مستشار شيخ الأزهر: بين العِلم والتَّواضُع .. الإمام الطيِّب قلبٌ يَنبِضُ بحُبِّ القرآن
تاريخ النشر: 11th, July 2024 GMT
«لا تزال أقصى أمانيَّ حتى اليوم أن أتركَ مكاني في كُرسِيِّ المشيخة، وأجلسَ على الحَصِير لأُحفِّظَ الأولادَ والنَّشءَ كتابَ الله».
قالت الأستاذة الدكتورة نهلة الصعيدي مستشار شيخ الأزهر لشؤون الوافدين بهذه الكلمات البسيطة في ألفاظها، العميقة تمامَ العُمق في معانيها، أبدى سيِّدي الإمامُ الطيِّب، شيخُ الأزهر الشَّريف حفظه الله ورعاه في مؤتمرٍ جامعٍ تراه الدُّنيا كلُّها أعظمَ رغباته في هذه الحياة، إنها حقًّا كلماتٌ تعكسُ نقاءَ القلب وصفاءَ النِّية، وتُنقلُنا إلى جوهر شخصية هذا العالِم الربَّانيِّ الجليل، المتواضِع في سُموِّه، والسَّامي في تواضُعه.
انعكاسٌ صادقٌ لعُمقِ حُبِّه للقرآن الكريم
ولفتت مستشار شيخ الأزهر الى أنَّ هذه الأمنية التي عبَّر عنها الإمامُ الطيِّب ليست مجرَّد كلماتٍ لاستثارة الجماهير، بل هي انعكاسٌ صادقٌ لعُمقِ حُبِّه للقرآن الكريم وإخلاصِه له؛ ففي الوقت الذي يتلهَّف فيه الكثيرون على المناصب العالية والألقاب الرفيعة نجد الإمامَ الطيِّب وهو في زَهْوة المَنصِب وعِظَم القَدْر وسُموِّ المنزلة، وهو ذلك الرجلُ العظيمُ الذي ينحني له الأمراء، ويُجلُّه الحكَّام والزعماء، ويُبجِّله السلاطين وكبارُ السَّاسة، نجده يتطلَّع إلى العودة إلى جذوره الأولى، إلى اللحظة التي يجلس فيها مع الأطفال والشباب يُعلِّمهم كلامَ الله ويُربِّيهم على حُبِّ القرآن.
تابعت مستشار شيخ الأزهر قد جسَّد الإمامُ الطيِّب بتلك الكلمات الرَّقيقة والمليئة بالصِّدق والإيمان درسًا بليغًا في التواضُع ونُكران الذَّات، ما دام الحديثُ مُتعلَّقُه أعظمُ كلام نزل على أعظم نبيّ، إنها لحظة تأمُّل تدعونا جميعًا لنقفَ ونفكرَ في قِيَمِنا وأهدافنا، لنتعلَّمَ كيف نُحبُّ كتابَ الله، ليس فقط بحفظه، بل بالعيش على نَهْجِه والسَّير على هُداه.
اضافت لقد أبرز الإمامُ الطيِّب، من خلال هذه الأمنية الصَّادقة، المعنى الحقيقيَّ للقيادة الدِّينية، فهي ليست في الزَّخارف والمظاهر، بل في الصِّدق والتواضُع والعمل الدَّؤوب لنشر العلم وخدمة كتاب الله.
أشارت مستشار شيخ الأزهر الى إن رغبتَه في العودة لتحفيظ القرآن الكريم تُجسِّد رُوحَ العالِم الربَّانيِّ الذي يعيش لإيصال رسالة الله إلى القلوب والعقول معًا.
أضافت إن حُبَّ الإمام الطيِّب للقرآن الكريم وتواضُعَه الجمَّ هما ما يجعلان منه تلك الشخصية المتميزة في عصرنا هذا، فهو بهذه الأخلاق يبني جسورًا بين العلم والدِّين، بين القيم الإنسانية وتعاليم الإسلام السَّمحة، ليظل الإمامُ الطيِّبُ رمزًا للوسطية والاعتدال، وصوتًا للعقل والحكمة في زمن التحديات.
تابعت ولأنَّنا يا فضيلة الإمام قد استشعرنا منك هذه النِّيةَ الصَّادقةَ مُذْ لَقِيناك، وشرَّفنا الله بالعمل بالقُربِ منك وفي حضرتك، قبل أن تقولَها بلسانك وتَنطقَها شَفَتَاك، قد هدانا الله وألهمنا في مركز تطوير الوافدين أن نؤسِّس مدرسةً تحمل اسمَكم وتتعطَّر برسمكم (مدرسة الإمام الطيِّب لتحفيظ القرآن الكريم)، تقوم هذه المدرسة بالعمل على تحفيظ كتاب الله وتدبُّر معانيه، ومِنْ رَحِمها تخرج المسابقات التي تُشجِّع وتُحفِّز على حفظ القرآن الكريم ومُدارسَة معانيه.
بارك الله فيكم أيُّها الإمامُ الطيِّب، ونوَّر بصيرتَكم بالقرآن، وجعلنا جميعًا من العاملين على خدمة كتابه وتعالِيمِه، لنَسِيرَ في دَربِ الحقِّ والعدلِ والسلام.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأزهر مستشار شيخ الأزهر الإمام الأكبر الإمام الطيب مستشار شیخ الأزهر
إقرأ أيضاً:
في ذكرى رحيله.. أول من حمل لقب الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت
تحل في الثالث عشر من ديسمبر ذكرى وفاة أحد أعلام الفكر الإسلامي والتجديد الديني في العصر الحديث، الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر الشريف الأسبق، وأول من حمل لقب الإمام الأكبر، والذي ترك بصمة فكرية عميقة في مسيرة الأزهر، وأسهم إسهامات غير مسبوقة في تطوير الخطاب الديني، وترسيخ منهج الوسطية، والتقريب بين المذاهب الإسلامية.
وُلد الشيخ محمود شلتوت بمحافظة البحيرة عام 1893م، في زمن شهد ميلاد عدد كبير من رواد الإصلاح الديني والفكري، ونشأ في بيئة علمية جعلته يتجه مبكرًا إلى طلب العلم الشرعي، حتى أصبح أحد أبرز علماء الأزهر الشريف في القرن العشرين.
رحل الشيخ شلتوت عن عالمنا عام 1963م عن عمر ناهز السبعين عامًا، بعد رحلة علمية وفكرية حافلة بالعطاء، شغل خلالها مناصب علمية رفيعة، أبرزها مشيخة الأزهر الشريف، وكان نموذجًا للعالم المجدد الذي جمع بين أصالة التراث ووعي العصر.
لم يقتصر دور الشيخ محمود شلتوت على الساحة المحلية، بل امتد إلى المحافل العلمية الدولية، حيث اختير عضوًا في الوفد الذي شارك في مؤتمر “لاهاي” للقانون الدولي المقارن عام 1937م، وقدم خلاله بحثًا علميًا مهمًا بعنوان: «المسؤولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية».
نال البحث استحسان المشاركين في المؤتمر، وأكدوا من خلاله صلاحية الشريعة الإسلامية للتطور ومواكبة العصر، واعتبارها مصدرًا أصيلًا من مصادر التشريع الحديث، لا تابعًا ولا مقتبسًا من القوانين الوضعية، وهو ما مثّل آنذاك شهادة دولية مهمة في زمن كانت تعاني فيه الأمة الإسلامية من الاستعمار والتشكيك في تراثها التشريعي.
يُنسب إلى الشيخ محمود شلتوت عدد من الأفكار التنويرية الجريئة، حيث كان من أوائل من نادوا بضرورة إنشاء مكتب علمي متخصص للرد على الشبهات المثارة حول الإسلام، وتنقية كتب التراث من البدع والخلط، وهي الدعوة التي مهدت لاحقًا لإنشاء مجمع البحوث الإسلامية.
كما دعا إلى تجديد الفقه الإسلامي من داخل أصوله، دون قطيعة مع التراث، مؤكدًا أن التجديد لا يعني الهدم، وإنما الفهم العميق للنصوص في ضوء مقاصد الشريعة ومتغيرات الواقع.
في عام 1958م، صدر قرار تعيين الشيخ محمود شلتوت شيخًا للأزهر الشريف، ليصبح أول من حمل رسميًا لقب الإمام الأكبر. وخلال فترة توليه المشيخة، بذل جهودًا كبيرة للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وكان مؤمنًا بأن الخلاف المذهبي لا ينبغي أن يكون سببًا للفرقة أو الصراع.
كما أدخل لأول مرة دراسة المذاهب الإسلامية المختلفة في مناهج الأزهر، سعيًا لترسيخ ثقافة التعدد وقبول الآخر، والعمل على وحدة الصف الإسلامي.
شهد عهد الشيخ شلتوت صدور قانون إصلاح الأزهر الشريف عام 1961م، وهو من أهم القوانين المنظمة للأزهر في العصر الحديث، حيث توسعت الدراسة الأزهرية لتشمل العلوم الحديثة إلى جانب العلوم الشرعية، ولم تعد مقتصرة على التعليم الديني فقط.
كما أُنشئت في عهده كليات جديدة، وارتفعت مكانة الأزهر العلمية عالميًا، وتعزز دور شيخ الأزهر كرمز ديني وفكري له ثقله في العالم الإسلامي.
خلّف الإمام الأكبر محمود شلتوت تراثًا علميًا غنيًا، من أبرز مؤلفاته:
فقه القرآن والسنة
مقارنة المذاهب
القرآن والقتال
يسألونك (مجموعة فتاوى)
منهج القرآن في بناء المجتمع
القرآن والمرأة
تنظيم العلاقات الدولية في الإسلام
وقد تُرجمت العديد من مؤلفاته إلى لغات مختلفة، ما أسهم في نقل صورة الإسلام المعتدل إلى العالم.