لجريدة عمان:
2025-10-26@06:29:39 GMT

الكتابة الأولى.. قراءة في الفن الصخري

تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT

الكتابة الأولى.. قراءة في الفن الصخري

ألقى الفن الصخري ضوءًا ساطعًا على تاريخ إثبات الوثيقة التاريخية، وأصبح من العلوم التي يستند إليها كُتَّاب التاريخ وهو مصدر لتأكيد أو نفي ما ورد في كتب التاريخ. وفي كثير من الأحيان؛ يكون المصدر الأول لبعض الأحداث التي جَازَت على الناس عبر الزمان.

قبل قرنين ونصف تقريبًا، بدأ العالم يتحدث علميا عن اللغة الأولى التي تحدث بها الإنسان الأول، وكان منطلق هذه الفكرة دينيًا صِرْفًا، نبتت من الكتب الدينية، عندما حاول معتنقو الديانتين اليهودية والمسيحية إثبات الأسماء الجغرافية في كتبهم عن الطريق البحث الميداني، وكانت النتيجة ظهور علم جديد يسمى «علم الحضارات» قائم على التنقيب الآثاري .

في بادئ الأمر كان المشتغلون بالتنقيب هم أصحاب الخلفيات الدينية، ممن حاولوا إثبات الخريطة الجغرافية التي سار فيها أنبياء بني إسرائيل. ومن أوائل من عمل على ذلك إدوارد روبيرتس؛ وهو عالم آثار له دور بارز في دراسة واستكشاف الأرض المقدسة في فلسطين. عُرف روبيرتس بدراسته الآثارية لمنطقة الهلال الخصيب وخرجت أعماله في كتاب «أبحاث الكتاب المقدس في فلسطين وجبل سيناء والبتراء العربية»، روبيرتس وزملاؤه الباحثون قدموا فرضيات وفق ما وصلوا إليه من أبحاث ميدانية، من هذه الأبحاث كان عن أصل اللغة.

حتى القرن العشرين كان تلاميذ روبيرتس وأوجست وصامويل كريمر يرون في منطقة هلال الخصيب بداية الحضارة الإنسانية، فمنها بدأت الكتابة والصناعة والرياضيات والفلك وغيرها من العلوم والفنون. النظرية لاقت قبولًا في الوسط العلمي والديني في العالمين العربي والغربي، وصارت تدرس في المؤسسات العلمية، بل إن بعض المؤسسات أصبحت تدفع بتلاميذها إلى تلك المناطق لمواصلة إثبات النظرية والبناء عليها.

إن المدرسة التي تبنت النظرية القائلة بأن العراق وما حوله هو مهد الحضارة، تعرضت لانتقادات واسعة، ولم تعد هذه النظرية إلا محض شك عند كثير من العلماء، والأمر راجع لعدة أسباب، أبرزها وأكثرها تأثيرًا هو العثور على مخزون ضخم من النقوش الصخرية في جبال العالم. هنا الجبال بدأت تنطق، فلاح الفن الصخري في الأفق بكل اقتدار، وبدأ يعيد قراءة النظريات التي تبناها العلماء مدة طويلة. الفن الصخري أعاد كثيرا من النظريات الحضارية إلى الواجهة، ومنها نظرية الكتابة الأولى، وهذه المرة دار سؤال: إذا كان ساكنو منطقة هلال الخصيب ليسوا أصحاب الكتابة الأولى؟ إذا فمَن هم؟ ومن أين بدأت الكتابة؟

إن السؤال عن ماهية الكتابة الأولى؟ وأين بدأت؟ هو في الحقيقة سؤال عن الوعي وكيف تشكل، فالإنسان يكتب ما يعي، ويُراكم هذا الوعي، ويُخرجه بألوان مختلفة، ومن هذه الألوان كان الفن الصخري، إذ دوّن الإنسان وعيه المتراكم على الجبال التي كانت هي مكان حياته وسكناه.

نقش الإنسان القديم لغته بفكرة الأنا، فعند باب الكهف حفر صوت لسانه ووضع حدا بين ما يملك وما لا يملك. فوضع حجر الأساس للكتابة بتزاوج الصوت مع الرمز. إن المعروف لدى الباحثين الأوائل في علميّ الحضارة واللغة بأن الرمز جاء متأخرا مقارنة بالصوت، فلم يدون ما ينطق إلا منذ 7 آلاف سنة، وقبلها كان الإنسان يجيد فنون العيش كالفلاحة والصناعة. أما الفن الصخري فيقول خلاف ذلك،

فتزاوج الصوت بالحرف حدث مبكرًا في تاريخ البشرية، وأن ما نراه في حضارتي العراق ومصر وغيرهما ما هو إلا الصورة الناضجة لهذا التزاوج، ولا يعبّر عن مهد الكتابة ولا الحضارة.

وهنا أضع وجهة نظري عن اللغة، وقد قسمتها إلى شقين:

الأول: اللغة الأولى، وتتمثل في الصوت، الذي لا أعرف كيف آلَ به المآل، هل تطوّر ودخل في أصواتنا اللسانية الحالية، أم أنه اندثر ولم يعد له أثر؟

والثاني: الكتابة الأولى، وتتمثل في الرمز، فهو باقٍ ومنتشر في جبال العالم.

إن رموز هذه الكتابة أتت على شكلين مختلفين ومتعاقبين زمنيًا، وقد ظهرا في العصر الحجري القديم الأسفل. الرمز الأول، عبارة عن كويبات [جمع كويب، تصغير كوب] أو دوائر غائرة حفرت في الصخور، يتراوح قطرها بين 80 إلى 50 مليمترًا، وتأتي في صفوف منتظمة وغير منتظمة. ذكر خزعل الماجدي في كتابه «حضارات ما قبل التاريخ» هذه الكويبات وقال: «يعد الفن الصخري أقدام أنواع الفن في تاريخ الإنسان، ولعل أقدم أنواعه الكويبات، وهي حفر منتظمة ملساء صنعها الإنسان فوق الصخور، تشبه طبعات كرات على الحجر، وقد أعطاها الاسم عالم الآثار روبرت بدنارك. وأقدم هذه الكويبات وجدت في كهف بهيمبتكا في الهند، وتعود إلى العصر الأشولي (500000-200000 ق.م)». من خلال ما كتبه خزعل نستنتج بأن الرمز مرتبط بالبدايات الأولى للإنسان العاقل، الذي بدأ يعرف بأن وجوده لغاية وهدف يدافع عنه في الحياة. الرمز منتشر على مستوى العالم، وقد وقفنا عليه أنا ووالدي بعُمان في عدة أماكن، وقبلنا وقف عليه باحثون اشتغلوا على الفن الصخري؛ منهم الباحث ر. جاكلي، الذي قال عن الرمز: «علامات منقوشة تشبه الكؤوس على صخرة بامتداد يبلغ سنتمترات قليلة، وعمقها يتراوح بين بضعة ملليمترات وسنتمترين، وترتبط أحيانًا بواسطة أخاديد أو قنوات مائية، وهذه الصخرة مائلةٌ ميلًا طفيفًا، وعليها وجوه صخرية، ربما كانت شائعة في عُمان كما كانت شائعة في أوروبا، حيث يتراوح تاريخها بين العصر الحجري الحديث والعصر البرونزي». بالإضافة إلى ذلك ذكر جاكلي عن أماكن انتشارها في عُمان من خلال الأبحاث الميدانية التي قام بها، وقال: «إنها توجد في وادي بني خروص ووادي السحتن ووادي العين وناح ووادي عندام ووادي رجيم»، كما وقفت عليها مع والدي في أكثر من مكان؛ منها: وادي بهلا، ووادي تنوف بنزوى.

ولجاكلي ثلاثة تفسيرات للرمز:

- يرمز للوحة ألعاب «الحواليس».

- يرمز لرميات المتعبدين «الحج».

- يرمز لطقوس سلوكية «السحر».

أما أنجلو فوساتي فيقول عن الرمز: «تم إنشاء هذه التجاويف واستخدامها في الفن الصخري على مر التاريخ لخدمة العديد من الأغراض، مثل: الأوعية الطقسية للعروض السائلة لوضع الأدوية أو طحن الحبوب، بطريقة مماثلة لاستخدام الهاون. ويقترح آخرون؛ أنه يمكن تفسيرها على أنها نجوم أو تمثيل للقرى». وأيضًا؛ من التفسيرات التي أخذتها مباشرةً عن هذا الرمز كانت من باحث اللغات القديمة الليبي عبدالمنعم المحجوب، الذي زارنا في شتاء 2019م، في زيارة بحثية حضارية، وفي زيارتنا بصحبة والدي لمنطقة بني صلت الواقعة ما بين ولايتي الحمراء وبهلا وقفنا على ذات الرمز وأخبرنا المحجوب بأنه قديم جدًا، ويرمز لكتابة حسابية قديمة عرفها الإنسان.

أما الرمز الثاني؛ فعبارة عن تخطيطات شحذت على أسطح الصخور، نجدها داخل الكهف أو قرب واجهته. تسمى في الوسط العلمي «بالبوليسوار»، ويقدر الباحثون أن عمرها يتراوح بين 300 ألف و77 ألف سنة. ولهذا الرمز مكانة خاصة عند العلماء لانتشاره العالمي، إلا أنهم يقفون عاجزين عن الاستفاضة في تفسيره، والأمر راجع إلى صغر حجم هذه التخطيطات، مما يجعل تفسيرنا لاستخدامها من قبل الإنسان القديم مبهمًا. ومن القلائل الذين حاولوا تفسيرها أنجلو فوساتي الذي استنتج تفسيره أثناء عمله على دراسة الفن الصخري في جبال عمان، وذهب إلى أن الرمز تشكل نتيجة ضغط طرف السكين على الصخرة، وأنشأ علامات غير منتظمة، وبرأيه أن هذه التقنية شائعة عند الكتابة بالأبجدية العربية على سطح صلب.

أغلب التفسيرات التي قدمها الباحثون للرمزين: الكويبات والتخطيطات قائمة على الطبيعة الجغرافية للمكان، وهذا أمر طبيعي، إذ إن الباحث في علم الحضارة والآثار يحاول بناء أفكاره على الأشياء المادية الملموسة، بيد أن هناك رموزًا تجريدية الشكل عميقة المعنى، لا يمكن وضع تفسير مادي لها. وحتى تتضح الفكرة، أقول: ماذا لو كُتِبَ للغُتنا الحالية أن تنقرض، وبعد ألوف السنين عثر باحث على رموز كتابتها؟ لطرأت عليه تفسيرات كثيرة، ولربما انحصرت في التفسير المادي. هذا ما حصل لدى ثُلّة من علماء اليوم؛ إذ أُعلي من شأن التفسيرات المادية على المعنوية، حتى ظنّ البعض أن الإنسان الذي نفخ الله فيه الوعي لا يعي إلا الأكل والشرب والتناسل. بيد أنه يتضح لنا يومًا بعد يوم من خلال الكشوفات الأثرية القابعة تحت الأرض أو الظاهرة على جبالها، أن الإنسان عرف اللغة ورموزها وتواصل بها منذُ ألوف السنين. وهذا ما ذهبت إليه في هذين الرمزين، بأنهما يعبران عن رموز للغة قديمة عرفتها البشرية. قد تكون هذه كتابة عبارة عن مقاطع بسيطة بفهمنا اليوم، ولكنها منتشرة من الصين شرقًا إلى أمريكا غربًا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الکتابة الأولى

إقرأ أيضاً:

هل يجوز قراءة سورة الفاتحة بنية شفاء المرضى وقضاء الحوائج؟

لعل ما يطرح السؤال عن هل يجوز قراءة سورة الفاتحة لقضاء الحوائج والشفاء ؟، هو ذلك الفضل العظيم والمنزلة الكبيرة لسورة الفاتحة، والتي لا تصح الصلاة إلا بها ، كما أنها تعد أم القرآن، وهو ما يبين أهميتها وبركتها العظيمة ، والتي منها ينبع السؤال عن هل يجوز قراءة سورة الفاتحة لقضاء الحوائج والشفاء ؟ لعلها تكون فاتحة الخير وبوابة الفرج.

ما هي أفضل سورة تقرأها في الصباح؟.. 20 آية تفتح لك أوسع أبواب الرزقهل يجوز قول: «اللهم كما جعلت سورة الرحمن عروس القرآن عجّل بزواجي»؟فضل قراءة سورة يس بعد صلاة العصر.. 5 أسباب تجعلك لا تضيعهاهل يجوز قراءة سورة الفاتحة لقضاء الحوائج والشفاء

قالت دار الإفتاء المصرية ، إن سورة الفاتحة هي خير سور القرآن الكريم وأعظمها، وقد تكاثرت النصوص الدالة على فضائل هذه السورة العظيمة، وقراءتها بنية شفاء المرضى وقضاء الحوائج أمرٌ جائزٌ شرعًا.

وأوضحت " الإفتاء" في إجابتها عن سؤال : ( هل يجوز قراءة سورة الفاتحة بنية الشفاء وقضاء الحوائج ؟ )، أن هذا ما جرى عليه عمل الأمة سلفًا وخلفًا، ولا عبرة بتلك الأقوال التي تُضيِّقُ على الناس ما وسَّعه الشرع الشريف.

 وأضافت عن قراءة هذه السورة بخصوصها لإنجاح المقاصد وقضاء الحوائج وشفاء المرضى وتيسير الأمور وإجابة الدعاء، فقد دلت النصوص الشرعية على أن فيها من الخصوصية ما ليس في غيرها؛ يقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [الحجر: 87].

وأشارت إلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «﴿الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ» رواه الإمام البخاري في "صحيحه" من حديث أبي سعيد بن المُعَلَّى رضي الله عنه.

ودللت بما جاء عن عُبادة بن الصامت رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أُمُّ الْقُرْآنِ عِوَضٌ مِنْ غَيْرِهَا وَلَيْسَ غَيْرُهَا مِنْهَا بِعِوَضٍ» رواه الدارقطني في "السنن"، والحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام".

واستندت لما قال الحاكم: "رواة هذا الحديث أكثرهم أئمة، وكلهم ثقات على شرطهما". وهذا الحديث وإن كان يُستدَل به على وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة، إلّا أنه يدل بعموم لفظه على خصوصية الفاتحة عن غيرها من سور القرآن الكريم، ولأنها مخصوصة في إنجاح المقاصد وشفاء المرضى جعلها سيدُنا أبو سعيد الخدريُّ رضي الله عنه رقية يرقي بها دون أن يبتدئه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإذن أو التعليم بأن يعهد إليه بشيء في خصوص الرقية بها وقراءتها على المرضى.

وتابعت: فلما أخبر النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم بما فعل لم يُنكِر عليه ولم يجعل ما فعله مِن قَبِيل البدعة، بل استحسنه وصوَّبه وقال له: «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ» متفق عليه، وفي "صحيح البخاري" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم: «قَدْ أَصَبْتُمْ».

ولفتت إلى ما قال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (6/ 407-408، ط. مكتبة الرشد): [قوله عليه السلام: «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ»: يدل أنَّ في القرآن ما يخص الرقى وأنَّ فيه ما لا يخصها.

وأشارت إلى أنه إذا كان القرآن كله مرجو البركة من أجل أنه كلام الله، لكن إذا كان في الآية تعوُّذٌ بالله أو دعاء كان أخص بالرقية ما ليس فيه ذلك، وإنما أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ» أن يختبر علمه بذلك؛ لأنه ربما خفي موضعها في الحمد.

وأكدت أن قوله: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5] هو الموضع الذي فيه الرقية؛ لأن الاستعانة به تعالى على كشف الضر، وسؤال الفرج والتبرؤ إليه من الطاقة، والإقرار بالحاجة إليه وإلى عونه هو في معنى الدعاء] اهـ.

وأفادت بأنه جاء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم الحثُّ على قراءة الفاتحة في بعض المواضع اجتهادًا منهم، ولعلمهم ببركتها في إنجاح المقاصد وشفاء الأمراض؛ فروى ابن أبي شيبة في "المُصَنَّف" عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: "مَن قرأ بعد الجمعة فاتحةَ الكتاب و ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ حفظ ما بينه وبين الجمعة".

حكم قراءة الفاتحة بنية شفاء المرضى وقضاء الحوائج

ودللت على جواز قراءة الفاتحة بنية شفاء المرضى وقضاء الحوائج، بحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه الإمام مسلم في "صحيحه" وغيره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ؛ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي.

وأردفت: وَإِذَا قَالَ: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي -وَقَالَ مَـرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي-، فَإِذَا قَالَ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ».

وبينت أن إعطاء الله تعالى للعبد سُؤْلَه عام في هذا الموضع، كما أنَّ متعلَّق الاستعانة محذوف، وهذا يقتضي الإطلاق، فيدل على مشروعية نية الاستعانة بالله في كل شيء بقراءة الفاتحة؛ قال الشيخ ابن عبد الهادي الحنبلي في رسالته "الاستعانة بالفاتحة على نجاح الأمور" في "جمهرة الأجزاء الحديثية" (ص: 372، ط. مكتبة العبيكان): [احتج بعضهم من هذا الحديث على أنه ما قَرأ أحدٌ الفاتحة لقضاء حاجة وسأل حاجته إلا قُضِيَتْ] اهـ.

واستشهدت بما روى الإمام مسلم في "صحيحه" والنسائي في "السنن الكبرى" وغيرهما عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قَالَ: "بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: "هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَسَلَّمَ، وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ".

واستدلت بما قال العلامة محمد بن علان الصديقي الشافعي في "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" (6/ 200، ط. دار الكتاب العربي): [يجوز كونُها للاستعانة؛ أي: (لن تقرأ) مستعينًا (بحرف)؛ أي: جملة (منهما) على قضاء غرض لك (إلا أعطيتَه) كيف لا والفاتحة هي الكافية؟ وتلك الخواتيم لمن قرأها في ليلة كافية.

وأكملت: والمراد: ثوابه الأعظم من ثواب نظيره في غير هذين. أو المراد بالحرف: معناه اللغوي وهو الطرف، وكنى به عن كل جملة مستقلة بنفسها؛ أي: أُعطِيتَ ما تضمنته إن كانت دعائية كـ ﴿اهْدِنَا﴾ و ﴿غُفْرَانَكَ﴾ الآيتين، وثوابَهما إن لم يتضمن ذلك كالمشتملة على الثناء والتمجيد] اهـ.

وذكرت أنه على ذلك جرى فعل السلف الصالح من غير نكير؛ فأخرج أبو الشيخ في "الثواب" عن عطاء رحمه الله تعالى أنه قال: "إذا أردتَ حاجةً فاقرأ بفاتحة الكتاب حتى تختمها تُقْضَى إن شاء الله". قال العلَّامة مُلّا على القاري الحنفي في "الأسرار المرفوعة" (ص: 253، ط. مؤسسة الرسالة): [وهذا أصلٌ لِمَا تعارف الناس عليه مِن قراءة الفـاتحة لقضاء الحاجات وحصول المهمات] اهـ.

فضل سورة الفاتحة

ونوهت بأن سورة الفاتحة هي خير سور القرآن الكريم وأعظمها، وقد تكاثرت النصوص الدالة على فضائل هذه السورة العظيمة؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ المُعَلَّى رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي، فَدَعَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي.

وواصلت: قَالَ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ﴾ ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي القُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ»، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ قُلْتَ: لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ مِنَ القُرْآنِ قَالَ: «الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ» رواه الإمام البخاري في "صحيحه".

واستندت لما قال صلى الله عليه وآله وسلم لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «يَا جَابِرُ أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ سُورَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقُرْآنِ؟» قَالَ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «فَاتِحَةُ الْكِتَابِ»، قال راوي الحديث: وأحسبه قال: «فِيَها شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ» رواه الإمام البيهقي في "شعب الإيمان".

طباعة شارك هل يجوز قراءة سورة الفاتحة لقضاء الحوائج والشفاء هل يجوز قراءة سورة الفاتحة لقضاء الحوائج هل يجوز قراءة الفاتحة لقضاء الحوائج هل يجوز قراءة سورة الفاتحة للشفاء قراءة سورة الفاتحة لقضاء الحوائج والشفاء حكم قراءة الفاتحة بنية شفاء المرضى وقضاء الحوائج قراءة الفاتحة بنية شفاء المرضى وقضاء الحوائج فضل سورة الفاتحة

مقالات مشابهة

  • هل يجوز قراءة القرآن دون وضوء عند قبر الميت؟
  • الكتابة المعكوسة في ألواح الطين
  • هل تصل الفاتحة إلى الميت؟.. الدكتور يسري جبر يجيب
  • مفترق طرق.. قراءة أميركية: انتخابات العراق قد تهز نفوذ طهران وحلفائها
  • هل يجوز وهب ثواب قراءة القرآن لأكثر من ميت؟.. الإفتاء تجيب
  • هل يجوز قراءة سورة الفاتحة بنية شفاء المرضى وقضاء الحوائج؟
  • فضل قراءة القرآن في أي وقت.. وأحكام سورة البقرة
  • منتدى TOURISE يعلن عن قائمة الرعاة لنسخته الأولى التي ستنعقد في الرياض
  • حكم تكرار السورة بعد الفاتحة في كل ركعة.. الإفتاء تجيب
  • فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة