لا يختلف امرؤ مُتحضر على قيمة السلام. لا يجادل ذو لب فى لزوميته كإطار حاكم للبشر، ولا يُمارى فِطن فى أنه خير، ونفع، وكسب للعالم المتحضر، وهو دعامة رئيسية لاستقرار أى منطقة، وعامل مهم لتحقيق التنمية المستدامة.
السلام اسم من أسماء الله الحُسنى، ومبدأ عظيم نادت به كافة الأديان السماوية، وهو ضمان لحقوق البشر على الأرض، وسبيل للترقى والتحقق الإنساني، وحقل للابداع والتعاون بين مختلف الأجناس والأعراق.
لا شك فى ذلك ولا خلاف عليه، لكن ما ينبغى استيعابه هو التعمق فى المُصطلح وتحديد دلائله بما يمنع تلوينه وتشويهه وتوظيفه لخدمة مشروعات استعمارية.
بروية وهدوء نقول إن السلام هو تلاقى إرادتين، لا اختيار لإرادة واحدة. هو رغبة ثنائية لا أحادية. وهو خيط ممدود بين طرف وطرف آخر. وهو أيضا حوار مُتصل ممتد ومستدام. وهو كلمة وصداها. وهوعهد بين اثنين.
لذا، فإنه لا يمكن لسلام أن يتحقق وهناك طرف ينشده، وآخر يرفضه. ولا يولد التعايش بين شعبين أحدهما يتصور أن وجوده يعنى بالضرورة غياب الآخر. وهذا بالأساس مُشكل الصراع العربى الإسرائيلى مُنذ أكثر من سبعة عقود، فالدولة التى قامت على اغتصاب حقوق الغير، واصطنعت شرعية مزورة، ووظفت القوة فوق الحق، ومددت وجودها خصما من وجود دولة أخرى، وعلى حساب شعب آخر، تقف بالمرصاد لكل دعوة سلام حقيقية لأنها ترفض إعادة الحقوق لأصحابها، أو حتى الاعتراف بها.
بشكل مبكر لم تكن إسرائيل مُؤمنة قيادة وشعبا بالسلام فى كافة الأطروحات الدولية لتسوية الصراع، فقد كان لديها دائما لاءات مُعقدة، وتحفظات معرقلة، وتصورات آحادية شديدة الخصوصية، تطرح من خلالها سياسة فرض الأمر الواقع، وتُصر على استبعاد أى حقوق مشروعة للغير من مائدة المفاوضات.
فى كل مرة تقف إسرائيل ضد السلام تحت تصور كريه بأنها الطرف الأقوى، وأن الطرف الأقوى هو الذى لديه الحق فى رسم الحوار التفاوضي، بل وتحديد حقوق الآخر، وأن على هذا الآخر القبول طوعا أو كرها بذلك الطرح باعتباره الفرصة الوحيدة، وأنه لو لم يقبله، فإنه هو المُعرقل للسلام، والساعى للحرب، والداعم للإرهاب.
وما ينبغى قوله، وما يجب طرحه، وما يلزم التأكيد عليه فى كل محفل دولى وإقليمي، هو أن السلام لا يعنى أبدا الاستسلام، ولا يعنى كذلك الامتثال والسعى لقبول أى طرح تحت باب قبول ما هو معروض آنيا، واختيار أقل الضررين، لأن ذلك هو التفريط بعينه.
كذلك، فإنه من الضرورى عدم التسليم بالتوصيفات المغرضة لبعض وسائل الإعلام الغربية المتأثرة بالخطاب الإسرائيلي، والتى تعتبر المقاومة إرهابا.
إن هناك فارقا كبيرا بين المقاومة المشروعة لشعب يتعرض للاحتلال والتنكيل والاضطهاد وبين الإرهاب الذى نعرفه ونراه فى بلدان مستقلة تتمتع بسيادة على أراضيها.
لو كانت المقاومة ضد الاحتلال الغاشم عملا ارهابيا فما هو السبيل الممكن لاستعادة حق أى شعب تعرض للظلم؟ كيف يُمكن رد الاعتداء وكف الأذى عن الشعب الفلسطينى الآبي؟
لقد زار صحفيا أمريكيا هو ديفيد إغناتيوس مُدن الضفة الغربية فى شهر ديسمبر 2023، ثم كتب سلسلة مقالات فى «الواشنطن بوست» قال فيها إنه طاف أرجاء الضفة الغربية على مدى عدة أسابيع ورأى كيف تعامل سلطات الاحتلال الإسرائيلى المواطنين الفلسطينيين، وكيف تُمعن فى إذلالهم والتضييق عليهم، وهو ما يعرقل أى تصورات متفائلة بشأن التسوية السلمية للصراع.
إن السلام الحقيقى يعنى العدل أولا، ثم التعايش، والتوافق، والرضا المتبادل، وهو الإلتزام الأخلاقى المفترض أن يدوم، وهذا ما يؤمن به كل عربى لديه ضمير مازال حيا.
والله أعلم.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى عبيد قيمة السلام
إقرأ أيضاً:
محللون: تصعيد المقاومة الأخير محاولة لإقناع ترامب بعدم جدوى الحرب
صعدت المقاومة الفلسطينية من عملياتها ضد القوات الإسرائيلية بقطاع غزة، في الوقت الذي يستعد فيه جيش الاحتلال لتوسيع هجومه، وهي إستراتيجية يقول خبراء إنها تستهدف دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب أو تجويع السكان على أقل تقدير.
فقد أعلن جيش الاحتلال -اليوم السبت- إصابة 9 جنود بينهم قائد الكتيبة 6310، ونائب قائد الكتيبة 252، في انفجار لعبوة ناسفة في حي الشجاعية شمالي القطاع. وذلك بعد الإعلان عن مقتل اثنين من جنوده في اشتباك وقع جنوب غزة.
وبالتزامن مع هذا التصعيد العملياتي من جانب المقاومة، بدأت الولايات المتحدة تستخدم نبرة مختلفة، حيث قالت متحدثة باسم الخارجية الأميركية إن الحرب والمجازر الجماعية لن تكون حلا.
في الوقت نفسه، تصاعدت المطالبات المنادية بوقف الحرب داخل إسرائيل، وأكدت استطلاعات الرأي الأخيرة تدني مستوى التأييد الشعبي والسياسي لما تقوم به حكومة بنيامين نتنياهو في غزة.
دليل على جهوزية المقاومة
ووفقا لمراسل الجزيرة في فلسطين إلياس كرام، فإن المحللين الإسرائيليين يرون في العمليات الأخيرة دليلا على استعداد المقاومة لأي هجوم بري محتمل على القطاع، بعد أن كبدتهم 8 قتلى ونحو 40 جريحا خلال الأسبوع الماضي، في إشارة إلى حصيلة خسائر جنود الاحتلال في القطاع.
إعلانوعلى الصعيد الإسرائيلي الداخلي اتهمت المعارضة الحكومة بإلقاء الجنود إلى حرب لا نهاية لها ولا هدف سوى خدمة مصالح نتنياهو وحكومته، كما قال كرام، الذي أكد أن توسيع القتال يفتقد للشرعية السياسية والشعبية.
وخلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث"، لفت كرام إلى أن استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر أن الائتلاف الحاكم خسر 20 مقعدا من مقاعده الـ68 في الكنيست، مما يعني أن قراراته تفتقر للشرعية.
كما كشف آخر استطلاع لمعهد الأمن القومي أن 71% يفقدون الثقة في نتنياهو وأن 56% يقولون إن الحرب أصبحت مسيسة، بينما 69% يريدون وقف القتال والذهاب لاتفاق، لا سيما وأن نتنياهو يفصّل قانونا لإعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية.
لذلك، فإن كل الأعين معلقة حاليا على نتائج الزيارة التي سيجريها ترامب للمنطقة هذا الأسبوع، لأن الرسائل الأميركية الأخيرة تعكس تغيرا في نبرة الحديث والميل نحو وقف الحرب لاستعادة الأسرى، كما يقول كرام.
ومن الناحية العسكرية، يقول العميد إلياس حنا، إن الكمين الأخير الذي وقع في الشجاعية يعتبر جزءا من عملية تصعيد مستمرة انتهجتها المقاومة خلال الأسابيع الماضية لتكبيد إسرائيل أكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية.
وتحاول المقاومة من خلال هذه العمليات التي وقعت في أكثر من مكان إرباك الإستراتيجية الإسرائيلية في عموم القطاع، سيما وأن كمين الشجاعية استهدف فرقة كانت تقوم بعمليات استطلاع، وفق حنا.
هذا الأمر يعني -برأي الخبير العسكري- أن فرقة الاحتياط كانت تستطلع من أجل القيام بعملية مستقبلية في المكان وهو أمر يتعارض مع حديث رئيس الأركان إيال زامير الذي أكد أن مشاركة الاحتياط في العملية المقبلة ستكون محدودة، مما يعني أن الهندسة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية تبدلت بشكل كبير.
إعلانوإن مضى الاحتلال في تنفيذ خطته، فسيكون أمام المقاومة بنك أهداف كبير يمكنها ضربه خصوصا وأنها تأقلمت بشريا على القتال بما لديها من سلاح، وأصبحت تستهدف أهم نقاط الضعف الإسرائيلية المتمثلة في الخسائر البشرية، حسب حنا.
ويرى حنا أن تراجع معنويات الجيش وزيادة الخسائر رغم استخدام كل ما يمكن استخدامه من قوة يعزز لدى الجنود فكرة أن الحرب لم تعد مجدية وأنها تجري لأسباب خاصة، مؤكدا أن هذا يعزز قدرة المقاومة على الصمود.
وإلى جانب ذلك، يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى إن المشهد الداخلي في إسرائيل يتغير منذ انتهاك وقف إطلاق النار، وإن العامل المهم حاليا هو غياب الإجماع على العملية العسكرية شعبيا وسياسيا وفق استطلاعات الرأي كلها.
ويعزو مصطفى هذا التغير لرغبة الإسرائيليين في العودة لحياتهم الطبيعية، وإلى أنهم يعتقدون أن الحرب لم تعد تخدم قضية الأسرى ولا ترميم العلاقة بين الشعب والدولة، فضلا عن أنهم لا يثقون في الحكومة التي تتحرك وفق مصالح خاصة وأيديولوجيا ليست محل اتفاق.
وحتى فكرة التهجير لم تعد تحظى بنفس القبول داخل إسرائيل، لأن الرغبة في الانتقام والتضحية لم تعد كما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كما يقول مصطفى، الذي يعتقد أن وقف الحرب بات بيد ترامب.
لكن هذا التوقف لن يتحقق -برأي مصطفى، إلا بضغط جاد من ترامب على نتنياهو، وإقناعه بأن إسرائيل لن تكون جزءا من الشرق الأوسط الجديد الذي يريده، وذلك لأن أي اتفاق يتضمن الانسحاب من غزة يعني سقوط الحكومة واليمين كله ما لم ينص على نزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
استغلال زيارة ترامب
وفي السياق، يعتقد الباحث السياسي سعيد زياد أن تصعيد المقاومة يهدف لإقناع ترامب بعدم جدوى الحرب ودفعه لوقفها أو لوقف التجويع على الأقل.
والسبب في ذلك، برأي زياد، أن المقاومة ترى في زيارة ترامب للمنطقة وتغير اللهجة الأميركية فرصة مواتية لإقناعه بأن إسرائيل غير قادرة على الحسم عسكريا كما تزعم من بداية الحرب.
إعلانورغم عدم وجود فراق إستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لكن المقاومة -برأي زياد- تعتقد أن عدم زيارة ترامب لتل أبيب وإلغاء زيارة وزير دفاعه لها، أمور قد توفر فرصة أكبر للدول العربية لإقناع ترامب باتخاذ قرار وقف الحرب أو التجويع والذهاب للمفاوضات دون الحديث عن نزع سلاح حماس.