيد أسس الحكم والاستقرار في عهد الإمام السيد أحمد بن سعيد الذي أرسى دعائم الدولة البوسعيدية بتوليه الحكم عام 1744م، ثم تطورت وتوسعت لتشمل المجالات الاقتصادية والعسكرية والإدارية، وهذا بدوره أسهم في جعل عُمان قوة مؤثرة في المحيط الهندي وشرق أفريقيا.

وأضافت أن هذه المسيرة استمرت في التطور في عهد السلاطين اللاحقين وتحديدًا في عهد السيد سعيد بن سُلطان الذي بلغت فيه عُمان توسعًا كبيرًا في كافة المجالات داخليًا وإقليميًا، ثم لتبلغ ذروتها في العصر الحديث مع تولي السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- الحكم عام 1970م، حيث شهدت البلاد نهضة شاملة امتدت لتشمل كافة القطاعات من التعليم والصحة والبنية الأساسية إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما تميز عهده بتبني سياسة الحياد الإيجابي والدبلوماسية الهادئة التي مكنت عُمان من الاضطلاع بدور الوسيط الموثوق به في حل العديد من النزاعات الإقليمية والدولية، مما أكسبها احترامًا وتقديرًا عالميين.

وأكدت أنه خلال العهد الزاهر لحضرةِ صاحبِ الجلالةِ السلطان هيثم بن طارق المُعظم -حفظهُ اللهُ ورعاهُ- دخلت عُمان مرحلة جديدة من النهضة المتجددة منذ عام 2020م، تركزت على الإصلاح الإداري والاقتصادي العميق، وتحديث الجهاز الحكومي، وتفعيل "رؤية عُمان 2040" التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل بعيدًا عن الاعتماد على النفط، وتطوير قطاعات حيوية مثل السياحة واللوجستيات والتصنيع، بالإضافة إلى تمكين الشباب والاستثمار في رأس المال البشري.

وعن طبيعة العلاقة بين الشعب العُماني والقيادة البوسعيدية، وكيف ساعدت هذه العلاقة في تجاوز التحديات الوطنية تقول الدكتورة بهية بنت سعيد العذوبية الباحثة في التاريخ العُماني إن العلاقة بين الشعب العُماني والقيادة البوسعيدية تميزت بطابع فريد من الولاء المتبادل والتلاحم، وهي علاقة عميقة الجذور تاريخيًا واجتماعيًا، إذ تتجاوز مجرد العلاقة الرسمية بين الحاكم والمحكوم، وتستند إلى شرعية تاريخية متوارثة، عززها حرصُ القيادة على التواصل المباشر والمفتوح مع المواطنين عبر المجالس العامة واللقاءات الدورية للاستماع إلى همومهم وتطلعاتهم.

ويُشير الدكتور يونس بن جميل النعماني الباحث والكاتب في التاريخ لوكالة الأنباء العُمانية إلى أن الجغرافيا شكلت تحديًا بالنسبة لعُمان؛ فالبحر من أمامهم، والجبال والصحراء خلفهم، وبالتالي جاءت الاستجابة بركوب هذا البحر وسبر أغواره، فوصلت المراكب العُمانية عن طريقه إلى الصين وأرخبيل الملايو وإندونيسيا، وعلى مر التاريخ شكلوا أساطيل بحرية تزامنت فيه جوانب السفر والتجارة ونشر الإسلام فضلًا عن الجيوش البحرية. وأضاف أن الإمام السيد المؤسس أحمد بن سعيد استفاد من هذا الإرث التاريخي ومدى معرفة العُمانيين بالبحر، فعندما استلم الحكم كان حريصًا على إحياء الأسطول العُماني للذود عن حياض الوطن، سواءً من الخارج أو حتى الصراع الداخلي، فبالسيطرة على مسقط، استطاع الإمام أحمد بن سعيد فرض النفوذ العُماني على عُمان الساحل. وأشار إلى أن التجربة التي نستلهمها من تجربة الإمام المؤسس السيد تمثلت في الإصرار والعزيمة انطلاقًا من حب الوطن، فقد كان عصاميًا في حياته، استطاع بجهده أن يصل إلى منصب الوالي، كما أنه أول من أسس جيشًا نظاميًا لمحاربة المُعتدي، فضلًا عن أنه عمل تحديثات إدارية في القضاء والولاة والشرطة والقوة البحرية وغيرها.

وتؤكد الدكتورة حنان بنت محمود أحمد، الباحثة في الهُوية الثقافية العُمانية لوكالة الأنباء العُمانية أن الأيام والمناسبات الوطنية، تؤدي دورًا في تأصيل الهُوية الوطنية وترسيخ الانتماء والوحدة الوطنية لدى الشعوب، وتكمن أهمية الاحتفاء بالذاكرة الوطنية، بيوم وطني محدد، وإعادة إحياء واستحضار المشاهد التاريخية المختلفة، والرموز والشخصيات العُمانية الملهمة في تجديد العهد والحفاظ على منظومة العلاقة بين المواطن والوطن، والتعريف بمقومات الهُوية الوطنية التي تُشير في معناها إلى القواسم المشتركة التي تجمع أفراد شعبٍ مَا.

وأشارت إلى أن حضرةَ صاحبِ الجلالةِ السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظهُ اللهُ ورعاهُ- يواصل مسيرةَ العطاءِ على مسيرة السلف، أئمة وسلاطين عُمان نفسها؛ حيث أكد على أهمية تعاون أفراد المجتمع من أجل رفعة وإعلاء شأن البلاد، وكان جُل اهتمامه المواطن، والنشء السليم لأبناء وطنه، وشغلُه الشاغلُ التمسكَ بالعادات والتقاليد والسمت العُماني الأصيل، وبتراثِ سلطنة عُمان العريق، وأمجادِها التليدةِ، والسعي لبناء الإنسان العُماني، وتدريبه للقيام بدوره كشريك في صياغة وتنفيذ رؤية "عُمان 2040"، وتحقيق حياةٍ أفضلَ في كافة المجالات، وبما يُتيح للمواطن القدرة على المشاركة البناءة، والمستمرة في إعلاء راية الوطن، وتحقيق مزيد من التقدم، والاستقرار.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عُمان.. طبقات من التاريخ تتقدم معنا

عباس المسكري

 

على امتداد هذا الوطن، تبدو السنين وكأنها طبقات من المعنى أكثر مما هي تواريخ جامدة، فالعلاقة بين العُماني وأرضه ليست علاقة انتماء طارئ أو تشكّل سياسي حديث؛ بل هي امتداد طويل لتجربة بشرية تراكمت فيها الحكمة، وتكوّنت فيها ملامح دولةٍ استطاعت عبر الزمن أن تحفظ لنفسها هويتها ونسقها الخاص، وعندما نتوقف اليوم عند مرور 281 عامًا على تأسيس الدولة البوسعيدية، فإننا لا نفعل ذلك من باب الاحتفاء بسنة مضت؛ بل لأن هذا التاريخ يمثل لحظة مفصلية أعادت تنظيم الوعي الوطني، ورسمت الإطار الذي ستتشكّل داخله الدولة العُمانية الحديثة لاحقًا.

لقد جاءت الدولة البوسعيدية في منتصف القرن الثامن عشر استجابة لضرورة تاريخية، ضرورة إعادة بناء المركز السياسي، وترميم ما تفتته الصراعات، واستعادة الدور الذي لعبته عُمان في محيطها الطبيعي، لم تكن تلك مجرد مرحلة حكم جديدة؛ بل كانت إعادة تثبيت لفكرة الدولة ذات الامتداد، إذ أعادت رسم العلاقة بين العُمانيين وأرضهم، ورسّخت نمطًا من السياسة يقوم على التوازن والعقلانية والانفتاح المحسوب، وما زالت كثير من ملامح تلك البدايات حاضرة في الشخصية السياسية لعُمان اليوم.

ثم جاء فجر عام 1970 ليمنح الدولة العُمانية نقلةً لم تعرف البلاد مثيلًا لها في تاريخها الحديث، ففي عهد السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- لم تكن النهضة مجرد مسار تنموي أو تحديث إداري؛ بل كانت إعادة صياغة شاملة لأسس الدولة والمجتمع، فقد انطلقت عُمان من وضعٍ شديد التحدي نحو دولة مؤسسات مكتملة الأركان، تُبنى فيها الطرق والموانئ والمستشفيات والمدارس بوتيرة غير مسبوقة، وتُعاد فيها قراءة دور الإنسان العُماني بوصفه المحرك الأول للتغيير.

كانت تلك الحقبة انتقالًا جذريًا من مرحلة ما قبل الدولة الحديثة إلى دولة ذات حضور إقليمي ودولي مؤثر، تُدار بعقلانية سياسية وتوازن دبلوماسي نادر، وقد استطاع السلطان قابوس أن يُقيم نموذجًا تنمويًا يستوعب الحداثة دون أن يفقد الهوية، ويُشيد بنية تحتية ومعرفية واقتصادية أصبحت الأساس الذي تقف عليه عُمان اليوم، إنها نقلة لم تكن تنمية فقط؛ بل كانت تأسيسًا جديدًا لعُمان المعاصرة.

واليوم، في عهد النهضة المتجددة تحت قيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- تبدو عُمان وكأنها تُعيد قراءة تاريخها الطويل لتُعيد ضبط إيقاع حركتها نحو المستقبل، فالتحديث الذي تشهده البلاد ليس قطيعة مع ما سبق؛ بل هو امتداد واعٍٍ له، يقوم على مراجعة البُنى، وإعادة ترتيب الأولويات، وتهيئة الدولة لمرحلة اقتصادية وإدارية مختلفة، تتسع للتحوّلات العالمية وتتكيّف معها ، إنها حقبة تسعى فيها عُمان إلى أن تحتفظ بثباتها الداخلي، بينما تنفتح على آفاقٍ اقتصادية وتكنولوجية جديدة، دون أن تفقد نبرة التوازن التي عُرفت بها.

ليس الوطن فكرةً مجرّدة؛ بل هو تاريخ يتراكم، وتجربة تُصاغ على مهل، ووعيٌ جماعي يتشكّل عبر الأجيال، وعُمان بما تحمله من عمقٍ حضاري يمتد لآلاف السنين، تُعلّمنا أن الدولة ليست مجرد نظام سياسي؛ بل هي سياقٌ طويل من القيم والممارسات والمعاني التي تتجدد مع كل حقبة، ولا تنفصل يومًا عن جذورها.

وفي هذا السياق الزمني العريض الذي يبدأ من حضارات قديمة ويمتد حتى الدولة البوسعيدية والنهضتين المتعاقبتين، تبدو عُمان كأنها تسير بثقة في طريقٍ تعرفه، طريق لا يلغيه الزمن؛ بل يزيده رسوخًا، ولهذا فإنَّ الاحتفاء بمرور 281 عامًا على تأسيس الدولة البوسعيدية ليس وقوفًا عند الماضي؛ بل هو قراءة لطبقة أخرى من طبقات الدولة، طبقة ساهمت في تشكيل حاضرٍ ما زلنا نكتبه، ومستقبلٍ نقترب منه بثبات وإيمان بأنَّ الوطن أكبر من سنة تُذكر، وأعمق من تاريخٍ يُحتفى به، لأنه باختصار، وطنٌ يتقدّم معنا، ولا يتوقف عند زمنٍ واحدٍ.

مقالات مشابهة

  • عُمان.. طبقات من التاريخ تتقدم معنا
  • الإمام أحمد بن سعيد.. مؤسس دولة ورائد نهضة
  • المجتمع العُماني ودوره عبر التاريخ في الحـفاظ على الهوية الوطنية
  • من العرف إلى الدولة: «التدرج التاريخي لبناء السلطة في عُمان حتى قيام الدولة البوسعيدية»
  • شرطة عُمان السلطانية.. حُماة الحق وركيزة استراتيجية في مسيرة النهضة المتجددة
  • رئيس الدولة: نهج الإمارات راسخ في بناء الشراكات التنموية لتحقيق التنمية والازدهار للجميع
  • اليوم الوطني .. التحول التاريخي للدولة البوسعيدية
  • الدولة البوسعيدية.. من مجد التاريخ المتألق إلى عهد النهوض المُتجدد
  • كيف بدأت الدولة البوسعيدية العظيمة؟!