المارونية تحتفل بذكرى البار ممنون الصانع العجائب
تاريخ النشر: 1st, May 2024 GMT
تحتفل الكنيسة المارونية بذكرى تذكار البار ممنون الصانع العجائب الذي تلألأ في زمان ومكان لم يحفظهما التاريخ، إضافة إلى القدّيسة كاترينا السيّانيّة المعترفة وولدت كاترينا في سيانّا، إحدى المدن الإيطاليّة سنة 1347.
تعلّمت على يد أمّها الصلوات والتأمّلات. فحباها الله برؤًى سماويّة وهي في السادسة من عمرها.
إنطبعت جراحات يسوع الخمسة في جسدها. قصّت شعرها رمزًا لنذر البتوليّة. إنضمّت إلى رهبنة مار فرنسيس الثالثة للعلمانيّين، واتّشحت بالثوب الفرنسيسكانيّ وهي تقيم في بيت والدَيها تمارس التقشّف والصوم والعبادة. راح المسيح يظهر لها حتّى توافد كثير من المؤمنين إليها، فترشد الجميع وتساعد الفقراء منهم من ثروة والدَيها، وتشفي المرضى من بينهم بصلاتها. أقنعت البابا غريغوريوس المقيم في أفينيون بضرورة العودة إلى رومة. خطبت في مجمع الكرادلة بطلب من البابا أوربانس السادس. رقدت بالربّ سنة 1380. أعلنت قدّيسة سنة 1461، ومعلّمة للكنيسة سنة 1971.
بهذه المناسبة، ألقت الكنيسة عظة احتفالية قالت خلالها: أيّها الإخوة، فَلنَهتدِ: لنَنتَبه كي لا يحدث بيننا شجار على الأولويّة فنخسر فإذا كان قد "وَقَعَ بَينَ الرُّسلِ جِدالٌ في مَن يُعَدُّ أَكبَرَهم"، فليس ذلك عذرًا لنا؛ بل تلك دعوة كي نَتنبَّه. لقد اهتدى بطرس، بالتأكيد، يوم لبّى نداء الربّ الأوّل، ولكن مَن يمكنه القول إنّ اهتداءه قد حدث بومضة؟
لقد أعطانا الربّ المثل: نحن نحتاج إلى كلّ شيء؛ أمّا هو، فليس بحاجة إلى أحد؛ بيد أنّه أظهر نفسه معلّمًا للتواضع عندما قام بخدمة تلاميذه... أمّا بالنسبة إلى بطرس، فقد كان مندفعًا بروحه دون شكّ، إنّما كان ضعيفًا في جسده وقد أخبره الرّب مسبقًا بأنّه سوف ينكره. قد نجد مَن يقتدي بآلام الرّب، إنّما لا نستطيع أن نجد أشخاصًا متساوين معه. لذا، لا ألوم بطرس كونه أنكر الربّ؛ بل أهنّئه على بكائه. لا ألومه لأنّ الإنكار هو من صلب طبيعتنا المشتركة؛ أمّا البكاء، فهو علامة فضيلة وقوّة داخليّة وإن عذرناه، فهو لم يعذر نفسه، لقد فضّل أن يلوم نفسه على خطيئته، وأن يبرّر ذاته بالاعتراف بها، على أن يزيد من خطورة خطيئته بعدم الاعتراف بها. وبكى...
اقرأ أنّه بكى، ولا أقرأ أنّه اختلق الأعذار. فمَن لا يمكنه أن يدافع عن نفسه، يمكنه أن يغتسل؛ على الدموع أن تغسل النواقص التي نخجل من إعلانها جهارًا... الدموع تُقرّ بالخطأ دون جزع... الدموع لا تطلب الغفران، بيد أنّها تحصل عليه... حسنة هي الدموع التي تغسل الخطأ! فهي قد سالت بفعل نظرة الرّب يسوع. لقد أنكر بطرس مرّة أولى ولم يبكِ، لأنّ الرّب يسوع لم ينظر إليه. أنكر مرّة ثانية، ولم يبكِ، لأنّ الربّ لم يكن قد نظر إليه بعد. أنكر مرّة ثالثة، "فالتَفَتَ الربُّ ونظَرَ إلى بُطرُس، فتذَكَّرَ بُطرُسُ كَلامَ الربِّ فخَرَجَ مِنَ الدَّارِ وبَكى بُكاءً مُرًّا"، انظر إلينا أيّها الربّ يسوع، كي نتعلّم أن نبكي خطيئتنا.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الكنيسة المارونية القديسة كاترينا
إقرأ أيضاً:
حين تتحول السلبية إلى أسلوب حياة
د. أحمد بن موسى البلوشي
التطور الحاصل والسريع في وسائل الاتصال المختلفة، والانفتاح الواسع على العالم، ليس قادرًا على حماية الإنسان من أكثر الأمراض انتشارًا في هذا الوقت الذي نعيشه، في زمن تتوفر فيه المعرفة بضغطة زر، والفرص بوفرة، ورغم أن هذا العصر يُقدّم فرصًا كثيرة لم تكن متاحة من قبل، فإن ظاهرة النظرة السوداوية والتذمر المستمر باتت تنتشر وبكثرة في المجتمعات، حتى أصبحت تعيق قدرة الفرد على النمو والتطوير، وتثقل خطواته نحو النجاح. هذا الشعور المتسلل لم يعد مجرد حالة عابرة؛ بل أصبح عند كثيرين عادة يومية تُزين أحاديثهم ونظرتهم للأشياء، حتى بات البعض يراه جزءًا من طبيعة الحياة.
السلبية اليوم لا تأتي بصوتٍ عالٍ أو إعلانٍ واضح، وهي ليست فقط مجرد شعور عابر بالضيق والحسرة، بل هي حالة ذهنية تتشكل مع الفرد بمرور الوقت، هي تبدأ بهمس بسيط "لن تنجح"، "ما الفائدة"، "الوضع لن يتغير"، وتقوم بتضخيم المشكلات والتحديات البسيطة والصغيرة، ثم تتحول مع الوقت إلى عادة يومية في التفكير، ثم تكبر شيئًا فشيئًا، ينتقل فيها الفرد من رؤية النصف الفارغ إلى تجاهل الكأس بالكامل، ومع تكرار هذا النمط، يفقد الفرد رغبته في المحاولة والتجديد، ويستسلم لفكرة أن كل شيء محكوم بالفشل قبل أن يبدأ، وللأسف ستجدها منتشرة في جلسات الأصدقاء، في المكاتب والعمل، وحتى في البيوت، وكأن الناس فقدوا الثقة بأن الأيام قد تحمل شيئًا أفضل.
ومن أهم أسباب انتشار السلبية هو انشغال الناس بالمقارنة، وما يزيد الأمر سوءًا هو أن الضغط الاجتماعي يدفع الإنسان إلى مقارنة نفسه بالآخرين طوال الوقت، فمواقع التواصل الاجتماعي جعلت الجميع يعيش تحت ضغط الإنجاز السريع، والمظهر المثالي، وكلما شاهد الفرد نجاح الآخرين، بدل أن يلهمه ذلك، يشعر بأن ما يملكه لا قيمة له، فتبدأ بذرة السلبية بالنمو، ويضاف إلى ذلك الضغوط الاقتصادية، والتغيرات الاجتماعية السريعة، مما يجعل الكثيرين يفتقرون إلى الدعم العاطفي الذي كان متاحًا في المجتمعات التقليدية. هذا الشعور يولد إحباطًا خفيًا، سرعان ما يتحول إلى نظرة سوداء تجاه كل شيء، ووسط هذا كله، يتجاهل الكثيرين منا حقيقة بسيطة وهي أن السلبية ليست واقعًا وليست حقيقة؛ بل هي زاوية نظر؛ فالفرد قد يمر بظروف صعبة حاله حال الكثيرين من البشر، لكن السماح لهذه الظروف بأن تكون أسلوب حياة هو ما يجعلها خطراً حقيقياً، ومع مرور الوقت، يصبح الفرد أسيرًا لفكرة أن العطاء والجهد لا فائدة منها، وأن المحاولة مضيعة للوقت، فيتراجع عن المبادرة ويتجنب التجربة.
كما إن البيئة المحيطة بنا تمارس دورًا مهمًا وكبيرًا في تعزيز هذا السلوك؛ فعندما يعيش الإنسان ويقضي وقته طويلًا بين أشخاص يميلون إلى التذمر والسلبية والبحث عن العيوب، تصبح السلبية عدوى تنتقل بسهولة، وسيجد نفسه يتبنى لغتهم دون وعي، وللأسف، بات البعض يعتقد أن النظرة المتشائمة هي دليل على الواقعية والحكمة والحذر، بينما هي في الحقيقة حائط يحدّ من قدرته على الإبداع، والاستفادة من الفرص.
لكن على الجانب الآخر، التخلص من السلبية ليس أمرًا مستحيلًا، ولمواجهة هذا الداء، لا بُد من إعادة بناء ثقافة النظرة الإيجابية المتوازنة، تلك النظرة التي تعترف بالمشكلات لكنها لا تسمح لها بأن تُطفئ الأمل. يبدأ ذلك من الفرد نفسه؛ حين يدرك أن الحياة ليست سباقًا مع الآخرين، وأن يقلل من المقارنة، ويتجنب المبالغة في نقد نفسه، وأن يتجاهل ما يتم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي؛ لأن أغلب ما يجري تداوله لا يمت للحقيقة بصله، وأن يمنح نفسه فرصة للتجربة، حتى لو كان الطريق غير واضح تمامًا، وأن يؤمن بأن النجاحات تُبنى خطوة بخطوة. كما إن تعزيز مهارات الامتنان والتفكير النقدي، والبحث عن مصادر دعم صحيّة، يساهم في كسر هذه الحلقة.
ختامًا.. يمكن القول إن السلبية ليست قدرًا محتومًا على أي شخص؛ بل هي خيار يتشكل من خلال المواقف اليومية التي نسمح لها بأن تسيطر علينا، وأن ضجيج الحياة يترك فراغًا داخليًا كبيرًا يسهل أن يملأه اليأس، وإذا أردنا أن نرتقي بمجتمعاتنا، فلا بُد أن نتكاتف للقضاء على هذا الداء، وأن نعيد للناس قدرتهم على رؤية النصف الممتلئ من الحياة.