«اتعلم في مطبخ أمه».. أحلام الشيف الصغير محمد ملك الكبدة في شوارع بحري
تاريخ النشر: 10th, July 2024 GMT
عربة صغيرة من 3 عجلات، تخرج منها رائحة «الكبدة والسجق»، وأمامها سيدة تقف ممسكة بأداة معدنية لطهي الطعام، وبجانبها عدد قليل من الكراسي التي يجلس عليها الزبائن منتظرين الطعام، بينما يحمل طفلا يدعى محمد سامي، يبلغ من العمر 11عامًا، طبقا مليئا بـ«الساندوتشات»، مرتديا ملابس «الشيف»، مطلقا ابتسامته البريئة نحو زبائنه.
في أحد شوارع منطقة المنشية بمحافظة الإسكندرية، وتحديدا عند الساعة 3 عصرا، تستعد «هيام» ونجلها «محمد» لبدأ يومهما بالعمل، ويكمن دور الأم في الوقوف أمام النيران وطهي الطعام، بينما يوصل الطفل الطلبات إلى الزبائن، بالإضافة إلى صناعة السندوتشات البسيطة مثل الجبن والبطاطس.
لكن قبل بداية العمل على العربة، وعند الساعة الثامنة صباحا، تستيقظ الأم هيام أحمد، وابنها الوحيد «محمد»، ليتناولا معا وجبة الإفطار، قبل أن يهم الصغير بالنزول إلى السوق، لشراء بعض الخضروات التي تستخدم في طهي الطعام الخاص بمشروعهما.
هيام: عاوزة ابني يعتمد على نفسه«عاوزاه يعتمد على نفسه لأننا مالناش غير بعض، محمد ابني الوحيد بعد ما انفصلت عن والده من 10 سنوات، علشان كده بشغله معايا وأحاول أعلمه حاجات كتير، وببعده عن أي حاجة ليها علاقة بالنار علشان خايفة عليه»، بتلك الكلمات شرحت «هيام» لـ«الوطن»، سبب وقوف نجلها بجانبها على العربة، مؤكدة أنه انتهى منذ عدة أشهر من الصف الرابع الابتدائي.
معاناة الأم مع مرض السكر وجدعنة الطفلتروي «هيام» الحاصة على بكالوريوس التربية الرياضية، أنها تعاني من مرض السكر، وفي أحد الأيام سقطت مغشيا عليها بالبيت، فوجدت نجلها يساعدها على النهوض، وأحضر إليها كوبا من عصير الليمون، مضيفة: «لما تعبت بقى محمد يقف جنبي، لأنه اتعلم يعمل حاجات كتير بنفسه، ورغم الشغل إلا أنه بيتمرن كرة قدم، ويومنا ينتهي الساعة 10 بالليل».
أحلام «محمد» خرجت من نشأته، فجميع أطفال تلك المرحلة العمرية، يرغبون في الالتحاق بما يسمى بكليات القمة، والعمل بالوظائف المرموقة، لكن حلم الطفل الصغير كان امتلاك «كرفان» طعام.
وبحسب ما قاله لـ«الوطن»: «نفسي لما أكبر أكون شيف كبير وعندي كرفان أكل، لأني بحب الطبيخ جدا وبحاول أتعلم حاجات كتير فيه».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: طفل عربة عربة طعام الإسكندرية
إقرأ أيضاً:
أحلام الهجرة الغير شرعية تتحطم على باب القنصلية المصرية بلندن
تتكرّر مآسي الهجرة غير الشرعية يومًا بعد آخر، حيث تنتهي أحلام آلاف الشباب بمصائر مأساوية، بين غرق في عرض البحر، أو ضياع في المنافي الأوروبية، أو تشرّد إنساني ونفسي.
قصة اليوم تسلط الضوء على أحد هؤلاء الشباب، الذي انتهت به رحلة الهروب من الفقر على أعتاب القنصلية المصرية في لندن، منهكًا ومجردًا من أوراقه وهويته، يتوسل العودة إلى وطنه.
بداية القصة
بدأت فصول المعاناة حين قرر الشاب المصري محمد حسن، من محافظة البحيرة، خوض مغامرة الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط، انطلاقًا من السواحل الليبية.
وبعد أن دفع مبالغ طائلة للمهربين، استقل قاربًا مكتظًا بالمهاجرين في رحلة محفوفة بالمخاطر، واجه خلالها أمواجًا عاتية، قبل أن تنقلب المأساة إلى واقع، ويغرق القارب وسط البحر.
لكن محمد نجا من الموت بأعجوبة، بعدما التقطه قارب نجاة وتم نقله إلى السواحل الإيطالية، لتبدأ رحلة جديدة لا تقل صعوبة عن سابقتها.
من النجاة إلى المعاناة
لم تكن النجاة من الغرق نهاية الحكاية، بل كانت بداية رحلة قاسية بين الدول الأوروبية. فبعد وصوله إلى إيطاليا، توجه إلى فرنسا، ومنها إلى بريطانيا، باحثًا عن فرصة لحياة كريمة، ليصطدم بواقع مختلف تمامًا، حيث قضى الشاب المصري عامًا كاملًا في ظروف إنسانية قاسية، تنقّل خلالها بين أعمال شاقة لا توفر له أي حماية قانونية، وعاش في مساكن غير صالحة للآدمية، بلا استقرار ولا أمل واضح في الأفق، قبل أن تستقر به الرحلة أخيرًا في لندن، حيث لا تزال الحياة تضعه أمام تحديات يومية.
اعتقال وتشرد في شوارع بريطانيا
في بريطانيا، لم يحالفه الحظ، وتعرّض لمشكلات قانونية مع الشرطة، انتهت بسجنه، لكن بعد خروجه من السجن، كان قد فقد جزءًا من اتزانه النفسي، وظلّ مشردًا بين الحدائق والشوارع، بلا أوراق ثبوتية، ولا مأوى، ولا حتى طعام.
وفي لحظة انكسار ويأس، توجه إلى مقر القنصلية المصرية في لندن، يتوسل طالبًا العودة إلى مصر، لكنه لم يكن يحمل ما يثبت هويته، ولا يملك المال الكافي لتغطية تكلفة العودة.
تحرك إنساني من الجالية والقنصلية المصرية
وعلى الفور، تحرّك أعضاء بارزون من الجالية المصرية من بينهم جلال دردير ومحمود طه، لمساعدة الشاب، رغم حالته النفسية غير المستقرة، كما جرى التنسيق مع القنصلية المصرية لاستخراج وثيقة سفر بديلة، في ظل عدم امتلاكه أي مستند رسمي.
وبجهود كبيرة، تولّت السفيرة جوانا نجم الدين، قنصل مصر في لندن، مسؤولية إصدار الوثيقة، كما ساهم بيت العائلة المصرية في لندن بتوفير إقامة مؤقتة للشاب، وتذكرة سفر إلى القاهرة، حتى تكتمل إجراءات عودته.
دعوة للتفكير
بدوره، نصح مصطفى رجب، أحد أبرز وجوه الجالية المصرية في لندن ومدير بيت العائلة المصرية، الشباب قائلًا: “ننشر هذه القصص الواقعية كي يتّعظ شبابنا. فالمبالغ الطائلة التي تُنفق على الهجرة غير الشرعية، يمكن أن تكون نواة لمشروعات صغيرة داخل مصر، بدلًا من مراكب الموت ومآسي الغربة والتيه.”
قصة هذا الشاب ليست سوى مرآة تعكس وجعًا صامتًا يتكرر، بصور مختلفة، في حكايات لا تُروى، فالهروب من الوطن لا يُنبت أملًا، والطريق غير الشرعي لا يقود إلا إلى متاهات الألم.
ومع ذلك، تظل الإنسانية قادرة على أن تضيء العتمة، فالدعم الذي وجده من أبناء وطنه في لندن، كان طوق نجاة يثبت أن الانتماء لا يسقط بالتقادم، وأن العودة ممكنة.