اليمن والعرب وتأكّل صورة الردع الأميركي
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
يمانيون – متابعات
هل وصلت المعادلة التي كانت قد وضعتها الولايات المتحدة من خلال اتفاقيات أبراهام إلى طريق مسدود في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وهل أصبحت بحاجة إلى تعديلات لخطواتها السياسية بعد طوفان الأقصى؟
استعجلت الولايات المتحدة ربط الدول العربية بعلاقات ومشاريع أميركية، وهي عبارة عن مجموعة اتفاقات ومشاريع تصبّ جميعها في مصلحة التطبيع مع “إسرائيل”.
أما في أيلول/سبتمبر2023 فلقد تمّ الإعلان عن الممر الاقتصادي الدي يربط الهند بالسعودية والإمارات بالاتحاد الأوروبي في قمة العشرين في الهند، وهو مشروع لإنشاء طرق لنقل البضائع والطاقة الجديدة. جميع هذه المشاريع تصبّ في مصلحة “الكيان الصهيوني” وترمي إلى منافسة طريق الحرير الصيني المنبت.
لا يبدو لغاية اليوم مع كلّ المجازر التي ترتكبها “إسرائيل” ومحاولات تهجير الفلسطينيين أنّ أحداً من الدول العربية قد تراجع عن الالتزامات التي قطعها لواشنطن، ولم يصل أي رد فعل عربي إلى عتبة تحدّي العدوان الإسرائيلي الأميركي على غزة، ولم يتردّد العرب في الموافقة على اقتراح أميركي بإقامة “دولة فلسطينية غير مسلحة”، والترويج لها على أنها الحل المنشود بعد 30 عاماً من إعلان الدولة الفلسطينية المبتورة عبر اتفاق أوسلو المنبثق من مؤتمر مدريد، فما أشبه اليوم بالأمس عند اجتياح “إسرائيل” للبنان عام 1982 وصمت الدول العربية قاطبة، وتحرّكات فيليب حبيب لترحيل منظّمة التحرير الفلسطينية من لبنان من دون آلتها العسكرية.
يسود الخوف من الخروج على المحور الأميركي الإسرائيلي تحت حجة أنّ إيران ستكون المنتصرة، ولا يتم استعمال أي مصدر للقوة لدى هذه الدول لكي تتصدّر مشهد الدفاع عن غزة، وحقّ الفلسطينيين بدولة مستقلة خالية من الاستيطان لأخذ المبادرة من إيران على سبيل المثال، لم تفكّر الدول العربية والإسلامية البتة في استخدام ورقة النفط التي بين أيديها أو الورقة التجارية بل يتم استخدامها لمصلحة “تل أبيب” عبر توفير الطريق من الإمارات والسعودية عبر الأردن لنقل البضائع إلى “إسرائيل” بعد إحكام سيطرة أنصار الله على البحر الأحمر.
يوجّه السعوديون إلى الأميركيّين رسالة مفادها أنهم سيعترفون بـ “إسرائيل” إذا تمّ وقف إطلاق النار في غزة والالتزام بالدولة الفلسطينية، وهو وعد لا أساس له في الواقع بل أن الحلّ الأميركي في هذا التوقيت يعتبر محاولة للحفاظ على موقعها الذي كان قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر. من الواضح أن معظم هذه الدول لن يتراجع عن التطبيع لكن تحت اسم جديد تسعى الولايات المتحدة لترويجه، اختارت الأردن ومصر البقاء في اللعبة الأميركية على الرغم من التحذيرات بأن الأوضاع الداخلية في كلا البلدين يمكن أن توثّر على مواقفهما.
أما الدول التي تستضيف قواعد أميركية على أراضيها فهي لم تلمّح إلى إمكانية منع استخدام أراضيها في عمليات إسرائيلية ضد غزة، وفي الوقت الذي تتفاوض فيه الحكومة العراقية من أجل انسحاب القوات الأميركية، تبدو غير واثقة من مواقف مكوّناتها الاجتماعية السياسية، إذ لا يخفي قسم كبير مخاوفه من اختلال المعادلة السنية الشيعية، وترك الكرد من دون حماية إذا ما انسحب الأميركي الذي يلعب ورقة الأمن ويثير تناقضات هذه القوى، حتى باتت مصالح بعضها تقتضي التنازل عن حقّ بعض العراقيين في الاستقلال عن المحتل الأميركي.
في ظلّ هذه الأوضاع العربية تأتي ضغوط بايدن على اليمين الإسرائيلي المتمثّل بنتنياهو ووزرائه المتطرّفين، وطرح حلّ الدولتين محاولة لتحسين وضعه الانتخابي، وكان هذا الطرح قد شكّل ثابتة في السياسة الخارجية الأميركية مند القرار 242.
وكانت الإدارة الأميركية تعتبر أن حلّ الدولتين هو لمصلحة “إسرائيل” لقطع الطريق أمام التدمير الذاتي الذي ترى أن اليمين يقترفه. لا يبدو أنّ الدعم الذي قدّمه بايدن لـ “الكيان الصهيوني” سيكون كافياً لتغيير وجهتها وباتت تلعب على تناقضات المرشّحين الأميركيين في الانتخابات الرئاسية.
اليمن وقوى المقاومة تواجه الأميركي
ثمّة تساؤلات حول العلاقة الأميركية بـ “إسرائيل” في هذه الحرب، أهمّها فقدان الولايات المتحدة الأميركية من خلال حرب غزة صورتها الرادعة وثقة العرب بقدرتها على التغيير والإمساك بالمفاصل السياسية، أو فرض حلول بسبب استمرارها في الخضوع للمنطق اليميني الإسرائيلي الذي يشجّع حرب الإبادة الجماعية، وخوفها من انتصار المقاومة الفلسطينية والأهم حركة حماس وكأنما تماهت مع “إسرائيل”.
تتأكّل قوة الولايات المتحدة في القوى المقاومة التي رغم القدرات غير المتكافئة فتحت جبهات ثلاث ضد “إسرائيل”، على الرغم من إظهار قوتها الرادعة عبر نشر حاملات الطائرات في البحر المتوسط، حيث تمكّن حزب الله من تعطيل الشمال الإسرائيلي، فيما واصلت المقاومة في العراق مهاجمة القواعد الأميركية.
أما اليمن فاستطاع تغيير قواعد اللعبة التي يمكن أن تحدّد اتجاه العلاقات الأميركية السعودية. استهدف أنصار الله السفن المرتبطة بالنقل إلى “الكيان الصهيوني” في البحر الأحمر، وطالبوا بوقف إطلاق النار في غزة والسماح بالمساعدات الإنسانية. كما أنهم تحدّوا ردود القوات البحرية الأميرية البريطانية وقاوموها، ما أدى إلى اعتراف القيادة المركزية الأميركية، أنها تواجه أكبر معركة للبحرية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث استخدمت 100 صاروخ قياسي لوقف الصواريخ والطائرات من دون طيار.
لا تريد القيادة الأميركية الاعتراف بأن أنصار الله قد نجحوا بالتصدّي لقواهم البحرية والجوية فنسبت النجاح والمسؤولية إلى إيران، واتهمتها بتجهيز القوات المسلحة اليمنية بالسلاح والتكنولوجيا والمعلومات الاستخبارية. اليمن القادر على التصدّي والقتال اكتسب هذه القدرة الحربية من حربه مع قوى التحالف الذي قادته السعودية وحرمتها من النصر منذ عام 2015. وأفشلت التزام الولايات المتحدة بحماية السعوديين حينها حيث وقفوا عاجزين عن الفعل حيال الهجمات على المدن السعودية ومنشآت أرامكو.
لم تتوقّع القيادة العسكرية الأميركية فعّالية أنصار الله ومواجهتهم للقوة البحرية الأميركية بأسلحة بسيطة الصنع. وأن يردّ الأميركيون على مركبات لا يتجاوز ثمنها 10 آلاف دولار، بصواريخ تبلغ قيمتها 4 ملايين، تبدو الولايات المتحدة في حالة من عدم اليقين، في ظل تصعيد أنصار الله هجماتهم وبعد إبلاغهم شركات التأمين البحري بتفاصيل حظر ملاحي بعد استهداف سفينة بريطانية، وبعد إدخالهم سلاح الغوّاصات وفي إثر الضربات التي استهدفوا بها كلّاً من أميركا وبريطانيا وأعلنوا أنها أهداف مشروعة لهم.
يدرك السعوديون أن الإيحاء بمسؤولية إيران وتوجيه أصابع الاتهامات والصراع معها يمكنه أن يودي بأمن المنطقة، والرياض حين انفتحت في العلاقة مع طهران إنما كانت تريد إزالة المشاكل والعمل على تجنّب الصراع في منطقة الخليج. لقد جعلت حرب غزة مرة أخرى العلاقات العربية الأميركية في حيرة وقلق، فالصداقة الأميركية أصبحت تجلب ضرراً أكبر من الحماية.
في خضمّ القتل المروّع في غزة ومحاكمة “إسرائيل” بالإبادة الجماعية، وتعنّت الولايات المتحدة برفض وقف إطلاق النار خوفاً من إعلان انتصار حماس والمقاومة، وخشية من خسارة كل محاولاتها لإدماج “الكيان الصهيوني” بالمنطقة، انتصاراً لقوتها وسلطتها التي تأكّلت بحرب “إسرائيل”، تنتصر اليمن الحافية القدمين وتقف في وجه جبروت أميركا وإذعان العرب الذين أودعوا الأميركي مصالحهم.
المصدر: الميادين نت / هدى رزق
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الکیان الصهیونی الدول العربیة أنصار الله
إقرأ أيضاً:
“اليد التي حركت العالم من أجل غزة.. كيف أعاد اليمن كتابة قواعد الحرب البحرية بعد الطوفان؟”
يمانيون|تقرير|محسن علي
عندما انطلقت عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، لم يكن أحد يتوقع أن تمتد ساحة المواجهة المباشرة آلاف الكيلومترات جنوباً لتصل إلى باب المندب, لكن بعد 24 يوماً فقط، في 31 أكتوبر 2023، أعلنت القوات المسلحة اليمنية في صنعاء دخولها رسمياً في المعركة “إسناداً للمقاومة الفلسطينية في غزة”, كان هذا الإعلان بمثابة نقطة تحول استراتيجية، حوّلت الصراع من مواجهة محصورة في غزة إلى طوفان جديد امتد حتى أحد أهم ممرات التجارة الدولية,وعلى مدى عامين، أثبتت الجبهة اليمنية أنها الأكثر تأثيراً واستدامة في نصرة غزة، فارضةً معادلات جديدة على الكيان الصهيوني المجرم وحلفائه، ومقدمةً تضحيات جسيمة في سبيل هذا الموقف.
استراتيجية “اليد الطويلة”.. مراحل التصعيد اليمني
لم تكن العمليات اليمنية عشوائية، بل اتبعت استراتيجية تصعيدية مدروسة يمكن تقسيمها إلى أربع مراحل رئيسية:
المرحلة الأولى (أكتوبر – نوفمبر 2023): الضربات المباشرة
بدأت باستهداف مباشر لجنوب إسرائيل (إيلات) بالصواريخ والطائرات المسيرة، بهدف إعلان الموقف وإشغال الدفاعات الجوية الإسرائيلية وتركيعها في ظل تنامي القدرات العسكرية اليمنية بشكل أذهل العالم بأسره.
المرحلة الثانية (نوفمبر 2023 – فبراير 2024): حصار السفن الإسرائيلية
انتقلت صنعاء إلى مرحلة أكثر إيلاماً بالاستيلاء على سفينة “غالاكسي ليدر” وفرض حصار بحري على السفن المرتبطة بالكيان، مما شل حركة ميناء (أم الرشراش) ما يسميه العدو بـ إيلات بشكل شبه كامل.
المرحلة الثالثة (فبراير 2024 – حتى الآن): توسيع دائرة الاستهداف
رداً على العدوان الأمريكي-البريطاني، أعلنت صنعاء توسيع عملياتها لتشمل السفن الأمريكية والبريطانية، محولة البحر الأحمر إلى ساحة مواجهة مباشرة.
المرحلة الرابعة (مايو 2024 – حتى الآن): نحو المحيط الهندي والمتوسط
أعلنت صنعاء عن استهداف أي سفينة تتعامل مع الموانئ الإسرائيلية في أي مكان تطاله الأيدي اليمنية، بهدف إطباق الحصار
أبرز العمليات النوعية التي شكلت فارقاً
على مدى عامين، نفذت القوات اليمنية مئات العمليات، لكن بعضها كان له أثر استراتيجي بارز:
الاستيلاء على “غالاكسي ليدر” (19 نوفمبر 2023)
كانت هذه العملية بمثابة الصدمة الأولى التي أظهرت جدية التهديد اليمني وقدرته على تنفيذ عمليات معقدة وتحولت السفينة إلى “مزار سياحي” ورمز لقدرة اليمن على فرض سيادته البحرية.
إغراق السفينة البريطانية “روبيمار” (فبراير 2024)
شكل إغراق سفينة تجارية بريطانية بصواريخ بحرية تصعيداً خطيراً، وأثبت أن التحذيرات اليمنية ليست مجرد تهديدات، وأن تكلفة العدوان على اليمن ستكون باهظة.
استهداف حاملة الطائرات “أيزنهاور” (مايو ويونيو 2024)
لم يكن استهداف “أيزنهاور” مجرد عملية عسكرية، بل كان حدثاً استراتيجياً أعاد تعريف موازين القوى في المنطقة، وكشف حدود القوة العسكرية الأمريكية التقليدية في مواجهة التكتيكات الحديثة مع الفارق الكبير بين الطرفين, ورغم نفي واشنطن، أعلنت صنعاء استهداف حاملة الطائرات “دوايت أيزنهاور” بالعديد من العمليات المشتركة ، مما أجبرها في النهاية على الانسحاب من البحر الأحمر,و مثلت هذه العملية تحدياً غير مسبوق لهيبة البحرية الأمريكية ونجاح المعادلة التي فرضتها صنعاء: “لا أمن في البحر الأحمر بدون أمن في غزة”.
عمليات مشتركة مع المقاومة العراقية
أعلنت صنعاء عن تنفيذ العديد من العمليات المشتركة مع فصائل المقاومة في العراق لاستهداف موانئ حيفا وأهداف حيوية أخرى، مما يدل على مستوى عالٍ من التنسيق داخل محور المقاومة.
الكشف عن صواريخ فرط صوتية (فلسطين 2) وطائرات (يافا) المسيرة
في يوليو 2025، أعلنت صنعاء عن استهداف مطار بن غوريون بصاروخ “فلسطين 2” الباليستي الفرط صوتي، وهدف حساس في يافا المحتلة بواسطة طائرة (يافا) المسرة وهو ما يمثل قفزة نوعية في القدرات الصاروخية اليمنية وسلاح الجو المسير وقدرتهما على تجاوز أحدث منظومات الدفاعات الإسرائيلية والأمريكية على مستوى العالم.
تضحيات يمنية وفشل استراتيجي للخصوم
لم يأتِ الموقف اليمني بلا ثمن, فقد شنت الولايات المتحدة وبريطانيا مئات الغارات الجوية على الأراضي اليمنية، مما أدى إلى ارتقاء عشرات الشهداء وسقوط عدد من الجرحى من العسكريين والمدنيين والإعلاميين والسياسيين والذي كان آخرها استهداف رئيس مجلس حكومة البناء والتغييير وعدد من الوزراء في الجريمة الإرهابية الصهيونية بصنعاء خلال الأشهر الماضية, ورغم هذه التضحيات، لم تتراجع صنعاء عن موقفها، بل زادت من وتيرة عملياتها
في المقابل، يمثل استمرار العمليات اليمنية فشلاً استراتيجياً مدوياً للولايات المتحدة وإسرائيل فعلى الرغم من تشكيل تحالف “حارس الازدهار” وإنفاق مليارات الدولارات، فشلت القوات الأمريكية والبريطانية في تحقيق هدفها المعلن وهو “ضمان حرية الملاحة” للسفن الإسرائيلية, لقد عجزت أعتى القوات البحرية في العالم عن إيقاف الهجمات اليمنية أو اعتراضها بالكامل، مما كشف عن عجزها وأجبرت 5 حوامل الطائرات الأمريكية على الانسحاب من المنطقة بعد استهدافها بشكل متكرر.
خسائر إسرائيلية وأهمية الإسناد اليمني
كانت تداعيات الحصار اليمني كارثية على الاقتصاد الإسرائيلي، وتحديداً على ميناء إيلات الذي أُصيب بشلل تام وتوقفت فيه الحركة الملاحية بنسبة تقارب 100%، وتحول إلى مدينة أشباح اقتصادياً كما تكبدت إسرائيل خسائر غير مباشرة بمليارات الدولارات نتيجة اضطرار سفنها إلى سلوك طريق رأس الرجاء الصالح الأطول والأكثر تكلفة.
وهنا تبرز الأهمية الاستراتيجية لاستمرار الدعم اليمني؛ ففي ظل الحصار الخانق الذي يعانيه قطاع غزة، يمثل الحصار البحري الذي يفرضه اليمن ورقة الضغط الاقتصادية والعسكرية الوحيدة الفعالة والمستمرة ضد الكيان الإسرائيلي, إن استمرار اليمن في عملياته لا يمثل فقط دعماً لصمود غزة، بل هو عامل حاسم في موازين القوى، يرفع تكلفة العدوان على الكيان والقوات الغربية المساندة له، ويُبقي القضية الفلسطينية في صدارة الاهتمام العالمي.
عامان من الصمود والتأثير
بعد عامين من الانخراط المباشر والتضحيات الجسيمة، نجحت الجبهة اليمنية في تحقيق أهداف استراتيجية لا يمكن إنكارها, على رأسها فرض حصار اقتصادي فعال على الكيان المجرم, وأثبت اليمن أن التضامن الفعلي يتجاوز الكلمات ويتحقق بالأفعال والتضحيات ,وأن أمن البحر الأحمر مرتبط بشكل مباشر بإنهاء العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة، وهي المعادلة التي لا تزال قائمة بفضل صمود اليمن وتضحياته.