تبنّت سلطنة عمان نهج المشاركة المجتمعية في عملية التطوير وفتح المجال لأفراد المجتمع في صنع القرار وعرض رؤاهم في مناقشة المواضيع المتعلقة بالصالح العام وإتاحة البيانات والمعلومات للجمهور، وتنظيم لقاءات مجتمعية مع المسؤولين، وعقد المؤتمرات الصحفية الدورية.

وتشمل المشاركة المجتمعية مجموعة من الأنشطة الاتصالية التي تنفذها المؤسسة الحكومية من أجل إشراك المجتمع بموضوع معين، وتتنوع هذه الأنشطة بين عقد اللقاءات مع الجمهور المستهدف أو تنظيم جلسات استماع أو جمع التعليقات والمداخلات من الجمهور عبر مختلف أدوات وقنوات التواصل والإعلام، وتكفل لهم عبر تلك الأنشطة الاتصالية فرصة المشاركة في القرارات التي تؤثر على حياتهم.

وتعزز المشاركة المجتمعية التعاون بين المؤسسات الحكومية والمجتمع، وتعد من أكثر المناهج الإيجابية لتقريب وجهات النظر وإيجاد أرضية مشتركة بين الأطراف، ومن منافع المشاركة المجتمعية للمؤسسة الحكومية تعزيز علاقة المؤسسة مع المجتمع حيث يمكن أن تتسم هذه العلاقة بالتقدير وإلمام كل طرف بقيم واهتمامات وتوجهات الطرف الآخر، إلى جانب اتخاذ قرارات أكثر استدامة وقابلية للتنفيذ بحكم أن القرار يأخذ بعين الاعتبار اهتمامات واحتياجات جميع الأطراف المعنية، وقدرة أفضل على التواصل مع المجتمع حول الموضوع المحدد بحكم الفهم المناسب لاهتمامات المجتمع حوله، والتمكين والتشجيع على القيام بدور أكثر فاعلية في المشاريع والقضايا الوطنية، والقدرة على إيصال صوت المجتمع بحيث يصبح شريكا في القرارات الحكومية، وتحسين وتطوير تفاعل المجتمع مع المؤسسة الحكومية حيث يكون التفاعل مبنيا على وعي وإلمام بأنشطة وبرامج المؤسسة.

القرار المناسب

ومن أشكال المشاركة المجتمعية توفير البيانات والمعلومات المهمة للجمهور حول الموضوع المحدد للمشاركة، ومن ثم طلب مشورتهم حول الجوانب المخطط لها مسبقا والاستفادة منها في اتخاذ القرار المناسب، ويمكن أن يتم تنفيذ هذه العملية بمختلف طرق التواصل التي تتبعها المؤسسة كاللقاءات المباشرة، وسائل الإعلام المختلفة، قنوات التواصل الرقمية والمواقع الإلكترونية، بالإضافة إلى إجراء الدراسات واستطلاعات الرأي عبر إجراء المقابلات وجها لوجه أو عن طريق المقابلات الهاتفية أو الاستمارات الإلكترونية، وجلسات النقاش المركزة التي تنفذ مع عينة محدودة من المجتمع، وتنظيم زيارات ميدانية للمسؤولين للتفاعل مع الأطراف المعنية من المجتمع، وإقامة المحاضرات حول موضوعات محددة.

كما أن تحديد خصائص الجمهور يعد جانبا أساسيا في المشاركة المجتمعية الفاعلة، وعلى المؤسسة الحكومية أن تحدد من هي الأطراف المعنية بموضوع المشاركة من المجتمع بحيث يتم ضمان إشراك كافة الفئات المستهدفة مع مراعاة اختلاف أفكارهم وأعمارهم ومستواهم العلمي، ومراعاة الفئات العمرية، والموقع الجغرافي، والجنسية، والحالة المهنية، ويمكن اختيار الأسلوب المناسب للمشاركة المجتمعية بناء على عدة اعتبارات منها معرفة مدى مناسبة أدوات ووسائل التواصل في الوصول للجمهور المستهدف، فهناك قنوات يفضلها الجمهور وهناك قنوات قد لا تناسب في التواصل مع الجمهور المستهدف، وتحديد مستوى المعرفة والفهم الحالي للجمهور المستهدف حيال الموضوع ومن ثم تحديد المعلومات التي يحتاجها الجمهور، الأمر الذي يسهم في تحديد القنوات والأدوات الأنسب لبثها والتواصل عبرها.

وهناك ثلاث مراحل عملية ينبغي اتباعها من أجل تطبيق الممارسات الفاعلة للمشاركة المجتمعية، وتتمثل في التخطيط والإعداد وتهدف هذه المرحلة إلى بحث وتكوين حيثيات القضية أو الموضوع المحدد للمشاركة المجتمعية، وتعريف المواد المتاحة لبدء عملية المشاركة وتتضمن معرفة وتحديد القضية التي ينبغي معالجتها وتوضيحها، وتقييم الوضع الحالي لمعرفة القضايا التي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار في مرحلة الإعداد للمشاركة، ومدى فهم ووعي الأطراف المعنية من المجتمع لجوانبها، ومدى استعدادهم للمشاركة في هذه العملية بما في ذلك توفر قنوات التواصل المناسبة بينه وبين المؤسسة، وتحديد أهداف المشاركة والمستوى الذي تريد المؤسسة استهدافه، عن طريق الرجوع لمستويات المشاركة والمستوى الذي تريد المؤسسة استهدافه.

تحديد الاحتياجات

قالت الدكتورة ليلى بنت علي الكلبانية، رئيسة قسم التثقيف الصحي بالمديرية العامة للخدمات الصحية بمحافظة الظاهرة: تُعرف المشاركة المجتمعية على أنها رغبة أفراد المجتمع واستعدادهم للمشاركة الفعالة في تحسين نوعية حياتهم، وزيادة الاهتمام بملكية ما ينجزون متضمنا ذلك المساهمة في الإنجاز بمختلف المراحل، مشيرة إلى أنها تعد من أبرز الأساليب القائمة على اشتراك معظم أفراد المجتمع المحلي في مختلف جوانب الحياة العامة، والمساهمة والانخراط التام بكل مراحل العمل ابتداء من تحديد احتياجاتهم التنموية والتخطيط لتوفيرها وتمويلها بشكل كلي أو جزئي مؤدين دورا رقابيا أثناء مراحل التنفيذ.

وأضافت: يسهم أفراد المجتمع المحلي مساهمة حاسمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية بمختلف محاورها بما يعكس الأهمية المعطاة للقضايا الصحية ضمن أهداف التنمية المستدامة التي أعلنت كافة الدول التزامها بتحقيقها لشعوبها، موضحة أن القطاع الصحي يدخل في صميم أهداف التنمية المستدامة وجزء لا يتجزأ من الاستراتيجيات والسياسات المعتمدة في الوصول إلى تحقيقها، وتمثل هذه الأهداف التزاما لا بد من تحقيقه والذي يأتي في منتجه النهائي معززا لصحة الأفراد، ومن البرامج التي جاءت تترجم هذه الشراكة هو برنامج المبادرات المجتمعية الذي يُعرف بأنه منهجية عمل تهدف إلى إحداث فارق إيجابي في نوعية حياة أفراد المجتمع مرتكزة بشكل أساسي على العمل التطوعي والمشاركة لمختلف الأفراد الذين يعملون ضمن إمكاناتهم الذاتية بتمويل جزئي من القطاعات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني لتحقيق الأثر المرغوب في المجتمع، وذلك بهدف تحسين المستوى البيئي والاجتماعي والاقتصادي باعتبار أن هذه المستويات محددات للصحة.

وضع الحلول

وأوضحت الدكتورة ليلى أن فكرة الشراكة المجتمعية والتعاون القطاعي تعمقت بعد تشكيل اللجان الصحية عام 1999 في مختلف الولايات، وقد برهنت هذه اللجان فاعليتها في التصدي لمختلف التحديات الصحية من خلال تشخيص المشكلات المجتمعية ووضع الحلول المناسبة لها والاستغلال الأمثل للموارد والقدرات الكامنة لدى أفراد المجتمع لحل تلك المشكلات، ورفع مستوى الوعي لدى المجتمع من خلال تفعيل وتمكين أعضائها من أداء دورهم في العمل على تعزيز صحة أفراد المجتمع في مختلف المواضيع كالمخدرات والمؤثرات العقلية ومكافحة التبغ والأمراض المعدية مثل ما حدث في جائحة كوفيد-١٩ من مخاطر الوباء باطلاعهم على الوضع الوبائي بولاياتهم والوقوف على العقبات والتحديات التي قد تعرقلهم، كما تعد هذه اللجان الصحية من أبرز التنظيمات الإدارية الموجودة في سلطنة عمان تضم بنيتها خليطا مجتمعيا من ممثلي القطاع الحكومي ومؤسسات المجتمع المدني إضافة إلى أعضاء من المجلس البلدي.

تعزيز الشفافية

من جانبه قال الدكتور حمد بن سعيد الرحبي، متخصص في التطوير والتنمية: تعد مشاركة المؤسسات الحكومية أفكارها ومقترحاتها أمرا في غاية الأهمية، وذلك لضمان تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز الشفافية والمشاركة المجتمعية، حيث إن الحوار المفتوح المباشر بين المؤسسات الحكومية وأفراد المجتمع يسهم بلا شك في توليد أفكار جديدة وحلول مبتكرة حول احتياجات واهتمامات المجتمع وصنع الحلول المشتركة والفعالة لمعالجة مختلف التحديات، كما أنه كلما كانت المشاركة قوية ومنظمة ومتواصلة، أدى ذلك إلى تعزيز شعور المواطنين بالمسؤولية والمشاركة الفاعلة في تطوير وتنمية الخدمات التي يحتاجها المجتمع، ذلك أن المواطن هو جزء من عملية صنع القرار والمساهمة في تحقيق أهداف وخطط المؤسسات الحكومية، وعلى هذا الأساس فإن فتح قنوات الحوار وإبداء الرأي أصبحت ضرورة ملحة لتعزيز الابتكار والمشاركة المجتمعية وبناء علاقة أكثر ثقة وتفاعلا مع المواطنين.

وأشار إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تعد إحدى هذه الأدوات التي تعزز التواصل المباشر والسريع بين المؤسسات الحكومية وأفراد المجتمع نظرا لما تتمتع به من فرصة الوصول إلى شريحة واسعة من المواطنين في نقل المعلومات والأخبار والتفاعل معها بشكل إيجابي، وهذا بلا شك سوف يساعد على إيصال الصورة الحقيقية والصحيحة لأهداف ومنجزات المشاريع والمبادرات التي تنفذها أو تخطط لتنفيذها المؤسسات الحكومية.

وأضاف: من أبرز نتائج مشاركة المؤسسات الحكومية أفكارها ومقترحاتها لأفراد المجتمع هي تنفيذ أكثر فاعلية للسياسات والخطط والمشاريع الحكومية، حيث عندما يندمج المجتمع في صياغة السياسات والخطط للمشاريع فإنها تصبح أكثر ملاءمة وفعالية في تلبية احتياجات المجتمع من حيث دمج أفكار ومقترحات المواطنين مع خطط وتوجهات الحكومة التي تحقق تحسين جودة هذه السياسات والخطط والمشاريع وتحقيق نتائج أفضل في التنفيذ والمتابعة والتقييم، إلى جانب تعزيز الشعور بالانتماء والمسؤولية، حيث يشعر أفراد المجتمع بمزيد من الانتماء عندما يكونوا جزءا من عملية التنمية والمشاركة في اقتراح المشاريع الخدمية التي تلبي احتياجاته، وسوف يعزز في تبادل الأفكار التي تخدم المجتمع وتسهم في تنمية المحافظات والولايات بمختلف أرجاء الوطن، كما يساعد الحوار المفتوح مع المواطنين على توليد وصنع أفكار وحلول جديدة للمشكلات والتحديات القائمة ومعالجتها بالشكل الصحيح وتنمية الخدمات الإلكترونية وزيادة كفاءتها وفعاليتها لتحقيق الأهداف المرجوة، مما سيسهم في تحسين مستوى المعيشة وتحقيق رفاهية المجتمع وزيادة فعالية إدارة الموارد.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المشارکة المجتمعیة المؤسسات الحکومیة الأطراف المعنیة أفراد المجتمع من المجتمع

إقرأ أيضاً:

هل ممارسة الألعاب الإلكترونية حرام ؟.. الإفتاء توضح الضوابط الشرعية

تشغل الألعاب الإلكترونية حيزًا كبيرًا من حياة الأطفال والشباب في العصر الحالي، مما دفع كثيرين للتساؤل عن مشروعيتها وحدود استخدامها من منظور شرعي. 

وفي هذا السياق، قالت دار الإفتاء المصرية رأيها بشأن حكم هذه الألعاب، مؤكدة أن ممارستها ليست محرمة في حد ذاتها، وإنما يتوقف الحكم على طبيعة اللعبة وطريقة استخدامها وتأثيرها على الفرد.

فقد بيّنت الدار أن الألعاب الإلكترونية تعد وسيلة ترفيهية يمكن أن تكون نافعة إذا التزمت بالضوابط الشرعية والأخلاقية، وأدت إلى تنمية المهارات الذهنية والقدرات الفكرية، وشريطة ألا تحتوي على محرمات، أو تسبّب أضرارًا نفسية أو اجتماعية.

واستدلت دار الإفتاء على ذلك بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من إقراره اللعب النافع للأطفال، حيث أُثر عنه تشجيع تعليم الصغار السباحة والرمي، وكذلك ما رُوي من حديثه مع الطفل أبي عمير الذي كان يلهو بطائر صغير، ما يدل على سماحة الشرع مع فطرة الطفل وحبه للعب، طالما خلا من السوء.

وفيما يخص الألعاب الحديثة، أكدت دار الإفتاء أنها تنقسم إلى نوعين: أحدهما يعود بالنفع من خلال تنمية المهارات كحل المشكلات والترتيب، والآخر يورث السلوكيات السلبية كالعنف والعدوانية، لا سيما تلك التي تتضمن القتال والمقامرة أو المشاهد غير اللائقة.

هل يجوز صرف أموال الزكاة والصدقات على مرضى الجذام؟.. دار الإفتاء تديبهل استبدال الصلاة على النبي عند الكتابة بـ "ص" حرام ؟ .. دار الإفتاء تجيبموعد رأس السنة الهجرية 1447.. متى تستطلع دار الإفتاء هلال شهر المحرمهل تجب الزكاة على الذهب المُحوَّل إلى حلي للزينة؟ .. دار الإفتاء تُجيبأيهما أكثر فضلا كثرة الركعات أم الإطالة في قيام الليل؟.. دار الإفتاء توضحهل دعاء الاستفتاح واجب في الصلاة؟.. دار الإفتاء توضح

وأشارت الدار إلى أن ممارسة هذه الألعاب قد تكون غير جائزة في الحالات التالية:

إذا زرعت في الطفل ميولًا عدوانية أو رغبة في السيطرة والعنف.

إذا أدت إلى الإدمان واستنزاف الوقت بما يعيق أداء الواجبات الأساسية.

إذا تسببت في اضطرابات نفسية كالقلق والاكتئاب، وقد تؤدي في حالات قصوى إلى الانتحار.

أما إذا خلت اللعبة من هذه السلبيات، فإن استخدامها جائز بشرط الالتزام بعدة ضوابط:

أن تتناسب مع عمر الطفل وتكون ملائمة لمستوى نضجه العقلي.

أن تحقق منفعة تعليمية أو ذهنية، وتُسهم في الترفيه غير الضار.

أن تكون خالية من أي مشاهد أو عناصر محرّمة شرعًا وأخلاقيًا.

ألا تؤثر سلبًا على الجانب النفسي أو السلوكي للطفل.

ألا تستهلك وقت الطفل بالكامل، بل يُخصص لها وقت محدد دون الإضرار بواجباته أو صحته.

أن تكون تحت متابعة الأبوين لمراقبة المحتوى وسلوك الطفل.

ألا تكون محظورة قانونًا، حتى لا يتحول استخدامها إلى وسيلة لانتهاك القوانين أو تهديد الأمن المجتمعي.

وبذلك، بيّنت دار الإفتاء أن الألعاب الإلكترونية ليست مذمومة لذاتها، وإنما حسب تقييمها ومشروعيتها مراعاة الشروط والضوابط التي تحفظ للفرد دينه ونفسيته وسلامته.

طباعة شارك الألعاب الإلكترونية دار الإفتاء حكم ممارسة الألعاب الإلكترونية هل الألعاب الإلكترونية حرام هل ممارسة الألعاب الالكترونية حرام

مقالات مشابهة

  • محمد بن حمد: توفير بيئة تعليمية حديثة تعزز جودة النتائج
  • حرس الحدود بمنطقة جازان ينقذ مواطنًا من الغرق أثناء ممارسة السباحة
  • حرس الحدود بجازان ينقذ مواطنًا من الغرق أثناء ممارسة السباحة
  • “عميل على ظهر صاروخ إلى تل أبيب”.. القصة الكاملة وراء الصورة التي أربكت مواقع التواصل
  • البيئة: 36 عقد قطاع الخاص بشأن جمع ونقل ومعالجة وتدوير المخلفات
  • شرطة أبوظبي تنفذ ورشة «المسؤولية المجتمعية»
  • المصرف المركزي ومؤسسة للنفط يبحثان الترتيبات المالية لزيادة الإنتاج وتجاوز التحديات
  • «ابتكار للتطوير» تقترب من تسليم 10 مشروعات متنوعة في العام الجاري
  • الإفتاء توضح ضوابط ممارسة الألعاب الإلكترونية
  • هل ممارسة الألعاب الإلكترونية حرام ؟.. الإفتاء توضح الضوابط الشرعية