صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد
ها هي الورقة البيضاء بين يديك لتكتب فيها ما تشاء؛ هي لك في متناولك، اصنع فيها ما تشاء لتخطه على ورق.
حرية الرأي والتعبير مكفولة بالقانون، وهناك مسائل محظورة لا يجب التطرق إليها خارجة عن إطار حرية التعبير؛ لأنها عدوان وتهجم وتجاوز على القانون. ومنها التعدي على الذات الإلهية والذات السلطانية، وكل ما من شأنه أن يُعرِّض سلامة الدولة أو أمنها الداخلي والخارجي للخطر، والمساس بالديانات والأخلاقيات العامة، وغيرها من محظورات واضحة ينص عليها القانون.
فماذا يتبقى إذا حصل ذلك، ووسائل النشر متاحة بحركة زر لتصل الكلمة إلى أي مكان وكل مكان دون رقيب؟!
يمكنك أيُّها الكاتب في ورقتك البيضاء أن تكتب عن النَّاس والأماكن والمواقف والحالات والظروف في إطار حرية التعبير؛ لأنك واثق من نفسك، مستقل مكتفٍ بما لديك مُدرك لحقوقك القانونية، لست ضعيفًا مُترددًا؛ بل مُحق حر شجاع كالكلمة الشجاعة الواثقة التي تقولها.
والكلمة الذي يُخطّها الكاتب وتصل في كل مكان قد تُصحح المسار وتُغيِّر الحال، ويمكنك أن تكتب عن أشخاص في ورقتك البيضاء أو تمحهم كما كتبتهم هم أو غيرهم، وتكتب عن آخرين فيتواجدون في ورقتك البيضاء.
تختار في ورقتك البيضاء ما تكتبه؛ فينكتب بالأماكن والحالات والظروف الذي تريد. في ورقتك البيضاء تستطيع أن تُقدِّم الأشخاص أو تؤخرهم، تُبعدهم أو تُقرِّبهم، يُمكنك أن تحركهم أو توقفهم، تمنحهم أو تمنعهم، تستدعيهم أو تصرفهم. يمكنك أن تلغيهم أو تُبقيهم دون أن تُبدي الأسباب فيما كتبت ولماذا كتبت، فهي ورقتك البيضاء وعليها اسمك ورسمك. تكتبهم بخطوط قلمك، تخطهم بجرة قلمك ثم تتركهم هناك؛ حيث أردتهم يتبعون نمط السرد اللغوي.
يمكنك بكتاباتك في صفحتك البيضاء أن تتنقل في الأماكن، تكتب الرحيل فترحل، أو تكتب الحضور فتحضر! فيتحقق ما كتبت على الورق؛ فالقلم قلمك والورقة البيضاء بين يديك. تخلق عوالمك الكتابية، تختلط بها وتختلط بك تسرح في ملكوتها، ويبقى ما تكتب واقعًا تتفرع منه الأشخاص والأحداث والوقائع والحضور والغياب والذهاب والإياب والبُعد والقرب وما يكون وما لا يكون.
تُفصِّل أدوار الكتابة على مقاسك ومقاسات آخرين تُوجِدْهُم بقلمك فيتواجدون. يذهب أناس ويبقى آخرون، ويأتي أناس آخرون تمنحهم دورًا في ورقتك البيضاء، ممن تريد أن يكونوا في كتاباتك ولا شيء غير مشيئتك الكتابية تكون؛ فيتفاعل الشخوص مع الحالة، والحالة تتفاعل معهم، تتغير أحوالهم وظروفهم وأماكنهم ونفسياتهم وفق ما يخط قلمك. وتصيبهم الحالة بالأعراض الإنسانية التي تنال من واقعيتهم، ويصبحون هم الحالة، والحالة هُم، ويكتب القلم واصفًا وضعهم الذي تَغيَّر وشعورهم الذي تحول وأحوالهم التي تبدلت.
صفحة بيضاء وقلم تكتب عوالم كثيرة لتصبح سردية حياة، ترسم قصتك المختلفة المتنوعة التي تريد.
وإذا أردت أن تُحضِر شخصًا مغمورًا وتُظهِره في كتاباتك لتمنحه الدور الذي أردت دون أن تفسر ذلك في صفحتك البيضاء، فلا أحد سيسألك كيف أتى ومن أين أتى ولماذا أتى؟
وإذا بهذا الذي به أتيت يصبح واقعًا على ورق لأنك جئت به في صفحتك البيضاء، وإذا بمشهده يصبح متحركًا بعد أن كان مُتوقفًا، حاضرًا بعد أن كان غائبًا وظاهرًا بعد أن كان مُتواريًا.
وذلك الحاضر في صفحتك البيضاء إذا أردت أن تُبعده أو تُلغه، فسيُلغى، ولن يُصبح له ذكر أو وجود، وسيختفي ويتلاشى، لأنها ورقتك البيضاء ولك المشيئة الكتابية في كتابة ما فيها.
وأن يكون للمرء ورقة بيضاء يخط عليها كلماته التامات مسؤولية كبيرة لمن يفهمها.. كتابات أزلية ثابتة تبقى في محركات البحث الإلكتروني وسجلات الزمن، بعد أن كانت مجرد ورقة بيضاء ويفنى الإنسان وتبقى الكلمات.
فماذا ستكتب في قادم الأيام؛ فالورقة ورقتك، والقلم قلمك، وروايتك لا بُد أن تسردها حيثما توجد وتكون، هنا أوهناك أو في أي مكان! وأنت وحدك أيها الكاتب من ترسم كتاباتك كما تريد، لتظهر واقعًا مقروءًا، ولا يبقى إلّا ما تخطه يداك ليُكتب على ورقتك البيضاء. وأنت الحقيقي الباقي في المشهد الكتابي، وأنت من لا أحد يستطيع أن ينتزع ذلك منك، فبوركت من مكانةٍ وبورك من قلمٍ.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
قضية بوب فيلان وفرقة نيكاب تظهر نفاق اليمين بشأن حرية التعبير
أوردت كاتبة العمود البريطانية هندية الأصل ياسمين علي بهاي براون أن إسرائيل وأنصارها مذهولون ويشعرون بالإهانة من موجة الاستنكار الشديد التي اجتاحت البلاد، مع أن إسرائيل لم تستهدَف وحدها بالإدانة، بل دان الموسيقيون والمتحدثون دولا أخرى.
وأوضحت بهاي في موقع آي بيبر (I paper) التابع لمجموعة ديلي ميل الصحفية البريطانية أن أحد ثنائي فرقة الراب (بوب فيلان) هتف خلال حفلهم في غلاستونبري، "فلسطين حرة" و"الموت لجيش الدفاع الإسرائيلي"، وانضم الكثير من الحضور إلى هتافه، مشيرة إلى أنه من الخطأ الواضح اتهام هذا الرجل بالرغبة في قتل دولة إسرائيل أو بمعاداة السامية.
وذكّرت الكاتبة بأن السفارة الإسرائيلية في المملكة المتحدة قالت إنها "تشعر بقلق بالغ بسبب الخطاب التحريضي والبغيض"، ودعت المنظمين والفنانين والقادة العامين إلى "إدانة ورفض جميع أشكال الكراهية".
ومن جهتها، دعت الكاتبة، هي الأخرى، السفارة الإسرائيلية الآن إلى إدانة الخطاب التحريضي والبغيض الصادر عن دولتهم وسفارتهم، مثل قول سفيرتهم تسيبي هوتوفلي في سبتمبر/أيلول الماضي إن "كل مدرسة وكل مسجد وكل منزل في غزة لديه منفذ إلى نفق، وبالطبع ذخائر"، في تبرير واضح لتدميرها.
وسارع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى إدانة بوب فيلان، وفي المقابل تطالب صحيفة ديلي تلغراف بمعاقبة مغنية الراب لوسي كونولي، التي حرضت على العنف ضد طالبي اللجوء والمهاجرين خلال أعمال الشغب العام الماضي.
وتساءلت الكاتبة: هل أصبح الجنود الإسرائيليون في خطر حقيقي بعد غلاستونبري؟ مؤكدة أنها لا تستطيع الجزم بذلك، إلا أن المهرجانات الموسيقية تعد أهدافا سهلة بالنسبة لليمين، لأن حشودها في الغالب من دعاة حماية البيئة والمساواة، ومناهضي المؤسسات والشواذ جنسيا.
ومع أن بعض اليمينيين يدافعون بجنون عن حرية التعبير -كما تقول الكاتبة- فإنهم لا يدينون إلا "حركة الوعي" واليسار، أما إذا تحدثت حركة الوعي واليسار، بحرية وواجهوا اليمين، فإن أتباعه ينعتونهم بالعدوان "غير الوطني" في الداخل.
إعلانوأشارت الكاتبة إلى أن الشرطة تفحص الآن تسجيل فرقة بوب فيلان، وذكَرت بأنها احتجت على حرب فيتنام، وقاومت التاتشرية وعنف الشرطة والعنصرية، وتظاهرت مع رفاقها وتجمعوا وهتفوا، وأنشدوا أغاني التحدي، وكانت الشرطة قاسية، وصرخت ضدهم الصحف المحافظة، ولكنهم واصلوا، لأن أي سلطة لم تتمكن قط من منع الشباب من قول ما يفكرون فيه والتعبير عن مشاعرهم.
وختمت الكاتبة بأنه لا يمكن فصل السياسة عن الثقافة، وذكّرت بدعوة المؤتمر الوطني الأفريقي بقيادة نيلسون مانديلا للمقاطعة الثقافية في جنوب أفريقيا، وقالت إن ستيفي وندر أصدر أغنية "إنه خطأ (الفصل العنصري)"، واعتُقل خلال احتجاج مناهض للفصل العنصري في الولايات المتحدة.