لفهم السياق السياسي الذي سبق تنظيم الانتخابات التشريعية ليوم 7 أكتوبر 2016،وحالة الارتباك التي عاشها خصوم حزب العدالة والتنمية، لابد من التوقف عند يوم 18شتنبر 2016، حيث عاشت مدينة الدار البيضاء على إيقاع مظاهرة احتجاجية غريبة أثارت الكثير من الجدل والنقاش نظرا لطبيعة الشعارات التي رفعت فيها من جهة، ونظرا لعدم إعلان أي جهة مسؤوليتها عن تنظيم هذه المظاهرة والدعوة لها، بل الأغرب من ذلك حسب ما وثقته العديد من المواقع الإلكترونية أن أغلب الحاضرين فيها من الناس البسطاء الذين لا يعرفون سبب حضورهم وتم التغرير بهم من طرف جهات مختلفة وتضليلهم بمبررات مختلفة، كان أبرزها أن هذه المسيرة تنظم دفاعا عن الصحراء المغربية ضد أعداء الوحدة الترابية للمملكة.

.

مسيرة "ولد زروال" الإسم الحركي لمظاهرة الدار البيضاء الغريبة...

أطلقت المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي على هذه المظاهرة اسم مسيرة "ولد زروال"، وهي تسمية لنائب برلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، ورد اسمه على لسان إحدى السيدات التي صرحت لأحد المواقع الإلكترونية بأنها تشارك في هذه المسيرة بدعوة من البرلماني المذكور مقابل استفادتها من خروف العيد.

المسيرة نظمت تحت شعار: "لا لأخونة الدولة وأسلمة المجتمع"، ورفعت فيها لافتات مكتوبة تطالب بإسقاط بنكيران وحزبه، حملها نساء ورجال بعيدين جدا عن إدراك معناها، وتم استهداف العديد من قيادات العدالة والتنمية عبر رفع صورهم وكيل الاتهامات لهم..

كاتب هذه السطور نال حظه من القذف المعتاد، وظهر بأن الذين قادوا حملات ممنهجة ضده ليسوا بعيدين عمن خططوا لهذه المسيرة الفضيحة..

رغم الفوز الكبير لحزب العدالة والتنمية، فإن جميع المؤشرات كانت تشير إلى صعوبة ترجمة هذا الفوز الانتخابي إلى انتصار سياسي يساهم في ترسيخ المسار الديمقراطي في البلاد، فرغم التعيين الملكي لعبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة بناء على مقتضيات الفصل 47 من الدستور، فقد تعذر على رئيس الحكومة المكلف تشكيل تحالف حزبي يضمن له الأغلبية البرلمانية الضرورية للتصويت على البرنامج الحكومي طبقا للفصل 88 من الدستور.طبعا، الذين خططوا لهذه المسيرة كانوا يعرفون ما يريدون: قاموا باستباق انتخابات السابع من أكتوبر عبر استدعاء النموذج المصري ومحاولة تجريبه في المغرب، أي نزع غطاء الشرعية الشعبية عن الحزب الأول، تمهيدا لإسقاطه عبر انتخابات تشريعية يتأثر فيها الناخبون بحملة الدعاية السلبية ضد حزب العدالة والتنمية، و"يقتنع" فيها الرأي العام الوطني والدولي بتراجع شعبية العدالة والتنمية، وشعبية زعيمه عبدالإله بنكيران، تعبيدا للطريق السيار أمام الحزب المقرب جدا من طرف السلطة آنذاك لتولي مهمة رئاسة الحكومة، وهو حزب الأصالة والمعاصرة الذي جرى تأسيسه سنة 2008 لتولي مهام الحكومة في أول انتخابات تشريعية وليس للعب دور المعارضة، إلا أن رياح الربيع العربي أجهزت على طموحات هذا الحزب وجاءت بحزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة..

كانت إرادة من خطط لهذه المسيرة تستلهم من النموذج المصري، وما جرى يوم 30 يوليو بساحات القاهرة، حينما خرج الملايين مطالبين برحيل الرئيس المنتخب تمهيدا لاستيلاء الجيش على السلطة بعد سحب "التفويض الشعبي" منه، وبقية القصة معروفة...

بين النموذج المصري والمغربي .. أو في أسباب فشل مسيرة ولد زروال..

الذين خططوا لهذه المسيرة ونظموها لم ينتبهوا إلى العديد من الفروقات الجوهرية التي تجعل التجربة المغربية بعيدة جدا، عن إمكانية استنساخ أي نموذج ومحاولة استنباته قسرا داخل التربة المغربية.

أولا، الفرق الجوهري بين منصب رئيس حكومة في ظل نظام ملكي ومنصب رئيس دولة في ظل نظام جمهوري، فرئيس الحكومة في النظام الدستوري المغربي يتمتع بصلاحيات محدودة، في ظل نظام ملكي يتمتع فيه الملك بصلاحيات تنفيذية حصرية في المجالات الاستراتيجية والعسكرية والدينية، وهو ما يجعل الرهانات السياسية لكلا التجربتين مختلفتين.

ثانيا، اختلاف الظروف الإقليمية والجيواستراتيجية، ذلك أن رئيس الجمهورية في مصر، هو رئيس الجيش داخل دولة ترتبط باتفاقية صلح مع الكيان الصهيوني، بينما كانت القناعة السياسية لرئيس ينتمي إلى الإخوان المسلمين مخالفة ضمنيا لهذه الاتفاقية، وقد ظهر ذلك في حرب غزة سنة 2012 حينما صرح محمد مرسي، بأن بلاده لن تترك غزة وحدها، واصفا الهجمات الإسرائيلية على القطاع بأنها عدوان سافر على الإنسانية، بل قام بسحب السفير المصري من إسرائيل وأوفد رئيس الوزراء آنذاك هشام قنديل إلى غزة، على رأس وفد يضم عددا من مساعدي الرئيس ومستشاريه والوزراء.. كل هذه القرارات كان من شأنها أن تساهم في تغيير العقيدة العسكرية للجيش المصري، وتثير حفيظة الكيان الصهيوني وحلفائه الاستراتيجيين من حملة العقيدة الصهيونية داخل الإدارة الأمريكية..

ومن شأن التغيير التدريجي للعقيدة الاستراتيجية للجيش المصري استفزاز بعض دول الخليج التي ترى في الجيش المصري حليفا معتبرا ضد ما تعتبره تهديدا استراتيجيا على المستوى الإقليمي وهو إيران وأطماعها التوسعية في المنطقة..

وقد كانت هذه المعطيات الجيواستراتيجية من الأسباب التي دفعت عددا من العقلاء إلى تقديم النصيحة لجماعة الإخوان المسلمين بعدم الترشح لمنصب رئيس الجمهورية..

ثالثا ـ جماعة الإخوان المسلمين جاءت إلى منصب رئاسة الجمهورية في ظل نظام إقليمي معقد دون تراكم سياسي معتبر، علينا أن نتذكر أن أغلب قيادات الجماعة كانت في السجن قبيل ثورة يناير 2011، وعاشت على إيقاع توتر مستمر بينها وبين النظام الحاكم، بينما تجربة العدالة والتنمية كانت مختلفة تماما، فقد جربت العمل الجماعي والبرلماني لمدة تزيد عن 20 عاما قبل أن تشارك في الحكومة وتنجح في رئاستها لمدة خمس سنوات متواصلة، وقد انطلق حزب العدالة والتنمية من قناعة راسخة بالعمل في توافق دائم مع المؤسسة الملكية وبعدم التنازع معها.

رابعا ـ رغم قوة تنظيمها، فإن جماعة الإخوان المسلمين كانت تعاني من معارضة شديدة من طرف فئات شعبية واسعة، من أبرزها ملايين الأقباط الذين ينظرون بعين الريبة والشك إلى هذه الجماعة، بالإضافة إلى العديد من النخب الفنية والفكرية والثقافية والإعلامية التي كان من السهل تأليبها ضد حكم الإخوان، وهو ما لا ينطبق على حالة العدالة والتنمية في المغرب، الذي حظي باحترام مقدر من طرف مختلف الفئات الشعبية بمن فيهم داخل الأوساط الفنية والإعلامية وغيرها، وهو ما أكدته الاستحقاقات الانتخابية لـ  25 نوفمبر 2011، والانتخابات البلدية ليوم 4 شبتمبر 2015..

فشلت مسيرة "ولد زروال" لكن الاندماج الكامل لحزب العدالة والتنمية لم يتحقق..

فشلت مسيرة 18 سبتمبر، واتضح بأن هناك صعوبة كبيرة لتضليل الشعب المغربي الذي عاقب منظميها بتصويته الباهر في الانتخابات التشريعية التي جرى تنظيمها يوم 7 أكتوبر..

لكن أسئلة الاندماج السياسي الكامل لحزب العدالة والتنمية في النظام السياسي المغربي طرحت بقوة بعد هذه المسيرة التي زعزعت الكثير من الثقة بين الحزب وبين مراكز النفوذ داخل السلطة، التي لم يكن من الممكن تنظيم مسيرة بهذا الحجم في الدار البيضاء دون تيسير منها، أو دون موافقتها على الأقل..

ما عاشه المغرب من إصلاحات دستورية سنة 2011، لم يكن مندرجا في إطار انتقال ديمقراطي حقيقي بقدر ما يتعلق بتطور في النص المكتوب، انعكس بشكل محدود على الممارسة، التي ظلت مترددة ومتأرجحة بين دستور جديد وثقافة سياسية قديمة، لم تتخلص من ترسبات العديد من التقاليد والممارسات المحافظة التي تتغذى على المفارقات اليومية بين تقدمية النص وتخلف الممارسة وعجز النخب السياسيةوهو ما جعل المصطفى الرميد أحد القيادات البارزة لحزب العدالة والتنمية وزير العدل والحريات آنذاك يخرج عن تحفظه، ويدون في صفحته على الفايسبوك موقفا يربط بين ما وصفه بـ "العجائب والغرائب" بتنظيم الانتخابات التشريعية التي كان من المزمع إجراؤها على بعد أقل من شهر، مشتكيا بأنه "لا يُستشار في الانتخابات المقبلة من طرف وزير الداخلية، مثلما كان عليه الحال في استحقاقات 4 سبتمبر المنصرم"، ومعلنا للرأي العام أنه "خلال الانتخابات الجماعية السابقة كان يقرر مع وزير الداخلية في كل ما يتعلق بالشأن الانتخابي، بينما حاليا، على بعد ثلاثة أسابيع من انتخابات 7 أكتوبر تقع عجائب وغرائب" مؤكدا تبرئة ذمته مما أسماه "أي نكوص أو انحراف في سير الانتخابات المقبلة" قائلا: "وزير العدل لا يستشار ولا يقرر في هذا الشأن، ما يعني أن أي رداءة أو نكوص أو تجاوز أو انحراف لا يمكن أن يكون مسؤولا عنه".

وهي إشارة واضحة بأن السماح بتنظيم هذه المسيرة من طرف السلطات العمومية، يعني أن هناك إرادة للتأثير في الانتخابات التشريعية، وهو ما كان يعكس وجود مناخ من سوء الفهم وضعف الثقة لم تنجح تجربة خمس سنوات من العمل الحكومي في تبديده.

وبالفعل، جرى تنظيم الانتخابات التشريعية ليوم السابع من أكتوبر في جو من التقاطب الحاد بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، وتأخرت سلطات وزارة الداخلية في الإعلان عن نتائج الانتخابات بعد انتهاء عملية فرز الأصوات، مما دفع بعبد الإله بنكيران إلى تنظيم ندوة صحافية رفقة أعضاء الأمانة العامة والإعلان من مقر الحزب المركزي بالرباط عن فوز حزب العدالة والتنمية، بعدها خرج وزير الداخلية ليعلن عن النتائج الرسمية التي بوأت حزب العدالة والتنمية الرتبة الأولى بـ 125 مقعدا متبوعا بحزب الأصالة والمعاصرة الذي حصل على 102 مقعدا..

والخلاصة..

رغم الفوز الكبير لحزب العدالة والتنمية، فإن جميع المؤشرات كانت تشير إلى صعوبة ترجمة هذا الفوز الانتخابي إلى انتصار سياسي يساهم في ترسيخ المسار الديمقراطي في البلاد، فرغم التعيين الملكي لعبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة بناء على مقتضيات الفصل 47 من الدستور، فقد تعذر على رئيس الحكومة المكلف تشكيل تحالف حزبي يضمن له الأغلبية البرلمانية الضرورية للتصويت على البرنامج الحكومي طبقا للفصل 88 من الدستور.

وهو ما يعني أن ما عاشه المغرب من إصلاحات دستورية سنة 2011، لم يكن مندرجا في إطار انتقال ديمقراطي حقيقي بقدر ما يتعلق بتطور في النص المكتوب، انعكس بشكل محدود على الممارسة، التي ظلت مترددة ومتأرجحة بين دستور جديد وثقافة سياسية قديمة، لم تتخلص من ترسبات العديد من التقاليد والممارسات المحافظة التي تتغذى على المفارقات اليومية بين تقدمية النص وتخلف الممارسة وعجز النخب السياسية، وهو ما كان بالإمكان تجاوزه بالتوافق الجماعي حول متلازمة "الإصلاح في ظل الاستقرار"، غير أن هذا الشعار نفسه أبان عن محدوديته، أيضا، بعد تعثر تشكيل أغلبية حكومية بعد ستة أشهر من الحوار والتفاوض مع الأحزاب السياسية، انتهت بإصدار القصر الملكي لبلاغ يوم الأربعاء 15 مارس 2017  قرر فيه الملك أن يعين شخصية سياسية أخرى من حزب العدالة والتنمية كرئيس جديد للحكومة ، معلنا بشكل ضمني عن إعفاء عبد الإله بنكيران، هذا الإعفاء الذي كان مسبوقا بتأويلات متعددة كشفت عن محدودية النص الدستوري أمام سلطة التأويل المفتوحة على عدة قراءات، وهو ما فتح المجال أمام فقهاء القانون الدستوري لاستعراض العديد من القراءات حول النص الدستوري ولاسيما الفصل 47 من الدستور..

في الحلقة القادمة نتابع هذا النقاش الدستوري الهام..

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير المغربية التجربة المغرب سياسة اسلاميون تجربة سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب الأصالة والمعاصرة لحزب العدالة والتنمیة الانتخابات التشریعیة حزب العدالة والتنمیة الإخوان المسلمین الإله بنکیران هذه المسیرة من الدستور فی ظل نظام العدید من ما کان وهو ما من طرف

إقرأ أيضاً:

العراق على أبواب صناديق جديدة: هل تغير انتخابات 2025 قواعد اللعبة

آخر تحديث: 2 غشت 2025 - 9:43 صبقلم: د. مصطفى الصبيحي ها هو العراق مرة أخرى يقف أمام صناديق الاقتراع موعد جديد مع الديمقراطية في بلد لم يعرف الاستقرار منذ عقود وكأن التجربة السياسية ما زالت في مرحلة المخاض المتعثر رغم مرور أكثر من عشرين عامًا على التغيير. انتخابات 2025 تحمل في ظاهرها استمرارية شكلية لكنها في باطنها حبلى باحتمالات مفتوحة تتراوح بين إعادة إنتاج نفس الخرائط القديمة، أو كسر بعض قواعد اللعبة الراسخة ولو جزئيًا. ولعل السؤال الأكبر الذي يفرض نفسه بقوة اليوم: هل هناك نية حقيقية لإحداث تغيير؟ أم أن اللعبة محكومة بسيناريو معد سلفًا تتبدل فيه الأدوار بينما تبقى البنية السياسية على حالها؟ من المؤكد أن ما يسبق الانتخابات هذه المرة ليس كما كان عليه الحال في السابق فالمشهد السياسي يعيش حالة من التمزق الظاهر والانقسام الضمني التيارات التقليدية تعاني من تراجع في شعبيتها حتى وإن بدت مسيطرة في المؤسسات والشباب – وهم القوة الحقيقية – لا يجدون أنفسهم ممثلين في خطاب تلك القوى. منذ انتفاضة تشرين وما تلاها من انسحابات وموجات قمع وصعود للوعي الشعبي تغيرت المزاجات. لم يعد الشارع يثق بالوعود ولا يؤمن بأن الاقتراع وحده كفيل بالتغيير. هناك حالة من الشك من التعب من الترقب الحذر. المفوضية العليا للانتخابات تواصل استعداداتها، وتفتح سجلات الناخبين وتعلن عن جاهزيتها لكن الجاهزية التقنية لا تعني بالضرورة جهوزية سياسية حقيقية لانتخابات نزيهة. ثمّة غائب حاضر في المشهد هو التيار الصدري الذي انسحب من البرلمان وترك الساحة السياسية تعيد تشكيل توازناتها على عجل. السؤال المطروح اليوم في كل ردهات السياسة العراقية: هل يعود التيار إلى المشهد؟ وإذا عاد فكيف؟ وبأي خطاب؟ وإن غاب هل سيتمكن خصومه من ملء الفراغ أم أن الساحة ستشهد فراغًا سياسيًا وشعبيًا معًا؟ ما من إجابة حاسمة لكن المؤكد أن غياب الصدريين – إذا استمر – سيضعف الحماسة العامة ويجعل الانتخابات تميل أكثر لصالح قوى الإطار التنسيقي التي تسعى إلى تكريس نفوذها ولو على حساب التوازن الوطني العام. على الضفة الأخرى هناك محاولات متفرقة من المستقلين ومن بعض بقايا الحركات الاحتجاجية لتشكيل قوائم جديدة أو العودة للساحة بخطاب إصلاحي حاد لكن هذه المحاولات تصطدم بجدار التمويل وبضعف التنظيم وبسيف السلاح المنفلت الذي يهدد كل من يخرج عن السياق. فما زال العنف السياسي حاضرًا سواء عبر الاغتيالات الرمزية أو الحقيقية وما زالت الدولة عاجزة عن ضبط المشهد أو حماية من يسعى للتغيير. إلى جانب التحديات الداخلية لا يمكن إنكار حجم التأثير الإقليمي والدولي الذي لا يزال يلعب دورًا مؤثرًا في تحديد اتجاهات المرحلة المقبلة. فالعراق وهو بين فكي التوازن الإيراني-الأميركي لا يتحرك بحرية كاملة. وأي تغيير جوهري في المشهد الانتخابي لا بد أن يمر بميزان حساس من التفاهمات أو التصادمات الخارجية. وهذا يعني أن معركة الانتخابات ليست داخلية فحسب بل تتجاوز الصندوق إلى ما بعده حيث تبدأ الحسابات الحقيقية. لكن رغم كل ذلك يبقى الأمل قائمًا في أن تكون هذه الانتخابات نقطة تحوّل ولو متواضعة. أن تنجح بعض الأصوات الجديدة في كسر الحصار المفروض على التمثيل الشعبي الحقيقي. أن ينجح الشارع في فرض إرادته، ولو بنسبة محدودة في برلمان يشبهه أكثر مما يشبه المكاتب المغلقة. فالتغيير لا يحدث دفعة واحدة ولا على شكل معجزات، بل عبر تراكمات مستمرة تبدأ بخطوة بكلمة بصوت واحد يقول: كفى. وإذا كانت الانتخابات السابقة قد كرست الإحباط فإن انتخابات 2025 تمثل لحظة اختبار عسيرة لكنها ضرورية. لحظة سيكتشف فيها العراقيون إن كانت صناديقهم ما تزال أدوات للتعبير أم أنها مجرد صناديق لإعادة تدوير الفشل. واللعبة إن لم تتغير قواعدها فستتغير وجوه لاعبيها فقط. ويبقى الوطن في الانتظار.

مقالات مشابهة

  • رئيس اتحاد شباب الجاليات في كندا: انتخابات المصريين بالخارج نموذج مشرف للمشاركة الديمقراطية
  • انتهاء التصويت في انتخابات مجلس الشيوخ 2025 بسفارة مصر بالمملكة المغربية
  • حرب تصريحات بين العدالة والتنمية والشعب الجمهوري حول حماس وفلسطين
  • «الوطنية للانتخابات»: تطور ملحوظ في وعي المواطنين وترسيخ لمفاهيم الديمقراطية
  • مجلس الشيوخ المصري.. ثمرة عقود من التجربة الديمقراطية
  • العراق على أبواب صناديق جديدة: هل تغير انتخابات 2025 قواعد اللعبة
  • وزير الخارجية عن انتخابات الشيوخ: «الديمقراطية لا تُبنى إلا بالمشاركة الواعية»
  • التلاعب بالانتخابات…التحدي المزمن أمام الديمقراطية.
  • المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تثمن العفو الملكي وتدعو لإلغاء عقوبة الإعدام وتسريع العدالة المجالية
  • واشنطن بوست: التراجع عن دعم الديمقراطية يقوّض مكانة أميركا