سماحة السيد هاملت بين العقل والغضب
تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT
هاملت هو بطل مسرحية شكسبير الشهيرة، والتي تحمل اسمه عنوانا لها، وهو مثال التردد، وانعدام الحزم، وغياب العزم. وقد رضيت إيران ورضي من خلفها حلفاؤها؛ حزب الله ومن ثم أنصار الله، بلعب دور "السنيّد" مدة عشرة أشهر، حتى خيّل للناظر أنَّ ثمة محور جديد اسمه محور المساندة!
حَسَبَ الناظر من لقاء للعربية مع خالد مشعل في الشهر الأول من الحرب، أنه كان ينتظر أمرا آخر من إيران وشركاء "وحدة الساحات"، وكان العرب والعجم قد حبسوا أنفاسهم عندما أصدر حزب الله فيلما بخصائص سينمائية تشويقية، يظهر فيه الأمين العام لحزب الله بقدّه وقامته، وهو يضع إصبعه على مكان في خريطة، وكان ذلك في نهاية الشهر العاشر من العام المنصرم، ثم يدخل غرفة كأنه يهمُّ بأمر عظيم لا قبل لنا به، ثم خطب، فوجد جمهورا عريضا من النظارة والمنتظرين، المحبين والكارهين أنفسهم تحت شوبٍ من ماء بارد، وقال: إن حزبه يقاوم ويشارك في المعركة منذ أول يوم!
رضيت كتائب المقاومة في غزة على مضض بالأمر، فالمساند الإيراني خيرٌ من القاعد العربي، وكان خالد مشعل قد طلب المزيد كما أسلف القول، فانفلت عليه محللو الأخبار التابعين لإيران و"محور المساندة" غاضبين، وقالوا: إذا كنت تريد مشاركة في الحرب، هات 30 مليار دولار ثمنا لدمار بيروت مقدما!
هل أنتم مقاومون بالأجر؟
نعلم أن إيران لن تستطيع الانتقام على طريقة إسرائيل التوراتية، بقتل علماء إسرائيليين أو قادة إسرائيليين، وإن خطاب حسن نصر الله الأخير في تأبين قائده المغدور فؤاد شكر (مع سبعة مدنيين هم أطفال ونساء)، مع تهديد ووعيد كثير، أثنى على الراحل وعلى شجاعته وحبه للشهادة
ثمة محلل سياسي لبناني، وهو أفصحهم قولا وأذربهم لسانا، يقول: إنَّ مقاومة الحزب هي مقاومة عبور وليست مقاومة تدمير، وهذا يخالف ما جاء في خطاب المقاومة الجديد بعد قتل إسماعيل هنية وفؤاد شكر: أنَّ العين بالعين والسن بالسن، وظنّنا بل يقيننا أنّ قدرات حزب الله الاستخبارية لا تبلغ قدرات إسرائيل التي قتلت علماء إيرانيين، مثل فخري زادة، وقادة مثل قاسم سليماني، وأن إيران وحلفاءها صمتوا على قتلهم، وعلى قتل صالح العاروري، فاستمرأت إسرائيل القتل، وأنّ إيران إن لم ترد هذه المرة ردا يحفظ لها كرامتها الإقليمية، وحضارتها العتيدة، فإنَّ الإهانة ستجللها مذلة ومنقصة وتخسرها مكانتها ومنزلتها.
نعلم أن إيران لن تستطيع الانتقام على طريقة إسرائيل التوراتية، بقتل علماء إسرائيليين أو قادة إسرائيليين، وإن خطاب حسن نصر الله الأخير في تأبين قائده المغدور فؤاد شكر (مع سبعة مدنيين هم أطفال ونساء)، مع تهديد ووعيد كثير، أثنى على الراحل وعلى شجاعته وحبه للشهادة، حتى خشي السامع غير التابع أنه سيرسل بطاقة شكر لقاتله، وإن طول الخطاب ليس محمودا.
يُفهم من خطاب حسن نصر الله وهو خطاب طويل، والبلاغة عند العرب الإيجاز، بل هي عند القادة الإسرائيليين كذلك، أن حزب الله سيلتزم بقواعد اللعبة، وقد شتم حسن نصر الله من يسفّه المقاومة ويتهمها بالتقصير والمماطلة، واستبدل جملة "الرد في الوقت والزمان المناسبين" بجملة أخرى هي: "الرد بغضب وتعقل".
قد يجد الموالي للحزب والمقاومة في خطابات الغضب الصادرة عن قادة إيران سعة وتأويلا مفاده أن التهديد من غير تعيين للوقت المناسب والمكان المناسب، سيجعل الإسرائيليين يعيشون في خوف طويل، وقد نزح بعضهم من الشمال إلى مناطق بعيدة، واكتظ مطار تل أبيب بالنازحين، لكن أمريكا التي زعمت أخبار منها أنَّ رئيسها عنّف نتنياهو ووبخه، وأمره بإنجاز الصفقة، حركت أساطيلها وحاملات طائراتها إلى البحر مرة ثانية، شدا لأزره ونصرة له
قد يجد الموالي للحزب والمقاومة في خطابات الغضب الصادرة عن قادة إيران سعة وتأويلا مفاده أن التهديد من غير تعيين للوقت المناسب والمكان المناسب، سيجعل الإسرائيليين يعيشون في خوف طويل، وقد نزح بعضهم من الشمال إلى مناطق بعيدة، واكتظ مطار تل أبيب بالنازحين، لكن أمريكا التي زعمت أخبار منها أنَّ رئيسها عنّف نتنياهو ووبخه، وأمره بإنجاز الصفقة، حركت أساطيلها وحاملات طائراتها إلى البحر مرة ثانية، شدا لأزره ونصرة له في مواجهة سبع جبهات، وارتفعت شعبية نتنياهو في إسرائيل بعد هبوط، فقد قتل قائدين؛ هما إسماعيل هنية وفؤاد شكر الذي تصفه إسرائيل برئيس أركان حزب الله، بعد أن عاد (نتنياهو) من أمريكا سكرانا بنشوة التصفيق و"وحدة الساحات الأمريكية الإسرائيلية"، ومساندة عواصم عربية كبيرة. لقد رجع مدعوما من الحزبين؛ حزب الحمار الديمقراطي، والفيل الجمهوري، ومن الرئيسين؛ البطة العرجاء والوقواق، فعمل في بيروت وطهران والحديدة قتلا وذبحا، استعادة لهيبة إسرائيل المسفوحة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
وكان حسن نصر الله قد ختم خطابه بذكر زينب المسبيّة من غير ضرورة، فذكرنا بخطبة ليزيد، وكان قد وُلي ربعا من أرباع الشام، فرقي المنبر، فتكلم فأرتج عليه، فاستأنف، فأرتج عليه، فقطع الخطبة، فقال: سيجعل الله بعد عسرٍ يسرا، وبعد عي بيانا، وأنتم إلى أميرٍ فعالٍ أحوج منكم إلى أميرٍ قوالٍ. ونتنياهو أميرٌ فعال، بل إنه بعد قتل القائدين هنية وشكر قتل قائدا ثالثا، وقتل صحافيا هو إسماعيل الغول، حتى اختلط على جمهور المقاومة الثاكل، على أيهم يبكي.
نتنياهو يعالج الكيّ نفسه بالكيّ، وهو خائف من السجن، وعلى مكانته في التاريخ، وقد أدرك خوف طهران على الإمام النووي "المنتظر"، ولا يزال وليدا، وهو يستعجل قتله في المهد. إن امتلكت ايران قنبلة نووية سيحاصَر العرب بين دولة المعصومة، ودولة الإمام المعصوم.
ربما تسعد إيران بالدعاية الكبيرة التي تقدمها إسرائيل بالتخويف منها، لكن قدراتها العسكرية دون ذلك، وإن كانت قدراتها الفدائية هائلة، وأنها تستطيع أن تدوّخ إسرائيل بإثارة مواليها وأتباعها ضد إسرائيل وأمريكا وبريطانيا
الظن أنَّ إيران ستتجنب الصراع الكبير وتكتفي بصواريخ استعراضية مثل المرة السابقة. ما يجعل هذا المقال يستبعد الحرب الكبرى أنه لم يقع قط في التاريخ أنّ الشيعة قادوا الصراع مع الفرنجة، وإن أعانوا عليهم في بعض المعارك.
نضيف خصلة إلى خصال نتنياهو "الحميدة" غير الفصاحة والبلاغة، وغير سكرة العودة الظافرة من أمريكا، أنه يحبُّ "صدقة السرِّ"، ولشدة تقواه إنه يقتل بالغريزة: يقتل حتى لا تعلم يمنيه ما تقتل شماله، وإنه لزهده في الشهرة لم يفاخر بقتل هنية، وأمر وزراءه بحذف تغريدات الفرح بقتله خوفا من الرياء، فالأجر لا يضيع عند الله!
ربما تسعد إيران بالدعاية الكبيرة التي تقدمها إسرائيل بالتخويف منها، لكن قدراتها العسكرية دون ذلك، وإن كانت قدراتها الفدائية هائلة، وأنها تستطيع أن تدوّخ إسرائيل بإثارة مواليها وأتباعها ضد إسرائيل وأمريكا وبريطانيا. يقال في المثل الشعبي: إن من يكبّر الحجر لا يضرب به، وقد ترددت تهديدات إيرانية عن ردِ قاس ومؤلم، وردّ رادع، لأن الجريمة جرت على أرض إيرانية، وانتهكت حرمة سيادتها وكرامتها. التهديدات كثيرة من بينها تصريحات تشتت الانتباه بالحيث عن نوع المقذوف الذي قُتل به إسماعيل هنية، والقبض على عملاء، الذين قد يتحولون إلى أكباش فداء.
x.com/OmarImaromar
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إيران حزب الله إسرائيل نتنياهو إسماعيل هنية إيران إسرائيل نتنياهو حزب الله إسماعيل هنية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حسن نصر الله حزب الله
إقرأ أيضاً:
في تجسير العلاقة بين إيران والعرب
يكتسب المؤتمر الرابع للحوار العربي الإيراني الذي نظمه كل من مركز الجزيرةللدراسات والمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية التابع لوزارة الخارجية الإيرانية (الدوحة، 10–12 أيار/ مايو) أهمية خاصة. ويعود ذلك إلى التغييرات المتسارعة التي شهدها الإقليم وتعرضت لها المنطقة، خاصة بعد "طوفان الأقصى" واستشهاد زعيم "حزب الله" حسن نصر الله، وأخيرا سقوط نظام الأسد والمخاطر التي تهدد سوريا.
تدرك طهران جيدا بكونها حاليا هي في أشد الحاجة إلى إثبات أنها ليست معزولة كما تعتقد إسرائيل وحلفاؤها، لهذا تكثف دبلوماسيتها من تحركاتها في كل اتجاه، وذلك بهدف التصدي لمحاولات تحجيم دورها في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، خاصة وأن طهران تواجه "أزمة ثقة" عميقة ومتواصلة منذ اندلاع الثورة الإيرانية؛ بينها وبين العديد من جيرانها العرب لأسباب متعددة.
تكثف دبلوماسيتها من تحركاتها في كل اتجاه، وذلك بهدف التصدي لمحاولات تحجيم دورها في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، خاصة وأن طهران تواجه "أزمة ثقة" عميقة ومتواصلة منذ اندلاع الثورة الإيرانية؛ بينها وبين العديد من جيرانها العرب لأسباب متعددة
ورغم كونها لم تكن على علم مسبق بهجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، إلا أنها دعمت المقاومة، وعملت على استثمار الحدث سياسيا، وانخرطت في المواجهة من خلال حلفائها في المنطقة. وتطور ذلك إلى تبادل القصف الصاروخي لأول مرة بينها وبين تل أبيب، وكاد أن ينقلب الاشتباك إلى حرب مدمرة معها. كما خسرت إيران في هذه المواجهة أبرز حلفائها، وهما قيادة حزب الله من جهة وحزب البعث السوري من جهة أخرى. لكن ذلك لم يضعف من عزيمتها وإصرارها، وبقيت متمسكة بروحها القتالية، فلم تتراجع عن سعيها لإثبات حضورها الإقليمي، وحاولت تحويل الخسارة إلى فرصة للحوار الندي والتفاوض المباشر مع إدارة الرئيس ترامب.
على صعيد آخر، حققت الدبلوماسية الإيرانية خرقا لا يستهان به من خلال تحسين علاقاتها مع المملكة العربية السعودية. وهذا يعتبر من بين المتغيرات الكبرى التي حصلت في الخارطة الإقليمية، وهو إنجاز نوعي غير مسبوق تجب المحافظة عليه وتدعيمه حتى لا يكون تقاطعا ظرفيا، وليصبح خيارا استراتيجيا.
على إيران أن تطمئن جيرانها العرب وتوثق علاقاتها معهم، ويعتبر الحوار الثقافي بين الباحثين والنشطاء من بين أهم القنوات المعتمدة في هذا السياق. ولا شك في أن الساهرين على مركز الدراسات الجزيرة للدراسات مدركون لأهمية هذا الحوار الثنائي، ومن شأنه، إلى جانب أدوات أخرى مثل التعاون الاقتصادي الثنائي، جعل إيران قريبة من الفاعلين العرب، وغير متصادمة مع محيطها.
لقد أكد الإيرانيون المشاركون على أن حكومتهم لا تنوي حيازة القنبلة النووية، لأن ذلك حرام دينيا، وهو الموقف الذي دافع عنه وزير الخارجية الدكتور عباس عراقجي عند افتتاح المؤتمر، وذلك في محاولة لسحب البساط من تحت أقدام الكيان الصهيوني الذي سعى ولا يزال نحو تأليب الغربيين ضد طهران، والعمل على جر أمريكا نحو توجيه ضربة عسكرية قاسية لها.
على إيران أن تطمئن جيرانها العرب وتوثق علاقاتها معهم، ويعتبر الحوار الثقافي بين الباحثين والنشطاء من بين أهم القنوات المعتمدة في هذا السياق
كما تناول المؤتمر الرابع لقضايا الساعة الحارقة والتي تشغل الرأي العام والمهتمين، مثل كيفية بناء جسور الثقة بين مختلف الأطراف، ومستقبل العلاقات الإيرانية السورية التي تمر بحالة من القطيعة الصامتة نتيجة وقوف طهران إلى جانب بشار الأسد ضد الحراك الثوري الشعبي. وهي مسألة شديدة التعقيد، ولها مخلفات مؤلمة بين الشعبين، وخلفت وراءها تداعيات سياسية ومذهبية خطيرة.
كذلك تناول المؤتمر الحالة اليمنية بتعقيداتها العميقة، إذ بالرغم من أهمية المقاومة التي تستهدف العمق الإسرائيلي التي يقودها "أنصار الله"، إلا أن اليمن أكبر وأوسع من دائرة الحوثيين، وصوت البقية مكبوت حاليا.
ولم يكن بالإمكان الحديث عن علاقة إيران والعرب دون التوقف عند حزب الله ولبنان، ودون ملامسة العقدة الأساسية التي تتمثل في مسألة من يملك السلاح في البلد؛ الحزب أم الدولة. وإذ دافع الإيرانيون المشاركون في المؤتمر بحماسة شديدة عن سياسات بلدهم المتعلقة بهذه المحاور، لكن في المقابل استمعوا باهتمام للاعتراضات التي عبر عنها آخرون، وهو ما حرص عليه المنظمون حتى يكون الرأي والرأي الآخر موجودا لأن الهدف هو التوصل إلى توصيات قابلة للتنفيذ، وحتى يقدم المؤتمر الإضافة الضرورية.
لا خلاف حول التمسك بإيران كدولة قوية وحليفة للعالم العربي بكل تناقضاته، لهذا كان المؤتمر موفقا عندما اختار هذا الشعار المركزي "الحوار العربي الإيراني: علاقات قوية ومنافع مشتركة".