بين الحارات العمانية القديمة وبين عتبات مداخلها، تسطع مقاهٍ تعج بتجمعات الناس، في انتظار تذوق وتجربة ما تقدمه تلك المقاهي من قهوة وأكلات، ومن جلسات جميلة مطلة على واجهة البلدة أو منظر طبيعي خلاب. وقد أبدع الشباب في التفرد وإضافة قيمة لتلك الحارات واستثمارها بطريقة مبتكرة وإبداعية، لتكون واجهة سياحية تعيد ألق الحياة للمكان.

سلطت "عُمان" الضوء على تجارب أصحاب المطاعم والمقاهي الذين أسسوا علامة تجارية لهم في تلك الحارات، وكيف أسهمت هذه المقاهي في زيادة الإقبال على زيارة تلك الأماكن السياحية.

يقول في البداية يوسف بن زهران الذهلي، شريك ومؤسس مشروع "فلج كافية" في حارة العين بقرية إمطي بولاية إزكي: "إن المقاهي هي فضاء للترويح عن النفس والهروب من ضغوطات الحياة". أما عن التجارب الفريدة التي يمكن أن تقدمها المقاهي الموجودة في وسط الحارات القديمة العمانية، فتخيل نفسك تحتسي قهوتك وسط أجواء الطبيعة العمانية التي تمتاز بالهدوء، ومن حولك الآثار العمانية، فهذا بحد ذاته يُكسبك راحة ومعرفة في آن واحد، وتُعد تجربة مميزة من نوعها، كما أن المقاهي تعد عامل جذب لمرتاديها مما يسهم في تعزيز السياحة داخل الحارات القديمة والتعرف عليها، مضيفا: إن للمقاهي دورًا بارزًا ومهمًا في عملية الجذب السياحي بحيث تتمثل في تقديم خدمة متميزة، وتقديم القهوة المختصة بشتى أنواعها أو خدمات أخرى بشكل ملفت ومميز كما أن التصميم الداخلي للمقهى يسهم بشكل أو بآخر في جذب السياح.

وحول الإبداع في تقديم تجارب جاذبة أجاب، في الوقت الراهن بدأ التنافس بين أصحاب المقاهي لخلق تجارب ممتعة لزوارها من خلال التنوع في تقديم المشروبات والخاصة وإضافة لمسات خاصة مستوحاة من المكان وقد تكون مبتكرة أحيانًا، وإقامة العديد من الفعاليات في مختلف المناسبات.

ويقول سعود بن سالم الفرقاني صاحب "مقيل كافيه" والذي يقع وسط حارة العقر في ولاية نزوى: إن موقع المقهى في حارة عمانية قديمة جدًا وأنت تشم رائحة الطين وتتلمس عبق الماضي وحضارة عريقة كانت هنا، ومن خلال المحافظة على كل تفاصيل العمارة العمانية في تصميم المقهى وأثاثه والعاملون به يوحي للزائر وبأنه في تجربة فريدة لم يجدها إلا في المقهى، كما أن عدم تغيير نمط البناء القديم والمحافظة عليه قدر الإمكان بحد ذاته يسهم في جذب السياح وزيادة الإقبال على زيارة تلك الأماكن. وحول العوامل التي تجذب السياح للمقهى أفاد الفرقاني، أنه كلما امتزج قدم المبنى والموقع بجمال الإخراج وأسلوب تقديم الطعام ورقي وابتسامة العمال كلما كانت تجربة السائح فريدة وممتعة. وعن دور المؤسسات الحكومية أوضح سعود أنها تمثلت في عملية تسهيل استخراج التصاريح لمثل هذه المنازل السكنية المبنية من الطين.

وعن أبرز التحديات قال: إن التكلفة العالية لإنشاء مقهى داخل الحارات ليس بالأمر الهين ويتطلب تصميمًا هندسيًا ودراسة مكثفة، كما أن كثرة التردد إلى المقاهي في الإجازات وقلة التردد في باقي أيام الأسبوع يعد تحديًا. وعن تطوير قطاع السياحة والتجارب الغذائية العمانية أفاد أن نشر هذه الثقافة في كل الحارات العمانية متاح ومفتوح، فالمقاهي والنزل في الحارات العمانية تسهم في رفد الاقتصاد من خلال توفير السياحة التراثية بطعم عماني خالص وهو ما يبحث عنه السائح المحلي والأجنبي.

تتحدث جنات الكندية محضرة قهوة في "قهوة القلعة": تتميز المطاعم والمقاهي في عمّان بتقديم مجموعة متنوعة من التجارب الفريدة، ففي قهوة القلعة نختص بتقديم مشروبات ووجبات تعكس الطابع العُماني الحضاري والضيافة العُمانية لنشارك مع السياح طابع الكرم العُماني في مواقع أثرية جاذبة والتركيز على الأجواء التقليدية المستوحاة من التراث، مشيرة إلى دورها في تعزيز السياحة حيث تُعد الأكلات الشعبية والمشروبات الخاصة من أهم التجارب للسياح، فهي من العوامل الجاذبة للسياحة، بالإضافة إلى الترويج على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يشارك الزوار تجاربهم مما يسهم في الإقبال على المواقع السياحية، علاوة على أنها تضيف تجربة مميزة وتروج لعُمان، ففي قلعة مطرح وقلعة الميراني وقلعة نخل، قهوة القلعة التي تتناغم مع جمال المعمار القديم وإطلالات فريدة وأجواء أصيلة.

وحول دور المؤسسات الحكومية في دعم مثل هذه المبادرات أفادت، تلعب المؤسسات الحكومية دورًا كبيرًا من خلال الدعم المالي والفني للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتقديم دورات مفيدة لتطوير وترويج المشاريع، موضحة أن المقهى يقوم بإضافة بعض الطرق المبتكرة لتقديم تجارب جديدة مثل تنظيم فعاليات وأنشطة متنوعة قد يهتم بها السائحون، وتطوير قائمة الطعام وإضافة مشروبات أو مأكولات جديدة، والتعاون مع الأفراد لتقديم مختلف الخدمات التي تتناسب مع تجربة المطعم أو المقهى واحتياجات الزوار.

وحول التوجهات المستقبلية لتطوير قطاع السياحة الغذائية والتجارب الثقافية في عُمان، أشارت إلى أن هناك توجهًا كبيرًا لاستثمار القطاع الغذائي في السياحة، وبالأخص في المواقع السياحية الثرية بالزائرين، كونها تقدم خدماتها الغذائية المتنوعة التي يحتاجها كل زائر ليكتمل نجاح المكان السياحي من جميع النواحي، ولقد بدأ قطاع الغذاء وبالأخص الوجبات العمانية التقليدية والمشروبات المتنوعة بما في ذلك القهوة ومشتقاتها، ينمو كثيرًا في الآونة الأخيرة، كون المواقع السياحية والأثرية المستثمرة، كالقلاع والحارات العمانية القديمة في تزايد.

وحول آلية قياس تأثير هذه المقاهي في قطاع السياحة والاقتصاد المحلي، أفادت أنه يتم من خلال جمع آراء الزبائن وتقييم تجاربهم والاستطلاع ومتابعة إحصاءات الزوار والمبيعات، ومراقبة نشاط التواصل الاجتماعي.

أما جمعة بن أحمد الشحي مستثمر حصن الخابورة في محافظة شمال الباطنة وصاحب مقهى "كوفي حصن الخابورة" فيقول: كان ميولي منذ الصغر في التراث وإحياء المناسبات الشعبية والموروثات البحرية، وكانت الفكرة موجودة لدي قبل 10 سنوات، وتم طرحها للمختصين لاستثمار الحصون، وبالنسبة لحصن الخابورة فقد بذلت جهدًا كبيرًا لاستثماره لكون المنطقة نائية والحصن كان متهالكًا جدًا، وتم تجهيز المكان وتطويره وإنشاء مكتبة تضم مختلف أنواع الكتب، وثلاثة متاحف وهي متحف البرج ومتحف البرزة ومتحف المجلس كما تحتوي الغرف على مقتنيات قديمة تعود لآلاف السنين، ويقدم "كوفي حصن الخابورة" القهوة الساخنة والباردة والحلويات كما يقدم فيه المأكولات العمانية والعربية والإيطالية وقد لاقى الحصن إقبالًا كبيرًا من الناس والزوار وتم الترويج للمكان من أصحاب مشاهير التواصل الاجتماعي، وتم تسويق المكان بإقامة حفلات كل نهاية أسبوع، مما أسهم في زيادة الحركة السياحية للمنطقة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المقاهی فی ا کبیر ا من خلال کما أن

إقرأ أيضاً:

تحدّثت السمراء.. حين سألها أحدهم: كيف حالكِ يا قهوة؟

طوال قرونٍ خلت… كانوا هم من يتحدثون عني، يُشيدون بي، يشربونني في حزنهم وفرحهم…

لكن، هل خطر ببال أحدهم… أن يسألني: كيف حالكِ يا قهوة؟

أنا لستُ مجرد مشروب يُرتشف وينسى…
أنا حكاية تُسكب في كل فنجان،
وصمتٌ ثقيل أثقلته الأسرار.

أنا لستُ سكونًا يُحتسى،
ولا رفيقة تُستأنس بها عند الحاجة.
أنا التي تحترق كي تبعث فيكم دفئًا،
أنا التي ما نطقت يومًا… لكني كنتُ أُصغي إليكم جميعًا.

كنتُ هناك…
في أول اعترافٍ مرتجف،
وفي آخر وداعٍ لم يُقال.
سمعتكم تنادون الغائبين باسمي،
وترتقون شقوق قلوبكم برشفتي.

لم أكن يومًا “قهوة” فقط،
كنتُ الصمت الذي يحتمل،
والرائحة التي تعود كلما فرّ منكم الحنين.

وكلّما اقترب الليل من نوافذكم،
وهمست الوحدة بأسمائكم…
هرعتم إليّ، لا حبًا بي، بل خوفًا منكم.

تشربونني مرّة…
ثم تلومون مرارتي!
أنسيتم أنني ثمرة احتراق؟
وأن في كل رشفةٍ مني،
شيئًا من تعب الحصّادين،
وكثيرًا من لامبالاة الجالسين؟

“تغنّى بي الشعراء… فهل سمعني أحد؟”

كم شاعرٍ جرّ قلمه إليّ،
وقال إنني “سُكر الليالي” و”دفء المنازل”،
كتبوا عني كأنني عشيقة،
وأنا، في الحقيقة… كنتُ أرملة الكلمات،
لا يذكرني أحد إلا حين تفقد الحروف لونها.

قال أحدهم ذات مساء:

“قهوتي أنتِ… وسرّ التنهيدة،
وفجري الذي لا تملّه عيوني.”

تبسّمتُ حينها، لا لأنني فرحت،
بل لأنني عرفت أنني مجرد فاصلٍ بينه وبين وحدته…
ونغمةٌ عابرة في لحظة حنين.

وقال آخر:

“وفي فنجانها المسكوب ظلّي،
وكلّ مواجعي في قاعها.”

فهل رآني؟
هل شعر بمرارة الأعماق فيّ؟
أم فقط أسقطني في قاع بيته…
كما أسقط روحه في الحياة؟

أنا لا أغضب من الشعراء،
هم أصدق من غيرهم،
لكنهم لا يسألونني أيضًا:
“هل تتعبين من كونك مرآةً لا تُرى؟”

قالت لي بصوتٍ يشبه هدأة الفجر:
– إلى متى سأظلّ أحتملك؟
كل مساءٍ تأتي مثقلًا، وتُفرغ قلبك في جوفي،
كأنني حفرة اعتراف، لا يفصل بينك وبينها سوى البخار.

تتنفّسني شوقًا،
وتسقيني كلماتٍ متعبة،
ثم تتركني وحيدةً على الطاولة،
باردة ككلماتك الأخيرة.

أتعلم؟
أنا لا أحبّ الحزن،
لكنكم علّقتم اسمي به،
كأنني خُلقتُ لأُحتسى حين تنكسرون فقط.

فقلتُ لها، وأنا أضمّ الكوب براحة كفّي كمن يحتضن صديقًا يعرف كل شيء:

– بل أنتِ السرّ الذي لا يُقال،
والظلّ الذي لا يغيب،
أنتِ الرفيقة التي لم تخذلني،
والصوت الوحيد الذي بقي حين خفتت الأصوات.

أتدرين لماذا أعود إليكِ؟
لأنكِ لا تسألينني عمّا يؤلمني،
ولا تفضحين ما أخفيه.

كنتِ دائمًا كأنكِ تقولين:

“أفرغ ما شئتَ من الحزن…
فأنا لا أشي، ولا أعاتب، ولا أهرب.”

ولهذا، يا سمراء المساء…
أنتِ لستِ مرّة كما يزعمون،
بل فقط… تتشبّهين بنكهة الصدق.

قالت القهوة، وقد أمالت رأسها على حافة الفنجان:

– لا أحد يعلم أنني أحمل في جوفي أكثر من نكهة…
أحمل سرّ من ندم ولم يستطع الاعتذار،
وأحمل نظرة ذلك العاشق الذي انتظر طويلًا على قارعة الذكرى.

سُكبت فيّ دموعٌ لم يُعترف بها،
وغَرِقَت فيّ كلماتٌ كان ينبغي أن تُقال… لكنها اختنقت بين القلب والفم.

أنا التي شهدت على:
– رسائل حُب لم تُرسل،
– وقرارات طلاق لم تُعلن،
– وأحاديث مع الله في ساعة ضيق،
– ووجع أمٍّ ترتجف على غياب ابنها…

كلّ هذا في رشفاتٍ مرتجفةٍ مرت بين أنامل الوجع.

وأنا صامتة…
لا أحتج، لا أُعاتب،
أُطفأ، وتُترك فتاتي في فناجينكم…
ثم يُكتب عني: “قهوة مرّة.”

وفي نهاية الحديث…
عادت القهوة إلى صمتها الأبدي،
لكنها لم تنسَ أن تهمس، ولو مرة أخيرة:

“لا بأس… سأظلّ المرآة التي لا تُكسر،
والرائحة التي تُبعث من الرماد،
والرفيقة التي تحفظ أكثر مما يُقال.”

ثم سكنت برهة…
كأنها تعود إلى ذاتها، وتقول بصوتٍ لا يسمعه أحد:

“أنا القهوة… سمراءُ القلب لا الوجه،
عميقةٌ حدّ الوجع،
مريرةٌ بقدر ما تداوي.
وفي كل فنجانٍ يُسكب مني…
تُلقى قطعةٌ من قلبي… دون أن يشعر أحد.

مقالات مشابهة

  • وزير السياحة والآثار: منتدى جامعات التراث قدم نماذج ملهمة
  • مدينة تركية تتصدر عناوين العالم بلقب “عاصمة الفطور”.. إليك سر المائدة التي جمعت 52 ألف شخص
  • وزير السياحة: تطوير المواقع الأثرية يمثل تحديًا كبيرًا ويتطلب تضافر الجهود
  • وزير السياحة والآثار يشارك في ختام فعاليات مشروع منتدى جامعات التراث
  • تحدّثت السمراء.. حين سألها أحدهم: كيف حالكِ يا قهوة؟
  • التوقيع على اتفاق إطار بين وكالة “ألنفط” والشركة العمانية بتروغاز
  • حجز مواد فاسدة يغلق مقاهي ومطاعم شهيرة بساحل تامودا باي
  • مُجسّمات فنية عالمية تُزيّن بحيرة الأربعين وتجسد الهوية البصرية في جدة التاريخية
  • الوجهات المغطاة تعزز السياحة بأبوظبي خلال الصيف
  • القِيَم المجتمعية العمانية.. ركيزة في التنمية المستدامة في المحافظات