لجريدة عمان:
2025-06-26@21:48:25 GMT

البحث عن المعنى

تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT

في بداية أحداث السابع من أكتوبر من العام المنصرم، كان الهم الكبير لأكثرنا التوعية بالقضية وتسمية الأشياء بمسمياتها، خصوصًا للمواطنين الغربيين الذين ظلوا مغيبين عن الواقع والحقيقة لعقود طويلة، عقود تمت فيها شيطنة العرب والمسلمين والفلسطينيين على وجه الخصوص، وآتت تلك الجهود ثمارها، فانتفض الطلبة والشباب وبعض من الكبار في مواجهة الأكذوبة التي تم ترسيخها لعقود طويلة.

فانصاعت بعض الجامعات والمؤسسات لمطالب الطلبة والأكاديميين الداعمين للقضية الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني، وقابلتهم الأخرى بالإبعاد والعقوبات كالحرمان من حضور حفل التخرج والحرمان من التوظيف في بعض المؤسسات. كما آتت المقاومة أكلها في اعتراف بعض الدول الأوروبية مؤخرا هي أسبانيا والنرويج وإيرلندا بفلسطين، وقد يبدو من السخرية أن نلتفت إلى اعتراف هذه الدول بفلسطين وكأنها غير موجودة قبل هذا الاعتراف، بل من السخرية أن يتم الاعتراف بشيء يسمى «دولة الاحتلال» فكيف يكون للاحتلال دولة لها مؤسساتها وسفراؤها من الأساس؟ ولكن قيمة الاعتراف تكمن في الجانب الآخر غير العربي أو الإسلامي من العالم. قد يستغرب آخرون من اعتراف هذه الدول بفلسطين! وهذا ناشئ عن التعتيم والتضليل الممنهج لسنوات.

لو وضعنا كل شيء في كفّة، ومحرقة الأسبوع الحالي في كفة أخرى لوجدنا بأننا وبعد ثمانية أشهر من الإبادة الصهيونية على غزة، نقف أمام مفترق مخيف من الحياة، أمام معضلة إنسانية وأخلاقية لم تعد نظرية بعد الآن، بل هي شاخصة أمام أعيننا؛ أب يمسك جسد ابنه أو ابنته مقطوعة رؤوسهم وأبدانهم محروقة، فإن هذا يتجاوز كل ما يمكن تخيله من وحشية المحتل، ولكن هل هذه الوحشية متعمدة ومقصودة؟ أم أنها وليدة الصدفة وأخطاء فردية يقوم بها أفراد القوات المسلحة للمحتل؟

يجيب «جون ميرشايمر» أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاجو ومؤلف عدة كتب أهمها «أمريكا المختطفة..اللوبي الإسرائيلي وسياسات الولايات المتحدة الخارجية» الذي نقله فاضل جتكر إلى العربية، وكتاب «لماذا يكذب القادة؟» وكتب كثيرة أخرى. يبتدئ البروفيسور في محاضرة نظمها «مركز الدراسات المستقلة» في أستراليا بسؤال الحضور «ما هي بالضبط أهداف إسرائيل من هذا الهجوم؟» ثم يبدأ بتفنيد وتشريح خطابات قادة الاحتلال وأهدافهم المعلنة حسب الترتيب، هزيمة حماس أولا، ثم استعادة الرهائن ثانيا؛ ولكنه يفاجئ الحضور الأسترالي -المضلل كبقية الغرب بحقيقة إسرائيل- بقوله: إن «الهدف الحقيقي هو تطهير غزة عرقيا» معللا ذلك بمعضلتين تواجهان الوجود الصهيوني بشكله الاستيطاني الحالي، وهما «الفصل العنصري» أو الأبارتايد apartheid، والمقاومة المتمثلة في صورتها الأبرز في حماس. شارحا قولته: إن «الطريقة الوحيدة للخروج من هذا الوضع -نظام الفصل العنصري- هي التطهير العرقي» وهي الطريقة الوحيدة كذلك لهزيمة حماس؛ لأن حركة المقاومة الإسلامية حماس معتمدة اعتمادا كليا في وجودها على الحاضنة الشعبية؛ فالتطهير العرقي يحل معضلتين للوجود الصهيوني، معضلة الفصل العنصري ومعضلة وجود المقاومة «حماس» رأسا. ثم يستطرد في ذكر الأمثلة من تاريخ إنشاء كيان الاحتلال -الذي سنشير إليه بـ«إسرائيل» في بقية المقالة- في التطهير العرقي الممنهج الذي اعتمده الإسرائيليون كسياسة دائمة في التعامل مع الشعب الأصلي لفلسطين منذ منتصف القرن المنصرم.

لكن السؤال الأبرز الذي يتبادر إلى الذهن، كيف يمكن إخلاء غزة من سكانها؟. وهو ما يشرحه البروفيسور بطريقتين؛ الأولى «أن تقتل أعدادا كبيرة من الناس»، والثانية بأن «تجعل المكان غير صالح للعيش». فبقتل الناس عشوائيا وعبر المجازر، فإنك تدفعهم إلى مغادرة المكان الذي هم فيه -غزة-، والذي سيبدو فيما بعد كما لو أنهم غادروا طوع أمرهم -أو هذا ما ستبديه السردية الإسرائيلية- فحتى لو انتهت حرب الإبادة الجماعية الحالية، فكيف سيتم إعمار قطاع غزة المدمر؟ إن الجدال بضرورة تمسك الفلسطيني بالبقاء في أرضه -خصوصا أهل غزة في هذه المرحلة- يشبه جدال مجموعة من أصحاب الملايين في طاولة عشاء تضم مائة صنف، عن حقيقة الجوع الذي يشعر به أهالي السودان وهم يهيمون في الصحراء جراء الصراع الدائر هناك. فكما هو الشطر السائر في الآفاق «لا تُحرِقُ النَّارُ إلا رجلَ واطيها»، لن يشعر أحد بما يقدمه أهل غزة وما يقاسونه إلا من عاش معهم، يحيا حياتهم ويموت مماتهم. فهم بشر يتطلعون إلى الحياة، لهم آمالهم وأحلامهم وأمانيهم؛ ولكن صبرهم العظيم مما يدهش المرء ويتعجب له، فهو صبر المؤمن بحقه والمنافح عن مقدساته وعرضه.

بعد عام واحد من نهاية الحرب العالمية الثانية، كتب الدكتور فيكتور فرانكل كتابه الشهير «الإنسان والبحث عن المعنى» والذي يسرد فيه تجربته الذاتية وما قاساه حين كان معتقلا في سجون النازية، ويصف فيه أسلوب العلاج النفسي الذاتي الذي اتبعه في تلك الفترة المظلمة والقاتمة، ووضعه هدفا لحياته -وهو معتقل في سجون النازية أثناء هذا كله- فهل تعود الحاجة إلى فرانكل جديد بعد الحرب؟ وما التعزية التي سيقدمها العالم إلى إنسان فقد أهله وعائلته بلا ذنب ولا جرم، بل كيف سيثق الإنسان بإنسانية الدول العظمى التي ساندت ودعمت الاحتلال في إبادته الوحشية والصارخة على مرأى من الجميع! إن التيه والحسرة واليأس الذي يحل على العالم، والتي ستتكشف مآلاته القاسية والوحشية والأخرى المَرَضية النفسية بعدما تتوقف الإبادة؛ لن تكون مقتصرة على فلسطين أو الشرق الأوسط وحده، بل ستطال العالم أجمع، وما دامت اللاعقلانية والوحشية ومنطق القوة هي السائدة اليوم؛ فإن الضحية الفعلية والضحية المحتملة ستواجه الشر المطلق بشر مطلق أيضا، وهو ما ينبغي مجابهته وإيقافه قبل أن تكبر كرة الثلج وتجرف كل شيء أمامها وتغدو عصية على السيطرة، وهو ما يتحقق بوقف المجزرة الآن وفورا، كل دولة ومؤسسة وفرد حسب الطاقة والإمكانات.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حماس تدعو لصد هجمات المستوطنين في الضفة بهذه الطريقة

قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن جرائم الاحتلال ومستوطنيه، وآخرها في كفر مالك، تستدعي تشكيل لجان حماية رسمية وشعبية عاجلة للتصدي لهذه الجرائم.

كما أشادت الحركة بتصدي أهالي كفر مالك لهجوم قطعان المستوطنين وعصابات الاحتلال.
وحثّت على ضرب المحتل وقطعان مستوطنيه بكل قوة في كافة نقاط التماس بالضفة الغربية المحتلة.

ودعت حماس السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية لأخذ دورها الطبيعي في حماية الشعب والإفراج الفوري عن كافة المقاومين والمعتقلين السياسيين لديها.

وكانت وزارة الصحة الفلسطينية أعلنت استشهاد ثلاثة أشخاص وإصابة 10 آخرين، أحدهم بحالة خطرة، خلال هجوم مستوطنين على بلدة كفر مالك شمال شرقي رام الله.

ونقلت الأناضول عن مصادر محلية قولها، إن عشرات المستوطنين هاجموا بلدة كفر مالك، وأحرقوا مركبات ومنازل المواطنين، وسط محاولات من مواطني البلدة والقرى المجاورة للتصدي لهم، مشيرة إلى أن قوات الاحتلال أمّنت الحماية للمستوطنين وأطلقت الرصاص الحي صوب الفلسطينيين.

وأقرر جيش الاحتلال الإسرائيلي إن عددا من القتلى والجرحى سقطوا برصاص قواته.



وفي أريحا، أكد الهلال الأحمر الفلسطيني إصابة 8 أشخاص باختناق بعد إحراق مستوطنين منزلا فلسطينيا.

وقد وثقت منصات فلسطينية مشاهد تظهر لحظة إطلاق جنود الاحتلال الرصاص بشكل مباشر على الفلسطينيين في أثناء تصديهم لهجوم المستوطنين على قرية كفر مالك، شمال شرق رام الله.

ووفق معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، نفذ مستوطنون إسرائيليون 415 اعتداء في الضفة خلال أيار/ مايو الماضي، توزعت بين هجمات مسلحة على قرى فلسطينية، وفرض وقائع على الأرض، وإعدامات ميدانية، وتخريب وتجريف أراض واقتلاع أشجار، والاستيلاء على ممتلكات، وإغلاقات، وحواجز تقطع أواصر الجغرافيا الفلسطينية.

وبالتوازي مع حرب الإبادة في غزة، صعّد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة، بما فيها القدس الشرقية، مما أدى إلى استشهاد 986 فلسطينيا على الأقل، وإصابة نحو 7 آلاف آخرين، وفق معطيات فلسطينية.

ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 188 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط حصار أدى إلى مجاعة متفاقمة.

مقالات مشابهة

  • حماس تُعقّب على ادعاءات نتنياهو وكاتس بسيطرتها على المساعدات بغزة
  • حماس: نطالب الدول العربية والإسلامية بتحمل مسئولياتها تجاه شعبنا
  • مارك روته: كنتُ أقصد هذا المعنى عندما ناديتُ ترمب بـ”بابا”..فيديو
  • الإيعاز لجيش الاحتلال بإعداد خطة لمنع حماس من السيطرة على المساعدات
  • حماس تدعو لصد هجمات المستوطنين في الضفة بهذه الطريقة
  • القسام تنشر فيديو الكمين الذي نفذته القسام ضد ناقلتي جند في خان يونس / شاهد
  • حماس تكشف سبب فشل التوصل لإنهاء الحرب في غزة
  • هدنة بين إيران وإسرائيل.. أين مجازر غزة من حسابات ترامب؟
  • بيان صادر عن تكتل قبائل بكيل بشأن القصف الذي استهدف قاعدة العديد في دولة قطر الشقيقة
  • حماس تعلق علي مجـ.ازر الاحتلال بحق الفلسطينين في نقاط توزيع المساعدات