هل تراجعت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر أم حققت أهدافها؟
تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT
أشعل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مياه البحر الأحمر وسواحله، فمنذ 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أطلقت جماعة أنصار الله الحوثيين هجماتها ضد السفن المملوكة لإسرائيليين أو المتوجهة إلى الموانئ الإسرائيلية.
وفي يناير/ كانون الثاني 2024، بدأ تحالف "حارس الازدهار"، الذي تقوده الولايات المتحدة وتشارك فيه بريطانيا بشكل رئيسي، باستهداف معاقل جماعة الحوثيين في اليمن، مما أدى لتوسيع نطاق عمليات الجماعة لتشمل السفن المرتبطة بواشنطن ولندن أيضًا.
شكل هذا التصعيد محل اهتمام وقلق لأغلب الجهات الفاعلة في المنطقة والعالم، من دول ومنظمات وشركات نقل، فمضيق باب المندب والبحر الأحمر يعدان عقدة رئيسية في طرق الشحن البحرية العالمية، ويؤدي استمرار هذه الهجمات إلى تحويل حركة المرور البحرية عن البحر الأحمر إلى أفريقيا.
تباين في كيفية ردع الحوثيين
تتباين وجهات النظر الأميركية تجاه سبل ردع الحوثيين، فتحالف "حارس الازدهار" يضم 24 دولة بقيادة القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية، لكن بريطانيا وحدها هي التي شاركت أميركا في استهداف مواقع الحوثيين في اليمن.
حيث شنتا ضربات أبرزها في يومي 11 و22 (يناير/ كانون الثاني) 2024، ويومي 3 و24 (فبراير/ شباط) 2024.
ومن خلال ذلك، تسعى واشنطن، وفقًا لتقرير خدمة أبحاث الكونغرس، لتجنب مزيد من التورط المباشر في اليمن خشية اتساع نطاق الصراع في المنطقة، وتحرص على الحفاظ على الهدنة في اليمن وتعزيز جهود السلام التي تدعمها الأمم المتحدة، واستعادة الأمن البحري في المنطقة.
لكن في المقابل، فأمام هذه المخاطر المتزايدة، تبرز في أروقة واشنطن دعوات لتوجيه ضربات أكبر ضد الحوثيين واستئصالهم، ما حدا بلجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس لعقد اجتماع في 14 فبراير/ شباط 2024 لمناقشة هذه القضية.
خلال الاجتماع، قدم مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية جون ألترمان طرحا مغايرا، مشيرا إلى أن التصعيد العسكري ضد الحوثيين قد يعزز الأهداف الإيرانية وينعكس سلبًا على الاستقرار اليمني، والذي "قد يدفع العديد من الحلفاء إلى التشكيك في قيمة الدعم الأميركي".
وأشار ألترمان إلى أن سياسة "الضغط الأقصى" الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب لم تنجح، وأن الردع المطلوب لن يتحقق ما لم يشعر قادة الحوثيين ومن ورائهم إيران أن لديهم خيارا مريحا في مقابل خيارات التصعيد المؤلمة، "وليس مجرد السعي إلى هزيمتهم في ساحة المعركة".
نظرة على عمليات الحوثيين
منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بلغت الهجمات التي شنها الحوثيون في البحر أكثر من 52 هجومًا، وفقًا للقيادة البحرية الأميركية، بينما قال زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي إن قواته استهدفت 102 من السفن العابرة لمضيق باب المندب.
كان أبرز هذه الهجمات مؤخرًا في العاشر من أبريل/ نيسان 2024، حيث استهدفت 3 سفن أميركية وإسرائيلية، بعدها وفي اليوم الـ24 أعلن الحوثيون استهداف سفينة ومدمرة أميركيتين وسفينة إسرائيلية، في كل من خليج عدن والمحيط الهندي.
ووفقًا لمؤسسة "فيتش سوليوشنز" فإن ضربات الحوثيين تراجعت نتيجة "ضعف مخزونهم من الأسلحة المتطورة، التي دمرت الضربات الأميركية والبريطانية المشتركة جزءًا كبيرًا منها، فضلًا عن الأضرار التي لحقت مراكز القيادة والسيطرة لديهم"، وفق المؤسسة.
والشهر الماضي، نقل موقع بلومبيرغ عن اللواء جورج ويكوف، قائد الأسطول الأميركي لعملية البحر الأحمر، قوله إن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة استطاع خفض قدرات جماعة الحوثيين، لكن "ما زال أمامه كثير من العمل قبل إنجاز المهمة"، وفق تعبيره.
وأوضح ويكوف أنه لا يمكن التنبؤ بموعد إنجاز المهمة بسبب الدعم الاستخباري والعسكري الذي يتلقاه الحوثيون من إيران.
استمرار العمليات
لكن في المقابل، أكد زعيم جماعة أنصار الله استمرار العمليات وتوسيعها، وتقويتها في بحر العرب والبحر الأحمر والمحيط الهندي، وقال "إن الانتشار البحري الأميركي هو الذي تراجع، وليس عمليات الجماعة في المنطقة"، ولا يزال التكهن بنتائج الضربات الأميركية البريطانية على الحوثيين صعبا الآن.
ومن المهم الإشارة في هذا الصدد إلى تقرير نشره موقع "ناشونال إنترست" الأميركي قال فيه إن ما يحدث في البحر الأحمر يُظهر أن عدد السفن الحربية لدى أي بلد لم يعد مهما في تقييم قدرته على إغلاق الممرات البحرية والسيطرة عليها.
وأوضح تقرير الكاتب الأميركي رامون ماركس، أن تطوير الصواريخ المضادة للسفن والمسيرات الرخيصة قد أحدث ثورة في الحرب البحرية، تماما كما فعلت حاملات الطائرات في القرن الماضي.
ورغم القوة النارية لدى البحرية الأميركية، يؤكد الكاتب، فإن الحوثيين لا يزالون متماسكين ويهاجمون بانتظام السفن التجارية في البحر الأحمر والسفن الحربية الأميركية، وفي مارس/آذار الماضي، أطلقوا صاروخا مضادا للسفن على السفينة الحربية "يو إس إس لابون"، التي يقال إن بناءها كلف ما يقرب من مليار دولار.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "تلغراف" البريطانية يتمتع الحوثيون بميزة صاحب الأرض، ذلك أن اليمن دولة مطلة على البحر الأحمر، وهم بالتالي على دراية تامة بأحوال البحر والمناخ، وكلتا هاتين النقطتين في صالح الطرف المهاجم، وفقا للمقال.
مسار السفن
وأمام هذا الواقع، لجأ كثير من شركات وسفن الشحن التجارية وشركات التأمين إلى تغيير مسار سيرها وتجنب عبور مضيق باب المندب نحو قناة السويس، وبدلا من ذلك تعيد توجيه مسار شحناتها إلى جنوب أفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح.
فمنذ استيلاء الحوثيين على حاملة المركبات "غالكسي ليدر" في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، المملوكة لشركة "راي شيبينغ ليميتد" ومقرها إسرائيل، أشارت بيانات "مارين ترافيك" إلى أن بعض السفن التي لديها صلات بالكيان الإسرائيلي تتجنب البحر الأحمر.
ووفقًا لتقرير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، فإن العديد من السُفن شوهدت وهي تبحر عبر رأس الرجاء الصالح للوصول إلى أوروبا وآسيا.
كما أظهرت بيانات "مارين بينخمارك" التراجع الحاد في عدد السفن المبحرة عبر البحر الأحمر، منذ يناير/ كانون الثاني 2024. ونقلت صحيفة "تلغراف" عن مكتب الإحصاءات البريطاني أن نسبة السفن التي تعبر البحر الأحمر انخفضت إلى 66% بداية أبريل/ نيسان 2024.
تداعيات التصعيد على خطوط الشحن البحرية
من المتوقع أن يواصل الحوثيون هجماتهم، كما أكدوا ذلك مرارا، التي تُظهر جديتها في إلحاق الضرر بالسفن المستهدفة.
ومتوقع أيضا أن تأخذ السفن المدنية وشركات التأمين غير المرتبطة بإسرائيل في الاعتبار خطورة وقوع خطأ من الحوثيين في تحديد هوية السفن وتمييزها، خاصة أن الضربات الأميركية والبريطانية دمرت بعض منشآت رادار الدفاع الجوي لديهم.
وسوف تكون هناك تكلفة عالية لعمل السفن التي تمر من المياه القريبة من اليمن، خلال الفترة القادمة، إما لمخاطر عمليات احتجازها، أو ارتفاع رسوم التأمين عليها، وهو ما يعني ارتفاع تكلفة عمل هذه السفن ورفع الأجور التي تحصل عليها.
كما أن كثيرا من السفن ستتجنب الإبحار عبر البحر الأحمر أو قرب السواحل اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون، وستواصل اعتمادها أكثر فأكثر على الطريق المار عبر رأس الرجاء الصالح سواء باتجاه آسيا أو أوروبا.
لكن هذا الطريق يجعل من رحلة هذه السفن أطول وأكثر تكلفة، حيث ستحتاج السفن المبحرة من آسيا إلى أوروبا لأكثر من 30 يوما تقريبا للوصول إلى موانئ إسبانيا، مقارنة بحوالي 19 يوما عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وفقا لتقرير معهد واشنطن.
تكاليف إضافية
كما ستؤدي هذه الرحلات الأطول إلى تكاليف إضافية على الباعة والمشترين على حد سواء، أي أن استمرار عمليات الحوثيين سيبقي تكاليف الشحن العالمية خلال عام 2024 أعلى من مستوياتها المعقولة، مما ينذر ببلوغها مستويات قياسية، مثل ما حصل أثناء انتشار وباء "كوفيد-19".
يشار إلى أن مضيق باب المندب الذي يشرف عليه اليمن يمر عبره 10% من التجارة البحرية الدولية سنويا من خلال مرور نحو 21 ألف سفينة. كما يمر عبره 6 ملايين برميل من النفط يوميا، وقد أدى التصعيد في البحر الأحمر إلى اختلال نحو 15% من التجارة الدولية، وفقا لتقرير معهد واشنطن.
لذا فإن حماية حرية الملاحة في هذه المنطقة تُعتبر أساسية لأمن الطاقة والاقتصاد العالمي ككل.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن البحر الأحمر الحوثي امريكا هجمات عبر البحر الأحمر فی البحر الأحمر الحوثیین فی باب المندب فی المنطقة فی الیمن ا لتقریر إلى أن
إقرأ أيضاً:
معلومات الوزراء: تقلبات بأسعار الشحن العالمي بسبب تغيير مسارات السفن
سلط مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، الضوء على التقرير الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد"، حول النقل البحري خلال عام 2025، والذي أشار إلى أن قطاع الشحن البحري العالمي، الذي ينقل أكثر من 80% من التجارة الدولية، شهد ضغوطًا متزايدة مع تباطؤ النمو وارتفاع التكاليف، مضيفاً أنه بعد نمو متواضع للتجارة البحرية بلغ 2.2% خلال عام 2024، من المتوقع أن يتراجع معدل النمو إلى 0.5% فقط خلال عام 2025.
وأكد التقرير أن التوترات السياسية والتغيرات في أنماط التجارة وإعادة تشكيل مسارات الشحن أعادت خلال الفترة الماضية رسم خريطة التجارة البحرية؛ حيث اضطرت السفن التي كانت تمر عبر البحر الأحمر في أيام معدودة إلى الإبحار لمدة أسابيع حول طريق رأس الرجاء الصالح، مما رفع تكاليف الشحن وأضعف استقرار سلاسل التوريد وتسبب في اضطرابات مزمنة بالموانئ.
كما أن تغيير مسارات السفن أدى إلى ارتفاع المسافات المقطوعة بالطن -المسافة التي يقطعها كل طن من البضائع- إلى مستوى قياسي بلغ 6% في 2024، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف معدل نمو حجم التجارة البحرية في 2024.
بالإضافة إلى ذلك، فقد زادت التدابير التجارية التي أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى، بما في ذلك الرسوم الجمركية الجديدة والقيود المستهدفة على رسو السفن، من التكاليف وفاقمت حالة عدم اليقين الاقتصادي.
فضلًا عن ذلك، يمر قطاع شحن الطاقة كذلك بعدد من التحولات؛ إذ ارتفع شحن الفحم رغم تراجعه على المدى الطويل، وظلت شحنات النفط مستقرة لكن عبر مسارات أطول، بينما زادت تجارة الغاز. وقد أصبحت المعادن الحرجة، الضرورية لصناعة البطاريات والطاقة المتجددة والاقتصاد الرقمي، مصدرًا جديدًا للتوترات مع تصاعد المنافسة على تأمين الإمدادات وتعزيز القيمة المضافة محليًا، مما فرض متطلبات جديدة على النقل واللوجستيات.
أكد التقرير أن السمة الأساسية التي أصبحت تميز مشهد أسعار الشحن العالمي تتمثل في التقلب وعدم الاستقرار؛ حيث شهدت أسعار الحاويات والبضائع السائبة وناقلات النفط تقلبات حادة خلال عامي 2024 و2025، بفعل التوترات الجيوسياسية وتحولات السياسات التجارية وعدم التوازن بين العرض والطلب. وقد تعرضت أسعار الشحن بالحاويات لضربة قوية؛ إذ اقتربت أسعار السوق والعقود من مستويات جائحة "كوفيد-19" في منتصف 2024، قبل أن تتراجع لكنها ظلت أعلى بكثير من مستويات ما قبل الجائحة.
كما ارتفعت أسعار شحن البضائع السائبة الجافة في 2024؛ بسبب الطلب القوي على الفحم والحبوب والأسمدة وإعادة توجيه السفن عبر البحر الأحمر وضعف نمو الأساطيل، لكنها تراجعت في 2025 مع دخول طاقات جديدة إلى الخدمة، في حين شهدت أسواق ناقلات النفط ارتفاعًا حادًا في يونيو 2025 نتيجة تصاعد المخاطر في مضيق هرمز.
وفي سياقٍ متصل، يؤكد التقرير أن طول مسارات الشحن يتسبب في ارتفاع الانبعاثات؛ حيث زادت انبعاثات غازات الدفيئة من الشحن بنسبة 5% في 2024، فيما لا يتجاوز نصيب الأسطول العالمي القادر على استخدام الوقود البديل 8%، كما أن معدلات إعادة تدوير السفن لا تزال منخفضة.
يحذر التقرير من أن إزالة الكربون عن قطاع الشحن البحري ستتطلب تكاليف كبيرة تشمل تجديد الأساطيل وتكييف الموانئ وتطوير بنية تحتية للوقود البديل، مما يستدعي توفير قواعد تنظيمية واضحة، وتعزيز الاستثمار والتعاون بين الحكومات والصناعة والقطاع المالي لدفع هذا التحول.
أكد التقرير في ختامه أن قطاع الشحن البحري اعتاد مواجهة أزمات متعددة لكنه لم يشهد في السابق كل هذه التحولات في وقتٍ واحد، ويقترح التقرير في ذلك الصدد عددًا من الإجراءات ذات الأولوية تشمل تعزيز استقرار السياسات التجارية لتقليل حالة عدم اليقين، وضمان تدفق سلاسل التوريد، والاستثمار في بنية تحتية خضراء ومستدامة ومرنة للموانئ والشحن، وتشجيع الرقمنة لرفع مستويات الكفاءة والشفافية مع ضمان الأمن السيبراني، وتعزيز إعادة التدوير المستدام للسفن، إضافة إلى حماية الاقتصادات الأكثر هشاشة من التأثيرات الأسوأ لارتفاع تكاليف الشحن.