منذ أن شنّت إسرائيل حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، تجاوزت العديد من الخطوط الحمراء.

فلا التدابير المؤقتة التي أمرت بها محكمة العدل الدولية – وهي أعلى جهاز قضائي في الأمم المتحدة – لوقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، ولا الرأي الاستشاري الذي أصدرته المحكمة نفسها، والذي أمر بإنهاء احتلالها غير القانوني لفلسطين وسياسات الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، أعطت إسرائيل فرصة للتوقف والتأمل.

ادعاءات دون دليل

كما لم يكن لطلب المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكّرات اعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت تأثير كبير على سلوكها.

والواقع أن الانتقادات المتراكمة من بعض حلفائها لم تجعل إسرائيل تعيد النظر في سياساتها القاتلة المتمثلة في الفصل العنصري والإبادة الجماعية.

والآن، تتخطى إسرائيل خطًا أحمر آخر بتحديها للمجتمع الدولي بأكمله: الأمم المتحدة نفسها. ففي 22 يوليو/تموز، أعطى المجلس التشريعي الإسرائيلي، الكنيست، موافقة أولية على مشروع قانون يعلن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط (الأونروا) "منظمة إرهابية".

وتأتي هذه الخطوة الأخيرة في أعقاب الحيلة التي اتخذتها إسرائيل في يناير/كانون الثاني الماضي – والتي نجحت، على الأقل في البداية – حيث اتهمت إسرائيل 12 عاملًا في الأونروا بالمشاركة في الهجوم الذي شنته حماس وجماعات فلسطينية أخرى ضدها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وزعمت وجود تواطؤ واسع النطاق بين الوكالة التابعة للأمم المتحدة وحماس.

وردّ المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على الاتهامات بطرد جميع موظفي الأمم المتحدة الذين ذكرتهم إسرائيل على الفور، وبطريقة ساذجة على أساس ادعاءات دون أي دليل.

ويبدو أن القرار شجّع بعض المانحين الغربيين على تعليق تمويلهم للوكالة الإنسانية التي توظف نحو 30 ألف موظف والتي كلفتها الجمعية العامة بتقديم الخدمات الأساسية لملايين اللاجئين الفلسطينيين.

ولكن في أبريل/نيسان 2024، خلصت مراجعة مستقلة للاتهامات الإسرائيلية ضد الأونروا، والتي أمر بها

غوتيريش وقادتها وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاثرين كولونا، إلى أن اتهامات إسرائيل الشاملة بالتواطؤ بين حماس والأونروا لم تثبت.

وحتى الآن، لم يتم تقديم أي دليل يدين موظفي الأونروا الاثني عشر المتهمين. ونتيجة لذلك، بدأت الدول المانحة، بما في ذلك ألمانيا، وإيطاليا، وأستراليا، وكندا، في استئناف تمويلها الضروري للوكالة تدريجيًا على خلفية الاحتياجات الإنسانية المتزايدة والخطيرة في غزة.

حملة خبيثة

وفي 19 يوليو/تموز، صرح وزير الخارجية البريطاني الجديد ديفيد لامي، في إعلانه عن استئناف تمويل الأونروا، قائلًا: "المساعدات الإنسانية ضرورة أخلاقية في مواجهة مثل هذه الكارثة… فالأونروا هي محورية تمامًا لهذه الجهود. لا يمكن لأي وكالة أخرى تقديم المساعدة على النطاق المطلوب".

ولكن حتى مثل هذه التصريحات من الحلفاء المخلصين لم تقنع إسرائيل بالتوقف عن استهداف الوكالة التابعة للأمم المتحدة.

سواء أصبح قانونًا أم لا، فإن تحرك الكنيست الإسرائيلي لتصنيف الأونروا منظمة إرهابية يشكل هجومًا غير مسبوق على الأمم المتحدة نفسها، حيث تأسست وكالة اللاجئين في عام 1949 من قبل الجمعية العامة.

وإذا أصبح قانونًا إسرائيليًا، فإن التصنيف الإرهابي سيعطي غطاء قانونيًا محليًا (وإن كان يشكل انتهاكًا للقانون الدولي) للنظام الإسرائيلي لمهاجمة موظفي الأونروا والبنية التحتية لها، كما حدث بالفعل بقتل ما يقرب من 200 موظف، ولكن هذه المرة دون الحاجة إلى السعي للتبرير نفسه أو الادعاء بأن مذبحة موظفي الأونروا كانت "أخطاء مأساوية" كلما واجهت انتقادات من حلفائها.

إذا أعلنت إسرائيل رسميًا أن الأونروا "منظمة إرهابية" بموجب قانونها المحلي، فإن القضاء على 30 ألف موظف في الأونروا، بمن في ذلك رئيسها فيليب لازاريني، لن يصبح "حقًا فحسب، بل واجبًا أيضًا"، على حد تعبير وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي كرر منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول ما تعتبره محكمة العدل الدولية غير قانوني، ألا وهو استخدام القوة للدفاع عن احتلال غير قانوني.

ومن هذا المنظور، يتعين على الأمم المتحدة أن ترد بقوة على هذا الاستفزاز الإسرائيلي الأخير قبل أن تبدأ المذبحة المتعمدة لموظفي الأونروا.

في أبريل/نيسان، قال لازاريني لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة: "اليوم، تجري حملة خبيثة لإنهاء عمليات الأونروا، مع عواقب وخيمة على السلام والأمن الدوليين". هذه الحملة تتقدم، ونظرًا لأهدافها المخيفة، يجب على غوتيريش أن يتفاعل بقوّة وبلا خجل.

بمجرد بدء الهجمات ضد موظفي الأمم المتحدة ومرافقها بموجب التشريع الإسرائيلي المعلن، سيكون الأوان قد فات لوقف عمليات القتل. إنه يعرف بالفعل، كما ذكر هو نفسه، أن العديد من العاملين في المجال الإنساني في الأونروا محتجزون بالفعل بشكل غير قانوني من قبل القوات الإسرائيلية، ويقال إنهم يتعرضون لسوء المعاملة وحتى التعذيب. وبمجرد سنّ القانون المحتمل، سيفتح الباب على مصراعيه للقمع وقتل موظفي الأمم المتحدة بشكل جماعي.

إهانة المجتمع الدولي

إن هذا القانون من شأنه أن يضع حلفاء إسرائيل في مأزق. فإذا اختاروا الاستمرار في تمويل الأونروا، التي يعتبرونها ضرورة إنسانية، فإنهم بذلك يساعدون ويشجعون "منظمة إرهابية" بموجب التشريع الإسرائيلي.

كيف سيتعامل لامي والحكومات الأخرى التي تدعم إسرائيل مع هذا الموقف، وكيف ستردّ تل أبيب؟ هذا ما سنراه في المستقبل.

لم يسبق لدولة عضوة في الأمم المتحدة أن صنفت كيانًا تابعًا للأمم المتحدة منظمة إرهابية بموجب القانون. وبالتالي، فإن القانون الإسرائيلي الذي يعلن الأونروا "منظمة إرهابية" من شأنه أن يضع الأمم المتحدة في منطقة مجهولة. وبذلك، فإن إسرائيل ستضع غوتيريش، الذي طالبت مرارًا وتكرارًا باستقالته، على رأس "منظمة إرهابية".

وإذا ما تجاوزت إسرائيل هذا الخط، فسوف يتعين على الأمين العام والجمعية العامة ومجلس الأمن أن يتوصلوا إلى استنتاج لا مفر منه؛ مفاده أن استمرار عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة لن يكون متعارضًا مع ميثاقها فحسب، بل إنه يشكل أيضًا صراعًا وتناقضًا مباشرًا معه.

وعلى هذا الأساس، فإذا تم سن هذا القانون، فلابد من التفكير بجدية في اتخاذ التدابير اللازمة ضد النظام الإسرائيلي المارق وفقًا للمادة السادسة من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على أن "أي عضو في الأمم المتحدة ينتهك باستمرار المبادئ الواردة في هذا الميثاق يجوز للجمعية العامة أن تطرده من المنظمة بناء على توصية من مجلس الأمن".

ويتعين على الأمين العام غوتيريش أن يتولى زمام المبادرة لإقناع مجلس الأمن والجمعية العامة بأن إعلان دولة عضوة أنه وموظفيه إرهابيون سيكون ببساطة أمرًا شائنًا وغير مقبول.

ومن الناحية العملية، يتعين عليه أن يظهر قيادته من خلال إقناع رئيس الولايات المتحدة بالتوقف عن حماية إسرائيل في مجلس الأمن، وفرض عواقب على أحدث إهانة من جانب إسرائيل للمجتمع الدولي بأسره.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی الأمم المتحدة موظفی الأونروا منظمة إرهابیة للأمم المتحدة فی الأونروا إسرائیل فی

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة تحذر: الصراع الإيراني الإسرائيلي يُهدد استقرار أفغانستان ويُفاقم أزماتها الإنسانية

حذرت روزا أوتونباييفا، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في أفغانستان ورئيسة بعثة يوناما، من التأثيرات السلبية للصراع المتصاعد بين إيران وإسرائيل على استقرار أفغانستان، مؤكدة أن الصراع يُعطل حركة التجارة، ويرفع أسعار السلع الأساسية والوقود، ويدفع المزيد من الأفغان إلى العودة من إيران إلى بلادهم.

وخلال إحاطة قدمتها لمجلس الأمن الدولي، أوضحت أوتونباييفا أن هذه التحديات تتفاقم في ظل حالة من عدم الاستقرار الإقليمي، مشيرة إلى أن الوضع في أفغانستان معقد أصلًا ولا يحتمل مزيدًا من الضغوط الخارجية.

السيسي يؤكد أهمية اضطلاع "الأمم المتحدة" بدور ملموس في تحقيق السلام بالمنطقة (فيديو) الأمم المتحدة: المنطقة تحتاج إلى احترام القانون الدولي وليس مجرد خطوط حمراء مبادرات دولية لدعم اندماج أفغانستان.. وتحذير من تطبيع "الوضع الراهن"

أكدت أوتونباييفا أن هناك "نهجًا شاملًا" يجري العمل عليه لإعادة دمج أفغانستان في المجتمع الدولي، مشددة على أن الهدف من هذه الجهود ليس تطبيع الأوضاع الحالية بل الإبقاء على القضايا الحساسة، وخاصة التزامات البلاد الدولية، في صميم العمل الدبلوماسي الدولي.

وأضافت أن المجتمع الدولي لا يزال يشعر بقلق بالغ حيال استمرار تدهور أوضاع النساء والفتيات في أفغانستان، وتراجع الحوكمة الشاملة، وانتهاكات حقوق الإنسان.

تدهور في عمليات إزالة الألغام وتهديد لأمن المدنيين

كشفت أوتونباييفا عن انهيار خطير في عمليات إزالة الألغام، حيث انخفض عدد الفرق العاملة ميدانيًا إلى النصف مقارنة بالعام الماضي، محذرة من أن هذا الانخفاض في التمويل قد يهدد أرواح المدنيين، ويزيد من الخطر في المناطق المتأثرة بالنزاعات.

تحذيرات من أزمة إنسانية خانقة في ظل ضعف التمويل

من جانبها، حذرت جويس مسويا، مساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية، من أن الشعب الأفغاني يواجه احتياجات إنسانية طارئة بسبب عقود من الصراع، والفقر المدقع، والتغير المناخي، إلى جانب القيود القاسية على النساء والفتيات، في ظل بيئة تمويلية خانقة.

وأكدت مسويا أن واحدًا من كل خمسة أفغان يعاني من الجوع، و3.5 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، بينما يُقدّر عدد الأطفال خارج المدارس بـ3.7 مليون، منهم 2.2 مليون فتاة مُنعن من التعليم بعد تجاوزهن سن الحادية عشرة.

وشددت على أن معدل وفيات الأمهات في أفغانستان يتجاوز 2.5 ضعف المتوسط العالمي، لافتة إلى أن العاملين الإنسانيين، خصوصًا النساء، يواصلون تقديم المساعدات في ظروف صعبة، ويصلون إلى أماكن لا تصل إليها أي جهات أخرى.

فجوة تمويلية ضخمة ونداء لدعم عاجل

أشارت مسويا إلى أن خطة الاستجابة الإنسانية للعام الجاري لم تتجاوز 21% من التمويل المطلوب، ما ترك فجوة قدرها 1.9 مليار دولار. 

وأوضحت أن هذا النقص أجبر الوكالات على تقليص المستفيدين من 16.8 مليون إلى 12.5 مليون شخص فقط، ما يهدد بإغفال الاحتياجات الأساسية لملايين من المحتاجين.

ودعت المجتمع الدولي إلى تعزيز تنفيذ الاستثناء الإنساني في قرار مجلس الأمن رقم 2615، وزيادة الاستثمارات في القطاعات الحيوية مثل الزراعة والرعاية الصحية لضمان صمود المجتمعات الأفغانية.

سيما بحوث: لا يمكن تطبيع قمع 20 مليون امرأة

بدورها، نددت سيما بحوث، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، بالقمع الممنهج الذي تتعرض له النساء في أفغانستان، مشيرة إلى أن "قمع 20 مليون امرأة لمجرد كونهن نساء أمر غير مقبول إطلاقًا".

وأكدت أن واقع النساء والفتيات ازداد سوءًا منذ آخر إحاطة قدمتها قبل تسعة أشهر، ولم يُرفع قيد واحد، في وقت تتجاهل فيه الجهات الدولية هذا الملف إلا عند فرض قيود جديدة.

وقالت بحوث: "المرأة الأفغانية لم تستسلم. ولا يمكننا نحن أيضًا أن نستسلم. إنهن ينظمن أنفسهن، ويفتتحن مدارس سرية، ويبنين حياة رغم القيود المفروضة عليهن".

توصيات أممية لدعم النساء ومحاسبة طالبان

قدمت سيما بحوث أربع توصيات رئيسية:

عدم تطبيع سياسات طالبان أو دعمها دون قصد في التعاملات الدولية.دعم جهود المساءلة الفعالة في ما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان.تخصيص 30% من المساعدات المالية لدعم النساء والفتيات مباشرة.الاستثمار في محو الأمية الرقمية للنساء والفتيات لتعزيز قدراتهن الذاتية.

مقالات مشابهة

  • الرئاسي: المنفي والدبيبة يجددان دعمهما لجهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا
  • مياه سوهاج: تخصيص 3 مليون من منظمة الأمم المتحدة للطفولة لتفيذ وصلات المياه
  • إسرائيل تصنّف المركزي الإيراني منظمة إرهابية.. ما التأثير والمآلات؟
  • انبوب يضخ المليارات.. دولة الاحتلال تعتمد البنك المركزي الإيراني منظمة إرهابية
  • الاونروا: آلية المساعدات في غزة "فخ موت" يهدد حياة المدنيين
  • الأمم المتحدة تحذر: الصراع الإيراني الإسرائيلي يُهدد استقرار أفغانستان ويُفاقم أزماتها الإنسانية
  • جوتيريش يحث على العودة إلى الدبلوماسية في الصراع الإسرائيلي الإيراني
  • وزيرة التنمية المحلية تبحث مجالات التعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسف
  • الأمم المتحدة: الأمين العام مستعد لدعم أي جهود تهدف إلى الحل السلمي للصراع بين إسرائيل وإيران
  • بين التكتيك والاستراتيجية... أين تقف إسرائيل بعد الضربات التي تلقتها إيران؟