نظم المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، مساء أمس بالمسرح الكبير، أمسية موسيقية للفنان والموسيقار هاني شنودة بعنوان «ألحان خالدة»، في إطار سلسلة الفعاليات الثقافية والفنية التي ينظمها المتحف، كونه منارة حضارية ومؤسسة مجتمعية.

دور المتحف

استهل الدكتور أحمد غنيم الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف الأمسية، بكلمة رحب خلالها بالحضور، وقدم التهنئة للإخوة المسيحيين بمناسبة عيد القيامة المجيد، معربا عن سعادته بهذه الأمسية الفنية، التي تساهم في إبراز دور المتحف كمؤسسة ثقافية داعمة للعديد من الحفلات الفنية والثقافية المتنوعة، حيث أصبح قبلة للفنانين والموسيقيين على مستوى مصر والعالم.

كما أنها تأتي بالتزامن مع انعقاد أول اجتماع لمجلس إدارة جمعية أصدقاء المتحف القومي للحضارة المصرية، برئاسة الدكتور أشرف العربي وزير التخطيط الأسبق، ورئيس معهد التخطيط القومي، والأمين العام اللواء محمد يوسف، وتضم الجمعية في عضويتها شخصيات متميزة، الأمر الذي يؤكد قيام المتحف بدوره المجتمعي والتثقيفي، الذي يعد أحد رسالات المتاحف بشكل عام.

كما توجه بالشكر للهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي، ودور القطاع الخاص، ممثلا في البنك الأهلي المصري، ومجموعة «إي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية» على رعاية الأمسية، ودعمهما لدور المتحف الثقافي والفني.

فيلم وثائقى

بدأت الأمسية بعرض فيلم وثائقي عن تاريخ الفنان هاني شنودة، وأبرز أعماله ومراحل حياته، وحفلاته الموسيقية التي جابت بلاد العالم، وأبرز المقطوعات الموسيقية التي عزفها.

وتضمنت الأمسية، فقرة موسيقية أدتها فرقة الفنان هاني شنودة بقيادة المايسترو محمود بيومي، وعزفت خلالها باقة من أبرز ألحانه ومقطوعاته الموسيقية، التي أثّرت لأكثر من 50 عاما في المشهد الفني المصري، منها موسيقى أفلام المشبوه، وشمس الزناتي، والمولد، وموسيقى الشوارع حواديت، وأغنية أنا بعشق البحر، التي نالت إعجاب الحضور.

وأبدى «شنودة» سعادته بتواجده في المتحف، هذا الصرح الثقافي الضخم، تزامنا مع عيد ميلاده الحادي والثمانين الذي يوافق 29 أبريل 1943، موضحا أن الموسيقى لغة عالمية عابرة للحدود والمسافات، مشيرا إلى أن المصريين القدماء لم ينشغلوا عن الإبداع في الموسيقى بجانب المجالات الأخرى، وعرفوا كثيرا من الآلات الموسيقية التي أظهرت مدى تقدمهم وتطورهم في هذا المجال.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: أحمد غنيم أحمد فؤاد أشرف العربي الآلات الموسيقية الأعلى للآثار آخر ملوك مصر هانی شنودة

إقرأ أيضاً:

الخرطوم تحتضر.. كيف سيتعرف عليها سكانها بعد الحرب؟

إنه لمن المحزن أن يكتشف المرء أن عاصمة بلاده لم تعُد موجودة، لا شيء مما تبقّى فيها يدلّ على أنها هي الخرطوم، عروس النيلَين، بعبقها وأصالتها. وهي اليوم بعد حرب ومعارك لا تزال مُستعرة، يتعذّر التعرُّف عليها، حتى إنّ الكثير مِن معالمها الآثرية النادرة، تمّ تدميرها أو محوها بالكامل.

بدت العاصمة السودانية وهي تتعرّض لذلك التدمير المُمنهج، وتنتشر فيها أنواع من الحيوانات المفترسة تتغذّى على جثث السودانيين في العراء، مصدومة مثلنا تمامًا، لدرجة أن متنزهاتها وحدائقها العامة تحوّلت حرفيًا إلى مقابر!

بين قصرَين

القصر الجمهوري، الذي تتحصّن فيه القوات المتمردة حاليًا، ألحقت به الحرب دمارًا هائلًا جعله غير صالح لممارسة السُلطة، وهو في الحقيقة قصران: أحدهما شيّده الرئيس المعزول عمر البشير في العام 2015، والآخر هو القصر القديم، الذي يطلّ على ضفة النيل الأزرق، وقد اكتسب زخمًا تاريخيًا نظرًا لرفع علم الاستقلال على ساريته في يناير/ كانون الثاني 1956، وبالرغم من أنه ليس نقطة تحكّم عسكرية فإنه في أحسن الظروف لن يصمد طويلًا؛ بسبب القتال، والقوة التدميرية الهائلة حوله.

ليس بعيدًا عن ذلك الحريق، تحتضن مدينة الخرطوم بحري المتحف الحربي، الذي يضمّ عشرات المقتنيات الحربية والعسكرية النادرة، من صور وأزياء وأسلحة تؤرّخ لحقب عسكرية مختلفة، وهو أيضًا يقع في منطقة تقاطع نيران الجيش، والدعم السريع، وكل ما يحتويه عُرضة للخطر.

صرخة مديرة المتحف الطبيعي

من المعالم المهمة التي لحق بها الخراب كذلك متحف الخرطوم الطبيعي، الذي نفقت فيها كل الحيوانات والطيور نفوقًا بطيئًا؛ بسبب العطش والجوع، بما فيها الثعابين والعقارب والتماسيح والحشرات شديدة السُمية، كثير منها تم جمعه بصعوبة بالغة، ولا توجد منه عينات أخرى في السودان، ومع ذلك لم تشفع صرخة مديرة المتحف سارّة عبدالله لإنقاذ ذلك المتحف، وفشلت كل الجهود في نقل الكائنات بداخله إلى مكانٍ آمن، لتنقرض شيئًا فشيئًا، وتلحق بوحيد القرن الأبيض الأخير المعروف بـ"سودان".

عندما يعود سكان الخرطوم إلى الديار سوف يتفاجؤُون ليس فقط بالدمار والنهب الذي طال بيوتهم، ولكن باختفاء معظم معالم الخرطوم القديمة والحديثة أيضًا، مول عفراء، مطابع العملة، مستودعات الشجرة، صالة المطار، برج شركة النيل، المحاكم والأدلة الجنائية، المراكز البحثية، المنطقة الصناعية بحري، آثار بيت الخليفة بأم درمان، المكتبات التي تضمّ آلاف الكتب والمخطوطات النادرة، مئات الجامعات والشركات والمباني الحكومية، أصبحت فعليًا تحت الأنقاض.

كنوز قومية مُهددة بالضياع

الأمر لا يتعلق بالمباني فحسب، فهي ترتبط بالحنين والذكريات، لكن مكمن الخطورة في الأشياء التي يصعب تعويضها، مثل الكنوز القومية، التي تحفظ ذاكرة الأمة، منها دار الوثائق القومية، وسط الخرطوم، والتي يمكن أن تلتهما النيران، إن لم تكن قضت عليها بالفعل.

وتكتسب أهميتها من كونها ثانية أعرق دور لحفظ التراث المكتوب في المنطقة، من جمعه إلى تصنيفه وأرشفته، وتضم داخلها نحو ثلاثين مليون وثيقة تقع في مائتي مجموعة وثائقية مع أصناف الخرائط والمخطوطات والكتب النادرة، لكن تلك الأهمية لا تعني لمليشيا الجنجويد شيئًا، ولن يترددوا في جعلها مخزنًا للأسلحة كما فعلوا بالمتحف القومي، الذي تم احتلاله بطريقة عبثية، وقاموا بنبش آثار (الكنداكات) وتوابيت ملوك الحضارة الكوشية القديمة، وعرضوهم في مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارهم ضحايا سجون البرهان! وعلى رأس تلك الآثار تمثال الملك تهارقا (690 –  664 ق.م) الذي نُقل حديثًا إلى دار المتحف القومي عند ملتقى النيلين، ومع ذلك لم تتحرك اليونسكو، المعنية بالآثار، للحفاظ على التراث السوداني، كما لو أن الأمر لا يعنيها!

وباستهداف القصر الجمهوري والمتحف القومي وجامعة الخرطوم وآثار ما قبل الحقبة الاستعمارية فإن هذه الحرب، أو من يقف خلفها، يتعمد استباحة كل ما هو وطني وتاريخي.

تجفيف منابع الحياة

بما أن الدمار المعماري يعتبر نتيجة ثانوية مألوفة للصراع، فإن التأثيرات على المدينة يمكن أن تمتد إلى ما هو أبعد من البيوت والمباني، وهو ما نشهده اليوم بالفعل، تجريف كافة معالم الخرطوم القديمة، وتجفيف منابع الحياة فيها، لتنهار وينهار معها أمل العودة، إذ إن ما يحدث ليس هو تلك الأضرار الجانبية للحرب، بل الهدف الخفي لها، حرق كل شيء، وإجبار الناس على الهروب بعيدًا.

ربما لم يكن دقيقًا وصف الكاتب البريطاني أليكس دي وال للخرطوم: "كما لو أنها تأسست على موقع قيادة تم بناؤه لأغراض النهب الإمبريالي"، لكنه أقرب إلى الحقيقة، فهي مدينة مصنوعة، وبلا مقومات كافية للصمود في وجه الطبيعة والحروب، وهي أيضًا ليست منتشرة مثل برلين التي فشلت قيادة قاذفات القنابل التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني في إلحاق الضرر المتعمد بها أثناء الحرب العالمية الثانية، لأن تركيز المباني القابلة للاشتعال لم يكن كبيرًا، بينما ركام المباني في الخرطوم شاهد حقيقي على الكلفة الباهظة للحرب التي أتت على كل شيء تقريبًا.

بين الخرطوم وغزة

ما يحدث في غزة اليوم يحدث في الخرطوم، من محاولات مسنودة بتغطية وكلاء الغرب الاستعماري، لتدمير المباني واتباع سياسة الأرض المحروقة، وإجبار السكان على النزوح أو الموت، فيما تم نهب ما يزيد على مليون منزل، وتناثرت محتوياتها مع أشلاء البشر الذين قضوا نحبهم جراء القذائف، عطفًا على "قتل المنازل"، أي التدمير المتعمد للبيوت، ذلك المفهوم الذي ابتكره الجغرافيان الكنديان: بورتيوس وسميث لأول مرة في عام 2001، وقد تم احتلال المناطق المدنية عمدًا كتكتيك يهدف إلى الإضرار بالروح المعنوية للسكان وتشريدهم، وتجنب ضربات الطيران الحربي.

ولذلك فالأمر ليس مصادفة، وإنما تدخل الخرطوم عنوة ضمن ‏الخريطة السياسية الجديدة للمنطقة المراد ترسيمها عبر المخططات القائمة، لتُدار بها هذه الحرب الكبيرة والفريدة في أساليبها ممثلة في تدمير التراث، وإفقار المواطنين عمدًا وإجبارهم على الهجرة، كما حذّرنا حاكم إقليم دارفور أركو مناوي، وألقى باللائمة على من وصفهم بالعملاء الوطنيين الذين تطوّعوا لخلق بيئة تسمح لبداية ذلك المشوار.

نحن اليوم فعليًا، عندما نعود للخرطوم وننظر إليها، يتعين علينا أن نواجه تلك الحقيقة المؤلمة، التي تذكّرنا بمأساة الفنان العالمي بيكاسو عندما رسم لوحته الشهيرة "جورنيكا" مصورًا فيها خراب تلك المدينة، فعندما قبضوا عليه وسألوه في محضر الاتهام: "أنت الذي رسمت هذه اللوحة؟" ردّ عليهم بجوابه الشهير: "لا .. بل أنتم"، وذلك ما يلقي على كاهلنا مسؤولية كبيرة، وهي أن نعي خطورة المؤامرة، ولا نستسلم، نكافح بجدية آثار الحرب، ونعيد بناء هذه المدينة بصورة أفضل مما كانت عليه.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • مكتبة محمد بن راشد تحتفي بالثقافة الفلبينية عبر أمسية شعرية
  • "عمرو دياب مُدان والجمهور هو لقمة العيش" .. هاني شنودة يخرج عن صمته
  • بالفيديو.. الموسيقار هاني شنودة يكشف عن الشرط الوحيد للتعاون مع مطربي المهرجانات
  • «الشارقة للحضارة الإسلامية»... مقتنيات فريدة تجسد روحانية وعظمة شعائر الحج
  • مقتنيات فريدة تجسد عظمة شعائر الحج يعرضها متحف الشارقة الحضارة الإسلامية
  • الشارقة للحضارة الإسلامية”… مقتنيات فريدة تجسد روحانية وعظمة شعائر الحج
  • ماذا قال هاني شنودة عن أزمة صفع عمرو دياب لمعجب؟
  • الرابر السوداني دافنشي يطرح "العيد الكبير" تزامنا مع عيد الأضحى
  • الخرطوم تحتضر.. كيف سيتعرف عليها سكانها بعد الحرب؟
  • مدحت صالح وريهام عبدالحكيم يُحييان حفل متحف الحضارة