لجريدة عمان:
2025-08-02@20:37:37 GMT

إذا لم يكن هذا إرهابًا فما الإرهاب إذًا؟

تاريخ النشر: 8th, June 2024 GMT

بتاريخ ١٥ يوليو ٢٠١٣م ذكر القاضي ساينج يونج سونج رئيس المحكمة الجنائية الدولية آنذاك، في بيانه بمناسبة يوم العدالة الجنائية الدولية، أنه «في ١٧ يوليو ١٩٩٨م، شهد التاريخ حدثًا جللًا. إذ اتفق أعضاء المجتمع الدولي المجتمعون في روما بإيطاليا على إنشاء محكمة دولية دائمة، تتمثل مهمتها في معاقبة مرتكبي أشد الجرائم التي يمكن أن يتفتق عنها الخيال قسوة، وجبر أضرار المجني عليهم فيها.

وشرعت دول العالم، باعتمادها نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في تنفيذ خطة طموحه لإقامة نظام للعدالة العالمية، يقوم على التعاون الدولي ويرمي إلى محاسبة المسؤولين عن ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية».

وأشار قبل نهاية بيانه إلى «أن العدالة الجنائية الدولية ليست حكرًا على ثقافة بعينها أو شعب بعينه. فهي قيمة مثالية إنسانية أصيلة؛ ولهذا لاقت المحكمة الجنائية الدولية ترحيبًا في قارات العالم كافة». لا أدري كيف ستكون حجم الصدمة للقاضي سونج عندما يستمع لرئيس -أكبر ديمقراطيات العالم- رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون، الذي أعلن في مايو الماضي «أن الكونجرس سيتخذ إجراء لمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية وضمان أن قيادتها تواجه عواقب إذا واصلوا المضي قدمًا»، وهذا ما حدث بالفعل، حيث أقر مجلس النواب الأمريكي بتاريخ ٤ من شهر يونيو الحالي، مشروع قانون يسمح بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، كما يفرض عقوبات على المحكمة إذا حققت أو حاكمت أشخاصًا محميين من واشنطن أو حلفائها. وذلك تأديبًا لتجرؤ المدعي العام للمحكمة كريم خان، الذي طلب من المحكمة استصدار أوامر اعتقال بتهم جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية بحق رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو ووزير دفاعه جالانت، وهي الجرائم التي شاهدها القاصي والداني، حيث أظهرت هذه الجرائم حقيقة الكيان الصهيوني وسرديته الزائفة التي استطاع في العقود الماضية أن يسوّقها في الولايات المتحدة والمجتمع الغربي. ويكون مجلس النواب الأمريكي بإصداره لهذا القانون قد خالف مبدأ من أهم المبادئ التي نص عليها الدستور الأمريكي الصادر في عام ١٧٨٩م. إذ نص في بداية ديباجته على أنه «نحن شعب الولايات المتحدة، لكي نؤلف اتحادًا أكثر رسوخًا، ولكي نقيم العدالة...». فكيف يتصور المرء أن هذه الدولة الديمقراطية الأكبر والأقوى في العالم والتي كانت على مدى عقود طويلة غاية أحلام شعوب العالم وخاصةً شعوب العالم الثالث، أن يوصلها الكيان الصهيوني إلى هذه المكانة التي تثير الشفقة. لقد استطاع الكيان الصهيوني خلال الأشهر الثمانية الماضية منذ بداية حربه على غزة وتطبيقه لكل ما يمكن استخدامه من عبارات في قواميس الإجرام، أن يقزّم الحكومات والمجالس النيابية في كلٍ من الولايات المتحدة وعدد من العواصم الغربية الفاعلة. وأدخل الرأي العام في هذه الدول بانقسام غير مسبوق، فأغلب شعوب هذه الدول تحمل الكثير من الجوانب الإنسانية والأخلاقية وترغب في أن ينعم العالم بالأمن والسلام، ولكنها في المقابل صُدمت بمدى تطرف وانحراف حكوماتها وبرلماناتها ووسائل إعلامها الموجهة في دعم الكيان الصهيوني المجرم والاستماتة في الدفاع عنه لدرجة الابتذال.

فعندما يصرح قادة هذه الدول ووزراء خارجيتها وكبار مشرعيها أنهم لا يرون أي دليل على تعمد إسرائيل قتل المدنيين فكيف نتوقع أن تنظر لهم شعوبهم، التي رأت بأم أعينها وبشكل يومي حجم المجازر التي يرتكبها جيش الكيان الصهيوني بحق المدنيين العزل وبأسلحة أمريكية وغربية سلمت مجانًا لهذا الكيان من أموال دافعي الضرائب من هذه الشعوب. وعندما يقومون كذلك، بقمع الاحتجاجات الطلابية في الجامعات على استمرار المجازر في غزة، بحجة أن هذه الاحتجاجات في هذه الجامعات تروع الطلبة اليهود وهم يعلمون وشعوبهم تعلم أن الطلبة اليهود -الذين لم تدنسهم الصهيونية- هم من أكبر المشاركين في هذه الاحتجاجات، فكيف نتوقع أن تكون نظرة شعوبهم لهم بعد الدفاع عن هذا الكيان الذي لا يملك ذرة أخلاق، وخير دليل على ذلك، حجم الشتائم التي يوجهها وزير خارجية الكيان ومندوبها الدائم في الأمم المتحدة للأمين العام للأمم المتحدة ولشخصيات سياسية ودبلوماسية دولية انتقدت هذه المجازر، لدرجة قيام المندوب الدائم للكيان الصهيوني بتمزيق ميثاق الأمم المتحدة أمام الجمعية العامة بعد أن كال الشتائم للدول التي صوتت للاعتراف بدولة فلسطين، في انكشاف مفضوح للمستوى المتدني من الأخلاق التي يتمتع بها رجالات هذا الكيان.

لقد شجعت هذه المواقف الأمريكية والغربية الكيان الصهيوني على الاستمرار في مجازره اليومية وانتهاكه للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وجرائمه بحق المدنيين العزل، الذين وصل عدد القتلى منهم حتى الآن إلى ما يقارب ٣٧ ألف شهيد أغلبهم من النساء والأطفال و٨٤ ألف جريح والآلاف من المفقودين تحت الأنقاض، وتدمير ٧٠ ألف وحدة سكنية بالكامل ومسح البنية التحتية من جامعات ومستشفيات ومدارس ومساجد وكنائس ومقار حكومية ومقار إيواء وإغاثة بالأرض، واستخفاف بالعدالة الدولية بعد قيام محكمة العدل الدولية بتاريخ ٢٤ من مايو الماضي بإصدار قرار بمنع الكيان الصهيوني من القيام بأي أعمال عسكرية في رفح، والتي لم يعرها الكيان الصهيوني -والدول الداعمة له- أي انتباه، وأعلن أن هذا القرار لا يعنيه، واستمر في عدوانه الإجرامي حتى يومنا هذا. واكتمل المشهد المأساوي في ازدراء العدالة الدولية بقيام مجلس النواب الأمريكي بإصدار القانون المشار إليه وترهيب المحكمة وقضاتها، في سابقة أخلاقية تظهر مدى الخضوع والانصياع الذي وصلت إليه قيادات هذه الدول ومشرّعيها للكيان الصهيوني، ولو كان هذا على حساب سمعة ومكانة هذه الدول على الساحة الدولية والقيم التي تشدق بها هؤلاء القادة والسياسيون والمشرّعون على مدى عقود، من خلال العبارة الشهيرة التي يدخلونها في أي خطاب سياسي أو شعبي، وهي عبارة «قيمنا Our Values»، التي كشفت أحداث غزة حقيقتها وأنها لا وجود لها إلا في الخطابات. «قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ».

خالد بن عمر المرهون، متخصص في القانون الدولي والشؤون السياسية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المحکمة الجنائیة الدولیة مجلس النواب الأمریکی الکیان الصهیونی هذه الدول

إقرأ أيضاً:

بلجيكا تحيل جنديين إسرائيليين إلى الجنائية الدولية.. شاركا بجرائم الإبادة في غزة

قررت النيابة العامة الفيدرالية البلجيكية ، إحالة قضية عسكريين إسرائيليين اعتقلتهما منذ 10 أيام، إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي , وهو ما عده حقوقيون بأنه تطور كبير في ملاحقة الجنود الإسرائيليين في الخارج أمام القضاء الدولي.

وكان القضاء البلجيكي قد حقق مع جنديين إسرائيليين يوم الـ20 من تموز / يوليو الماضي في إطار تحقيق بجرائم حرب الإبادة في قطاع  غزة, حيث تم التعرف عليها خلال حضورهما مهرجان الموسيقى الإلكترونية "تومورولاند" في منطقة فلاندرز البلجيكية وجرى اعتقالهما بشكل علني, وذلك عقب شكوى قانونية تقدمت بها كل من مؤسسة هند رجب الحقوقية وشبكة الإجراءات القانونية العالمية, قبل أن يتم الإفراج عنهما لاحقًا مع استمرار التحقيق.

"هند رجب".. تلاحق مجرمي الحرب
ومن ضمن الاتهامات الموجهة للجنديين "الهجمات على المدنيين، واستخدامهم كدروع بشرية، واللجوء إلى التعذيب، والتشريد القسري للسكان في غزة".

وبحسب مؤسسة "هند رجب"، فإن الجنديين يخدمان في لواء غفعاتي التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وقد رُفعت ضدهما دعوى تتهمهما بالمشاركة في جرائم حرب ارتُكبت في قطاع غزة خلال العدوان المستمر منذ السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023.

وأشارت المؤسسة إلى أن هذه الشكوى تأتي في إطار حملة واسعة لكسر دائرة إفلات الجنود الإسرائيليين المتورطين في الانتهاكات الجسيمة من العقاب، مؤكدة أنها قدمت حتى الآن 30 دعوى قانونية في 15 دولة ضد جنود وضباط من جيش الاحتلال


لأول مرة في أوروبا .. بلجيكا تعتقل جنود إسرائيليين بتهم جرائم الحرب
وفي تطور ملفت في هذا الملف، قالت النيابة العامة البلجيكية إن قرار إحالة ملف الجنديين الإسرائيليين على المحكمة الجنائية الدولية جرى اتخاذه حرصًا على حسن سير العدالة واحترامًا لالتزامات بلجيكا الدولية, وهي خطوة تشير إلى أن بلجيكا بصدد تفعيل صلاحياتها القضائية الدولية لمحاكمة الأفراد المتهمين بانتهاك القانون الدولي الإنساني، حتى إن لم تقع الجرائم على أراضيها, وهو ما تسبب في أزمة بين بلجيكا و"إسرائيل"، نظرًا لكون هذا الإجراء يعد الأول من نوعه في أوروبا، يتم فيه اعتقال جنود إسرائيليين بتهم جرائم الحرب.

النيابة العامة الفيدرالية أوضحت في بيان لها نقلته وسائل الإعلام البلجيكية اليوم الجمعة ، أنه سيتم إحالة هذه الملفات إلى المحكمة الجنائية الدولية عن طريق وزارة العدل، وهي السلطة المركزية المختصة بإحالة طلبات السلطات القضائية البلجيكية إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وبهذا، تكون بلجيكا قد أرست سابقة في مجال التعامل مع الجنود الإسرائيليين المشاركين في الحرب ضد قطاع غزة , وهو ما قد يفتح الباب أمام دول أخرى لاتخاذ الخطوات نفسها وإحالة ملفات الجنود الإسرائيليين المتهمين بارتكاب جرائم حرب بعد التعرف عليهم إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وتعد بلجيكا رفقة إسبانيا من الدول التي تبنت مواقف متشددة من الحرب التي تشنها "إسرائيل" ضد قطاع غزة، حيث طالبت بتعليق اتفاقية الشراكة مع دولة الاحتلال.

كما أن القضاء البلجيكي أصدر منذ أسبوعين قرارا يقضي بمنع مرور أسلحة الى "إسرائيل" عبر الموانئ والمطارات البلجيكية، واعتبرت ذلك تطبيقا للقانون الدولي في ظل ما يجري في قطاع غزة.

وفي نبرة وصفت بالحادة, وصف ملك بلجيكا "لويس فيليب" التي تحتضن مؤسسات الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو, الانتهاكات في غزة بأنها "عار على الإنسانية", مضيفا خلال كلمة بقصره في بروكسل في تموز / يوليو الماضي إنه سيضم صوته إلى كل من يدين الانتهاكات الإنسانية الخطيرة في غزة، حيث يموت الأبرياء من الجوع ويقتلون بالقنابل بينما هم محاصرون.
"It is a disgrace to all of humanity."

During a speech marking the country's National Day, Belgium's King Philippe denounced "grave humanitarian abuses" in Gaza. pic.twitter.com/uczGB04p4v — DW News (@dwnews) July 21, 2025
جيش الاحتلال "يُخفي" جنوده لتجنيبهم الاعتقال في الخارج
وفي محاولة لتجنيب جيش الاحتلال اعتقال جنوده في الخارج , فقد عمد إلى اتخاذ قرار في مطلع كانون الثاني / يناير عام 2025 يمنع الكشف عن أسماء وصور الجنود برتبة عقيد وما دون ذلك في مناطق القتال في وسائل الإعلام خشية اعتقالهم لدى سفرهم إلى الخارج وفق ما ذكرته صحيفة هآرتس، حيث دعا للاكتفاء بتصوير الجنود من الخلف أو بوجوه مشوشة.

وكانت تقارير أمنية إسرائيلية أفادت بارتفاع محاولات ملاحقة جنود جيش الاحتلال قضائيًّا في الخارج، ووصفت هذه المحاولات بأنها "نهج نجاح محتمل" ، حسبما ذكرت هيئة البث الرسمية.

مقالات مشابهة

  • وقفة طلابية في إب تنديدًا بجرائم الكيان الصهيوني في قطاع غزة
  • لوموند تكشف ضغوطا غير مسبوقة على الجنائية الدولية لحماية إسرائيل
  • إحالة أشرف حكيمي إلى المحكمة الجنائية في قضية اغتصاب
  • “الرشق”: ترمب يكرّر أكاذيب الكيان الصهيوني وتحقيق أمريكي يفنّد مزاعم سرقة المساعدات
  • بلجيكا تحيل جنديين إسرائيليين إلى الجنائية الدولية.. شاركا بجرائم الإبادة في غزة
  • السودان.. الجنائية الدولية تتسلم ملف جرائم الدعم السريع في دارفور
  • بلجيكا تحيل جنديين إسرائيليين إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب
  • بلجيكا تحيل على الجنائية الدولية اتهامات بجرائم حرب ضد إسرائيلييْن
  • المنظمة الدولية للشرطة الجنائية تمنح وزير الداخلية وسام “الإنتربول” من الطبقة العليا
  • بلجيكا تحيل جنديين إسرائيليين على «الجنائية الدولية»