بعد قرار مجلس الأمن أصبح من المتيقّن أن نتنياهو يسقط في مستنقع الدماء الذي صنعه ويجرّ معه كل حلفائه الإقليميين والدوليين.. فهل كان القرار كافيًا لوقف العدوان الوحشي على الشعب الفلسطيني في غزة، أم أنه مجرد ذرّ للرماد في العيون؟
الحقيقة أنّ واشنطن قد اضطرت للامتناع عن التصويت للمرّة الأولى دون استخدام الفيتو المعتاد والذي طلبه نتنياهو بشكل صريح؛ ليس لأنها كانت تريد إدانة حماس -كما قالت- وإنما لأنها قد أصبحت محملة بمخاطر القيادة الرعناء لنتنياهو الذي يَغرق ويُغرق معه كل حلفائه.
كما أن الولايات المتحدة أرادت أن ترسل رسالة اعتراضية موجهة لنتنياهو الذي ركب دماغه ولم يعد يسمع لنصائح الراعي الأميركي الذي هو أكبر من مجرد راعٍ بكثير، فهو صاحب البيت، وليس مجرد ضيف ثقيل يتدخل فيما لا يعنيه كما يحاول أن يصوّره نتنياهو.
ومع ذلك فالرسالة الأميركية ليست مجردة من الغرض السياسي؛ لأنها تهدف أيضًا لإعادة تصميم وهندسة الحياة السياسية داخل إسرائيل، ووضع نتنياهو في مكانه الطبيعي بعيدًا عن اختطاف الكيان الصهيوني لمصالحه الشخصية.
فالكيان يجب ألا يكون أي شيء غير أنه مجرد امتداد وظيفي للإستراتيجية الأميركية، وغير مسموح بأن يدير أمنه الإستراتيجي بعيدًا عن رؤية المشروع الأميركي للمنطقة، كما أنه يجب ألا يكون في وضعية أخرى غير الوضعية التي وُضع لها، وهو أنه مجرد موظف لدى الإدارة الأميركية وينبغي ألا ينسى نفسه.
التأييد الأعمى يضرّ إسرائيلكما أن الموقف الأميركي الجديد ليس – كما يظن البعض- تخليًا عن الكيان الصهيوني، أو عن الالتزام بتسليحه وضمان تفوقه، فهذه قواعد لا تُمسّ، وإنما هو لتأكيد طبيعة العلاقة بينهما بشكل أعمق، وتوطيد الارتباط بأمن الكيان والذي يجب ألا يتم التفريط فيه.. كما يجب أن نلاحظ في القرار استعداد الولايات المتحدة لتخليها عن أي قائد مهما كانت صهيونيته إذا هددت سياساته أو غطرسته الأمن الإستراتيجي للكيان.
ومن هنا يجب أن نلاحظ أن الموقف الأميركي الجديد هو لإنقاذ إسرائيل من نفسها ولا يحمل بحال أيَّ شكل من أشكال الإضرار بها، ولهذا نجد ترامب الذي هو الأشد تطرفًا في دعم الكيان الصهيوني في تاريخ الصراع، يؤكد ضرورةَ وقف هذه الحرب، بل ويتخذ من ذلك قاعدة لحملته الانتخابية التي يريد أن يهزمَ فيها بايدن والديمقراطيين من خلفه! لأنه يدرك هو الآخر أن التأييد الأعمى سيضرّ إسرائيل أكثر مما يفيدها.
صورة غير مألوفةكما أن الموقف الأميركي الجديد يؤشر بوضوح إلى أن الشعب الأميركي قد بات يلفظ الوحشية الصهيونية التي تصبّ الحُمم الأميركية على رؤوس الأطفال والنساء دون تمييز، برغم أنهم يعانون الحصار منذ 17 عامًا، وهو ما استجلب تعاطفًا عالميًا لهم ولقضيتهم بدرجة لم تحدث في تاريخ الصراع، بل وتفوّقت سرديتهم في العالم على سردية إسرائيل التي دائمًا ما تمتّعت بالتفوق في دعايتها العالمية.
لقد بدا ترامب في صورة غير مألوفة وهو يكرر نفس عبارة بايدن: إن إسرائيل أصبحت في وضعية تخسر فيها كل أشكال الدعم في العالم، بل ويدعوها لأن تتقدم نحو السلام؛ لأنها تحتاج إلى مواصلة حياة طبيعية!
إلى هذا الحد وضح للجميع أن إسرائيل في مأزق كبير، وأن المقاومة الباسلة والصمود البطولي للشعب الفلسطيني قد نجحا في تغيير الكثير من الثوابت السياسية والإستراتيجية والمعنوية في عالم القرن الحادي والعشرين، وبقي أن تتفاعل أمتنا العربية والإسلامية مع بطولات الشعب الفلسطيني؛ لتكمل الملحمة وتحقق الانتصار المفقود للقيم والمبادئ التي أصبح العالم في حاجة ماسَّة إليها أكثر من أي وقت مضى.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات کما أن
إقرأ أيضاً:
“أميرة” لم تكن فتاة.. قصة الشاب الذي خدع العشرات ووقع في قبضة الأمن بعدن
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص
قبل أسابيع فقط، كانت “أميرة محمد” تبدو لضحاياها فتاة مثقفة، ودودة، ودائما تبحث عن مساعدات إنسانية، وتظهر دائما وقوفها إلى جانب الكثير من المحتاجين، لكن خلف هذا الاسم الرقيق، كانت تُنسج واحدة من أكثر قصص الاحتيال والابتزاز تعقيدًا على وسائل التواصل الاجتماعي في عدن.
اليوم، وبعد عملية أمنية محكمة، أُلقي القبض على العقل المدبر للحساب الوهمي، وهو شاب يُدعى “بكري”، جرى ضبطه في إحدى المحافظات القريبة من عدن، بعد أن فرّ هاربًا إليها منذ أسابيع، إثر ملاحقته من قبل وحدة الابتزاز الإلكتروني التابعة لإدارة أمن عدن.
العملية جاءت ثمرة تنسيق دقيق بين وحدة الابتزاز الإلكتروني في عدن والأجهزة الأمنية في محافظة الضالع، حيث تم تتبع خطوات المتهم والتأكد من هويته عبر صور ومعلومات وفرتها الأجهزة الأمنية.
بداية الخيط.. من ضحية واحدة إلى شبكة ابتزاز
القصة بدأت حين تقدم أحد الضحايا ببلاغ رسمي إلى أمن عدن، مفاده أنه وقع في فخ فتاة على مواقع التواصل، أجبرته بطرق ملتوية على تحويل مبالغ مالية تجاوزت عشرين ألف ريال سعودي على دفعات، وكان اسم المستلم الظاهر على إيصالات الحوالات هو: (ن.ا.ع.ع)، من مواليد 1996، صيرة – عدن.
حينها، تم ضبط الفتاة التي استلمت الأموال، لتكشف ما هو أبعد من مجرد حساب مزيف. فوفقًا لاعترافاتها، لم تكن سوى جزء من شبكة صغيرة، تضم أربعة أشخاص: شابّين وفتاتين، كانوا يتشاركون في تشغيل الحساب وتوزيع الأدوار.
الفتاة أقرت أن مهمتها اقتصرت على استقبال الأموال، بينما كانت فتاة أخرى، تعيش أيضًا في عدن، هي المسؤولة عن تسجيل الرسائل الصوتية التي تُرسل للضحايا لإقناعهم بمصداقية الحساب، فيما تولى الشابان، وأحدهما “بكري”، إدارة الحوار وتنفيذ عمليات الابتزاز.
السقوط في الضالع.. والمتهم الثاني لا يزال حرًا
ومع استمرار التحريات، اتضح أن “بكري” فرّ إلى خارج عدن فور علمه بالملاحقة، ليتم إصدار مذكرة ضبط بحقه، توّجت صباح اليوم بإلقاء القبض عليه في محافظة الضالع، حيث تم التأكد من هويته عبر إرسال صور حديثة إلى وحدة الابتزاز في عدن.
أما الشاب الثاني فما يزال مكانه مجهولًا حتى الآن، بينما تم إلقاء القبض على إحدى الفتاتين، في حين لا تزال الأخرى فارّة من وجه العدالة.
حساب وهمي.. وضحايا بالعشرات
تشير التحقيقات إلى أن هذه الشبكة استهدفت العشرات وربما المئات من الضحايا، مستخدمة أسلوبًا مدروسًا يعتمد على بناء علاقة ثقة، ثم الانتقال تدريجيًا إلى الضغط والابتزاز وتحويل الأموال، مستغلة الثقة أو الخوف أو العاطفة.
وقد بدأت الجهات الأمنية في العاصمة اليمينة المؤقتة عدن باستكمال الإجراءات القانونية، تمهيدًا لمحاكمة المتورطين، وسط دعوات لتشديد الرقابة على الحسابات الوهمية ورفع مستوى الوعي الرقمي لدى المستخدمين لمنع وقوع المزيد من ضحايا الابتزاز الإلكتروني .