«المشكل» فى المدنية والحداثة
تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT
غمرتنى السعادة البالغة جداً خلال استضافة مؤسسة الوفد الإعلامية للمفكر الكبير عبدالجواد يسن، فى ندوة حوارية رائعة، بمشاركة عدد من أصحاب الفكر والرأى، وتم تناول العديد من القضايا المهمة حول الدولة الوطنية المدنية، وفى هذه الندوة تم التركيز الشديد على نشأة الدولة المدنية، وتفكيك الخطاب الأصولى، الذى يعد عدواً لدوداً لفكرة الحداثة والدولة المدنية.
كما أن الدستور الحالى «2014»، تضمن مواد انفعالية كثيرة، قد يكون السبب فيها هو الحالة الثورية التى شهدتها البلاد بعد ثورة 30 يونيو. ولا يخفى على أحد أن فكرة الأصولية- السلفية، كانت ضمن الذين أعدوا هذا الدستور، وبالتالى فإن تفكيك الفكر الأصولى بات معطلاً، والحقيقة الغائبة لدى الكثيرين هى أن الفكر الأصولى واحد سواء كان عند السلفيين أو جماعة الإخوان أو الجماعة الإسلامية أو أية جماعات أخرى. وبالتالى فإن فكرة الأصولية تضم كل التيارات بلا استثناء، وستظل عائقاً كبيراً أمام فكرة المدنية والحداثة والليبرالية.
ويظل «المشكل» كما يرى المفكر الكبير عبدالجواد يسن يحتاج إلى ثلاثة أمور بالغة الأهمية وهى دور الوعى الجمعى لدى الجميع بأهمية المدنية والحداثة، ودور الدولة فى أهمية الخروج من نفق الأصولية المظلم، ودور المفكرين أنفسهم، وفى هذا الإطار لا بد من تغيير شامل لمناهج التعليم المعمول بها حالياً التى تكرس لفكرة الأصولية، إضافة إلى أهمية استغلال الفن فى تفكيك الفكر الأصولى الذى لا علاقة له بالأديان السماوية، لأن العلاقة بين المرء وربه علاقة فردية ولا تحتاج إلى أى نوع من الكهنوت الدينى، لأنه مع عظيم الأسف الكل يسبح فى فلك تاريخ الأديان، وليست الأديان ذاتها.
ويظل «المشكل» المهم فى هذه الأزمة أمراً قائماً يحتاج إلى الكثير من الأدوات حتى تنجح فكرة المدنية والحداثة والمواطنة، وضرورة التخلى تماماً عن الفكر الأصولى الذى يقف بالمرصاد للمواطنين والحداثة ويمنعها بشتى الطرق والوسائل، حتى يظل الجميع أسرى الأصولية بشكل مخيف ومدمر للمدنية والتطور الذى هو الأساس منذ نشأة الخليقة حتى الآن. فالمجتمعات فى الأصل قائمة على التطور والتحديث لصالح البشر فى المقام الأول، وهو ما يتنافى تماماً مع فكر الأصولية الذى يسبح فى التراث وتاريخ الأديان وسطوة الكهنوت الدينى.
أكرر شكرى للمفكر الكبير عبدالجواد يسن الذى سعدت به مؤسسة الوفد الإعلامية فى ندوة فكرية من أروع ما شهدت المؤسسة على مدار تاريخها الليبرالى الذى يهتم بالمدنية والحداثة والمواطنة، وأقدم الشكر أيضاً للزميل مصطفى عبيد رئيس التحرير التنفيذى الذى كان وراء استضافة المفكر الكبير، وإدارته الرائعة للندوة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مؤسسة الوفد الإعلامية
إقرأ أيضاً:
الإخوان من واشنطن إلى السودان
«حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ»؛ أمريكا تحاصر الجماعة المحظورة من واشنطن إلى السودان؛ قرارات تنفيذية من ولاية تكساس، ومن البيت الأبيض وتشريعية من الكونجرس، بحظر الجماعة السوداء وإدراجها على قوائم الإرهاب. والكونجرس الأمريكى يستعد لتصنيف الإخوان «منظمة إرهابية عالمية» بما يعنى تعاطيا عالميا مختلفا مع الجماعة خاصة من الدول التى مثلت ملاجئ وحاضنات لقيادات الجماعة وعناصرها وأموالها.
«فتش عن المرأة» هى مقولة شهيرة منسوبة للإمبراطور الفرنسى نابليون بونابرت، وفى منطقتنا «فتش عن الجماعة المحظورة» خلف كل حالة من حالات عدم الاستقرار فى ليبيا، سوريا، والسودان. حتى إن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى مقترحه وخارطة طريقه لإنقاذ الوضع فى السودان وضع بنداً رئيسياً؛ عنوانه العريض «لا لعناصر النظام القديم والإخوان»، بما يعنى إقصاء كاملا للإخوان من الجيش، والأجهزة الأمنية، ومفاصل الدولة، والاقتصاد الموازى الذى ظلّوا يتحكمون فيه منذ 30 عامًا. كبداية طريق لإصلاح المسار فى السودان.
سبق ذلك إعلان المملكة الأردنية الهاشمية فى إبريل 2025، حظر كل أنشطة الجماعة فى المملكة وإغلاق مقارها ومصادرة ممتلكاتها، وذلك بعد أن تم الكشف عن شبكة تخريبية اشتبه فى ارتباطها بالجماعة عملت على تصنيع صواريخ وطائرات مسيرة بهدف تهديد الاستقرار الداخلى للأردن الشقيق، إلى الجانب النهج المعتاد للجماعة القائم على بث الفتنة والشائعات داخل المجتمع، ولم لا؟ فهى جماعة تقتات وتعيش على الفتن والاضطرابات، وتتغذى على الانقسام وعدم الاستقرار.
ولكى نفهم أكثر معا عزيزى القارئ تبعات هذا القرار الأمريكى تجاه هذه الجماعة العنكبوتية، دعنا نأخذ السودان نموذجاً؛ موارد الإخوان فى السودان لا تعتمد فقط على الرواتب الحكومية، بل على شبكة مصالح مالية واسعة امتدت داخل مؤسسات الدولة وخارجها. فقد هيمنوا لسنوات على شركات فى قطاعات الأمن والجيش التى تضم أنشطة ضخمة فى مجالات المعادن والذهب والاستيراد والتوزيع والخدمات اللوجستية، كما رسّخت الحركة منذ التسعينيات إمبراطورية اقتصادية عبر مؤسسات التمويل الإسلامى وشركات الواجهات التجارية التى تحصّل عبرها موارد ضخمة. هذه الموارد كانت تستخدم في: تحريك الميليشيات، تمويل الولاءات، شراء النفوذ داخل الجيش، بناء شبكات أمنية موازية. بالتالى أى مسار يُقصى الإخوان من الأجهزة العسكرية والأمنية سيحرمهم مباشرة من الجزء الأكبر من هذه العوائد.
نحن بصدد ضربات مالية وتنظيمية جديدة قد تحرم الجماعة من مليار دولار سنويا، بعد الضربة الكبرى التى وجهها المصريون للجماعة فى ثورة 30 يونيو 2013، فالقرارات الأمريكية وما قد يستتبعها من مراجعات أوروبية فى ضوء التوجهات الأمريكية، تهدد وتستهدف واحدة من أهم شبكات التمويل التى تعتمد عليها الجماعة، والتى تقدر -فعليا- بما يقارب مليار دولار سنويا بما يعنى تحولا فى المناخ السياسى والأمنى تجاه الإخوان على مستوى العالم. أخيرا انتبه العالم وتأكد من صدق الرؤية والسردية المصرية من أن الجماعة التى تأسست فى عام 1928 فى مصر، على يد حسن البنا. هى أصل كل الشرور، ومصدر كل تطرف، فالجماعة مثلت الأساس الفكرى الذى انطلقت منه الجماعات المتطرفة وعلى رأسها القاعدة وداعش، وقادة وعناصر هذه الجماعات كانوا أعضاء فى الإخوان المسلمين، حتى وإن حاولت المحظورة أن تقدم نفسها كوجه معتدل للإسلام السياسي، إلا أن الخطاب المتطرف والمضلل لها هو الذى أسهم فى تغذية التطرف عربيا وغربيا.