د. علي جمعة يكتب: سنوات التحدي والإنجاز
تاريخ النشر: 29th, June 2024 GMT
11 عاماً مضت على ثورة 30 يونيو، إذا أردت لها وصفاً دقيقاً فإنها سنوات التحدى والإنجاز، منذ اللحظة الأولى كانت التحديات فوق الاحتمال، فقد تربص أبالسة الشر بتلك الثورة المباركة المؤيدة من الله تعالى، تربصوا بها رغبة فى عرقلتها ووقف مسيرتها.
وكلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله تعالى بقدرته، فهم يجهلون أنهم يمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين، كما أنهم يجهلون أن الله من ورائهم محيط، لذلك وجدنا التحديات تتوالى والنصر من الله لعبور التحديات لا يتوانى، وهذا ما أفقدهم صوابهم وشتت جمعهم وأفقدهم البصيرة والبصر، فلم يجدوا سوى الأكاذيب الممزوجة بالشبهات حتى يخدعوا البسطاء بدعواهم التى يفوح منها الكذب، لكنهم يخادعون الله وهو خادعهم.
ولأن فطرة المصريين نقية فلم تنطلِ عليهم تلك الأكاذيب، ووقفوا وراء دولتهم ومؤسساتهم الوطنية الصادقة بالتأييد فى أصعب الظروف، وتحمّلوا التحديات والصعاب سعياً إلى تحقيق الإنجاز الذى يليق بمقام مصر ومكانتها بين دول العالم والمنطقة بتاريخها ومقامها وأزهرها الشريف وعلمائها والبركة والنور الإلهى الذى اصطفاها الله تعالى به منذ خلق الأرض ومن عليها.
كنت أول المؤمنين أن الإخوان لن يكملوا عاماً واحداً فى مكانهم، فكما أن الحق عليه دلائل فإن الباطل لدى العقلاء معروف، وعندما تتعرض لحادثة من الحوادث غير المنطقية فعليك بقراءة التاريخ وربطه بعلوم الطبائع البشرية وعادات وأخلاق الشعوب، وإذا حققت تلك المقدمات فإن النتائج تصل بك إلى يقين أن شعب مصر معدنه طيب أصيل يأبى التحزب ويرفض التناحر الطائفى.
ولذلك عندما جاء الإخوان بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر من الحقد والغل والبغضاء وتصفية الحسابات وإرهاب المخالفين، كانوا يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يخطر على بال عاقل، أرادوا مصر ولاية إرهاب.
لكن الصالحين من أبنائها أعلنوا النفير العام ضد المستعمرين الذين يتخذون الدين مطية لتغييب العقول، ولأنهم كذبوا على ربهم لذا فإن الله تعالى كشف للناس باطلهم، ولم تمض السنة العجفاء التى تولوا فيها حكم مصر حتى جاء نصر الله والفتح بتلك الثورة المباركة التى قام بها شباب وحمى ظهرهم جيش لا يتأخر عن تلبية نداء شعبه للدفاع عن أرضه ضد الاختطاف الداخلى أو العدوان الخارجى.
منذ جاءت هذه الجماعة المنحرفة إلى الحكم أيقنت أنهم سيصابون بحالة من الفصام فى بداية الأمر، حيث يقولون شيئاً ويفعلون نقيضه تماماً، يحاولون مخادعة الناس بابتسامات صفراء، لكن يجهلون أن صفحات الوجوه كاشفة لبواطن القلوب، لذا فإنهم حرصوا على التمكين لأذنابهم فى جميع المؤسسات، ووقتها تحدث الإعلام عن منهجيتهم فى أخونة الدولة.
وبدأوا فى الإعداد للسيطرة على مفاصل العملية السياسية فى الدولة من خلال إنشاء حزب الحرية والعدالة وتدشين مقرات له بالمراكز والمحافظات، وتحققت لهم الأغلبية الكاسحة فى مجلس النواب، وبدأوا تصفية الحسابات مع الجميع، وأنا من جملة من حاولوا تصفيتهم جسدياً، وكان ذلك يوم جمعة، خير يوم طلعت عليه الشمس، وأثناء توجهى لأداء الصلاة بمسجد فاضل، المجاور لمسكنى.
ورغم أننى أجلس مستمعاً لأحد الأبناء يؤدى خطبة الجمعة، فإننى فى ذلك اليوم حرصت على صعود المنبر لأداء خطبة الجمعة لأعلمهم أننى جندى فى صفوف المصريين الشرفاء الذين لا يخافون فى الحق لومة لائم، وهذه الطباع الإرهابية كشفت للمجتمع مدى تأصل تلك الجماعة وأذنابها فى العنف، وأنهم لا يراعون فى مؤمن إِلَّاً ولا ذمة.
ولا يؤمنون بحرمة الدماء ولا الأعراض، وأذكر أن من جملة الأسباب التى جعلت الشيخ الشعراوى، رضى الله عنه، يعدل عن المضى فى طريقهم بعدما حاول حسن البنا احتواءه، أنه رأى بعينيه عبدالرحمن السندى، مؤسس الجناح العسكرى لجماعة الإخوان، يعتدى على حسن البنا بالدفع حتى كاد أن يسقط نتيجة خلافهما على دعم النحاس باشا أو إسماعيل صدقى فى الانتخابات، ووقتها أذكر كلام الشيخ الشعراوى بأنه علم أن تلك الجماعة هدفها الحكم وليس الدعوة، وأنهم لا علاقة لهم بالإسلام من قريب أو بعيد.
الحق دائماً تتم محاربته، ومن قرأ التاريخ جيداً يعلم أن دعوات الحق واجهها أهل الباطل بكل ما يستطيعون إليه سبيلاً من تكذيب وافتراءات حتى وصلت إلى الدماء، وحينما نطالع السيرة النبوية نجد عجباً عجاباً من اتهامات وتشنيع على خير خلق الله تعالى، وحينما لم يجدوا سبيلاً فى صده عن الدعوة التى يحملها ويؤمن بها قرروا التخلُّص منه صلى الله عليه وسلم.
واتفقوا على ضربه ضربة رجل واحد حتى يتفرق دمه بين القبائل، لكنهم جهلوا حقيقة «والله يعصمك من الناس»، وهذه العصمة الإلهية ثابتة فى حق أصحاب الدعاوى وحاملى مشاعل التنوير، وهذا لا ينفى أن هناك من دفعوا أرواحهم ثمناً، والتاريخ القديم والحديث ملىء بأمثال تلك النماذج، أبرزهم فى تاريخنا الحديث فضيلة الشيخ محمد حسين الذهبى حينما واجه جماعة التكفير بالفكر.
لكن الفكر يزعجهم لأن بضاعتهم كاسدة قليلة لا تتفق مع العقل المستقيم ولا الفطرة السوية، لذلك قرروا الهجوم على بيته ليلاً واختطافه وسط أبنائه، وتصفيته جسدياً، والعجيب فى تلك الحادثة أنهم بعدما اختطفوا الشهيد الذهبى طالبوا بعدة مطالب مثل الإفراج عن أتباعهم والحصول على مبلغ مالى قدروه وقتها بنحو 200 ألف جنيه، لكن الغريب مطالبتهم أن تقوم الصحافة المصرية بتجميل صورتهم ونشر كتاب شكرى مصطفى «الخلافة» على حلقات.
وعندما لم تتم الاستجابة لمطالبهم قتلوه قاتلهم الله أنى يؤفكون، لذلك فإن سُنة الله ماضية بأن الحق يحاربه أهل الباطل، وسنظل نحاربهم لنحمى شبابنا وبلادنا ونحمى الناس أجمعين من شرهم، حتى نلقى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونُبلغه بأننا أدينا الأمانة التى حَمَّلنا إياها كاملة غير منقوصة.
هنا يجب التوقف عند نقطة محددة دفاعاً عن الإعلام، حيث تعرض الإعلام والإعلاميون لهجمة إخوانية شرسة نالت منهم ومن شرف مهنتهم، وقد دفع بعض الإعلاميين حياتهم فى ثورة الـ30 من يونيو مثل الحسينى أبوضيف والصحفية ميادة أشرف، وقد حاول وقتها الإخوان وأذنابهم أن يلصقوا التهمة بالثائرين عليهم رغبة فى تغيير دفة الريح، لكن تاريخهم الملىء بالدماء فضح كذبتهم، وكانت دماء هذين الإعلاميين بمثابة الوقود الحقيقى لثورة الـ30 من يونيو.
وأذكر أن الإخوان كانوا يتطاولون فى مهاجمة الإعلاميين بأوصاف نابية، ولأنهم يؤمنون بمبدأ: من ليس معنا فإنه علينا، لذا فإنهم يجهلون مفهوم رسالة الإعلام، فرسالة الإعلام كاشفة وليست منشئة، بمعنى أن الإعلام حينما يتعرض لوضع معين فإنه لا يختلقه وفق أسس الإعلام الصحيحة، وكما يصف الإعلاميون حقيقة منهج الرسالة الإعلامية بأنهم مرآة عاكسة لما تراه من جمال أو قبح.
وأن هذه الصورة التى تبدو فى مرآة الإعلام يفترض أنها بمثابة نقل الواقع بتفاصيله دون إضافات مدعومة بالغرض أو الهوى، وهذا ما حدث بالفعل فى وسائل الإعلام المصرية المقروءة والمسموعة والمرئية، فإذا كانوا يحاولون تكذيب الصحف والمواقع الإلكترونية بدعاوى الاختلاق، رغم أنهم فى دعواهم كاذبون، لكن دعنا نفترض جدلاً صدق دعواهم، فهل الاختلاق أيضاً فى اللقاءات التليفزيونية الموثقة بالصوت والصورة والحركة؟!
لذلك فإن الإعلام المصرى كان بمثابة الوقود الذى يُحرك المشاعر ويفتح بصائر المصريين على الواقع المأساوى الأليم الذى يلقونه حال استمرار تلك الجماعة فى حكمهم
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: ثورة 30 يونيو الله تعالى
إقرأ أيضاً:
إسحق أحمد فضل الله يكتب: (كلام للغد)
وليس الأدب / ليست هذه أيام الأدب / الفكر البحت،
الفكر الذي نصنع به الكسرة والملاح…
وبحثًا عن هذا ننظر من شقوق أبواب أهل الفكر…
وما نجده هو:
(أمي قالت لي:
دققِي وخَتِّي
لامِن أبوك يجي)
ورفض…
(قلت ليها: لا..)
وهو حوار إذن، لكن
(حوار) كلمة تعني وجود ذاتين منفصلتين،
لكن حوار النفس والعقل عند أهلنا المفكرين هو:
المنقة (المانجو) الحامضة، أكلها قبل أن تنضج، يصنع السكر الثقيل.
وأهل الفكر عندنا أكلوا منقة الإسلام حامضة، فكان أن تخبط السوداني ـ العامي والمثقف ـ تخبطًا خطيرًا.
والخطير فيه هو أن صاحبه لا يخطر له أنه سكران،
والفرق بين العامي والمفكر هو أن الأخير يكتب ويقود،
والمفكر هذا، بسكرته هذه وتأمله هذا، له مشهد صاحبك عنترة في سكرته وتأمله، ورسمه صورة مدهشة للسكران الذي يغوص…
وعنترة حين يصف الذباب في الظهيرة الصامتة ويقول عن الذباب:
(هزِجًا يحك ذراعه بذراعه
فعل المُكِبِّ على الزناد الأجزم)
عنترة بالبيت هذا يرسم صورته هو، وليس الذبابة.
…
وقلنا إن الأمر كله هو حوار… حوار العقل والنفس…
وكل مفكر يقول ثم يطلب الموافقة:
(لموا لي فقرا
لو في قعر شَدْرَة
لو بي لبن بقرا)
النفس تجيب العقل بالجواب هذا،
ولعلنا نوافق، ثم نسمع المسألة.
……
(حوارات مع أيقونات سودانية) كتاب لمعاوية جمال الدين،
والكتاب يحاور عبد الله الطيب… المجذوب… الطيب صالح… علي المك و…
وفي الحوار نجد صورة دقيقة لما تفعله المنقة الحامضة بأهلها،
فالقوم، عقولهم المتسعة، كرعت من ثقافة الغرب حتى تجشأت… مع هبشة خفيفة للإسلام.
والصورة تصبح هي:
صورة البحارة فوق أسوار مدينة النحاس في ألف ليلة وليلة (وهناك، البحارة يجدون مدينة مذهلة وسط البحر… ويطلون من الأسوار ويجدون أروع الحوريات وهن يدعونهم، والبحار يقفز من فوق السور ليجد نفسه غريقًا في أعماق البحر).
ومثقفونا في الحوار يتكشفون عن… عقول وُلدت مسلمة… إسلام مشوَّه، عاجز، منفر… ويجدون أنهم شربوا ثقافة غربية واسعة ومعادية تمامًا للإسلام.
والرجال هؤلاء ينشبحون بين الإسلام الذي يجهلونه (ويريدونه) وبين الغرب المذهل و…
والحوارات تعجبنا وتخيفنا،
تخيفنا لأنها تعني أننا سوف نكرر للمرة المائة كل الأخطاء التي تفعل بنا ما تفعل منذ سبعين سنة.
…….
وكامل يصنع حكومته الآن،
وسوف يجد من السادة ومن غيرهم حُوبًا كبيرًا، ورفضًا،
ومقبول، لكن
الرجلين من قبيلة (أ) و(ب) حين يقتتلان، يُلقي الأول بالثاني أرضًا ويجثم فوقه… يخنقه،
والآخر، المخنوق، يقول لهذا:
“آآ… زول… الشكل عرفناه… الموت فوق شنو؟”
و. حاشية
والحديث أعلاه، إن هو تخبّط بنا في تلافيف الفهم، نرضى منه بأن نقول إننا… نقبل.
ونطلب صناعة حكومة تحت الحرب، حتى لا تأكلنا الحرب.
ونقبل، ونطلب مشاركة ومعارضة تصبح هي الخلايا الحمراء في الدم… تمنع الخراب.
ويبقى أننا نكتب هذا، ونُفاجأ بأنهم يصنعون الآن شيئًا كأنه انشقاق يُطرشق الحكومة الجديدة،
ويزعمون أن جبريل ومناوي وغيرهم، كلٌّ منهم يُجاذب لتكبير كومه في السلطة… بأسلوب: هذا أو لا…!!
وكأننا نُكرّر اللعنة التي تتبعنا منذ سبعين سنة.
ونشرح… ولا حول ولا قوة إلا بالله
إسحق أحمد فضل الله
الوان