سأتحدث عن محمود درويش، ليس لديّ موضوع محدد، فقط اشتقت للكتابة عنه، ولتكن مناسبة الحديث هي ذكرى ميلاده القادم، منذ فترة طويلة لم أكتب عن محمود، لم أستحضره أو أستدعيه، كما فعلت سابقا، لماذا لم نعد نكتب عن محمود كما فعلنا سابقا؟ لماذا خفتت حماستنا، وضاقت مساحات البياض في عيوننا، وقل ارتجافنا ونحن نخط لسيد الكلمات رسائل وفضفضات وحبًا وأسئلة؟، لديّ ما أقوله هنا، كان موت محمود مفاجئا وصاعقا، لم نتخيل يوما أن يغادر عالمنا من ساهم في صياغة هويتنا، وفي توسيع ذائقتنا، وفي مدّنا بالأمل، وفي تمثيل فلسطين فكرة وألما وهُوية في العالم، كتبنا له كثيرا نحاول أن نفهم منه، ما الذي حدث؟ وكيف يبتعد فجأة؟ لم يجب، تماما مثل الأموات، فهم لا يجيبون عن الأسئلة، فتأكدنا أنه ذاهب بلا رجعة، وأنه مطمئن إلى إرثه وبصمته ولغته الخاصة.
(إن الهوية بنت الولادة
لكنها في النهاية إبداع صاحبها
لا وراثة ماض
أنا المتعدد
في داخلي خارجي المتجدد
لكنني أنتمي لسؤال الضحية
لو لم أكن من هناك
لدربت قلبي على أن يربي غزال الكناية
فاحمل بلادك أنّى ذهبت
وكن نرجسيَ السلوك
لكي يعرفوك إذا لزم الأمر
منفى هو العالم الخارجي
ومنفى هو العالم الباطني
فمن أنت بينهما؟
لا أعرّف نفسي لئلا أضيّعها
وأنا ما أنا
وأنا آخري في ثنائية تتناغم بين الكلام وبين الإشارة
ولو كنت أكتب شعرا لقلت:
أنا اثنان في واحد كجناحيْ سنونوة
إن تأخر فصل الربيع اكتفيت بنقل الإشارة
يحب بلادا
ويرحل عنها
هل المستحيل بعيد؟
يحب الرحيل إلى أي شيء
ففي السفر الحر بين الثقافات
قد يجد الباحثون عن الجوهر البشري
مقاعد جاهزة للجميع
هنا هامش يتقدّم
أو مركز يتراجع
لا الشرق شرق تماما
ولا الغرب غرب تماما
فإن الهوية مفتوحة للتعدد).
ليس هذا فحسب، فشعر محمود لم يأخذنا إلى سؤال الهُوية فقط، لقد سحبنا بحب ووعي إلى كافة الطرق للدفاع عن هذه الهوية، هذه قصة تلخص دور شعر هذا العملاق في أخذنا إلى الغضب الذي يتحول إلى فعل نضالي، ونحن نصعد التلة التي سيدفن فيها شاعرنا، بعد قليل، كان يمشي بجانبي صديقي الصحفي المشهور، كانت الدموع تملأ عينيه وهو يصرخ في وجهي: زياد هل تعرف من جعلني فدائيا؟ أنه هذا الذي سوف يدفن بعد قليل، كيف ذلك؟ سألته: فأجاب: (قرأت كل أشعاره، ذبت فيها، امتلأت روحي بصوره ولغته الوطنية، وتعريفاته للفلسطيني وللوطن، فذهبت إلى قائد سياسي وهو جارٌ لنا، وطلبت منه مساعدتي في الانخراط في الثورة، وحصل ذلك سريعا، سجنت بعد سنة، لمدة عشر سنوات، وفي السجن فوجئت بقصائد الرائع الحبيب تحوم حولي، هذا رجل غريب يوجد في كل مكان).
سأتحدث عن محمود درويش، عن روحه الطفولية وهو يداعب طفلة في حديقة المطعم ويقلد أمامها صوت حيوان ما، وهو يضحك عليّ وأنا أهديه وردة الخبيزة، هشة البتلات، فيلقي الوردة في وجهي ويقول ساخرا: جاي تهديني وردة الخبيزة؟؟ وحين أخبرته أني لا أعرف التمييز بين أنواع الورود، ضحك بصوت عالٍ، سأتحدث عن محمود وهو يخبرني عن أسوأ كارهيه وهم الذين يناصبونه العداء فقط لأنه مشهور، حدثني عن مفكر عربي كبير، عرف بنرجسيته وثقته الهائلة بنفسه، ونقل كلامًا له، سمعه منه ناقد معروف:
(أوضاعنا صعبة، لا فيلسوف زي الناس ولا شاعر زي الناس ولا قائد سياسي زي الناس، أنا فاضي أقوم بكل هاي الأدوار؟.).
سأتحدث عن محمود درويش عن ألفاظه الصعبة وهو يغضب، وعن غيرته من اسمه، ومعرفته أن النساء يطاردن الشاعر فيه لا الإنسان، وعن اختفائه في منتصف أمسيات ومهرجانات الشعر، وسأتذكر حزنه على رحيل غسان كنفاني مبكرا: (غسان مات بدري يا الله خسارة والله). وسأتذكر حلمه وهو يخبرنا عنه: (حلمت بمعين بسيسو، أهذه علامة؟.).
سأتحدث عن قصة شهيرة لمحمود مع سائقه نهاد، رواها نهاد نفسه: طلبني الأستاذ، فجئت سريعا، فأخبرني أن هناك مشاكل في صنبور الماء وفي إضاءة المرحاض وفي أكرة باب الدرج، فأصلحت كل شيء، وكان الأستاذ يرافقني في كل مراحل التصليح، وينظر لي نظرة غريبة، فوجئت به يطلب مني الدخول إلى غرفته والجلوس إلى مكتبه الذي يكتب عليه نصوصه، وطلب مني طلبا غريبا بصوت فيه غضب حلو وسخرية من ذاته (يلا اكتب عني القصيدة، ما ظل غير تكتب عني القصائد، أنا ما بعرف أعمل شيء وأنت بتعرف كل شيء، اكتب يلا).
سأتحدث عن محمود، درويش، ليس لديّ موضوع محدد، فقط أريد أن أكتب عنه، اشتقت إلى نفسي وأنا أشتاق إلى صوته وهو يقرأ شعره، وإلى صورته وهو يدير حياته الشخصية بحذر وبدقة وكبرياء وتعفف.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
حدث آبل 2025.. كيف تشاهده وما الذي تنتظره من آيفون 17 وAirPods وApple Watch؟
تستعد آبل لعقد أكبر حدث لها هذا العام في 9 سبتمبر 2025، حيث من المنتظر أن تكشف عن تشكيلة آيفون 17 الجديدة، إلى جانب جيل جديد من ساعة آبل وسماعات AirPods Pro 3 في حدث يحمل شعار بصري “Awe Dropping”.
كالعادة، سيُقام الحدث من مقر آبل في كوبرتينو بحضور محدود من الصحافة، مع بث مباشر مفتوح بالمجان لمحبي الشركة حول العالم.
موعد الحدث وكيفية مشاهدة البث المباشرينطلق حدث آبل في تمام الساعة 10 صباحًا بتوقيت المحيط الهادئ (1 ظهرًا بتوقيت الساحل الشرقي الأمريكي)، يوم الثلاثاء 9 سبتمبر 2025.
يمكن متابعة البث المباشر عبر موقع آبل الرسمي، أو من خلال تطبيق Apple TV على أجهزة آيفون وآيباد وماك وApple TV، كما سيُبث الحدث كذلك على القناة الرسمية لآبل على يوتيوب لمن يفضل المشاهدة من المتصفح أو التلفاز الذكي.
توفر آبل أيضًا نسخة مترجمة بلغة الإشارة الأميركية ووصفًا صوتيًا لمن يحتاجون إلى ميزات وصول إضافية.
يتوقع أن يكون نجم العرض هو سلسلة iPhone 17، والتي ستضم على الأقل آيفون 17، وآيفون 17 برو، وآيفون 17 برو ماكس، مع تحسينات كبيرة في الأداء والكاميرا والشاشة.
تشير التسريبات إلى أن آبل ستركز هذا العام على جعل الهاتف أنحف من الجيل السابق، مع حواف أصغر وشاشة أكثر سطوعًا، إلى جانب دفع أقوى نحو مزايا الذكاء الاصطناعي في التصوير ومعالجة النصوص والصوت.
ومن المنتظر أن تستمر الشركة في الاعتماد على منفذ USB‑C الذي تبنّته منذ سلسلة آيفون 15، مع تحسينات إضافية في سرعة الشحن وإدارة البطارية.
آيفون Air: أنحف آيفون في التاريخمن أبرز المفاجآت المتوقعة إطلاق نموذج جديد يحمل اسم iPhone 17 Air، يوصف بأنه أنحف آيفون تطلقه الشركة حتى الآن بسُمك يقارب 5.5–5.6 ملم فقط.
يأتي الهاتف لمنافسة الهواتف الرفيعة مثل Galaxy S25 Edge، مع تصميم مختلف يعتمد على شريط كاميرا أفقي في الخلف يضم مستشعرًا رئيسيًا بدقة 48 ميجابكسل وفلاش، مما يمنحه هوية بصرية جديدة بالكامل مقارنة بباقي التشكيلة.
ورغم نحافته الملفتة، تؤكد آبل أن الهيكل المصنوع من تيتانيوم بدرجة “فضائية” سيحافظ على الصلابة والمتانة، لكن التقارير تحذر من احتمال تقليص حجم البطارية بعض الشيء مقابل هذا التصميم فائق النحافة.
Apple Watch Series 11 وUltra 3: صحة ولياقة بقدرات أوسعلا يقتصر الحدث على الآيفون فقط، إذ تتجه الأنظار أيضًا إلى الجيل الجديد من ساعة آبل الذكية، حيث يُتوقع الإعلان عن Apple Watch Series 11، وApple Watch SE محدثة، إلى جانب Apple Watch Ultra 3 كطراز رياضي متين عالي الفئة.
تشير التوقعات إلى أحجام أكبر قليلاً للشاشة، وتحسينات في عمر البطارية، مع تركيز مستمر على ميزات الصحة واللياقة، وربما تقديم أول خطوات فعلية نحو مراقبة ضغط الدم أو تطوير خوارزميات أعمق لتحليل النوم والتمارين، وإن كانت التقارير ترى أن هذه الميزات قد تتأخر أو تصل تدريجيًا.
ستصل الساعات الجديدة بنظام watchOS 26 المثبت مسبقًا وبمجموعة وجوه جديدة وخيارات أساور محدثة.
AirPods Pro 3: تحسينات على الصوت والذكاء الاصطناعيضمن الحزمة المتوقعة، ينتظر الجمهور الكشف عن الجيل الثالث من AirPods Pro، مع تحسينات في إلغاء الضوضاء وجودة الميكروفونات وعمر البطارية.
تقارير تقنية تتحدث عن تكامل أعمق بين السماعات وميزات الذكاء الاصطناعي على أجهزة آيفون، مثل ترجمة فورية أفضل، ومساعد صوتي أكثر تفاعلية، وتحسينات في تتبع حركة الرأس وتجربة الصوت المكاني.
ومن المرجح أن تحتفظ آبل بنفس عامل الشكل العام، مع علبة شحن محدثة ودعم محسّن لتقنيات العثور على الجهاز عبر Find My.
لماذا يُعد حدث هذا العام “مفصليًا” لآبل؟يوصف حدث سبتمبر 2025 بأنه لحظة مفصلية في استراتيجية آبل، لأنه يجمع بين أول إعادة تصميم جذرية لآيفون منذ سنوات ممثلة في iPhone Air، مع تعزيز منظومة الأجهزة القابلة للارتداء والسماعات لمواجهة المنافسة في مجالات الذكاء الاصطناعي والصحة.
في ظل ضغط متزايد من هواتف أندرويد القوية والهواتف القابلة للطي، تحاول الشركة تأكيد أن رهاناتها ما زالت على التصميم وتجربة الاستخدام المتكاملة، أكثر من السباق على المواصفات الورقية فقط.
بالنسبة لعشاق التقنية، يمثل هذا الحدث فرصة لرؤية ملامح خريطة منتجات آبل للسنوات القادمة، بدءًا من شكل الآيفون إلى طريقة التفاعل مع الأجهزة عبر الصوت والذكاء الاصطناعي.