منذ العصور القديمة الأولى وكان للطبيب مكانة خاصة في المجتمعات، وذلك لما لديه من قدرة بشرية حباها الله له في تخفيف معاناة الناس وأوجاعهم ،وكلما تقدمت العصور تطورت معه جودة الحياة وزاد معه التقدم العلمي للطب والتقنيات المستخدمة فيه ، حتى بلغنا عصر الذكاء الاصطناعي الذي سيكون له الأثر الكبير بعد توفيق الله في تخفيف المعاناة ، فقد كان الناس يعتمدون على العلاج من خلال الأعشاب الطبية وهذا مايسمى بالطب البديل ،
و في عصرنا الحاضر تطور الطب وأصبحت الأدوية من خلال التفاعلات الكيمائية ، وتجرى العمليات الجراحية من خلال الأجهزة والتقنيات الحديثة، وخرجت الآلاف من الأبحاث والدراسات الطبية لعلاج الحالات المستعصية وغير المستعصية، وتمكن الآلاف من الأطباء من إتقان العمل والحذاقة في الطب، وهذا كله من نعم الله عزوجل على البشرية حيث قللت من انتشار الأمراض والوفيات وخففت من معاناة الناس الذين كانوا فيما مضى يفقدون حياتهم بسبب أمراض بسيطة لعدم توافر الدواء والمعالج الحاذق.
ورسالتي إلى ذلك الطبيب الذي وهب نفسه لخدمة المرضى المحتاجين وتفانيه في كشف الضر عنهم وكان لهم بعد توفيق الله بلسماً لجراحهم ودواء لأمراضهم ، أقول له رفقًا بالمرضى، الإنسان قد يصبر على الجوع أو نقص العلم أو كماليات الحياة ولكن لايستطيع الصبر على فقد الصحة ، تقض به مضجعه وتنهك جسده وقد يفقد الأمل بمايصيبه ، فالمرض سنة كونية بشرية وتختلف الأمراض والأوجاع ، والله عز وجل يسخر الدواء والأطباء لتخفيف معاناة الناس على هذه الأرض ، المريض يحتاج مع الدواء تنشيط الدافعية النفسية بالكلمة الطيبة وهي صدقة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فالإنسان مجبول على حب الحياة ويتعلق بها ويصارع لأجلها ويعمر الأرض وهي من سنن الله الكونية ،
وعندما يصيبه البأس ويشتد به يريد أن يسمع الكلمة الطبية من المعالج والقريب التي ترفع همته، فالعامل النفسي أثره كبير على استقرار الحالة ، لانقبر الناس وهم أحياء يجب أن تكون رسالتنا سامية مع المرضى ونرفع التفاؤل لديهم وأن الله قادر على كل شيء، ومشيئة الله فوق كل علم ومشيئة ، لانحبط المريض ونوصل له رسالة بأن حالتك قد تضاعفت وقد تؤدي إلى عواقب وخيمة فيتأثر ذلك الضعيف وينعكس على نفسه وأهل بيته ،
فالرسالة الإنسانية والابتسامة والتفاؤل ولين الجانب والاطمئنان يجب أن يكونوا حاضرين عند التحدث مع المريض ، الله عزوجل لم يخلق البشر ليجعلهم بائسين وقد يبتلي بعضهم لحكمة عنده ويشفي الكثير ، كم من سقيم عاش حيناً من الدهر وسنوات طوال وقد قيل له إن حياتك قصيرة ، الآجال بيد الله أولاً وآخراً، قال الله تعالى (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ، المريض الملازم للفراش إذا أنهكه المرض وأخذ منه مأخذه يكون مثل الطفل يريد من يراعيه ويرفق به ويضع يده على رأسه ويشعره بالحنان والأمان ويتلمس مشاعره ويقدم له الخدمة وأن يكونوا أهله ومن يحب بجانبه ، يريد من يذكره بالله،
والقصص الملهمة لأناس قد أصابهم البأس ومنَّ الله عليهم بالشفاء ، يريد من يحنو عليه ويلاطفه ويكون هو محل اهتمامه ، ينتابه الحزن بين حين وآخر ويصيبه العجز ،ولكنه يقوى وينشط بمن حوله وخاصة عند رفع الفأل لديه والدافعية الإلهامية، يريد من يستمع إلى شكواه وينزل على قلبه الاطمئنان ، ونحن على يقين أن رسالتنا هذه سوف تجد آذاناً صاغية .
وختاماً نسأل الله أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين وأن يكتب لهم الأجر ، وأقول لكل مريض قد ابتلاه الله بالمرض عليك بالصبر فإن مع العسر يسراً سنة كونية ربانية ولاتجزع ولاتقنط من رحمة الله، ففرج الله قادم فعلق قلبك به واستخدم السلاح القوي ذو التأثير العالي والحاني وهو الدعاء وستحمد العاقبة .
وأرى بشاراتِ الرحيمِ قريبةً
إنَّ الشّدائدَ بعدَهنّ رخاءُ
فغداً سيرتحلُ الظلامُ وينجَلي
ويَشِعُّ مِن بينِ الضُّلوعِ ضياءُ
واللهِ لنْ أخشَى الحَياةَ وضِيقَها
ما دام لي فوقَ السماءِ رجاءُ
ما بينَ آمالي إلى تحقِيقِها
صِدقُ اليقينِ وسجْدةٌ ودُعاءُ
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: یرید من
إقرأ أيضاً:
الأزهر للفتوى يوضح آداب وأحكام سورة الحُجُرات
أوضح مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، آداب وأحكام سورة الحُجُرات وهي سورة مدنية، وآياتها ثماني عشرة، ونزلت بعد سورة «المجادلة»، وموقعها في الجزء السادس والعشرين من المصحف الشريف بعد سورة الفتح.
وأضاف الأزهر للفتوى أنها تُسمَّى بسورة الآداب؛ لما اشتملت عليه من توجيهات ربَّانية للعباد، فيما يتعلق بالتعامل مع الخالق عز وجل، ومع نبيه الكريم ﷺ، ومع الناس بعضهم تجاه بعض.
وبين الأزهر للفتوى أن ورد في أسباب نزول آيات هذه السورة آثار كثيرة، تبين في مجموعها أن هذه السورة العظيمة نزلت لتضبط عددًا من المفاهيم المجتمعية، وتقوي وازع القيم والأخلاق، وترقي معاملة الناس فيما بينهم، منها على سبيل المثال قول عبد الله بن أبي مليكة كَادَ الخَيِّرَانِ أنْ يَهْلِكَا أبو بَكْرٍ وعُمَرُ، لَمَّا قَدِمَ علَى النبيِّ ﷺ وفْدُ بَنِي تَمِيمٍ، أشَارَ أحَدُهُما بالأقْرَعِ بنِ حَابِسٍ التَّمِيمِيِّ الحَنْظَلِيِّ أخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وأَشَارَ الآخَرُ بغَيْرِهِ، فَقالَ أبو بَكْرٍ لِعُمَرَ: إنَّما أرَدْتَ خِلَافِي، فَقالَ عُمَرُ: ما أرَدْتُ خِلَافَكَ، فَارْتَفَعَتْ أصْوَاتُهُما عِنْدَ النبيِّ ﷺ، فَنَزَلَتْ: {يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبيِّ} [الحجرات: 2]. [أخرجه البخاري]
وأشار الأزهر للفتوى أن مناسبتها لآخر ما قبلها؛ أن الله تعالى ذكر في آخر سورة الفتح وصف المؤمنين ووعدهم بالمغفرة والأجر العظيم في قوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29]؛ فجاءت سورة الحجرات بتوجيهات معاملاتية تحفظ إيمان هؤلاء المؤمنين، وتدعوهم إلى التأدب مع الله ورسوله والمؤمنين فيزيد إيمانهم ولا ينقص.
وأوضح الأزهر للفتوى أن جاء فيها النداء بوصف الإِيمان خمس مراتٍ، وفي كل نداء إرشادٌ إلى مكرمة من المكارم وفضيلة من الفضائل.
- أوجب النداء الأول طاعة الله والتسليم لأمره، في قوله سبحانه: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ ..}. [الحجرات: 1]
- دعا النداء الثاني إلى تعظيم سيدنا رسول الله ﷺ، وعدم تقديم قول على قوله وشرعه، في قوله سبحانه: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي ..}. [الحجرات: 2]
- في النداء الثالث أمر بالتثبت من الأخبار، والابتعاد عن إثارة الشائعات، في قوله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فتبينوا ..}. [الحجرات: 6]
- في النداء الرابع نهي عن السخرية من الناس، والاستهزاء بهم، والتنمر ضدهم، في قوله سبحانه: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عسى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ ..}. [الحجرات: 11]
- في النداء الخامس نهي عن التجسس، والغيبة وسوء الظن، واتباع العوارت، في قوله سبحانه: {يا أيها الذين آمَنُواْ اجتنبوا كَثِيراً مِّنَ الظن ..}. [الحجرات: 12]
▪️حثَّت السورة على تقوية رابطة الأخوة بين المسلمين، وإصلاح ذات بينهم.
▪️أكَّدت السورة أنَّ تعارف الناس وتعاونهم على الخير غاية من غايات خلقهم، وأن معيار الأفضلية بينهم معيار إلهي هو التقوى والعمل الصالح؛ حتى يتنافس الناس في الدين لا في الدنيا.