سودانايل:
2025-06-10@12:09:22 GMT

على حافة الغابة البدائية: الحلقة (8)

تاريخ النشر: 28th, May 2024 GMT

الفصل الثالث
على حافة الغابة البدائية: الحلقة (8)
تجارب وملاحظات طبيب الماني في أفريقيا الإستوائية
كتبها: آلبرت شفايتزر
نقلها من الإنجليزية د. أحمد جمعة صديق
جامعة الزعيم الازهري – السودان
*ديباجة
تعرفنا على كثير من الجوانب المظلمة في الحقبة التي تكالب فيها الإستعمار الأوربي على أفريقيا. وقد توالت الأحداث الجسام من تهجير وقهر وقتل، دأب المستعمر الأبيض على ممارستها، ليفرض سيطرته على إنسان أفريقيا ومقدراته وموارده التي نهبت - ردحاً من الزمن - ليعمّر بها العالم الأوربي، بينما يرزح الأفريقي صاحب كل ذاك الخير في فقر لا يدانيه فقر.

ومازالت أفريقيا تعاني من استنزاف مواردها بطرق شتى، وما زال بنوها يعانون من الأمرّين: استغلال المستعمر المباشر وتغول بعض أبنائها المتسلطين على إهانة شعوبهم وسرقة مقدراتهم – بواسطة حفنة من الحكام الفاسدين. لقد خرج الاستعمار من الباب الأمامي ليتسلل مرة أخرى من الباب الخلفي.
كانت سيرة الاستعمار طوال وجوده في أفريقيا، ليست بالسيرة العطرة، غير أنه قد تخللت هذه السيرة غير المحبوبة، بعض الفضاءات المضيئة من أفراد بيض، آثروا أن يغلّبوا الجانب الإنساني في علاقتهم بالإنسان الأسود، بطرق عديدة، كالخدمات الطبية التي قدمها الطبيب والفيلسوف الألماني (آلبرت شيفايتزر) وزوجه، للإنسان الأفريقي في الجابون الحالية، اذ قاموا ببناء مستشفى لخدمة السكان المحليين، هذا المجهود أهّله للترشيح والفوز بجائزة (نوبل) تقديراً لهذا العمل الإنساني الكبير.

هذه الصفحات هي ترجمة لمذكراته التي صدرت في كتاب باسم:
(On the Edge of the Primeval Forest)

يوليو، 1913 - يناير، 1914
لامبارين، فبراير، 1914
أول رحلة طويلة في قارب الكانو
تحتل محطة بعثة لامبارين مجموعة تلال. فعلى قمة التل البعيد توجد مباني مدرسة الأولاد، وعلى الجانب الذي ينحدر نحو النهر يقع المستودع وأكبر بيت بالمحطة. وعلى التل المتوسط البيت الصغير الذي يقيم فيه الطبيب، وهناك على التل الآخر مدرسة البنات والبيت الآخر للمحطة. وعلى بعد حوالي عشرين ياردة بعيدًا عن المنازل تقع حافة الغابة. إذن، نحن نعيش بين النهر والغابة العذراء، على ثلاثة تلال، يتعين تأمينها من جديد كل عام ضد غزو الطبيعة البرية التي تسعى دائماً لاستعادة ما كان لها.
كانت هناك في جميع أنحاء هذه المنازل؛ أشجار البن والكاكاو والليمون والبرتقال والمندرين والنخيل، وأشجار الباباي. كان السود يطلقون علي هذه الشجرة اسم "أندندي." نحن مدينون بصورة كبيرة للمبشرين الأوائل الذين بذلوا الكثير من الجهد لزراعة هذه الأشجار الكبيرة.
يبلغ طول المحطة تقريباً حوالي 650 ياردة وعرضها من 110 إلى 120 ياردة. نقوم بقياس هذه المسافة مرة بعد مرة في كل اتجاه في جولاتنا المسائية وأيام الأحد، ولا نقوم بهذه الرحلة الا نادراً على الممرات التي تؤدي إلى أقرب القرى. فالحرارة هناك لا تُطاق على هذه الطرق، لأن على جانبي هذه الممرات الضيقة ترتفع الغابة كالجدار الذي لا يمكن اختراقه اذ يبلغ ارتفاعه ما يقارب ال 100 قدم ، وبين هذه الجدران يحتبس الهواء. ويكون الوضع من عدم وجود تيار أو حركة الهواء مشابهاً لما يحدث في لامبارين، حيث يبدو وكأننا نعيش في زنازين السجن. فلو أننا استطعنا تنظيف قطعة صغيرة فقط من الغابة التي تحيط بالطرف السفلي للمحطة، لكنا قد حصلنا على قليل من النسيم الذي سيهب علينا عليلاً من وادي النهر؛ ولكن ليس لدينا من المال أو الرجال لعمل هجوم من هذا القبيل على الأشجار. ونتنفس الصعداء فقط في فصل الجفاف حين تكون الكثبان الرملية للنهر مكشوفة، إذ يمكننا حينها أخذ تماريننا على الهواء والاستمتاع بالنسيم الذي يهب علينا من الاتجاه المعاكس لمجرى النهر.
كان من المقرر في الأصل وضع مباني المستشفى على حافة التضاريس العالية التي تقع فيها مدرسة الأولاد، لكن نظراً لأن الموقع كان بعيدًا جدًا وصغيراً جدًا، فقد رتبت مع الطاقم المتواجد في المحطة أن يمنحونا مكاناً عند قدم التل الذي أعيش في نواحيه، على الجانب المقابل للنهر. وكان يتعين عليّ تأكيد هذا القرار من قبل مؤتمر المبشرين الذي كان من المقرر عقده في سامكيتا في نهاية شهر يوليو. لذا ذهبت هناك مع السيد إلنبرغر والسيد كريستول لطرح قضيتي، وكانت هذه أول رحلة طويلة لي في قارب الكانو المنحوت من جذع شجرة.
**********************************
بدأنا الرحلة في صباحٍ ضبابي قبل منتصف الليل بساعتين، كاان المسافرون الثلاثة - المبشرون وأنا – جالسين، أحدهم خلف الآخر في كراسي طويلة قابلة للطي في المقدمة. كان منتصف القارب ممتلئة بصناديقنا القصديرية، وأسرّتنا المطوية، والفرش، وبالموز الذي كان يشكل مقدار ما يتم توزيعه كحصص للسكان المحليين. وكان هناك وراء هذه الأشياء، الصف الذي يضم عشرين مجدّفاً في ستة أزواج متتالية؛ كانوا يغنون عن الوجهة التي كنا نتوجه إليها وعن الذين كانوا على متن القارب، ويمزجون التعليقات الحزينة حول بدء العمل في وقت مبكر جدًا مع اليوم الشاق الذي كان ينتظرهم!
كان من المعتاد أن يستغرق الوقت من عشر إلى اثنتي عشرة ساعة لقطع مسافة ثلاثين إلى خمسة وثلاثين ميلاً صاعدين إلى سامكيتا، لكن كان علينا أن نسمح بوقت أطول بسبب حمولات القارب الثقيلة. وبينما كنا نتأرجح خارج القناة الجانبية إلى النهر، انبعث الفجر، وتيسر لنا رؤية خطوط داكنة تتحرك في الماء على بعد حوالي 350 ياردة على طول الحاجز الرملي الضخم. توقف غناء المجدفين فجأةً،كمن يتلقى أمر بالسكوت. كانت الخطوط الداكنة في الواقع ظهور أفراس النهر، التي كانت تستمع بحمامهما الصباحي بعد قضاء وقتها المعتاد في الرعي على اليابسة. ويخاف السكان المحليون كثيراً من هذه الحيوانات، ويتركون دائماً مسافة واسعة بينها وبينهم، لأن طباعها غير مستقرة أبداً، فقد هاجمت ودمرت العديد من القوارب.
يحافظ السكان المحليون دائمًا على الاقتراب من الضفة، في المجرى الرئيسي للنهر، حيث لا يكون التيار قوياً جداً ، وحيث تكون هناك مقاطع من النهر يمكن العثور فيها على مجرى معاكس يتدفق صعودًا. وبالتالي كنا ننتقل ببطء، بقدر المستطاع في ظل الأشجار المتدلية.
هذا القارب ليس له دفة، لكن المجدف الأقرب إلى الخلف يوجهه بالانصياع للإشارات تأتيه من أحد المجدفين من الأمام، والذي يظل يراقب بحذر شديد الأماكن الضحلة والصخور وجذوع الأشجار العائمة. وكانت أكثر الأشياء غير المرغوب فيها في هذه الرحلات هي الطريقة التي ينعكس فيها الضوء والحرارة من الماء، فقد يشعر المرء كما لو كان يتم اختراق جسمه بسهام من نار من تلك المرآة المتلألئة. وكنا نروي عطشنا ببعض الأناناسات الرائعة، ثلاثة لكل منا.
جلب لنا شروق الشمس ذبابة التسي تسي، التي تنشط فقط أثناء النهار، وتُعتبر بالمقارنة مخلوقاً ضاراً أسوأ نسبياً من البعوض .حجمها أكبر من نصف الذبابة العادية التي نجدها في المنزل، والتي تشبهها في المظهر، إلا أن أجنحتها، عندما تكون مغلقة، لا تكون متوازية مع بعضها البعض بل تتداخل مثل شفرات المقص.
يمكن لذبابة التسي تسي أن تخترق حتى الجسم السميك للحصول على الدم، لكنها حذرة للغاية وماكرة، وتتجنب بذكاء جميع اللكمات باليدين. وفي اللحظة التي تشعر فيها بأن الجسم الذي استقرت عليه يقوم بأدنى حركة، تطير وتختبئ على جانب القارب، ولا يمكن بالطبع سماع طيرانها. وتعتبر المروحة الصغيرة في اليد هي الوسيلة الوحيدة للحماية منها إلى حد ما، فعاداتها الحذرة تجعلها تتجنب الاستقرارعلى أي شيء ذو لون فاتح، حيث يمكن اكتشافها بسهولة: لذا فالملابس البيضاء هي أفضل حماية ضد تلك الذبابة. وقد تحققت من صحة هذه المعلومات بصورة أكيدة خلال هذه الرحلة، حيث كنا أثنين نرتدي ملابس بيضاء، وشخص واحد يرتدي ملابس صفراء. فلم تحط تقريباً ذبابة واحدة على أحدٍ منا، بينما كان يتعين على رفيقنا تحمل الإزعاج المستمر، وكان السود هم لأسوأ حظاً.
• الجلوسينا بالباليس، هي الذبابة التي تنقل جرثومة مرض النوم، وتنتمي، كما هو معروف جيدًا، إلى عائلة التسي تسي.

توقفنا عند الظهيرة في قرية للسكان المحليين، وبينما كنا نتناول الطعام الذي جلبناه معنا، كان طاقمنا يحمّص الموز. تمنيت لو كان بإمكانهم الحصول على غذاء أكثر فائدة بعد هذا العمل الشاق. كان الوقت مساء متأخر جداً عندما وصلنا إلى وجهتنا.
انطبعت أحداث المؤتمر الذي استمر لأسبوع كامل، بقوة في ذاكرتي. شعرت بأن الأمر مشجع أن أعمل مع رجال مارسوا التضحية لسنوات وتفانوا في خدمة السكان المحليين، واستمتعت بصورة كاملة بالجو المنعش من المحبة والإحسان. لقد حظيت مقترحاتي بترحيب حار: إذ تم الاتفاق على أن يتم بناء المبنى الحديدي والمباني الأخرى للمستشفى في المكان الذي كنت أريده، وقدرت المهمة بمبلغ 80 جنيهاً إسترلينياً (4،000 فرنك) هي جملة تكاليف البناء.
عبرنا النهر مرتين في رحلة العودة، من أجل تجنب مجموعات من أفراس النهر، أحدها كان قد اقترب منا بحوالي خمسين ياردة فقط. كان الظلام قد حل بالفعل، عندما وصلنا إلى جانب القناة الخاصة بنا. كان علينا أن نجتاز ولمدة ساعة كاملة طريقنا في الحاجز الرملي، حيث كان يتعين على الطاقم القفز الى الماء بين الحين والآخر وسحب أو دفع القارب سيراً على الأقدام. وأخيراً وصلنا إلى المياه العميقة، حيث بدأ الطاقم يغنى بصوتٍ عال، وسرعان ما رأينا أضواءاً تتحرك، تتقدم في خطوط متعرجة إلى مستوى قريب منا وتوقفت معاً هناك. كانت تلك هن سيدات لامبارين والنساء السود اللواتي جئن لاستقبال المسافرين العائدين عند الرصيف.
يقطع القارب الماء بطيش، ومع زخة أخيرة يتم رفعه عالياً على الشاطئ. يصدح المجدفون بصيحات النصر، بينما تمتد الأيدي السوداء بلا عدد لالتقاط الصناديق والأسرة والحقائب والخضروات التي جلبناها من سامكيتا.
"هذا للسيد كريستول."،
"هذا للسيد إيلنبرغر"،
"هذا للدكتور."،
"اثنان منكم إلى هنا؛ إنها ثقيلة جدًا لشخص واحد!"،
"لا تسقطها!"
"كن حذراً مع البنادق!"
"انتظر: ليس هنا؛ ضعه هناك!"
وهكذا...،
وفي النهاية، تم توزيع البضائع بالكامل في أماكنها الصحيحة، وصعدنا بفرح إلى الهضبة.

aahmedgumaa@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: کان من

إقرأ أيضاً:

الصناعة في أفغانستان على حافة الانهيار مع العقوبات وتقطع الكهرباء

كابل– في شوارع العاصمة الأفغانية كابل، حيث كانت المصانع الصغيرة والمتوسطة تضج بالحركة وتوفر لقمة العيش لآلاف الأسر، بدأت أصوات الآلات تخفت رويدا رويدا تحت وطأة أزمة اقتصادية متفاقمة.

ومنذ عودة حركة طالبان إلى الحكم في أغسطس/آب 2021، انكمش الاقتصاد بنسبة 27%، فقد زادت كل من العقوبات الدولية وتجميد الأصول من الضغوط الاقتصادية، إلى جانب أزمات داخلية مثل نقص الكهرباء وارتفاع أسعار الوقود. وفي ظل كل ذلك، يرزح القطاع الصناعي تحت تهديد الشلل، رغم جهود حكومية معلنة لإنقاذه.

توقف المصانع وتصاعد التكاليف

وتشير تقارير البنك الدولي إلى تقلص القطاع الصناعي الأفغاني بنسبة 5.7% في 2022، مما دفع مصانع كابل إلى التوقف أو تقليص نشاطها. كذلك تتهدد استمراريتها بسبب نقص المواد الخام، وانعدام التمويل، وارتفاع التكاليف.

يقول أحمد فريد، صاحب مصنع لتجهيز الأغذية في منطقة ده سبز الصناعية في كابل، للجزيرة نت: "كنا ننتج 10 أطنان يوميا من المواد المعلبة والمجففة، أما الآن فنعمل بطاقة 30% فقط. أسعار الزيوت والسكر ارتفعت 40%، مما رفع أسعار منتجاتنا وخفض الطلب المحلي".

ويشكو عبد البصير تره‌ كي، صاحب مصنع أحذية في كابل، في حديث للجزيرة نت: "نشتري المواد الخام من إيران والصين بأسعار مرتفعة، والبضائع المستوردة تهيمن على أسواقنا. نطالب الحكومة الأفغانية برفع الرسوم الجمركية على الواردات لدعم الصناعة المحلية". ووفقا لاتحاد صانعي الأحذية، أُغلقت أكثر من 50% من مصانع الأحذية في أفغانستان خلال العامين الماضيين.

إعلان

في 2024، قفزت الواردات إلى 10.8 مليارات دولار، مدفوعة بزيادة المنتجات المعدنية بنسبة 56%، والمواد الكيميائية بنسبة 51%، والسلع الغذائية بنسبة 28%. لكن أسعار الوقود ارتفعت 35% منذ 2022، مما زاد العبء.

المناطق الصناعية في كابل تعاني نقصا حادا في الطاقة الكهربائية (غيتي) أزمة الكهرباء تشل الإنتاج

ويفاقم هذه الأزمة انقطاع الكهرباء المستمر، فمنذ أكثر من 10 أيام، تعاني المناطق الصناعية في كابل من نقص حاد في الطاقة. وفي السياق، يقول روح الله محمدي -مدير مصنع للأغذية- للجزيرة نت: "نحصل على كهرباء لـ5 أو 6 ساعات يوميا فقط، وغير مستقرة، لا تكفي لتشغيل معداتنا. اضطررنا للاعتماد على مولدات باهظة التكلفة، مما زاد خسائرنا وأثر على جودة منتجاتنا".

ويضيف مزمل نيكبين -مدير مصنع لمواد البناء- أن "انقطاع الكهرباء خفض إنتاجنا إلى النصف منذ أشهر، مما أدى إلى تأخير تسليم المواد للمشاريع المحلية. نطالب بكهرباء منتظمة لخدمة الوطن وتجنب خسارة العملاء".

أما المدير التنفيذي لمصنع "شيتا" للرقائق حميد الله عمري، فيقول: "توقفنا عن الإنتاج منذ أسبوعين بسبب انقطاع الكهرباء، و50 موظفا أصبحوا عاطلين، مما يهدد سبل عيش أسرهم. نأمل حلا عاجلا لاستئناف العمل وتلبية الطلب المحلي".

تنوع صناعي في العاصمة

ورغم التحديات، فإن كابل تحتضن تجمعات صناعية كبيرة. يشار إلى أنه يوجد نحو 5 آلاف مصنع صناعي في أفغانستان، منها 1100 في كابل، وفقا لوزارة الصناعة والتجارة الأفغانية، بينما يقدّر اتحاد الصناعيين العدد بنحو 4500. وتشمل هذه المصانع:

صناعات النسيج: مصانع القطن والملابس في بغرامي. صناعات الأغذية والمشروبات: معامل تجهيز الأغذية، ومصانع "عمد بهار" و"كوكا كولا". الصناعات الدوائية: 104 مصانع تنتج 650 نوعا من الأدوية. الحرف اليدوية: صناعة السجاد والجلد. مواد البناء: مصانع الطوب وغيرها. إعلان

وبعض هذه المصانع يصدر للخارج، رغم الركود.

عمال يجلسون في أحد شوارع كابل بعد أن فقدوا وظائفهم نتيجة توقف المصانع وسط أزمة اقتصادية خانقة (الجزيرة) البطالة تضرب العمال

الأزمة طالت العمال، إذ بلغت البطالة 14.1% في 2022، وتصل تقديرات غير رسمية إلى 35% في كابل. يقول محمد ناصر -عامل سابق بمصنع نسيج- للجزيرة نت: "في عام 2023، طُردت أنا و90% من زملائي. أعيل 6 أفراد، والآن نعتمد على مساعدات بسيطة". القطاع الصناعي، الذي شغّل 18.1% من القوى العاملة، خسر 40% من وظائفه منذ 2021.

غياب الدعم الحكومي

يشتكي الصناعيون من ضعف الدعم، إذ يقول رئيس جمعية صغار الصناعيين في كابل عبد الله رحيمي -للجزيرة نت- "لا قروض ميسرة، ولا إعفاءات ضريبية كتخفيض الرسوم الجمركية، ولا خطة واضحة لإنقاذ الصناعة. نحتاج دعما ماليا عاجلا وتسهيلات لاستيراد المواد الخام لنتمكن من الاستمرار".

ويزداد الوضع تعقيدا إثر تجميد 9 مليارات دولار من الأصول وانقطاع 8 مليارات دولار من المساعدات سنويا (40% من الناتج المحلي).

عامل في مصنع أسمنت جبل سراج شمال كابل (رويترز) موقف الحكومة وشركة الكهرباء

من جهته، يقول أحمد الله زاهد، نائب وزير الصناعة والتجارة، للجزيرة نت: "خصصنا 32 ألف هكتار للمناطق الصناعية، وسلمنا 20 ألف هكتار لدعم المصانع الجديدة. نعمل في 11 ولاية، بما فيها كابل. زاد عدد المصانع بنسبة 40% منذ 2022 ليصل إلى 5 آلاف مصنع، ونسعى لتطابق إنتاجنا مع المعايير العالمية". ويوضح أن "الركود ناتج عن العقوبات الدولية ونقص التمويل الخارجي، لكننا نعمل على خطة لتأمين الطاقة عبر شراكات إقليمية، ودعم المصانع بقروض ميسرة وتسهيلات جمركية خلال السنتين المقبلتين".

في حين يقول رئيس اتحاد الصناعيين الأفغان عبد الجبار صافي -للجزيرة نت- إن "مصانعنا الصغيرة تواجه تحديات، ونعمل مع وزارة الصناعة والتجارة الأفغانية لزيادة الرسوم الجمركية على الواردات. فلا يمكن إيقاف الاستيراد، لكن رفع الرسوم سيحمي الصناعة المحلية".

إعلان

وفي سياق متصل، أعلن عبد السلام حنفي نائب رئيس الوزراء للشؤون الإدارية -خلال مراسم توزيع أراض في غزني- أن الحكومة ستعفي المستثمرين والصناعيين العائدين من الخارج من جميع الضرائب لمدة 5 سنوات، مع تخصيص أراضٍ ومساكن مجانية. وقال: "أصحاب الأعمال الكبيرة، مثل المصانع في باكستان، سيخضعون لرعاية لجنة خاصة".

كما أكد عبد الغني برادر، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، في مؤتمر "النداء الوطني للاستثمار"، أن "الظروف مهيأة للاستثمار"، مشيرا إلى إعفاء ضريبي لمدة 5 سنوات للعائدين الذين يستثمرون في الصناعات الحديثة، باستثناء ضريبة الموظفين، وإنشاء 35 مدينة سكنية في 25 ولاية، مع سوق تجاري في مديرية أندر في غزني.

لكن هذه المبادرات تثير تساؤلات لدى القطاع الخاص المحلي، الذي يرى أن تركيز الحكومة على العائدين قد يهمل المصانع القائمة التي تعاني من نقص الكهرباء وارتفاع التكاليف.

أما شركة الكهرباء الحكومية "برشنا"، فيقول المتحدث باسمها حكمة الله ميوندي: "نعمل على توفير الكهرباء، لكن نقص الموارد والطاقة المستوردة يحد من جهودنا. نسعى لزيادة الإمدادات من دول الجوار ودراسة مشاريع طاقة محلية".

موقف غرفة الصناعات والمعادن

من ناحيته، يقول رئيس غرفة الصناعات والمعادن محمد كريم عظيمي -للجزيرة نت- "نحتاج إلى 15 إلى 18 ساعة كهرباء يوميا، وإلا لن ننافس المنتجات المستوردة. نطالب باستثمار في الطاقة وتخفيف الرسوم لدعم الصناعة المحلية".

معمل لصناعة السجاد الأفغاني (الجزيرة) تأثير مباشر على الأسواق والصادرات

وأثرت هذه الأزمة على الأسواق، مع تضخم سلبي بلغ -7.7% بين 2023 و2024. كذلك، قفز عجز الميزان التجاري 59% إلى 8.9 مليارات دولار عام 2024. وارتفعت صادرات المواد الغذائية 35% إلى 1.5 مليار دولار، مدعومة بنجاحات مثل تصدير المشروبات. وفي هذا الصدد، يقول شاه محمود قادري -مدير مصنع "نور قادري" في كابل- للجزيرة نت: "صدرنا إلى كازاخستان 7 آلاف عبوة عصير رمان بقيمة 1.2 مليون أفغاني، ونخطط لتصدير مشروبات الطاقة إلى قرغيزستان وأوزبكستان".

إعلان

ويضيف عضو غرفة التجارة والاستثمار الأفغانية خان جان ألكوزي: "نصدر يوميا 50-60 حاوية مشروبات من كابل وهرات إلى آسيا الوسطى وباكستان، مما يعكس إمكانات الصناعة المحلية". لكن صادرات المنسوجات تراجعت 45% إلى 287 مليون دولار، متأثرة بهيمنة الواردات.

أرقام تشرح الأزمة

العدد والنمو:
5 آلاف مصنع في أفغانستان (وزارة الصناعة)، أو نحو 4500 (اتحاد الصناعيين).
زيادة 40% في عدد المصانع منذ 2022.
الأراضي:
32 ألف هكتار مخصصة للمناطق الصناعية، 20 ألفا تم تسليمها.
التدهور:
60% من مصانع كابل خفضت إنتاجها 40% أو أكثر منذ 2021.
25% من المصانع توقفت بحلول 2024.
50% من مصانع الأحذية أُغلقت خلال العامين الماضيين.
انقطاع الكهرباء أثر على 80% من الطاقة الإنتاجية.
القطاع الصناعي خسر 40% من وظائفه منذ 2021.
تراجع إنتاج النسيج 40% في كابل منذ 2023.
انخفاض استثمارات القطاع الصناعي 45% بين 2021 و2024.
خسائر مالية تقدر بـ500 مليون دولار في كابل خلال 2023-2024.

مستقبل ضبابي

وتعليقا على هذا الوضع، يحذر الخبير الاقتصادي عمر سعيدي، أستاذ كلية الاقتصاد في جامعة كاردان الأهلية في كابل، للجزيرة نت، أن "الصناعة تقف على حافة الانهيار. وإن الاستثمار في الطاقة البديلة، ودعم الصناعات الصغيرة، ومراجعة العقوبات قد يمهد للتعافي".

في كابل، لم تعد المصانع رمزا للأمل، بل تحولت أبوابها المغلقة إلى شواهد على أزمة عميقة. وبين جهود حكومية لدعم العائدين، ونجاحات محدودة في التصدير، وتحديات يومية تواجه المصانع المحلية، يبقى السؤال: هل تستطيع أفغانستان إنقاذ صناعتها، أم سيبقى الركود عنوان مرحلة ما بعد الحرب؟

مقالات مشابهة

  • صوفان: إعطاء الأمان الذي حصل في بداية التحرير ساهم إلى حد كبير في حقن الدماء، هناك إنجازات كبرى تحققت في مجال السلم الأهلي شهد بها القاصي والداني
  • في دير قانون النهر... تجدد إشتباك الأهالي مع اليونيفيل وسط تدخل الجيش
  • صوفان: وجود شخصيات على غرار فادي صقر ضمن هذا المسار له دور في تفكيك العقد وحل المشكلات ومواجهة المخاطر التي تتعرض لها البلاد.. نحن نتفهم الألم والغضب الذي تشعر به عائلات الشهداء، لكننا في مرحلة السلم الأهلي مضطرون لاتخاذ قرارات لتأمين استقرار نسبي للمرحلة
  • "الغابة المحترقة".. جوارديولا يوجه رسالة مؤثرة عن غزة خلال تكريمه في مانشستر
  • الصناعة في أفغانستان على حافة الانهيار مع العقوبات وتقطع الكهرباء
  • إسرائيل تمنع سفينة مادلين “الخيرية” من الوصول إلى غزة
  • شبح القاتل المتسلسل يُخيّم على نيو إنغلاند… الجثة رقم 13 تُكتشف في الغابة
  • التعليم العالي تقدم إرشادات لمرضى الأمراض المزمنة بشأن لحوم عيد الأضحى
  • مدينة الأبحاث العلمية توجه نصائح للتوعية بطرق التخلص الآمن من مخلفات النحر
  • وفاة طفلين غرفاً في نهر الفرات بدير الزور