القدس المحتلة- في شارع أُطلق عليه اسم "يوسف فتيحة" بالقدس، نسبة لشهيد بالاسم نفسه ارتقى خلال "النكسة"، سارت الجزيرة نت بحثا عن منزله للقاء زوجته خديجة، ونبش ذاكرتها التي لم تخبُ فصول الحرب الأليمة من ثناياها، رغم مرور 57 عاما على اندلاعها.

خلف لافتة زرقاء كُتب عليها "يوسف فتيحة 23" يقع منزل هذا الراحل في حي رأس العامود ببلدة سلوان، والذي شهد أهله وجدرانه وكل زاوية فيه على واحدة من أقسى قصص الحرب التي بدأت يوم الخامس من يونيو/حزيران 1967.

شنت إسرائيل حينها حربا على 3 من دول الجوار العربي هي سوريا ومصر والأردن، ودامت 6 أيام، وهزمت فيها الأطراف العربية، وكان من نتائجها احتلال شرقي القدس والمسجد الأقصى المبارك وانتهاء الحكم الأردني في المدينة المقدسة.

خديجة فتيحة: كان يوسف شابا وطنيا شارك في توزيع السلاح على المقدسيين للتصدي للاحتلال (الجزيرة) الرياضي المقاتل

في نهاية خمسينيات القرن الماضي تزوجت خديجة بمعلم الرياضة المقدسي يوسف فتيحة "الرجل الذي يردد الناس اسمه ويختبئون منه" في إشارة لهيبته وقوة حضوره، وفقا لزوجته.

كان يوسف شابا مقداما ذا حس وطني عال، إذ خرج قبل اندلاع الحرب وخلالها لتوزيع السلاح على المقدسيين للتصدي للاحتلال بالتعاون مع رئيس بلدية القدس السابق أنور الخطيب الذي نُفي من المدينة بُعيد النكسة بتهمة التحريض على العصيان ضد سلطات الاحتلال، وفق زوجته.

"قلبه قلب أسد، وكان وجها بارزا من رجال الإصلاح والنشطاء في القدس.. خرج في اليوم الثاني للحرب بحثا عن سيارة لإيصال زوجة شقيقه وأطفالها إلى الأردن، وعلى بعد عشرات الأمتار من المنزل استُهدف بقذيفة هاون أدت إلى بتر ذراعه وساقه، ونزف حتى استُشهد".

ارتقى يوسف أمام معسكر للجيش الأردني كان مقاما على مقربة من منزله، ولم تعلم عائلته سوى بعد ساعات عندما ساورها الشك، وخرج والده للبحث عنه فوجده مضّرجا بدمائه، ولاحظه أحد الجيران بينما كان يصرخ ويحاول إيقاظ نجله الشهيد مناديا عليه "يا يابا يا يابا".

لم يتمكن الرجلان من حمل يوسف، بسبب صعوبة إصابته فارتأى جار العائلة خلع باب حديدي من أمام منزله ومددا الشهيد عليه وسارا به نحو منزل العائلة.

مدخل منزل عائلة فتيحة حيث دفن يوسف لنحو 6 أشهر قبل نقل جثمانه (الجزيرة) قبر في المنزل

"بسبب شدة القذائف وأهوال الحرب لم تتمكن العائلة من دفن زوجي في مقبرة باب الرحمة، فحفر والده حفرة في مدخل المنزل، ودفنه فيها وزرع فوق قبره شجرة زيتون" أضافت خديجة.

لم تكن تعلم الزوجة أن الأنين سيصبح رفيقها ورفيق أطفالها ووالدة زوجها بمجرد دفن يوسف في ساحة المنزل.

وعن ذلك الفصل من الألم قالت المسنة أم ياسر فتيحة (81 عاما) إنها ووالدته كانتا تجلسان بجوار القبر كل صباح لقراءة القرآن، ثم قراءته مطولا مع والد يوسف فوق قبره في يوم الخميس من كل أسبوع.

ومع اشتداد الحرب ونزوج كافة سكان الحي وبقاء عائلة فتيحة وحدها فيه، قرر والد زوجها أن تنزح العائلة إلى مدينة أريحا شرقي القدس، لأن زوجته خشيت من إقدام الجيش الإسرائيلي على اقتحام المنزل واغتصاب النساء فيه بسبب صيته السيئ الذي ذاع إبّان حرب عام 1948.

"نزحنا مشيا على الأقدام إلى بلدة العيزرية مع أطفالي الخمسة وجنيني الذي كنت حاملا فيه بالشهر السابع، ومن هناك أكملنا طريقنا بسيارة نحو أريحا، وبعد نحو أسبوع بدأت تتوارد أخبار انجلاء الحرب، فقرر والد زوجي العودة فورا إلى منزلنا بالقدس.. وهكذا فعلنا".

بعد 6 أشهر من دفنه نبشت عائلته القبر ونقلت رفات يوسف إلى مقبرة باب الرحمة الملاصقة للمسجد الأقصى (الجزيرة) نبش القبر

كان الندبُ على القبر طقسا يوميا لوالدة الشهيد وزوجته، وكانت بناته يتناوبن على الجلوس بجواره طيلة النهار، إحداهن تجلب الطعام وتقول إنها تريد إطعامه وأخرى ترش قبره بالماء وتقول إنها تريد أن تسقيه، وبقيت العائلة على هذا الحال لـ6 أشهر متتالية، فقرر والد الشهيد نبش القبر ونقله إلى مقبرة باب الرحمة الملاصقة للمسجد الأقصى.

"اقتلعوا شجرة الزيتون التي زُرعت فوق قبره ونقلوها إلى مكان مجاور، وما زالت هذه الشجرة مثمرة ونأكل من ثمارها بعدما زُرعت في أكثر يوم مؤلم في حياتي هو السادس من يونيو/حزيران عام 1967" تضيف أم يوسف.

أنجبت خديجة بعد شهرين من ارتقاء زوجها، وأطلقت على مولودها اسم يوسف ليبقى هذا الاسم حيّا في المنزل، لكن لا أحد يعوض مكان الراحلين، أو على الأقل هذا ما تؤمن به هذه المسنة.

وعند سؤالها عمّا إذا كانت الحرب الحالية على غزة قد أشعلت في قلبها الألم الذي عاشته في حرب عام 1967 عندما كانت شابة عشرينية، لم تفكر خديجة بالإجابة كثيرا، وردّت فورا قائلة "الحرب الحالية لم يمر في تاريخ العالم مثلها.. أحرقوا الغزيين أحياء والعالم يتفرج ولا يحرك ساكنا.. حرب النكسة تعتبر سحابة عابرة مقارنة بما يجري الآن".

غادرنا منزل خديجة ليس قبل أن يُلقي علينا شقيق زوجها "أبو وليد" التحية، وهو الذي تزوجها بعد 3 أعوام من استشهاد يوسف، لأن والده توسل لأهل خديجة أن تبقى وأطفالها في منزله لأنهم "أكسجين حياته" بعد رحيل الفقيد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

في خضم الصراع بين طهران وتل أبيب.. هكذا تحوّلت غزة إلى ساحة لتفريغ فائض الذخائر الإسرائيلية

في خضم التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، والذي استمر اثني عشر يومًا، لم تكتفِ إسرائيل بمواجهة مباشرة مع طهران، بل حوّلت أنظارها وصواريخها نحو قطاع غزة، مستغلة التوتر الإقليمي لشنّ موجات من القصف الجوي العنيف على القطاع المحاصر. اعلان

في إطار استراتيجية كرّست غزة كجبهة ثانوية في حرب لم تكن جزءًا منها، سُمح للطيارين الإسرائيليين العائدين من مهمات الدفاع الجوي ضد الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية بتفريغ الذخائر المتبقية لديهم فوق أهداف في قطاع غزة، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية.

وبحسب التقرير، فإنّ الطائرات التي شاركت في عمليات الاعتراض لم تكن مجهزة فقط بصواريخ جو-جو، بل حملت أيضًا ذخائر جو-أرض. وبعد تنفيذ المهمات فوق إيران، تواصل الطيارون مع غرف العمليات الخاصة بجبهة غزة، مقترحين إسقاط القنابل المتبقية على مواقع داخل القطاع.

تبنّى سلاح الجو الإسرائيلي هذه المبادرة بسرعة، وتحولت خلال ساعات إلى "ممارسة اعتيادية". صدرت أوامر رسمية للأسراب الجوية بالتنسيق مع الوحدات البرية الإسرائيلية قبل الهبوط، لتنفيذ ضربات على ما وصفته إسرائيل بـ"أهداف حماس"، باستخدام الذخائر الفائضة.

طائرتا F-16 وF-15 تابعتان لسلاح الجو الإسرائيلي تستعدان للإقلاع من قاعدة عوفدا قرب إيلات جنوب إسرائيل، 25 نوفمبر 2013.Ariel Schalit/AP

مسؤولون عسكريون إسرائيليون اعتبروا هذه الخطة "موفّرة للموارد" وفعالة، كونها أتاحت توسيع نطاق الهجمات من من دون الحاجة لإطلاق عمليات جوية جديدة. وقال مصدر من سلاح الجو الإسرائيلي لـ"معاريف": "بدلاً من أن تعود الطائرات إلى الأرض ثم تقلع مجددًا لمهام هجومية، كانت تقوم بتنفيذ المهام أثناء وجودها في الجو، مما وفّر قدرًا كبيرًا من الموارد، ورفع من قدرة سلاح الجو على تنفيذ العمليات".

قصف بلا هوادة...

النتيجة، كما وصفها التقرير، كانت "موجات من الضربات الجوية القوية" على غزة، شاركت فيها عشرات الطائرات المقاتلة يوميًا، أسقطت كل منها فائض الذخائر قبل الهبوط. وعلى مدى أيام الحرب الـ12، تم تنفيذ هذا التكتيك بذريعة "دعم القوات الإسرائيلية" المتمركزة في خان يونس وشمال القطاع، بحسب ما نقلته الصحيفة.

وفيما كانت الأنظار الدولية مركّزة على التوتر بين إسرائيل وإيران، استغلّ الجيش الإسرائيلي هذا الانشغال العالمي لتكثيف عملياته في غزة، حيث صادقت غرفة العمليات المعنية بالقطاع لاحقًا على اعتماد هذه الخطوة كجزء من النشاط العسكري المعتاد. كما طلب قائد سلاح الجو توسيع الخطة لتشمل جميع الطائرات المشاركة في العمليات، ما أدى إلى تكثيف الضربات على القطاع بالتوازي مع الحرب على إيران.

فلسطينيون نازحون يعودون لجمع ما تبقّى من ممتلكاتهم في منطقة شمال غزة، في 4 حزيران/يونيو 2025.Jehad Alshrafi/AP

ورغم تقديم هذه الممارسات كخطة "فعّالة من حيث الكلفة والجهد"، فإنها فعليًا حولت غزة إلى ساحة لتصفية فائض الذخائر، في سياق صراع لم يكن للقطاع فيه أي صلة عملياتية مباشرة. وقد تم توجيه الضربات بناءً على إحداثيات من الوحدات البرية المنتشرة على الأرض، ما ضاعف حجم القصف اليومي على مناطق محاصرة أصلًا.

وبالفعل، خلال الأيام التي شهدت القصف المتبادل بين إسرائيل وإيران، شنّ الجيش الإسرائيلي سلسلة من الغارات العنيفة على غزة، أسفرت عن مقتل مئات الفلسطينيين، بينهم نازحون كانوا قد احتشدوا في مواقع توزيع المساعدات، لا سيما في المراكز المشتركة المدعومة أمريكيًا وإسرائيليًا، والتي تثير جدلاً متزايدًا.

Relatedإسرائيل تعترف: مدنيون أصيبوا أمام مراكز توزيع المساعدات في غزة ونستخلص العبر مما حدث"الوحدة الشبح": شكوى دولية تتهم قنّاصيْن فرنسييْن-إسرائيلييْن بارتكاب جرائم حرب في غزةغزة: صراع من أجل البقاء ولو إلى حين.. هكذا يُصنع الوقود من البلاستيك رغم الخطر

ورغم إعلان وقف الحرب بين طهران وتل أبيب، لم تتوقف الهجمات الإسرائيلية على غزة، بل استمرت وتيرتها على وقع العمليات العسكرية التي تخوضها إسرائيل في القطاع منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.

ووفق وزارة الصحة في غزة، فقد أسفرت هذه العمليات حتى الآن عن مقتل 57,012 شخصًا وإصابة 134,592 آخرين، في حصيلة مستمرة تعكس فداحة الأثر الإنساني لسياسات عسكرية حوّلت قطاعًا محاصرًا إلى ميدان دائم للنيران، حتى عندما تدور رحى الحروب في أماكن أخرى.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • فريق أبو عبدل يفوز على التحدي ويتأهل إلى نهائي بطولة الشهيد الكحلاني في حجة
  • في خضم الصراع بين طهران وتل أبيب.. هكذا تحوّلت غزة إلى ساحة لتفريغ فائض الذخائر الإسرائيلية
  • مصدر في أسرة الشيخ حنتوس يروي اللحظات الأخيرة قبل استشهاده.. ''قاوم الحوثيين 12 ساعة وارتقى في سطح منزله شامخًا رافضًا الإستسلام''
  • اعتصام في ساحة النجمة في صيدا.. إليكم السبب
  • وسط ترجيحات بمقتله.. مصير غامض يكتنف حياة الداعية "صالح حنتوس" في ريمة
  • هكذا يبدو منزل المغنية التركية غوكتشه كيرغيز في أوسكودار الذي تصدّر الترند! (صور)
  • تخليداً لذكرى الساروت.. رسم جداريات في ساحة البياضة بحمص
  • سر الطعم الأصلي.. طريقة تحضير بهارات الشاورما في المنزل مثل أشهر المطاعم
  • ليبرمان يقدر: هذا هو التاريخ الذي ستندلع فيه الحرب مع إيران مجددا
  • قوات الشهيد عمر القاسم تفجر عبوة ناسفة في ناقلة جند صهيونية