جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-08@23:49:32 GMT

نهاية الاحتمالات

تاريخ النشر: 1st, June 2024 GMT

نهاية الاحتمالات

 

عائض الأحمد

يقولون "فكر في الاحتمال الأكثر تعقيدًا، ثم عد إلى الإجابة الأكثر وضوحًا ولن يفاجئك شيء حينها" ولعلها تعني اسلك الطريق الصعب دائمًا وستجد بأن النهاية أجمل مما كنت تعتقد.

 ثم يقولون إن أكثر الناس حماقة هم من يتوسدون المخمل ويفترشون الحرير ويتنادون أين ذهب "الغلام" ثم يتحدثون في شؤون الناس وغلاء المعيشة وثمن "السيجار" الكوبي يكفي ثلاث أسر في حينا العامر بالخيرات في نظرهم لما يحوي من موارد بشرية تسد عين الشمس في رابعة النهار.

ويبقى الإنسان أكثر المخلوقات جهلا، حينما يطغى ويتكبر ويمشي في الأرض مرحا، القصد والنية محلها القلب والأفعال تغذيها الجوارح عملا واقعا لا شك فيه، فسبحان من وهبنا نعمة العقل لنتدبر ولنميز أفعالنا ونضعها في إطارها الصحيح، قبل أن نختبئ في زاوية الخطأ والنسيان، ولأنَّ النفس تعني الروح فإن لم تصعد فلن تهبط إلى مستنقعات الجسد حينما يدفن تحت الثرى.

تقاطعات الحياة وسير الأقدار تصنعها الأحداث، ولكنك "المخرج" والباحث عن القصة وموزع الأدوار دون المساس بمشيئة الله فهي في علمه وحده، ولكن حركة أقدامك ووقعها في الأرض وخيرك وشرك هي حصاد أفعالك لا أحد سواك.

وهج: المعنى الحرفي استفهام لوضع النقاط وليس لاستخلاص العبر ونشر الفضائل.

فاصلة: الفرق بين مشاعرنا طريقة تفكيرك.

ختامًا: حياة البشر خط زمني يتعاقب فيه الليل والنهار فلم الغرابة في تعاقب الأحداث وسرعة إيقاعها.

شيء من ذاته: كان قاموس المستحيل المضي أبعد مما تخيلت، فتذكرت بأن هناك من يولد مرة ومرتين، فإذا استقر مقامه ودنت أوراقه خذله الوقت وفصل الخريف، فإذا به عين المستحيل.

نقد: اختلاف الرأي يفسد كل العلاقات ويبيح كل المحظورات "خفيةً" إن كنت لا تعلم فهذه لك.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

غربة المتنبي.. في أمة تداركها الله

مؤخرًا أفكر بالمتنبي كثيرًا من زاوية التحليل النفسي. كم هو مثير حقًا أن نتخيَّل المتنبي جالسًا على أريكة العلاج النفسي في عيادة الدكتور بول ويستون، كما في المسلسل الأمريكي In Treatment! دخول المتنبي إلى عيادة الطبيب النفسي لا يعني فقط إخضاعه لمقاربة تحليلية نفسية، بل هو استدعاء لتوتر عميق بين خطابين يبدوان متناقضين من حيث المبدأ: خطاب الشعر بوصفه تضخيمًا للذات، وخطاب العلاج النفسي بوصفه سعيًا لتفكيكها.

ما يجعل المتنبي شاعرًا استثنائيًا في تاريخ الثقافة العربية ليس إرثه الشعري وحده، بل وعيه المتفرد بالذات الشاعرة في علاقتها بالعالم، وهي علاقة تزخر بكل مستلزمات التناقض البشري. لقد كان المتنبي مشغولًا بمشروع وجودي يجعل من «أنا» الشاعر مركزًا للكون، فتغدو القصيدة على يديه مرآة مزخرفة للذات، لا تسعى إلى فهم العالم بقدر ما تطمح إلى إعادة تكوينه على صورتها. من هنا تصبح الجلسة العلاجية الافتراضية مواجهة حقيقية بين شاعر عربي قديم لا يرى في كلامه عَرَضًا بل جوهرًا، ومعالج نفسي يسعى إلى كشف ما يُخفيه هذا الكلام لا ما يُعلنه.

لم يكن المتنبي انطوائيًا بالمعنى الاجتماعي. لا نعثر في شعره وسيرته على نزعة للعزلة واضحةٍ كما نجدها عند أبي العلاء المعري، صاحب «معجز أحمد». بل على العكس تمامًا؛ إذ يعكس شعره سيرة شاعرٍ جرَّب دهره بتوق وعنف وصخب، فخالط أصنافًا شتى من بني البشر، واتصل بعلاقات اجتماعية وسياسية طورت حدسه بالناس وطبائعهم، واصطدم بالحياة العامة بأقصى ما يمكن لمرئ سيلقى حتفه في الخمسين.

ولكن على الرغم من شهرته؛ فقد عاش مالئ الدنيا، وشاغل الناس وحيدًا ومعزولًا داخل نفسه الغريبة. خبرته ببني عصره كانت تزيد من حدة رفضه لهم، ومن اعتداده الذاتيّ القاسي. فلا نكاد نقرأ شِعرًا لأبي الطيب دون أن يكون الاغتراب (Alienation) مناخًا عامًا لقصيدته، إلى درجة أنه هو نفسه يلاحظ هذا الميل في قصيدته فيشتكي من تشكِّيه:

«أَلا لَيتَ شِعري هَل أَقولُ قَصيدَةً

فَلا أَشتَكي فيها وَلا أَتَعَتَّبُ؟!»

أما انعدام ثقته بالآخرين فتبدو من أهم صور الاغتراب عند المتنبي؛ فقد تهدَّمت الثقة بالجنس البشري بعد تجريبه مرارًا ومرارًا، إذ يكفي أن يكون الآخر من بني البشر حتى يكون جديرًا بعدم الثقة:

فَلَمّا صارَ وُدُّ الناسِ خِبًّا

جَزَيتُ عَلى اِبتِسامٍ بِاِبتِسامِ

وَصِرتُ أَشُكُّ فيمَن أَصطَفيهِ

لِعِلمي أَنَّهُ بَعضُ الأَنامِ

كما نتبين في شِعره حدة الصراع والانقسام بين عالمَيه: عالمه الداخلي، وعالمه الخارجي؛ فهو يرفض الانتماء إلى الناس في زمنه، يمقت عاداتهم ويسخِّف مطامحهم الصغيرة. يهجوهم ويهجو عصرهم؛ ليتمايز عنهم بكل نفور وجرأة كي يعود إلى داخله، إلى نفسه الكبيرة المعزولة:

«وَدَهرٌ ناسُهُ ناسٌ صِغارٌ

وَإِن كانَت لَهُم جُثَثٌ ضِخامُ

وَما أَنا مِنهُمُ بِالعَيشِ فيهِم

وَلَكِن مَعدِنُ الذَهَبِ الرَغامُ»

هذا الرجل البعيد الهم - الذي لا تسلي فؤاده المدام - ذاهبٌ في اغترابه إلى عتبة الانفصال التي لا رجعة بعدها؛ إذ تتعمق عزلته إلى غور سحيق من الاعتداد بالذات، ورفض أناس عصره، فهو معهم، لكنه ليس منهم.

إنها النرجسية كأسلوب دفاع استباقي عن الذات الهشة. في الواقع؛ كانت تلك طريقته لصيانة هويته المنقَّحة، والخالصة من شوائب محيطه الاجتماعي الذي يتردى في واقع سياسي يشهد على ضعف الدولة العربية، وتشظيها إلى دويلات متصارعة خلال العصر العباسي الثاني.

في كتابه «مع المتنبي» يصف لنا طه حسين الزمنَ السياسي الذي زامنه المتنبي بما يضاعف من شعوره بالاغتراب؛ فقد كان ذلك الزمن -كما يقول طه حسين- زمن «خضوع سلطان الخلفاء المطلق لعبث الجند وقادة الجند، ولسلطان الخدم والنساء»، إنه زمن «عجز السلطان المركزي في بغداد عن أن يجمع أطراف الدولة ويحزم أمرها، كما كان يفعل حين كان الخلفاء خلفاء، وحين كانت الخلافة خلافة، وحين لم يكن أمير المؤمنين لعبةً في يد خادم أو أَمَة؛ ثم ما نشأ عن هذا كله من استقلال الأطراف، وطموح الولاة إلى الملك، وظهور القوميات الوطنية في الشرق والغرب، ونشوء عهد يشبه عهد الإقطاع في أوربا أثناء القرون الوسطى».

استيعاب هذا السياق السياسي يصبح في غاية الأهمية لفهم المؤشرات النفسية في شعر المتنبي. ولنا أن نتخيل ردة فعله وهو يرى صعود المتسلقين من أسخف الناس وأجهلهم إلى المراتب العليا، بينما لا ينال هو غايته في السلطة التي نحر من أجلها عيون قصائده قربانًا للأمراء، بل ضحّى من أجل هاجس السلطة اللحوح بكرامة الشعر والشاعر معًا، إلى حد التذلل الذي يتعارض مع تضخُّم «الأنا» عند شخص كالمتنبي؛ كما يشير إلى ذلك فوزي كريم في كتابه «القلب المفكر: القصيدة تغني، ولكنها تفكر أيضًا».

مع ذلك يمكن لأسطورة المتنبي أن تمنح العزاء لمن يعتقدون أنهم قد جاؤوا في زمان غير زمانهم، مع أنه لا أحد يأتي في غير زمانه. علينا أن نتذكره وهو ينشد:

«أنا في أمة تداركها اللـــه غريب كصالحٍ في ثمودِ».

سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني

مقالات مشابهة

  • "من ريستارت إلى الانبساط.. أيمن بهجت قمر الشاعر والمؤلف الذي لا يعرف المستحيل
  • حماس تكشف سيناريو نهاية نتنياهو
  • غربة المتنبي.. في أمة تداركها الله
  • نهاية مخيم الركبان.. آخر فصول المأساة السورية يغلق أبوابه
  • مجزرة الأحشاء الخاوية
  • شيكابالا يكتب نهاية درامية سعيدة للزمالك في نهائي كأس مصر ويؤجل قرار الاعتزال
  • القدر المخفي: حينما يرسم الغيب ملامح حياتنا
  • زلزال يضرب بابوا غينيا الجديدة
  • نائبان: «حماد» أنقذ أكثر من 90 حاجًا من افتراش الأرض بمِنى   
  • هل بقي للحياة من طَعم؟