منذ بدأت الدولة فى مصر التعامل مع سياسات الاقتراض من صندوق النقد الدولى والاعتماد على المساعدات الخارجية بدلا من سياسات التنمية الانتاجية ، بدءا من عام 1977 وحتى هذا العام، والعصف بالحقوق الاجتماعية لأغلبية المواطنين صار هدفا يمضى على قدم وساق، وفى القلب منه تنفيذ المطلب الأثير الدائم لدى صندوق النقد الدولى، بإلغاء الدعم على سلع الاستهلاك الأساسية.
صارت سياسات التقشف التى تهدف إلى سد العجز فى الموازانة العامة للدولة، بإلغاء الدعم بتحايلات تدريجية بتقليص دور القطاع العام وتصفيته، وتخفيض قيمة الجنيه وتقليل الانفاق الحكومى على الخدمات العامة فى مجالات الصحة والتعليم والنقل العام والطاقة، وخفض أوجه الانفاق الاجتماعى لتحسين الحياة المعيشية، وتخلى الدولة عن أصولها ومواردها السيادية ،أصبح كل ذلك التدهور فى أساليب الحياة الاجتماعية والسياسية للمواطنين، يسمى فى الخطاب الحكومى، اصلاحا اقتصاديا وتحريكا للأسعار وارتفاعا فى قيمة الدولار وتشجيعا للاستثمار وللقطاع الخاص، بالرغم من التجارب المريرة التى أكدها الواقع، إن معظم المستثمرين فى القطاع الخاص قد استفادوا من الاعفاءات الجمركية والضريبية لزيادة أرباحهم، بما يفوق كثيرا القيمة المضافة التى قدموها للاقتصاد الوطنى. مع الأخذ بعين الاعتبارأن للدولة دورا فى دعم تلك الخدمات فى كل دول الغرب الأوروبى والأمريكى الرأسمالى.
ارتبط رغيف الخبز لدى المصريين بالحياة ، ولذلك أسموه «رغيف العيش» لأنه بات الغذاء الرئيسى لمعظم الأسر، بما يملكه من خصائص تسد رمق الجوعى الفقراء، حتى لو كان مجرد «عيش وملح».، ومنحوه قيمة القداسة وهم يقسمون عليه: والعيش والملح. ولم تبتعد أمثالهم الشعبية عن التغنى به: بياكل عيشه من عرق جبينه، والخبز مخبوز والمية فى الكوز، يا واكل قوتى ،يا ناوى على موتى .وعض قلبى ولا تعض رغيفى!.
وحين تُقدم الحكومة على رفع سعر رغيف العيش المدعوم من خمسة جنيهات، إلى عشرين جنيها بواقع 300% بدءا من اليوم السبت، وتسمى ذلك تحريكا لسعره، ولا تكف عن تبكيتنا ليل نهار بالأعباء التى باتت تتحملها من جراء ارتفاع قيمة الدعم السنوى للخبز إلى 120 مليار جنيه ، بما تعده عبئا على الخزانة العامة، فهى قد لا تعلم أنها تعبث بحياة ملايين المصريين ، وإن كانت تعلم ، فهى تقامر بالأمن الاجتماعى للبلاد ، لا سيما والغلاء الفاحش والارتفاع اليومى المتوالى فى كل أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية بات سيد الأسواق وراعيها وحاكمها!.
كلما أشتدت الأزمة الاقتصادية من جراء سياسات اقتصادية فاشلة، لا تبحث الحكومة عن حل لها إلا بالتفتيش فى جيوب الفقراء برغم أنها خاوية. وهى تمضى فى سلك هذه الطريق، لأنها تخشى مجرد النظر إلى مقترحات بديلة لتحميل الفقراء أسباب الأزمة، ذُكرت فى الحوار الوطنى وفى خارجه، تطول الامتيازات التى توجهها لدعم الأثرياء. ورجال الأعمال ممن صاروا يتحكمون فى قرار الدولة التشريعى والاقتصادى. باتت الكلمات والاقتراحات والآراء البديلة لا معنى لها لأنها تذهب أدراج الرياح، ولأن الحكومة لا تنصت إلا للأقوياء من المتنفذين والمنتفعين من خبراء الصندوق الذين يرسمون السياسة الاقتصادية طبقا لمصالحهم، ويتغولون فى أجهزتها التنفيذية .وربما تكون سخرية أحمد فؤاد نجم حلا للخروج من تلك المتاهة العبثية التى تشعرنا اننا رعايا لا مواطنون، يقول نجم ويشدو الشيخ إمام منذ عام 1981: حتقول لى الفقرا ومشاكلهم ، دى مسائل عايزة التفانين، وأنا رأيى نحلها ربانى، ونمّوت كل الجاعنين ، وبهذا محدش ح يجوع ،لو نعلن هذا المشروع، وحنقفل هذا الموضوع ، نهائيا ونعيش فى تبات، ياحلاوة الناوه كوا الناوه ، يابلدنا يا آخر فتكات.
أما العم بيرم التونسى فله رأى آخر ،حين ضاقت عليه سبل العيش ومعه أهل الاسكندرية ، من رسوم وضرائب ثقيلة ومرتفعة فرضها المجلس المحلى للمدينة ،حين كان يسمى المجلس البلدى بحجة ثابتة فى التاريخ تسمى المنفعة العامة فقال :قد اوقع القلب فى الأشجان والكمد، هوى حبيب يسمى المجلس البلدى، إذا الرغيف أتى فالنصف آكله، والنصف أتركه للمجلس البلدى ،..أمشى وأكتم أنفاسى مخافة أن ، يعدها عامل المجلس البلدى، غاز إذا صارع العبسى جندله، ويبرم الأمر عسفا لن يعدله، وإن رأيت على بابى محصله، بكى الصغير يريد الخبز قلت له، دعنا لندفع مال المجلس البلدى ، هو الذى لم يدع فى الأرض شاردة ، كلا ولا رطبة فيها وجامدة، إلا وكانت على التحصيل شاهدة ،يابائع الفجل بالمليم واحدة، كم للعيال، وكم للمجلس البلدى ، .. يبغى ويطلب أثوابى فأنزعها ، والروح أيضا وما كنت لأمنعها، إذا الخطوب أحاطت كيف أدفعها والأرض والبحر والأنعام أجمعها، الكل ليست لغير المجلس البلدى .
عدة عقود مضت على سخرية الشاعرين من أحوالنا البائسة، ولايزال الحال يبعث على الضحك ،لكنه ضحك كالبكاء .نريد حكومة للدفاع عن مصالح الفقراء..
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أمينة النقاش على فكرة صندوق النقد الدولي الإنفاق الحكومي
إقرأ أيضاً:
تقرير رسمي: عدد الفقراء بالمغرب إنخفض من حوالي 4 ملايين إلى 2,5 مليون نسمة
زنقة 20. الرباط
أظهرت دراسة للمندوبية السامية للتخطيط بعنوان “خريطة الفقر متعدد الأبعاد، المشهد الترابي والديناميكية”، أن الفقر متعدد الأبعاد سجل بين سنتي 2014 و2024 تراجعا ملحوظا في المغرب.
وأبرزت المندوبية، في هذه الدراسة المستندة إلى معطيات الإحصاءين العامين للسكان والسكنى لسنتي 2014 و2024، أنه “على الصعيد الوطني، انخفضت نسبة السكان في وضعية الفقر من 11,9 بالمائة إلى 6,8 بالمائة.
وبالقيم المطلقة، تقلص عدد الفقراء من حوالي 4 ملايين إلى 2,5 مليون نسمة. وبالتوازي مع هذا التراجع، شهدت شدة الفقر، المقاسة بنسبة متوسط الحرمان الذي يعاني منه الفقراء، انخفاضا طفيفا حيث انتقلت من 38,1 بالمائة إلى 36,7 بالمائة”.
وأورد المصدر ذاته أنه بدمج هذين الانخفاضين، فقد تراجع مؤشر الفقر متعدد الأبعاد، والذي يعمم أشكال الحرمان على مجموع السكان، تقريبا بالنصف حيث انتقل من 4,5 بالمائة إلى 2,5 بالمائة خلال هذا العقد”.
وأشارت المندوبية إلى أنه ورغم هذه المكاسب، فإن فوارق مجالية عميقة لا تزال قائمة، موضحة أن الفقر متعدد الأبعاد يعتبر ظاهرة قروية بالدرجة الأولى.
ففي سنة 2024، يقيم حوالي 72 بالمائة من الفقراء في الوسط القروي، مقابل 79 بالمائة سنة 2014. وخلال نفس الفترة، تراجع معدل الفقر في المناطق القروية من 23,6 بالمائة إلى 13,1 بالمائة، غير أنه لا زال يفوق بأكثر من أربع مرات المعدل المسجل في المناطق الحضرية، الذي بلغ 3,0 بالمائة سنة 2024، مقابل 4,1 بالمائة سنة 2014.
كما سجل معدل الهشاشة إزاء الفقر متعدد الأبعاد، وهو نسبة السكان المعر ضين لأشكال حرمان معتدلة تتراوح بين 20 بالمائة و33 بالمائة من المؤشرات المعتمدة، تراجعا بدوره، حيث انتقل من 11,7 بالمائة سنة 2014 إلى 8,1 بالمائة سنة 2024.
وتمثل هذه النسب ما يقارب ثلاثة ملايين شخص لا يزالون في وضعية الهشاشة، من بينهم 82 بالمائة يقيمون في الوسط القروي. وي برز هذا التركز الكبير للهشاشة في الوسط القروي احتمال حقيقي لإمكانية انزلاق الأسر القروية إلى دائرة الفقر.
وكشفت الدراسة المذكورة عن تسجيل جميع جهات المملكة انخفاض ا في معدل الفقر متعدد الأبعاد خلال العقد الأخير، مع تراجعات بارزة بشكل خاص في المناطق التي كانت الأشد تضررا في البداية.
وقد همت أبرز الانخفاضات جهة مراكش-آسفي (7,9- نقطة مئوية)، وجهة بني ملال-خنيفرة (7,5- نقطة)، وجهة طنجة-تطوان-الحسيمة (6,8- نقطة)، وجهة درعة-تافيلالت (6,7- نقطة)، وهي الجهات التي سجلت مستويات مرتفعة من الفقر سنة 2014.
وفي المقابل، فقد عرفت جهات الجنوب والجهات الحضرية الكبرى، والتي كانت معدلات فقرها منخفضة، تراجعات محدودة بتسجيل 0,9- نقطة بالنسبة لجهة العيون-الساقية الحمراء، و2,0- نقطة بالنسبة لجهة الداخلة-وادي الذهب، و2,4- نقطة بالنسبة لجهة الدار البيضاء-سطات، و-3,4 نقطة بالنسبة لجهة الرباط-سلا-القنيطرة.
ففي سنة 2024، سجلت ست جهات معدلات الفقر المتعدد الأبعاد فاقت المتوسط الوطني (6,8 بالمائة)، حيث بلغت أعلى هذه المعدلات 9,8 بالمائة في جهة بني ملال-خنيفرة و بالمائة 9,0 في جهة فاس-مكناس. وفي المقابل، سجلت جهة العيون-الساقية الحمراء (2,4 بالمائة) وجهة الداخلة-وادي الذهب (2,5 بالمائة) أدنى هذه المعدلات على الصعيد الوطني.
كما أبرزت المندوبية أن نسبة تقارب 70 بالمائة من مجموع الفقراء تترك ز في خمس جهات، تتمثل في جهة فاس-مكناس (16,2 بالمائة من الفقراء)، وجهة مراكش-آسفي ( 15,7 بالمائة)، وجهة الدار البيضاء-سطات (13,5 بالمائة)، وجهة الرباط-سلا-القنيطرة(11,9 بالمائة)، وجهة طنجة-تطوان-الحسيمة (11,5 بالمائة).
أما بالنسبة للهشاشة إزاء الفقر، فلا تزال تتسم بفوارق جهوية واضحة. وقد سجلت جهتان معدلات من رقمين، ويتعلق الأمر بجهة درعة-تافيلالت بمعدل هشاشة بلغ 11,8 بالمائة، وجهة مراكش-آسفي بمعدل بلغ 11,5 بالمائة. كما سجلت ثلاث جهات أخرى معدلات تفوق المعدل الوطني البالغ 8,1 بالمائة، ويتعلق الأمر بكل من جهة فاس-مكناس بمعدل 9,1 بالمائة، وجهة بني ملال-خنيفرة بمعدل 9,0 بالمائة، وجهة طنجة-تطوان-الحسيمة بمعدل 8,8 بالمائة.
وتتركز في هذه الجهات الخمس ما يقارب 60 بالمائة من السكان في وضعية هشاشة، أي ما ي ناهز 1,7 مليون شخص.
إن مقاربة قياس الفقر المطلق، القائمة حصريا على التوزيع الاجتماعي لنفقات الأسر، لا تعكس سوى جانب جزئي من الواقع المعيشي، إذ تغفل الحرمان المرتبط بالتعليم، والصحة، والسكن، وكذا الولوج إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية.
وفي المقابل، تأخذ مقاربة الفقر متعدد الأبعاد بعين الاعتبار الحرمان الذي تعاني منه الأسر والذي لا يقتصر على القدرة الشرائية، بل يشمل أيض ا صعوبات الولوج إلى الحاجيات الأساسية.
وتعتمد هذه المقاربة على ثلاث أبعاد رئيسية، هي التعليم، والصحة، وظروف العيش، مرجحة بشكل متساو . وتصنف الأسرة كأسرة فقيرة إذا كانت تراكم حرمان ي مثل ما لا يقل عن 33 بالمائة من المؤشرات المعتمدة.
ومن خلال تجاوز المنظور النقدي الصرف للفقر، سيبرز هذا التحول في المقاربة المعتمدة مظاهر العجز الاجتماعي التي تؤثر على جودة الحياة، وكذا الفوارق التي لا تظهرها المؤشرات النقدية.
وتهدف خريطة للفقر متعدد الأبعاد، التي أعدتها المندوبية السامية للتخطيط، إلى فهم أدق لأوجه الحرمان المرتبطة بالعجز الاجتماعي في مجالات التعليم، والصحة، والسكن، والولوج إلى البنيات التحتية الأساسية.
وتوفر هذه الخريطة قراءة مندمجة لمظاهر الهشاشة البنيوية والفوارق الاجتماعية على المستويات الجهوية والإقليمية والجماعية.
وفي سياق الجهوية المتقدمة، فإن هذه الخريطة تشكل أداة عملية لتوجيه السياسات المعتمدة الملائمة لخصوصيات كل مجال ترابي، وذلك بغية تحسين ظروف عيش السكان.