بوابة الوفد:
2025-07-03@23:30:29 GMT

لاسلام بلا عدل

تاريخ النشر: 26th, May 2024 GMT

لا يختلف امرؤ مُتحضر على قيمة السلام. لا يجادل ذو لب فى لزوميته كإطار حاكم للبشر، ولا يُمارى فِطن فى أنه خير، ونفع، وكسب للعالم المتحضر، وهو دعامة رئيسية لاستقرار أى منطقة، وعامل مهم لتحقيق التنمية المستدامة.

السلام اسم من أسماء الله الحُسنى، ومبدأ عظيم نادت به كافة الأديان السماوية، وهو ضمان لحقوق البشر على الأرض، وسبيل للترقى والتحقق الإنساني، وحقل للابداع والتعاون بين مختلف الأجناس والأعراق.

وهو بلا شك أمل الآمال، وأعظم الطموحات لدى أصحاب الضمائر والأفهام شرقا وغربا، وهو أنقى المشاريع وأسمى الخطط الاستراتيجية للدول والشعوب.

لا شك فى ذلك ولا خلاف عليه، لكن ما ينبغى استيعابه هو التعمق فى المُصطلح وتحديد دلائله بما يمنع تلوينه وتشويهه وتوظيفه لخدمة مشروعات استعمارية.

بروية وهدوء نقول إن السلام هو تلاقى إرادتين، لا اختيار لإرادة واحدة. هو رغبة ثنائية لا أحادية. وهو خيط ممدود بين طرف وطرف آخر. وهو أيضا حوار مُتصل ممتد ومستدام. وهو كلمة وصداها. وهوعهد بين اثنين.

لذا، فإنه لا يمكن لسلام أن يتحقق وهناك طرف ينشده، وآخر يرفضه. ولا يولد التعايش بين شعبين أحدهما يتصور أن وجوده يعنى بالضرورة غياب الآخر. وهذا بالأساس مُشكل الصراع العربى الإسرائيلى مُنذ أكثر من سبعة عقود، فالدولة التى قامت على اغتصاب حقوق الغير، واصطنعت شرعية مزورة، ووظفت القوة فوق الحق، ومددت وجودها خصما من وجود دولة أخرى، وعلى حساب شعب آخر، تقف بالمرصاد لكل دعوة سلام حقيقية لأنها ترفض إعادة الحقوق لأصحابها، أو حتى الاعتراف بها.

بشكل مبكر لم تكن إسرائيل مُؤمنة قيادة وشعبا بالسلام فى كافة الأطروحات الدولية لتسوية الصراع، فقد كان لديها دائما لاءات مُعقدة، وتحفظات معرقلة، وتصورات آحادية شديدة الخصوصية، تطرح من خلالها سياسة فرض الأمر الواقع، وتُصر على استبعاد أى حقوق مشروعة للغير من مائدة المفاوضات.

فى كل مرة تقف إسرائيل ضد السلام تحت تصور كريه بأنها الطرف الأقوى، وأن الطرف الأقوى هو الذى لديه الحق فى رسم الحوار التفاوضي، بل وتحديد حقوق الآخر، وأن على هذا الآخر القبول طوعا أو كرها بذلك الطرح باعتباره الفرصة الوحيدة، وأنه لو لم يقبله، فإنه هو المُعرقل للسلام، والساعى للحرب، والداعم للإرهاب.

وما ينبغى قوله، وما يجب طرحه، وما يلزم التأكيد عليه فى كل محفل دولى وإقليمي، هو أن السلام لا يعنى أبدا الاستسلام، ولا يعنى كذلك الامتثال والسعى لقبول أى طرح تحت باب قبول ما هو معروض آنيا، واختيار أقل الضررين، لأن ذلك هو التفريط بعينه.

كذلك، فإنه من الضرورى عدم التسليم بالتوصيفات المغرضة لبعض وسائل الإعلام الغربية المتأثرة بالخطاب الإسرائيلي، والتى تعتبر المقاومة إرهابا.

إن هناك فارقا كبيرا بين المقاومة المشروعة لشعب يتعرض للاحتلال والتنكيل والاضطهاد وبين الإرهاب الذى نعرفه ونراه فى بلدان مستقلة تتمتع بسيادة على أراضيها.

لو كانت المقاومة ضد الاحتلال الغاشم عملا ارهابيا فما هو السبيل الممكن لاستعادة حق أى شعب تعرض للظلم؟ كيف يُمكن رد الاعتداء وكف الأذى عن الشعب الفلسطينى الآبي؟

لقد زار صحفيا أمريكيا هو ديفيد إغناتيوس مُدن الضفة الغربية فى شهر ديسمبر 2023، ثم كتب سلسلة مقالات فى «الواشنطن بوست» قال فيها إنه طاف أرجاء الضفة الغربية على مدى عدة أسابيع ورأى كيف تعامل سلطات الاحتلال الإسرائيلى المواطنين الفلسطينيين، وكيف تُمعن فى إذلالهم والتضييق عليهم، وهو ما يعرقل أى تصورات متفائلة بشأن التسوية السلمية للصراع.

إن السلام الحقيقى يعنى العدل أولا، ثم التعايش، والتوافق، والرضا المتبادل، وهو الإلتزام الأخلاقى المفترض أن يدوم، وهذا ما يؤمن به كل عربى لديه ضمير مازال حيا.

والله أعلم.

[email protected]

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مصطفى عبيد قيمة السلام

إقرأ أيضاً:

وَهْم "الشرق الأوسط الجديد" بدون مقاومة

 

 

 

صالح البلوشي

 

في خِضَم واحدة من أكثر المراحل دموية واضطرابًا في تاريخ المنطقة، يشهد العالم العربي والإسلامي تصعيدًا غير مسبوق تَشُنُّه إسرائيل ضد عدد من الدول، من غزة ولبنان وسوريا إلى اليمن وإيران، وبغطاء عسكري وسياسي مباشر من الولايات المتحدة والدول الغربية.

لم نعد أمام عدوان عسكري فقط أو حرب محدودة؛ بل أمام مشروع استعماري جديد يُعاد تسويقه بواجهة مختلفة، هدفه الأساسي تصفية قوى المقاومة، وتجريد الشعوب من حقّها في الدفاع والرفض، وفرض واقع إقليمي جديد يكون فيه الكيان الصهيوني كيانًا طبيعيًا في الجغرافيا السياسية للمنطقة، ويُمنح فيه التطبيع غطاء الشرعية الكاملة، حتى وإن ادّعت بعض الأنظمة العربية تمسّكها بشروط شكلية، مثل قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف.

في هذا السياق، تُصوَّر إيران ومحور المقاومة- بما فيه حركات المقاومة في لبنان وفلسطين واليمن- كعقبة لا بد من اقتلاعها، لتتحقق رؤية الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، في "شرق أوسط جديد مُسالِم" ومُستسلِم، خالٍ من المقاومة، ومن كل ما يعكّر صفو السيطرة الغربية - الإسرائيلية عليه. وإذا كان الموقف الإسرائيلي من حركات المقاومة منطقيًا من زاوية مصلحته التوسعية، فإن ما يثير الاستغراب هو موقف عدد من المثقفين العرب الذين يصطفّون تمامًا مع هذا التوجّه الاستعماري، ويعادون قوى المقاومة تحت شعارات مشوَّشة وذرائع واهية.

لكن الواقع على الأرض يُفنِّد هذه الأوهام؛ ففي غزة، ورغم تفوُّق إسرائيل الاستخباراتي والتقني، فإنها فشلت حتى الآن في استعادة أسراها لدى حركة "حماس" بعد أكثر من سنة ونصف السنة من العدوان على قطاع صغير المساحة، ولا تشير المعطيات الميدانية إلى أي نصر حاسم. أما عمليات اغتيال بعض قادة حماس، فقد تمّت في كثير من الحالات بالمصادفة، لا نتيجة لاختراق استخباراتي محكم.

ولا تزال إسرائيل، حتى اليوم، تفقد جنودًا داخل غزة وتعجز عن الحسم في مواجهة جيب محاصر، فكيف لها أن تعيد رسم خرائط المنطقة؟ كذلك، فشلت في القضاء التام على حزب الله رغم الخسائر التي تكبّدها، ومنها استشهاد عدد من أبرز قادته السياسيين والعسكريين من الصفوف الثلاثة الأولى. أما الحوثيون، فلا تزال صواريخهم تصل إلى تل أبيب وتُجبر الملايين على الاحتماء في الملاجئ. وبالنسبة إلى إيران، فعلى الرغم من الضربات القاسية التي طالت قيادات عسكرية من الصف الأول وعددًا من العلماء النوويين، فإنها نجحت في استعادة زمام المبادرة سريعًا، وألحقت بالعدو خسائر فادحة لا تزال إسرائيل تتكتّم على حجمها الحقيقي.

إنها حرب طويلة غير مسبوقة في تاريخ الكيان الصهيوني، حقّق فيها بعض المكاسب التكتيكية المحدودة، لكنه في المقابل تكبّد خسائر فادحة على المستويات العسكرية والمادية والبشرية والمعنوية. فقد عجز عن تحقيق نصر حاسم، وتَعرّض لصفعات متتالية أظهرت هشاشته رغم ما يمتلكه من ترسانة متطورة ودعم غربي مطلق. وإلى جانب ذلك، ارتكب أفظع الجرائم بحق المدنيين، وخصوصًا في غزة، مستخدمًا أفتك الأسلحة وأكثرها تدميرًا، دون أن ينجح في كسر إرادة المقاومة أو انتزاع روح الصمود من الشعب الفلسطيني.

أما "الشرق الأوسط الجديد" الذي يحلم به نتنياهو وترامب، فليس إلا إعادة إنتاج لوهم قديم بشّر به الرئيس الصهيوني السابق شمعون بيريز قبل أكثر من 30 عامًا، ثم كوندوليزا رايس خلال العدوان الصهيوني على لبنان سنة 2006، وسيظل هذا المشروع مجرّد حلم طالما بقيت هناك أرض محتلة وشعب يقاتل من أجل كرامته وحقّه؛ فالمقاومة لا تموت أبدًا.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • المقاومة تستهدف الاحتلال في غزة بعمليات متنوعة
  • الإمارات تدين بشدة تصريحات وزير العدل الإسرائيلي بشأن فرض السيادة على الضفة الغربية
  • الإمارات تدين بشدة تصريحات وزير العدل الإسرائيلي بشأن «فرض السيادة» على الضفة الغربية المحتلة
  • ممثل خامنئي لشفق نيوز: لا تراجع عن دعم المقاومة في العراق والمنطقة
  • وَهْم "الشرق الأوسط الجديد" بدون مقاومة
  • حول السلاح في لبنان.. والكلام عن نزعه
  • بين ترامب ونتنياهو
  • الطريق إلى وقف الحرب على غزة
  • مؤامرات فرط صوتية.. ومقاومة لم تزل حاضرة!
  • أوهام السلام مع الاحتلال الاستيطاني