موقع النيلين:
2025-05-25@07:49:36 GMT

النفاق الأمريكي كأوضح ما يكون

تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT

سَمِّه نفاقاً إن شئت، أو سَمّه تناقضاً، المهم أنه في نهاية الأمر، عمل غير أخلاقي ولا يتسق مع أي قانون أرضي – وضعه البشر – أو جاء به دين سماوي، ذلك هو الوصف اللائق بالعمل الذي تقوم به الإدارة الأمريكية الحالية تجاه السودان، وتحديداً ما يقوم به مبعوثها الخاص للسودان توم بيرييلو، في رمزيته وليس في شخصه !!

تملأ الإدارة الأمريكية الحالية، الفضاء الإعلامي زعيقاً، عبر مبعوثها ومندوبتها في مجلس الأمن الدولي، وعبر منظماتها العاملة في المجال الإنساني، عن “الكارثة التي يواجهها شعب السودان بسبب استمرار الحرب”، يتحدثون عن الجوع الذي يهدد حياة الملايين وعن معاناة النازحين الذين بلغت أعدادهم الرقم القياسي العالمي، وعن معاناة الأطفال في صحتهم وفي حرمانهم من تلقي التعليم، ويتحدثون – ببعض الحياء – عن الإنتهاكات اليومية للقانون الدولي الإنساني وعن حالات الاغتصاب والاختفاء القسري، ويتحدثون عن القصف الذي يتعرض له المدنيون فيصبحون بين عشية وضحاها من بين ضحاياه .

. ومن بعد هذه القائمة الطويلة من الإنتهاكات والجرائم، يقولون: يجب أن تتوقف الحرب، ولكي تتوقف يجب أن يجتمع (الجنرالان) أو مَن يفوضانه للبت في خطة “شبه جاهزة” لوقف إطلاق النار مؤقتاً لتمكين العون الإنساني، من غذاء و دواء، من أن يتدفق ليصل إلى المحتاجين، ثم تطوير الإتفاق المؤقت هذا لوقف إطلاق النار إلى إتفاق دائم !!

تسألني: وأين المشكلة في هذا ؟

وأجيبك : لا توجد أية مشكلة، بل هذا هو المطلوب، هناك معاناة يعيشها الملايين من أهل السودان بسبب استمرار الحرب، وأن هذه المعاناة يجب أن تتوقف، لكن أليس من الواجب أن يُحدد الطرف المتسبب في هذه المعاناة أولاً، ولماذا يصر هذا الطرف على الاستمرار في هذا السلوك ؟
هذا هو السؤال الذي تحاول الإدارة الأمريكية أن تتهرب من طرحه وبالضرورة من الإجابة عليه، وتحاول القفز فوق مترتباته إلى المناداة بوقف الحرب !!

صحيح أن الملايين من أهل السودان نزحوا من مدنهم وقراهم، وهاموا على وجوههم داخل السودان وخارجه، وأصبحوا عرضة للجوع والمرض، وتعرضوا للقهر والاغتصاب والقتل، والسبب في ذلك هو مليشيا الدعم السريع، التي احتلت بيوتهم وطردتهم منها وقتلت مَن حاول منهم مقاومة ذلك، وهذا الأمر لا يحتاج فيه السودانيون لشهادة إثبات من أحد، لا من لجنة تحقيق محلية أو من منظمة دولية أو مجلس أمن، بل هو أمر عايشوه بأنفسهم طوال ما يقرب من العامين ، فهو مسلسل مستمر منذ منتصف أبريل من العام الماضي، وظل العالم كله يشهد كيف أن الآلاف من النساء والأطفال وكبار السن وغيرهم، يفرون من أية مدينة أو قرية تدخلها مليشيا الدعم السريع، إما إلى أقرب دولة مجاورة أو إلى المدن الآمنة في ولايات السودان التي لم تدنسها بنادق التمرد.

والعالم كله، وعلى رأسه منظمات الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية، والوكالة الأمريكية للتنمية، يعرفون أن الذي سطا على مخازن الأغذية والأدوية، في الخرطوم وفي ود مدني، وفي غيرهما، وعلى وسائل نقلها و ترحيلها، هم ضباط وجنود مليشيا الدعم السريع، الأمر الذي تسبب بشكل مباشر في القدر الأكبر من المعاناة الإنسانية التي يتحدث عنها المسؤولون الأمريكيون.

والعالم كله يعرف، وعلى رأسه المسؤولون الأمريكيون، أن الطرف الذي سطا على آليات وناقلات المزارعين في ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الأبيض وفي كردفان و دارفور، وعلى بذورهم، وحرمهم من ممارسة نشاطهم الزراعي، وتسبب بشكل مباشر في تفاقم أزمة إنتاج الغذاء هو مليشيا الدعم السريع.

وكِبار العالم، بجلالة قدرهم، ممثلين في الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، بمن في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، ومعهم بقية الأعضاء غير الدائمين أدانوا في 13 يونيو الماضي الحصار والتجويع وتدمير والمستشفيات والأعيان المدنية الذي تتعرض له مدينة الفاشر، وطالبوا بفك الحصار ووقف القصف والتدميرعنها، وهم يعرفون أكثر من أي طرف آخر، أن الذي يقوم بذلك هو مليشيا الدعم السريع، لكن المليشيا لم تعبأ بما يقولون، وظلت قبل ذلك، وإلى يومنا هذا، تقوم بموجات متتالية من الهجوم على المدينة و تمارس القصف على المرافق الصحية والأحياء السكنية وتمنع قوافل الإغاثة من أن تصل إلى المدينة !!

أمريكا تعرف هذا كله، وتعرف الطرف المتسبب في معاناة السودانيين، وتعرف الأطراف الخارجية التي تمده بالمال والسلاح وتدعمه سياسياً وإعلامياً، لكنها لا تريد أن تقول لهم كفوا عن ذلك لكي تتوقف معاناة السودانيين، ولا تريد أن توجه لهم حتى صوت عتاب، بل تريد للحرب أن تتوقف بحجة أن في استمرارها مزيد من المعاناة للمدنيين !!

وغير بعيد عن السودان، يتعرض الشعب الفلسطيني في غزة إلى إبادة جماعية وتُرتكب في حقه كل أنواع الجرائم والانتهاكات، لكن أمريكا لا تطالب دولة العدوان أن توقف القتل والتدمير ضد الفلسطينيين ومنشآتهم المدنية، بل تمد المعتدي بكل أنواع الذخائر، الذكية منها والغبية، لكي يمعن في القتل والتدمير للمستشفيات والمدارس والمساكن، وقد بلغ الأمر بالرئيس الأمريكي نفسه أن صرح بأنه من المبكر الحديث عن وقف إطلاق النار في غزة، ولا تطالبها بفتح المعابر لكي تصل المعونات الإنسانية للمحتاجين !!

إذا لم يكن ما تفعله الإدارة الأمريكية، وما تقوله، بشأن ما يحدث في السودان وما يحدث فى فلسطين، هو عين النفاق والبلطجة السياسيين، وازدواجية المعايير، فماذا يكون بالله عليكم ؟

العبيد أحمد مروح

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: ملیشیا الدعم السریع الإدارة الأمریکیة

إقرأ أيضاً:

الاتهام الأمريكي يُمثّل امتدادًا لإرث مولي فيي، والتي اتسم سجلها بانحياز سافر ومُشكِل ضد السودان

*الاتهام الأمريكي يُمثّل امتدادًا لإرث مولي فيي، والتي اتسم سجلها بانحياز سافر ومُشكِل ضد السودان*

أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن نية حكومتها فرض عقوبات على السودان، متهمة إياه باستخدام أسلحة كيميائية في عام 2024. وتأتي هذه الاتهامات في غيابٍ تام لأي تقارير محلية من داخل السودان، أو أدلة مستقلة، أو حتى روايات متطابقة تدعم هذا الادعاء. ووفقًا لوكالة رويترز، حاول المسؤولون الأميركيون التوفيق بين هذا التناقض بالادعاء أن استخدام الأسلحة الكيميائية المزعوم كان محدود النطاق، ووقع في مناطق نائية، ولم يُحقق أي فعالية تُذكر.

ويبدو أن هذا القرار يُمثّل امتدادًا لإرث مولي فيي، مساعدة وزير الخارجية الأميركي السابقة لشؤون إفريقيا، والتي اتسم سجلها بانحياز سافر ومُشكِل ضد السودان في حربه ضد قوات الدعم السريع. ومن اللافت أن هذه الاتهامات باستخدام أسلحة كيميائية لم تبرز إلا بعد أن صنّفت الحكومة الأميركية رسميًا أفعال قوات الدعم السريع على أنها إبادة جماعية — وهو قرار كانت فيي تعارضه بشدة، بحسب التقارير، لكنه في النهاية رُجّح وأفضى إلى فرض عقوبات على قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي).

إن التبرير الذي قدمه المسؤولون الأميركيون — بأن الاستخدام المزعوم للأسلحة كان طفيفًا ومعزولًا وغير فعّال — يُعدّ تبريرًا غير مقنع ومفتقرًا إلى الاتساق المنطقي. فهو لا يرقى إلى مستوى الخطورة الذي يستوجب فرض عقوبات بهذا الحجم، كما أن عدم إخطار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) — التي السودان عضوًا في مجلسها التنفيذي — يُثير القلق بشكل خاص. فالبروتوكولات الدولية المعيارية تقتضي الإخطار الفوري عند توفّر معلومات موثوقة عن استخدام أسلحة كيميائية، وإن تجاهل ذلك يُلقي بمزيد من الشكوك على مصداقية الادعاءات الأميركية. وهذا يُعزز الشبهة بأن قرار فرض العقوبات — في ظل انعدام أي تمويل أميركي فعلي أو خطوط ائتمان مفتوحة مع السودان — لا يخدم غرضًا عمليًا سوى ممارسة الضغط السياسي، ضمن ما درجت عليه الدبلوماسية القسرية الأميركية، أو ربما استرضاءً للإمارات العربية المتحدة، من خلال إظهار موقف متشدد ضد السودان الذي بات يواجه العدوان الإماراتي بشكل علني.

أما الرد المناسب والعقلاني من السودان، فيتمثل في المطالبة، عبر الآليات المعنية في الأمم المتحدة، بأن تُقدّم الولايات المتحدة الأدلة التي تستند إليها في توجيه هذه الاتهامات الخطيرة. كما يجب على السودان أن يدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق أممية محايدة ومستقلة، تُستبعد منها الولايات المتحدة صراحة نظرًا لتضارب مصالحها الواضح. وبالتوازي مع ذلك، لا بد من تسليط الضوء على هذا الانتهاك الفج لأعراف القانون الدولي، التي بات يُطبّق الكثير منها على نحو انتقائي ومتباين — لا سيما في ظل التجاهل الدولي المتواصل للعدوان الفجّ الذي تمارسه الإمارات، ودورها المتصاعد في تسليح قوات الدعم السريع ودعمها، ما يُسهم في استمرار الانتهاكات الجسيمة والفظائع وجرائم الإبادة.

أمجد فريد الطيب

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • مجلس الأعمال المصري الأمريكي: الشركات الأمريكية تعد جزءا لا يتجزأ من تنمية مصر
  • الاتهام الأمريكي يُمثّل امتدادًا لإرث مولي فيي، والتي اتسم سجلها بانحياز سافر ومُشكِل ضد السودان
  • العقوبات الأمريكية ضد السودان هدية للصين
  • العقوبات الأمريكية على السودان: ما لها وما عليها
  • العقوبات الأمريكية على السودان … السيناريو المكرر
  • وزارة الخارجية السودانية: ننفي المزاعم غير المؤسسة التي تضمنها بيان وزارة الخارجية الأمريكية
  • العقوبات الأمريكية على السودان- لحظة محورية أم تعميق للمأزق؟
  • المركز الأمريكي للعدالة: مليشيا الحوثي منعت فرق الإنقاذ من الوصول الى ضحايا انفجارات مخازن أسلحتهم بصرف وتطالب بتحقيق دولي عاجل
  • اقتصاد الظل في السودان: تحالفات الخفاء التي تموّل الحرب وتقمع ثورة التحول المدني
  • الذي يحكم الخرطوم يحكم السودان، فهي قلب السودان ومركز ثقله السياسي