لجريدة عمان:
2025-05-23@04:21:02 GMT

أن تقرأ عاموس عوز في هذه الأيام

تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT

ولِد عاموس عوز ابنا ليهودي أوروبي ومات عن 79 عاما وهو أبٌ للأدب العبري، أو على الأقل هكذا شيَّعته صحيفة الجارديان البريطانية من المهد إلى اللحد، في مقالة كتبتها جوليا باسكال ليلةَ رحيله في 28 ديسمبر 2018. يستحق هذا التأبين الملحمي أن نتوقف عنده طويلا لنتساءل عن معنى أن تكون أبا أدبيا في لغة ظلت طيلة قرون لغةً «بلا أرض ولا شعب»؛ أجل بالضبط، هكذا يمكننا أن نقلب العبارة الصهيونية المسمومة حين نبحث عن ماضي هذه اللغة فلا نجد أنها ازدهرت في يومٍ من التاريخ كلغة أدبٍ أو لغة حياة، إلى أن جاءت الحركة الصهيونية فبَعثتها أواخر القرن التاسع عشر «من النطاق الذي عاشت فيه لقرون طويلة كلغة دين تقليدية، لتُجبَر بوسائل مختلفة على لعب دور اللغة القومية» كما يقول غسان كنفاني في دراسته المهمة عن الأدب الصهيوني، وهو ما تكلل بالنجاح بعد قيام «دولة إسرائيل».

في هذه الساعات الوحشية من التاريخ قررت أن أقرأ السيرة الروائية للكتاب الإسرائيلي عاموس عوز «قصة عن الحب والظلام» التي ترجمها جميل غانم إلى العربية. من بين أشياء كثيرة فإن أهمية عوز تكمن بالنسبة لي كقارئ عربي في نقطة الالتقاء الخطرة تلك بين الخطاب الأدبي والخطاب السياسي، حيث استطاع عوز أن يتبوأ سلطةً ثقافية لم تُتح لغيره من المثقفين الإسرائيليين، فتحوَّل بها من مجرد موهبة أدبية فريدة إلى هِبة إسرائيلية عامة، هبة أنجبتها لغة أوشكت على الانقراض ودفعتها إلى الصدارة لتزود السردية الصهيونية بما ينقصها من شرعية أخلاقية وجمالية في أكثر اللحظات التي بدت فيها إسرائيل «بحاجة إلى أصوات تتحدث إلى العالم الخارجي لتقدم وجها أكثر إنسانية من وجه آرييل شارون» كما تقول جوليا باسكال، في إشارة للاضطراب الذي لحق بصورة إسرائيل في الغرب خلال اجتياح لبنان عام 1982، وخاصة في أعقاب الصدمة المروعة التي أحدثتها مجزرة صبرا وشتيلا.

حتى وهو يحل ضيفا على لغة معادية خارج قلعته العبرية، يستحق عوز الاعتراف والإعجاب بقدرته الساحرة على نسج حبائل السرد بخفة، والتلاعب بمكائد البلاغة، والمشي على رؤوس الأصابع بين التاريخ والخرافة. لكنه في المقابل يستحق الشفقة لعجزه المريع عن تجاوز الذات اليهودية في الظاهر، الصهيونية في العمق. يكتب سيرته محاصرا بالمرايا التي لا يرى فيها سوى نفسه، يدمن النظر إلى حياته من مختلف الزوايا بوصفه ناجيا ينحدر من سلالة ناجية. عقدة النجاة لديه تضاعف من إحساس «اليهودي الجديد» بالمظلومية والاستحقاق في الوقت نفسه؛ لأن الكره الذي لاحق اليهود لم يكن، كما يزعم، سوى تعبير عنيف ووحشي عن حسد «العالم الكبير» على الامتيازات الفطرية التي تمتعوا بها: «لا يحبون اليهود لأنهم فطِنون، متوقدو الذهن ومتفوقون، وإلى جانب ذلك ضوضائيون يقفزون دائما في المقدمة».

حتى اللغة العبرية كانت بالنسبة إليه لوح نجاة من المنافي اليهودية بين لغات أوروبا وعواصمها، على الرغم من أنها لم تكن لغةً طبيعية في البداية، ولم تتمتع بما يكفي من الحميمية في الأحاديث المنزلية ولا الألفة في النقاشات العامة: «كانوا يتكلمون العبرية وهم يرهبون الوقوع في الخطأ، يتراجعون أحيانا كثيرة ويصوغون من جديد ما قالوه لتوهم: ربما هكذا يشعر سائق قصير النظر وهو يتحسس طريقه في الليل، في شبكة الطرقات الضيقة لمدينة غريبة، في سيارة لم يسقها من قبل». وهكذا عاش طفولته في القدس بين أبوين متعددي اللغات، هما اللذان أصرا على ألا يتحدثا إليه سوى بالعبرية، أراداه أن يعبر عن نفسه بالعبرية دائما لكي يكبر إسرائيليا خالصا في إسرائيل. لم يتحدثا معه بأي لغة أوروبية مما يتقنان حتى لا يصيبه الحنين الخبيث إلى العالم الغربي، ذلك الحنين الذي بدأت أعراضه تشيع كوباء سري بين الإسرائيليين الأوائل.

لطالما فكرت بأقوى الصور العاطفية التي يمكن للقارئ الغربي أن يستقبل بها الرواية الإسرائيلية، وأستطيع أن أجزم الآن بأن عاموس عوز يمثل التجويد الأبلغ للبكائيات الإسرائيلية التي وإن لم تقنع أحدا فإن وظيفتها الأهم هي استدرار المزيد من دموع أصنام الحرية وتماثيلها الاعتذارية في الغرب: «هناك في العالم جميع الحيطان كانت مغطاة بالكتابات المعادية: (أيها اليهودي الحقير اذهب إلى فلسطين) وها قد ذهبنا إلى فلسطين والآن كل العالم يصرخ علينا: (أيها اليهودي الحقير، اخرج من فلسطين)». إن سطرا كهذا ليكفي بحق أن يمنح عوز رتبة الأبوة في الأدب العبري.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حماس: إسرائيل تضلل العالم بادعاء إدخال مساعدات لغزة

قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن الاحتلال الإسرائيلي يضلل العالم بادعاء إدخال مساعدات إلى قطاع غزة، في حين يدير أبشع جرائم التجويع والإبادة في العصر الحديث، بينما حذرت الأمم المتحدة من وفاة 14 ألف رضيع بغزة إذا لم تدخل مساعدات في غضون 48 ساعة.

وأضافت حماس، في بيان، أن حكومة بنيامين نتنياهو تواصل استخدام التجويع كسلاح في حرب الإبادة التي تشنّها ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

ودعت الحركة المجتمع الدولي إلى تكثيف تحرّكاته الضاغطة لوقف هذه الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي، معتبرة أن الصمت عن جرائم التجويع والقتل الجماعي في غزة شراكة فعلية في الجريمة.

بدوره، قال مكتب الإعلام الحكومي في غزة "إن الاحتلال يواصل ولليوم الثالث على التوالي، منع دخول شاحنات المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى غزة، في انتهاك صارخ لما أعلنه سابقا من التزامات وتعهدات".

وأضاف المكتب، في بيان، أن "الاحتلال أوقف إدخال المساعدات التي زعم أنه سيسمح بها منذ الاثنين الماضي، دون أي مبرر قانوني أو إنساني، في وقت يشهد فيه قطاع غزة نقصا حادا في الغذاء والدواء والوقود، وتدهورا شديدا في الأوضاع الصحية والمعيشية".

واتهم البيان الاحتلال بمواصلة سياسة الحصار والتجويع ضد أكثر من مليوني مدني يعيشون أوضاعا كارثية.

إعلان

ولفت الإعلام الحكومي إلى أن "عدم إدخال المساعدات يؤكد تعمّد الاحتلال استخدام الغذاء والدواء كسلاح حرب ضد المدنيين، حيث أغلق جميع المعابر منذ 81 يوما، في مخالفة فاضحة للقانون الدولي الإنساني ولكل الأعراف والمواثيق الإنسانية، وهو ما يحمّله المسؤولية الكاملة عن تداعيات هذه السياسة العدوانية".

استهداف الأطفال

وفي سياق متصل، حذر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية والإغاثية توم فليتشر من أن نحو 14 ألف طفل قد يموتون بغزة في غضون الساعات الثماني والأربعين المقبلة إذا لم يحصلوا على مساعدات إغاثية.

ووصف فليتشر رقم 14 ألف طفل بأنّه مرعب للغاية، مشيرا إلى أنّه يستند إلى أدلة من فرق قوية على الأرض.

وقال في حديث لمحطة "بي بي سي" إنّ هناك آلاف الشاحنات محملة بالمساعدات وتحديدا بحليب وأغذية الأطفال، جاهزة للدخول إلى القطاع.

وأمس الثلاثاء، سمحت إسرائيل بدخول 100 شاحنة إضافية، لكن فليتشر عبّر عن مخاوف من نهب محتمل لهذه الشاحنات وسط حالة فوضى ويأس متزايدة في القطاع.

ومنذ 2 مارس/آذار الماضي، تواصل إسرائيل سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني بغزة، عبر إغلاق المعابر بوجه المساعدات المتكدسة على الحدود، ما أدخل القطاع مرحلة المجاعة وأودى بحياة كثيرين.

وبدعم أميركي مطلق، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، جرائم إبادة جماعية في غزة، خلّفت أكثر من 175 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، بجانب مئات آلاف النازحين.

مقالات مشابهة

  • الكاتب سمير أيوب: اليمن يعيد فلسطين إلى واجهة العالم ويكسر احتكار الرواية الصهيونية
  • صمت العالم ينكسر.. غزة تفضح النفاق الدولي تجاه إسرائيل| تقرير خاص
  • السيد القائد عبدالملك الحوثي: هذا الأسبوع كان داميا وقاتما بالإجرام والمجازر الصهيونية الفظيعة
  • علاقة ما فعله ترامب مع رئيس جنوب أفريقيا بالقضية التي رفعتها الأخيرة ضد إسرائيل حول غزة تثير تفاعلا
  • أبرز مضامين اتفاقية الشراكة التي يهدد الاتحاد الأوروبي بمراجعتها مع إسرائيل
  • ميناء حيفا بوابة إسرائيل التي يتوعدها الحوثيون
  • حماس: إسرائيل تضلل العالم بادعاء إدخال مساعدات لغزة
  • أطباء بلا حدود: المساعدات القليلة التي سمحت “إسرائيل” بدخولها غزة مجرد ستار لتجنب اتهامها بالتجويع
  • طبيب إسرائيلي خلال خدمته العسكرية بغزة: نقضي على الصراصير
  • يائير غولان يتهم إسرائيل بقتل الأطفال كهواية