تدخلت روسيا في الثورة السورية منذ انطلاقها عام 2011، ومن حينها وقفت إلى جانب النظام السوري وبقيت حليفا له خلال مواجهته للمعارضة السورية المسلحة، وفي المحافل الدولية التي عقدت لحل الأزمة السورية.

وحسب مركز جسور للدراسات هدفت روسيا من خلال تواجدها العسكري إلى "تحقيق مصالحها على المستوى الجيوسياسي مستفيدة من موقع سوريا الإستراتيجي المطل على البحر الأبيض المتوسط".

وبلغ عدد المواقع العسكرية للقوى الخارجية في سورية حتى منتصف عام 2023 حسب دراسة أجراها مركز جسور للدراسات، 830 موقعا عسكريا، 105 منها مناطق تقع تحت السيطرة الروسية، تتوزع بين 20 قاعدة عسكرية و85 نقطة عسكرية.

بداية التدخل العسكري الروسي

دعمت روسيا النظام السوري منذ اندلاع الثورة ضده عام 2011 لوجستيا وعبر تحسين منظومته العسكرية، دون التدخل عسكريا، واستعملت حق النقض (الفيتو) ضد كل القرارات الدولية التي أدانت النظام السوري، وبقيت تنفي تدخلها في الأزمة قائلة إن وجودها سياسي لا أكثر، إلى أن سيطرت المعارضة السورية على ثلث البلاد، فطلب النظام من روسيا التدخل.

تدخلت روسيا عسكريا في الأزمة السورية نهاية سبتمبر/أيلول 2015 لوقف انتصارات المعارضة العسكرية المتتالية التي هددت وجود النظام في الشمال الغربي لسوريا.

ويقول الكرملين إن السبب الرئيسي للتدخل هو "المحافظة على مؤسسات الدولة السورية ومنع تحولها إلى بؤر للإرهاب"، وشرعنت موسكو وجودها قائلة إن النظام السوري هو من طلب منها ذلك.

وكشفت تصريحات لمسؤولين روس جانبا آخر من رغبة روسيا للتدخل العسكري منها رغبة روسيا بتجربة أسلحتها الخاصة والترويج لها. كما تدخلت لفرض تغيير في موازين القوى على الميدان لإجبار المعارضة على قبول التسوية السياسية وفق شروط النظام السوري.

أسباب التدخل الروسي العسكري في سوريا

أعلنت روسيا في وثيقتها "العقيدة البحرية" الثانية والثالثة أهمية عدة مناطق من بينها "الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط"، وذلك من أجل ضمان أمنها القومي كما تقول، مما يعني أن قاعدتي طرطوس البحرية وحميميم الجوية على الساحل السوري تعدان ركنين أساسيين لروسيا لتطبيق خططها السياسية والعسكرية.

وبالنسبة لموسكو تعد سوريا من أهم الشركاء التجاريين في الشرق الأوسط، فهي تساهم بـ20% من إجمالي التجارة العربية الروسية، وساهمت أيضا بنسبة 7% من أجمالي التجارة العسكرية الروسية لعام 2010. إضافة إلى وجود صفقات عسكرية بينهما بلغت 4 مليارات دولار حتى عام 2013.

وتعتبر روسيا بقاء النظام السوري متعلقا ببقاء نفوذها في الشرق الأوسط، وهذا يفسر سبب وقوفها إلى جانب النظام ضد الثورة والمعارضين، واستعمالها حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي ودخولها عسكريا، بعدما تعرضت له إبان الأزمة الليبية وتدخل قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) وفرضها الوصاية على ليبيا بشكل أضر بالمصالح الروسية في البحر المتوسط.

المواقع العسكرية وانتشارها

بلغ عدد المواقع العسكرية الروسية في سوريا 105 مواقع عسكرية حتى منتصف عام 2023، منها 20 قاعدة عسكرية، و85 نقطة عسكرية، لا تشمل الحواجز والثكنات والدوريات العسكرية. وتنتشر المواقع في معظم سوريا، وتتركز أغلبها في حماة وعددها 17 موقعا، تليها مدينتا الحسكة واللاذقية بـ14 موقعا عسكريا لكل منهما.

وفي مدينة حلب 11 موقعا، وفي الرقة 8 وفي ريف دمشق 8، تليها 7 مواقع في السويداء، بعدها إدلب بـ6 مواقع ومثلها في دير الزور، وفي درعا 5 مواقع، وفي حمص 4، وفي دمشق قاعدتان ومثلها في طرطوس، وواحدة في القنيطرة.

ويطلق على الموقع العسكري "قاعدة عسكرية" عندما تجهز بمعدات عسكرية وعملياتية للدفاع والهجوم، وتكون بها وحدات عسكرية متخصصة بالدعم اللوجستي. ويطلق على الموقع "نقطة عسكرية" عندما يكون صغير الحجم وقليل العتاد والجنود.

وتتميز المواقع العسكرية الروسية باحتوائها على صنوف متنوعة من الأسلحة، وبتفوق سلاحي الطيران الحربي والاستطلاع فيها، وتتعاون القوات الروسية مع قوات النظام السوري والمنظمات المسلحة المدعومة من إيران.

كما تحدثت تقارير عن وجود قوات من مجموعة فاغنر الروسية على الأرض في سوريا بهدف تعزيز القوات البرية.

وفي مطار "باسل الأسد الدولي" يوجد مركز للعمليات المشتركة بين موسكو ودمشق وإيران، ومركز آخر للاستخبارات بين روسيا والعراق وسوريا وإيران.

‌القواعد العسكرية

قاعدة حميميم الجوية: تقع في اللاذقية، وتبلغ مساحتها 1.6 مليون متر مربع، ويشغل مهبطها الجوي قرابة 2800 متر مربع، وفيها قرابة 35 طائرة حربية، و80 طائرة بدون طيار، إضافة إلى طائرات تجسس ومروحيات هجوم ومنظومة صواريخ أس 400، وكذلك مركز استخبارات وقوات برية تتبع الجيش الرابع الروسي، مهمتها تنفيذ عمليات عسكرية ضد المعارضة السورية.

قاعدة طرطوس البحرية: نشرت فيها منظومة صواريخ أس 300، وتديره قوة مهام البحر الأبيض المتوسط، وتعد القاعدة منطقة انتشار روسيا الوحيدة في البحر المتوسط، مما يعني أنها تؤثر عبرها في موازين القوى في الشرق الأوسط. ومن خلال هذه القاعدة تستطيع روسيا رصد نشاط قوات الناتو.

قاعدة مطار القامشلي: تقع في مدينة القامشلي شمال شرق سوريا، ويوجد فيها أكثر من 100 عسكري روسي بين خبراء وضباط مخابرات ومستشارين مع وجود محطات تنصت.

مطار الشعيرات: ويقع في ريف حمص، وجعله موقعه الإستراتيجي يؤمن تغطية جوية للمنطقة الوسطى في البلاد وأيضا لأكبر معمل روسي للغاز في سوريا "ستروي ترانس غاز"، إضافة لمناطق حقول الغاز المتنازع عليها في الداخل، وتتمركز فيه مروحيات مقاتلة.

مطار كويرس: فيه قوات برية ومحطات رادار متطورة تكشف الأهداف الجوية البعيدة، ويستعمل مهبطا احتياطيا للطائرات الروسية القادمة من شرقي سوريا.

جبل زين العابدين: ويضم قوات حرب إلكترونية مختصة في التشويش والتنصت، وفيها أيضا راجمات صواريخ متطورة.

إضافة إلى عدة أمكان أخرى تتمركز فيها منها مطار حماة العسكري وقاعدة إسطاو الجوية وتقع شمال حميميم ومطار تي 4 الواقع شرق حمص وقاعدة تدمر في ريف حمص الشرقي.

محطات

وفي محاولة لاستثمار النجاحات العسكرية بعد إعادة النظام السوري سيطرته على ريفي اللاذقية الشمالي والشرقي عام 2015 وأجزاء من ريفيْ حلب الجنوبي والشرقي، ضغطت موسكو باتجاه إحياء مفاوضات جنيف، بينما ضغطت واشنطن في اتجاه هدنة عسكرية تثبت الواقع العسكري الجديد، وقبلتها موسكو.

وبين 2015 و2018 خاض أكثر من 63 ألف عسكري روسي قتالا عسكريا، وشنت القوات الروسية الجوية 39 ألف طلعة، دمرت خلالها 121466 هدفا تصفه روسيا بأنه "إرهابي"، وقتلت أكثر من 86 ألفا، دون حساب القتلى المدنيين.

وبعد الهدنة العسكرية الأولى بدأت مرحلة التحضير لجولة جديدة من مفاوضات جنيف، لكن النظام السوري رفض أي حل سياسي، فتوترت العلاقات بين الدولتين، وفي محاولة للضغط على دمشق سحبت موسكو جزءا من قواتها من سوريا في اليوم نفسه الذي دارت فيه مفاوضات جنيف في مارس/آذار 2016.

من جهة أخرى لم تستطع روسيا الاتفاق مع أميركا على صيغة لمفاوضات جنيف فانهارت، وقررت روسيا استئناف عمليتها العسكرية، خاصة مع دخول أطراف أخرى عسكريا لسوريا مثل تركيا بعد معركتها "درع الفرات" في 2016.

بدأت روسيا قصفا مكثفا على حلب مستهدفة فصائل المعارضة كلها، وبعدها اندلعت معركة حلب، ومع استمرار فشل الاتفاق على هدنة بين جميع الأطراف، أكملت روسيا عمليتها العسكرية وانتشارها في كامل سوريا.

وعقدت روسيا وتركيا وإيران يوم 20 ديسمبر/كانون الأول 2016 اجتماعا في العاصمة الروسية موسكو، ضم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيريه التركي مولود جاويش أوغلو والإيراني محمد جواد ظريف، خصص لبحث الأزمة السورية. وغابت عن اجتماع موسكو المعارضة والنظام السوريان.

وأطلقت روسيا "إعلان موسكو" نهاية 2016 مع تركيا وإيران، وطرحت رؤيتها الخاصة لحل الأزمة السورية بعيدا عن اتفاقات "جنيف1" وتجنبت الحديث عن مصير الرئيس بشار الأسد، وقالت إن الأولوية لمكافحة "الإرهاب" لا لإسقاط الأسد.

تعرقلت المفاوضات الأممية لحل الأزمة السورية، وخلال هذه الفترة زادت روسيا من نفوذها العسكري، وقدر حجم الأسطول الجوي بنحو 100 طائرة مقاتلة وحربية ومروحية، مع وجود سلاح الاستخبارات الجوي.

وشملت القوات البرية كتيبة مشاة وناقلات جند مصفحة ودبابات مقاتلة وصواريخ أرض جو ومدفعيات وأنظمة حربية إلكترونية ووحدات برية. وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن التكلفة الرسمية للحملة العسكرية الروسية على سوريا بلغت 478 مليون دولار عام 2016.

ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تسبب القوات الروسية بمقتل أكثر من 6 آلاف مدني، بينهم قرابة ألفي طفل حتى عام 2018، وتسبب القوات أيضا فيما لا يقل عن 321 مجزرة، و954 حادثة اعتداء في أماكن مدنية.

تراجع الوجود العسكري الروسي

تراجع عدد المواقع العسكرية الروسية في سوريا من 132 إلى 105 بين عامي 2022 و2023، وأعادت نشر قواتها في كامل سوريا، وتعد الحرب الروسية على أوكرانيا السبب الأبرز في ذلك الانخفاض، فمن جهة أرادت موسكو نقل قواتها التي اكتسبت خبرات ميدانية في سوريا إلى أوكرانيا لتستفيد منها هناك، وأيضا لتركيز جهودها في الحرب هناك بعد الهدنة التي شهدتها سوريا بداية عام 2020.

ومن جهة أخرى، قلصت روسيا عدد قواتها في المنطقة بعد تمكنها من السيطرة على المواقع الإستراتيجية في سوريا، ووقف القوات الإيرانية من الانتشار فيها، خاصة في اللاذقية، وقلصت نفوذها في القنيطرة ودرعا فيما ازدادت القواعد الإيرانية فيهما، وذلك بسبب تقليص موسكو لالتزاماتها أمام إسرائيل بسبب دعم الأخيرة لكييف وتسليحها.

وفي التشكيلة الجديدة التي نشرتها بين عامي 2022 و2023، ركزت روسيا قواتها على الساحل السوري جهة البحر المتوسط، وحافظت على وجودها في المواقع التي تتموضع بها قوات التحالف الدولي شمالي شرقي سوريا، حيث ينتشر الغاز والنفط السوري.

وبعد معركة طوفان الأقصى التي اندلعت في قطاع غزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتصعيد حزب الله في جنوب لبنان مع إسرائيل، أعادت روسيا ترسيخ وجودها العسكري في الجنوب السوري قرب درعا والقنيطرة القريبتين من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المواقع العسکریة العسکریة الروسیة الأزمة السوریة النظام السوری فی سوریا أکثر من

إقرأ أيضاً:

سفير روسيا: محطة الضبعة تدخل الخدمة في 2030.. وواشنطن تحافظ على تفوق إسرائيل العسكري 

السفير جيورجي بوريسينكو:

بوتين والسيسي يتعاونان بشكل واضح على الساحة الدولية مصر تشارك بشكل فعّال في جميع الملفات الإقليمية نتوقع تشغيل محطة ضبعة بكامل طاقتها بحلول ربيع 2030 صورة الجندي المصري حاملا بندقية الكلاشنيكوف في نصر أكتوبر تاريخية جنودنا قاتلوا مع الجيش المصري ضد إسرائيل مصر دولة مركزية في العالم العربي ونرحب بعضويتها في البريكس واشنطن تحافظ على تفوق إسرائيل العسكري  روسيا كانت وستظل صديقًا وفيًا وموثوقًا به للعرب  روسيا من أوائل الدول التي اعترفت بدولة فلسطين وقف القتال مشروط بنزع سلاح أوكرانيا دونيتسك، لوغانسك، خيرسون، وزابوروجيا أصبحت جزءًا من روسيا

حوار/ محمد أبو سبحة

القاهرة (زمان التركية)ــ  أكد السفير الروسي في القاهرة جيورجي بوريسينكو أن العلاقات مع مصر تاريخية، وأنه خلال السنوات العشر الأخيرة كان هناك تعاون وثيق بين زعيمي البلدين، لافتا إلى أهمية مشروع الضبعة النووي وأنه سيكون له أثر إيجابي على الاقتصاد المصري، وأشاد في مقابلة مطولة مع جريدة (زمان التركية) من مقر السفارة بالقاهرة بحفاظ مصر على علاقات متوازنة مع جميع دول العالم، مشيرًا إلى ثبات الموقف الروسي من القضية الفلسطينية، واستمرار علاقات الصداقة الروسية العربية، مشيرا إلى عدم تنازل موسكو عن الأراضي التي سيطرت عليها مؤخرًا في اوكرانيا.

 

  كيف تقيّمون طبيعة العلاقات بين موسكو والقاهرة في ظل التغيرات الجيوسياسية المتسارعة؟

 العلاقات بين بلدينا عميقة، وقد تطور التعاون بيننا بشكل مكثف منذ خمسينيات القرن الماضي، خاصة خلال فترة رئاسة الرئيس عبد الناصر. وخلال السنوات العشر الماضية، لاحظنا أن الرئيسين بوتين والسيسي يتعاونان بشكل واضح على الساحة الدولية، نظرًا لحالة عدم الاستقرار العالمي. روسيا ومصر عضوان في مجموعة البريكس، والتي تُعد نموذجًا أوليًا لعالم متعدد الأقطاب في المستقبل، وتمثل منصة للدول الكبرى والأكثر تطورًا في العالم.

  كيف ترى موسكو دور مصر كوسيط في الملفات الإقليمية، مثل القضية الفلسطينية، والحرب في السودان، والنزاع الليبي؟

 تشارك مصر بشكل فعّال في جميع الملفات الإقليمية، مثل ليبيا، وفلسطين، وإسرائيل، وكذلك في مؤتمرات السلام وجهود الاستقرار في السودان. شركاؤنا المصريون يبذلون جهودًا كبيرة لتوحيد السودان، سواء على مستوى الرئاسة أو البرلمان، وقد دعمت مصر دائمًا مواقف متوازنة تتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة.

نحن في روسيا نشارك مصر نفس المبادئ في دعم استقرار الدول القائمة، ونرغب في أن تظل هذه الدول قائمة، آمنة، ومستقلة.

أما في ما يخص القضية الفلسطينية، فهناك ضرورة ملحة لتحقيق الاستقلال الكامل لدولة فلسطين. ومصر تدعم هذا الموقف بشكل كامل، روسيا كانت من أوائل الدول التي اعترفت بدولة فلسطين عام 1988 فور إعلان قيامها، ومنذ ذلك الحين، حافظت روسيا على هذا الاعتراف، في حين أن العديد من الدول الغربية حتى الآن لم تعترف بفلسطين كدولة مستقلة.

السفير: جيورجي بوريسينكو  ما هو موقف روسيا من تعامل مصر مع أزمة أوكرانيا؟

 مصر تحافظ على علاقات متوازنة مع جميع دول العالم، وهذا أمر نحترمه تمامًا. أما من جانبنا في روسيا، فنحن نضع دائمًا مصالحنا القومية في المقام الأول، وأهم تلك المصالح هو ضمان أمننا القومي. لهذا السبب نحن نتحدث اليوم عن الأزمة الأوكرانية.

على مدار 35 سنة، كانت أوكرانيا تتجه تدريجيًا نحو الحدود الروسية، واقتربت من الانضمام إلى حلف الناتو. لم تكن روسيا هي من تتحرك نحو الناتو، بل كان الناتو هو من اقترب من حدودنا، حيث انتقل من ألمانيا — التي كانت حدوده الغربية سابقًا — ليصل إلى دول مثل إستونيا وفنلندا، وبات الآن لا يبعد سوى 135 كيلومترًا عن أراضٍ نعتبرها تاريخيًا جزءًا من روسيا.

نحن اعترفنا باستقلال أوكرانيا في عام 1991، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وكنا نأمل أن تكون أوكرانيا دولة جارة مسالمة، تحافظ على علاقات التعاون والسلام مع روسيا. ولكن للأسف، بدأ الغرب في فصل أوكرانيا عن روسيا، على الرغم من أننا شعب واحد، نتحدث لغة واحدة، ولدينا جذور ثقافية وتاريخية مشتركة.

الغرب بدأ في تغيير الهوية الأوكرانية تدريجيًا، حتى وصل بهم الحال إلى الترويج لفكرة أن هتلر كان “بطلاً” في نظر بعض القوميين الأوكرانيين الذين تعاونوا مع النازيين ضد الاتحاد السوفيتي. هؤلاء يتم تمجيدهم الآن في أوكرانيا، ما يُعد تحريفًا للتاريخ وتلاعبًا بعقول الناس. هذه السياسة الغربية تهدف إلى خلق نقطة توتر بالقرب من حدودنا، وإضعاف روسيا من الداخل.

لقد أشعلوا الحرب، ولم يكن لديهم أي نية لتحقيق السلام. منذ بداية النزاع الروسي-الأوكراني في فبراير 2022، بدأت روسيا مفاوضات مباشرة مع أوكرانيا، وتم التوصل إلى اتفاق مبدئي للسلام بين الوفدين الروسي والأوكراني. لكن فجأة، جاء رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، بوريس جونسون، إلى كييف في ربيع 2022، وطلب من الأوكرانيين عدم توقيع الاتفاق ومواصلة القتال ضد روسيا.

لم يكن الغرب يريد سلامًا. بل كانوا يريدون استمرار الحرب، وهو ما حدث. لكن بعد مرور عامين، وعندما أدرك الغرب أن أوكرانيا تخسر، بدأ الحديث عن وقف إطلاق النار. لكن الهدف من ذلك ليس السلام الحقيقي، بل كسب الوقت لإعادة تسليح أوكرانيا، وبناء بنية تحتية لنقل الأسلحة مجددًا، دون القلق من الضربات الروسية.

الهدف الغربي هو استمرار الحرب، بينما هدفنا هو الوصول إلى سلام حقيقي ومستقر لعقود قادمة. لهذا السبب نحن نطالب بـ”نزع السلاح” من أوكرانيا، بحيث لا يُسمح لها بتلقي أي أسلحة غربية بعد الآن، ولا بنشر أي قوات أجنبية أو وجود عسكري غربي على أراضيها.

الغرب يستخدم أوكرانيا كمنصة لضرب روسيا، وها نحن نرى هجمات تستهدف البنية التحتية الروسية، مثل تفجير الجسور، وهجمات على القطارات — من بينها حادثة سقوط جسر على قطار للركاب، أدت لإصابات. كما انفجر جسر آخر للسكك الحديدية، ولحسن الحظ لم تكن هناك ضحايا.

رغم كل هذه العمليات، وسائل الإعلام الغربية لا تتحدث عن هذه الهجمات، بينما تركز على اتهام روسيا بضرب المدنيين، وهو أمر ننفيه بشدة. روسيا لا تستهدف المستشفيات أو المدارس أو البنى التحتية المدنية، بل فقط الأهداف العسكرية مثل مستودعات السلاح والمنشآت العسكرية. في النهاية، نحن بحاجة إلى سلام مستقر، لا مجرد هدنة مؤقتة، بل اتفاق طويل الأمد يضمن أمن روسيا وسيادتها.

ما تعليقكم على تصريح السفير الأوكراني في مصر بأن بلاده لن تقدم أي تنازلات إلا إذا قدمت روسيا تنازلات مماثلة؟

 كما ذكرتُ سابقًا، فإن الأولوية القصوى بالنسبة لروسيا هي ضمان أمنها القومي، وكذلك الحفاظ على وحدة وسلامة أراضيها. مناطق مثل دونيتسك، لوغانسك، خيرسون، وزابوروجيا أصبحت الآن جزءًا من الأراضي الروسية، ولا يمكن التفاوض بشأنها. لذلك فإن على القوات الأوكرانية الانسحاب الكامل من هذه المناطق.

علاوة على ذلك، ونظرًا للتهديدات المستمرة من الجانب الأوكراني، نرى أن هناك حاجة حتمية لإنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي الأوكرانية، تفصل بين الحدود الروسية ومواقع الانتشار العسكري الأوكراني. هذه المنطقة العازلة ضرورية لحماية أراضينا ومنع تسلل المجموعات التخريبية أو إطلاق القذائف باتجاه الأراضي الروسية.

روسيا مستعدة لوقف القتال، لكن بشروط واضحة تشمل: نزع سلاح أوكرانيا، إنهاء النزعة القومية المتطرفة، وانسحاب كامل للقوات الأوكرانية من الأراضي الروسية.

أما من الناحية السياسية، فنحن نواجه مشكلة تتعلق بشرعية القيادة الأوكرانية الحالية. فترة رئاسة فلوديمير زيلينسكي قد انتهت في عام 2024، ووفقًا للقانون الأوكراني، لم يتم تمديدها عبر انتخابات شرعية. وبالتالي، يعتبر الرئيس زيلينسكي الآن شخصية فاقدة للشرعية القانونية، ولا يمكن التعامل معه بصفته رئيسًا رسميًا.

البرلمان الأوكراني، المعروف بـ”المجلس الأعلى”، ما يزال يُعتبر مؤسسة شرعية، ولكن الرئيس نفسه بات بمثابة شخص عادي أو “رئيس فعلي لجماعة حاكمة” وليست له صفة قانونية لتوقيع معاهدات أو اتفاقيات دولية.

وهنا يكمن التحدي: من سيوقع الاتفاق مع روسيا إذا كانت القيادة الأوكرانية الحالية غير شرعية؟ هذا الوضع يجعل من الصعب التوصل إلى أي تسوية سياسية دائمة ما لم يُحل موضوع الشرعية أولًا.

ما هو الوضع الحالي لمحطة الضبعة النووية التي تقوم شركة روساتوم ببنائها؟

 مشروع الضبعة يسير وفقًا للجدول الزمني المحدد، وحاليا أعمال الإنشاء تسير كما هو مخطط لها، منذ أن حصلت شركة روساتوم على موافقة الرئيس عبد الفتاح السيسي في ديسمبر 2020، خلال اجتماعه مع المدير العام للمؤسسة الحكومية الروسية.

وجميع وحدات الطاقة النووية الأربع دخلت بالفعل في مرحلة البناء، كما تقوم المصانع الروسية حاليًا بتصنيع المفاعلات والمعدات الأخرى التي سيتم تركيبها في المحطة. ووفقًا للجدول الزمني، نتوقع أن تكون المحطة النووية تعمل بكامل طاقتها بحلول ربيع عام 2030، ونتوقع أن يكون له أثر إيجابي على الاقتصاد المصري.

 هل هناك زيارة مرتقبة للرئيس بوتين إلى الشرق الأوسط، وبشكل خاص مصر، عقب مشاركة الرئيس السيسي في احتفالات عيد النصر؟

احتفلت روسيا بالذكرى الـ80 للنصر في الحرب العالمية الثانية. خلال الحرب، كانت دول كثيرة حول العالم، بما في ذلك مصر، جزءًا من التحالف المناهض لهتلر. وفي 9 مايو الماضي وقد وقف الجنود المصريون جنبًا إلى جنب مع الجنود الروس في الساحة الحمراء، وهذا يُعد رمزًا للصداقة طويلة الأمد بين بلدينا.

شهدت علاقاتنا العديد من التبادلات مؤخرًا. خلال عامه الأول في المنصب، التقى الرئيس السيسي بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في أماكن مختلفة حول العالم. كما تبادلا المكالمات الهاتفية والرسائل. وهناك تواصل مكثف على مختلف المستويات بين وزارتي الخارجية والجهات الأخرى. ونتوقع عقد اجتماعات رفيعة المستوى قريبًا.

السفير: جيورجي بوريسينكو    بعد المناورات العسكرية المشتركة بين روسيا ومصر في شرق المتوسط، هل أبدت القاهرة اهتمامًا بالحصول على منظومات تسليح روسية متطورة؟

 إن مصر وروسيا، التي كانت تُعرف سابقًا بالاتحاد السوفييتي، تفخران بعلاقاتهما التاريخية. ويوجد متحف في قلعة صلاح الدين بالقاهرة يعرض أسلحة سوفييتية وروسية استُخدمت في حرب أكتوبر، من بينها الجسور العائمة والدبابات وغيرها من المعدات. وأشهر صورة من حرب أكتوبر هي لجندي مصري على الضفة الشرقية لقناة السويس، يرفع بندقية كلاشنيكوف – وهي أشهر سلاح روسي – فوق رأسه تعبيرًا عن النصر.

أصدقاؤنا المصريون يعرفون الأسلحة الروسية جيدًا، ولديهم معرفة ممتازة بالضباط العسكريين الروس. وخلال تلك الحرب، وُجد ما يصل إلى 30 ألف جندي سوفييتي على الأراضي المصرية، قاتلوا إلى جانب الجنود المصريين ضد إسرائيل. كما كان هناك مستشارون عسكريون سوفييت في صفوف الجيش المصري، وساهموا في تحقيق النصر.

واليوم، لا يزال هناك تعاون مكثف بيننا في المجالين العسكري والفني العسكري. ونحن فخورون بأن القوات المسلحة المصرية تستخدم الآن معدات روسية حديثة ومتطورة.

وكما تعلمون، فإن الولايات المتحدة لا تبيع بعض الأسلحة لمصر لأنها تريد الحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري في المنطقة. لكن مصر دائمًا ما تملك بدائل، ويمكنها شراء أسلحة متقدمة من دول أخرى، ومنها روسيا. كما أننا نجري تدريبات عسكرية مشتركة، حيث تتدرب قوات المظلات والدفاع الجوي معًا، وبالتالي فإن عناصرنا العسكرية يعرفون بعضهم جيدًا، ويفهمون بعضهم جيدًا. وهذا يمثل أساسًا قويًا للتعاون بيننا.

  ما الرسالة التي تودون توجيهها من هذا الحوار إلى العالم العربي؟

  تعززت العلاقة بين روسيا والعالم العربي بشكل كبير في القرن العشرين، حين دعم الاتحاد السوفييتي الدول العربية في كفاحها ضد الاستعمار الأوروبي. ونحن نأمل أن نواصل تطوير هذا التعاون العميق في المستقبل. ولهذا السبب، بادرنا هذا العام بعقد أول قمة روسية-عربية في موسكو. ونرى أنها ستكون منصة لتبادل الآراء حول قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية والعالم أجمع.

يلعب العالم العربي دورًا مهمًا ليس فقط في منطقته، بل على المستوى العالمي. وتُعد مصر دولة مركزية في العالم العربي ذات موقع استراتيجي بالغ الأهمية. واليوم، أصبحت مصر، مثل روسيا، عضوًا في مجموعة “بريكس”. وتُعد “بريكس” نموذجًا أوليًا لعالم متعدد الأقطاب في المستقبل، حيث تتعاون الدول المؤثرة ذات الاقتصاد القوي خارج هيمنة مجموعة السبع. والفرق هنا أن مجموعة السبع تقودها الولايات المتحدة وتتبَعها الدول الست الأخرى، في حين تقوم “بريكس” على شراكة متساوية وحلول متبادلة المنفعة للعالم بأسره. المصريون والعرب هم أصدقاؤنا وشركاؤنا. وأؤكد لأصدقائنا العرب أن روسيا كانت وستظل دائمًا صديقًا وفيًا وموثوقًا به للعالم العربي.

Tags: السفير الروسي في جيورجي بوريسينكوالسفير الروسي في مصرجيورجي بوريسينكو

مقالات مشابهة

  • المركزي السوري: نفذنا أول تحويل مصرفي دولي عبر "سويفت"
  • الكرملين : إيران لم تطلب أي مساعدات عسكرية من روسيا
  • سفير روسيا: محطة الضبعة تدخل الخدمة في 2030.. وواشنطن تحافظ على تفوق إسرائيل العسكري 
  • سوريا ما بعد الأسد.. انقسام نقدي بين الليرة السورية والتركية
  • الخارجية الروسية تحذر واشنطن من تقديم مساعدات عسكرية مباشرة لإسرائيل
  • روسيا: نحذر من تقديم مساعدات عسكرية مباشرة لإسرائيل
  • باراك يرّحب باستئناف نشاط الشركات السورية الأمريكية في سوريا
  • قوة عسكرية إسرائيلية تدمر مباني سكنية بريف القنيطرة السورية
  • عودة دفعة من العائلات السورية من تركيا إلى ريف دير الزور الشرقي بعد تهجير قسري دام 14 عاماً
  • السفير الروسي في مصر: الغرب يستخدم أوكرانيا لضرب روسيا و”المنطقة العازلة” تحمي أمننا القومي