✍️بقلم محمد الربيع
—————
أنّي لتطربني الخِلالُ كريمة - طربُ الغريبِ بأوبةٍ وتلاقي
وتهزّني ذكرُ المروءةِ والندَي - بين الشمائلِ هِزّة المشتاقِ
فإذا رُزِقتَ خليقة محمودةٍ - فقد إصطفاك مقسّمُ الأرزاقِ
لا تحسبنّ العلم ينفع وحده - ما لم يتوّج ربه بخلاقِ
،،،،، حافظ إبراهيم ،،،،،

✍️في مسلك مكرر من سلاح الطيران السوداني والذي لا يعبّر إلّا عن الأحقاد الدفينة وإخراج أسوأ ما في النفس اللوامة من سخائم وأدران قصفت طيران البرهان مستشفي مدينة كُتُم بولاية شمال دارفور مخلفاً عشرات الشهداء والجرحي أغلبهم من النساء والأطفال وكبار السن وتدمير كامل المستشفي الذي يعتمد عليه الآلاف رغم شُحّ الإمكانيات في ظل هذه الأوضاع المأساوية خاصة بعد خروج كل مشافي الفاشر من الخدمة بسبب قصف الطيران أيضاً والتي يقودها طيّارون قادمون من الجحيم ولا علاقة لهم بهذا الشعب وقيمه وأخلاقه، بل لا علاقة لهم بالإنسانية جمعاء!! فقد دمروا كل مؤسسات البني التحتية في إقليم دارفور وعلي رأسها المستشفيات التي تهب الحياة للملايين لكن ذلك لا تعجب صاحب "فلترق كل الدماء" وهؤلاء الوحوش الأوباش نهديهم قصة هذا الطيّار الأسطورة إبن المدينة المنكوبة.



✍️ في إحدي الليالي الصيفية الحارقة في عام 1993 بينما كانت الخرطوم تعيش في رعب سنوات الجمر الكيزاني الرهيب ضد الشرفاء الذين تم تصنيفهم كمعارضين وأعداء إمتلأت بهم بيوت الأشباح وما فيها من أهوال ومآسي يشيب لها الولدان جري هذا الحوار في مكانٍ ما بين زميلين صديقين: —
النقيب طيّار : أنا سوف أهرب بطيارتي هذه غداً صباحاً.
مسئول المراقبة الجوية : ولماذا؟
النقيب طيّار : إن القيادة حددت لي أهدافاً في جنوب كردفان وأعطاني التعليمات بقصفها ولم أفعل للمرة الثانية وألقيتُ براميل البارود في الخلاء لأن الأهداف ليست عسكرية ولا توجد قوات للتمرد هناك مطلقاً! بل للأسف إنها قُرَي لمدنيين بسطاء.
مسئول المراقبة الجوية: وهل تحدثتَ مع القيادة؟ وماذا كان ردهم؟
النقيب طيّار : نعم تحدثتُ وقلتُ للقائد لا توجد قوات متمردة هنا! بل قرية وأنا أسمع حالياً صوت آذان الفجر الذي أسمعه بوضوح وأنا في الجو!
فكان الرد الصادم من القيادة : ما تهتم بآذان ولا مؤذن "أحرق العبيد"!!!! "نحن هنا لا يهمنا عجز العبارة الصادمة(احرق العبيد) لأنها في الأخير تكشف عن عنصرية القائد وإستعلائه العرقي! لكن ما يعنينا هنا هو صدر العبارة والذي يأمر بأحراق المساجد بما فيها من مصاحف وآذان ومؤذن ومصلين!! وتخيّل يا صديقي أن العبيد هؤلاء هم شعب النوبة العظيم وهم أصل السودان وحضارته!!
مسئول المراقبة الجوية : وكيف تهرب وإلي أين؟
النقيب طيّار : أهرب بطائرتي إلي أريتريا وأنضم إلي المعارضة (التجمع الوطني) وليكن ما يكون.
مسئول المراقبة الجوية: أن المراقبة عالية في الجبهة الشرقية نسبة لنشاط قوات التجمع الوطني وكذلك جيش الحركة الشعبية التي تنشط في مناطق الكرمك وقيسان وسوف يتم أسقاطك، لكنني سأكون مسئولاً عن برج رادار بورتسودان غداً ويمكنك الخروج من عندي ولحظة عبورك سوف (أشغلُ نفسي بشيءٍ ما حتي تمر) وتتجه إلي السعودية شريطة أن تطير في إرتفاع منخفض جداً بضع أمتار من سطح البحر حتي لا يلتقطك أيّ رادار ولا ترتفع إلّا عند المياه الإقليمية في شواطيء مدينة جدة ….
النقيب طيّار: حسناً سأفعلها ولو تكلفني حياتي فهي أهون لي من قتل مواطن سوداني واحد!
وفي اليوم التالي وبعد تعبئة الطائرة الأنتبنوف بالبراميل المتفجرة مع تعليمات مشددة للطيّار الذي كان يعلم بأن الإستخبارات العسكرية ترصده ولو أخطأ الهدف هذه المرة فللخطأ ثمنه! لكنه بدلاً من التوجه إلي جنوب كردفان توجه شمالاً صوب مدينة بربر ثم شرقاً إلي بورتسودان وسارت الخطة بنجاح بفضل الله وكما قيل "النية زاملة سيدو" ونجا النقيب البطل من الموت بأعجوبة رغم التعليمات الصادرة بإسقاطه ووصل بطائرته إلي السعودية في ذروة تدهور العلاقة بين البلدين!! فأحدث دويّاً إعلامياً هائلاً حجبته إعلام الكيزان حينها!

???? لم يكن بطل قصتنا الأسطورية هذه سوي الضابط العظيم النقيب طيّار - أحمد أبو القاسم - المولود في مدينة كُتُم بولاية شمال دارفور وأحد أكفأ الطيارين السودانين متحدثاً مع إبن دفعته (لا أذكر أسمه)! والذي إستقبله الأمير بندر بن عبدالعزيز في قصره الفخيم بمدينة جدة! "فلما جاءه وقصّ عليه القَصَص قال لا تخف نجوتَ من القوم الظالمين" وفي صبيحة اليوم التالي سافر ثلاثة من قادة النظام البائد إلي السعودية ( الزبير محمد صالح، عبدالرحيم محمد حسين والطيب سيخة) تقفياً لأثره مع تعليمات بإحضاره حياً أو ميتاً وعندما قابلهم الأمير السعودي والذي كان قد سمع القصة من (خشم سيدو) قال لهم هذه هي طائرتكم خذوها لكن هو ضيفي ومستجير بي لن يقابلكم إلا برغبته! وعندما سأله الأمير إن كان يرغب في مقابلتهم؟ أجاب البطل الطيّار بنعم (لأنها كانت فرصة لإعطاءهم درساً في الأخلاق وفش الغبينة) وقد كان ،،،، وعندما حاولوا خداعه وقال له الزبير : لا تخف فأنت إبننا ولك الأمان. قال لهم : هل علمتم ما فعلتم بضباط رمضان وأنتم متجبرون؟ فبهت الذين كفروا وعادوا بخفّي حنين.

☀️الطيّار النبيل أحمد أبو القاسم تم إبتعاثه لمعهد الطيران الدولي بأبوجا للتأهيل العالي علي نفقة الأمير بندر ثم عاد وتم قبول طلبه في مكتب الأمم المتحدة فوراً وتوطينه في دولة السويد وسافر بين (دموع الأمير بندر ) الذي كان يرجو بقاءه في المملكة والإنضمام لهيئة الطيران الملكي ويختار هو راتبه!! لكنه إعتذر بلطفٍ ورفض بإصرارٍ عجيب فمثله لا يبحث عن المال بل عن القِيَم والمُثُلْ والأنسانية!! وحالياً هو أحد أفضل الطيارين في العالم أجمع!!!

✍️أن قصة البطل الأسطوري النقيب طيّار - أحمد أبو القاسم وما فيها من قيم ومثل وأخلاق ووطنية فضلاً عن الإنسانية العالية يجب أن يدّرس في كل الكليات العسكرية والمعاهد الجامعية وأن تظل حية في ذاكرة الأجيال جيلاً بعد جيل لأنها تكشف الجانب المضيء وكُوّة الضوء في عتمة وظلام الطيران السوداني المليئة بالخيّبات والأحقاد ضد شعوب الهامش جنوباً وغرباً ،،،، وقصة مليئة بالدروس والعبر والشجاعة المنقطعة النظير لبطل عرّض حياته للموت في سبيل شعبه فأنجاه الله ،،،، كما أن قصته يجعلنا مصرّين أكثر من أي وقتٍ مضي بضرورة إعادة تأسيس وبناء المؤسسات العسكرية والأمنية علي أسس قومية وطنية بعقيدة جديدة فمن الظلم والخطل أن يكون كل الطيّارين في سلاح الجو السوداني من قبيلتين ورقعة جغرافية صغيرة وكذلك كل الموظفين في أبراج المراقبة والرادارات الذين يوجهون الطيارين وحركة الطائرات من نفس المكان! هذا هو الإختلال في الميزان والظلم الذي يجب أن ينتهي وإلي الأبد.
وهؤلاء الطيّارين قتلة الأطفال والأنعام سوف لن تكون نهاياتهم بأفضل من نهايات طاقم الطيارين الأمريكيين الذي ألقوا القنابل الذرية علي هيروشيما وناجازاكي حيث ماتوا جميعاً ما بين الإنتحار ومشافي المجانين!!
قبل الختام:
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه - فقوّم النفس بالأخلاق تستقمِ
والنفسُ من خيرِها في خير عاقبةٍ - والنفسُ من شرّها في مرتعٍ وخِمِ

m_elrabea@yahoo.com

   

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

توسع أمازون في تسويق أدوات المراقبة والذكاء الاصطناعي للشرطة

في تقرير استقصائي مثير، كشفت مجلة فوربس الأمريكية عن تفاصيل جديدة حول جهود شركة أمازون المكثفة لتوسيع نفوذها في مجال خدمات المراقبة والذكاء الاصطناعي الموجهة لأجهزة إنفاذ القانون. 

التقرير يوضح أن الشركة لم تعد تكتفي بتقديم خدمات أمازون ويب سيرفيسز AWS كمزود سحابي عام، بل تسعى بشكل استراتيجي لتسويق منصاتها كأدوات أمنية متطورة للشرطة والجهات الحكومية حول العالم.

وبحسب الوثائق والمراسلات التي حصلت عليها فوربس، تعمل أمازون على بناء شبكة شراكات مع شركات متخصصة في مجالات المراقبة وتحليل البيانات وتطبيقات الأمن العام، بهدف تعزيز وجودها في سوق يُقدّر حجمه بأكثر من 11 مليار دولار لتكنولوجيا الشرطة.

 وتشمل هذه الشراكات شركات معروفة مثل Flock Safety المتخصصة في أنظمة تتبع المركبات وقارئات لوحات الترخيص، وشركة ZeroEyes المطورة لتقنيات كشف الأسلحة باستخدام الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى C3 AI وRevir Technologies اللتين تقدمان منصات لمراكز العمليات الأمنية وتحليل الجرائم في الوقت الفعلي، فضلًا عن شركات مثل Abel Police وMark43 التي توفر أنظمة ذكية للمساعدة في كتابة التقارير الشرطية تلقائيًا.

وبحسب التقرير، تُظهر رسائل البريد الإلكتروني المتبادلة بين موظفي فريق "الأمن العام وإنفاذ القانون" في أمازون أن الشركة تسعى بشكل واضح إلى ترسيخ مكانتها في هذا القطاع المربح عبر تقديم حلول تقنية متكاملة تدعم عمليات الشرطة في الميدان والتحقيقات الجنائية. 

وتشير المراسلات إلى أن الهدف هو جعل خدمات AWS بمثابة البنية التحتية الرقمية الأساسية لتقنيات المراقبة والذكاء الاصطناعي الأمني في الولايات المتحدة وخارجها.

لكن هذه الاستراتيجية لم تمر دون إثارة جدل واسع. فقد أشعلت جهود المبيعات المكثفة التي تقوم بها أمازون موجة من الانتقادات الحادة من قبل منظمات حقوقية ومدافعين عن الخصوصية، الذين يرون أن دمج تقنيات المراقبة المتقدمة بالذكاء الاصطناعي في العمل الشرطي قد يؤدي إلى انتهاكات واسعة للحريات المدنية واستخدامات خاطئة للتقنيات الحساسة.

ويحذر خبراء في التكنولوجيا من أن الاعتماد المفرط على خوارزميات الذكاء الاصطناعي في مراقبة الأفراد أو اتخاذ قرارات ميدانية قد يُنتج نتائج غير دقيقة أو متحيزة، خصوصًا في ظل غياب الضوابط التنظيمية الصارمة. 

كما أن العديد من إدارات الشرطة، بحسب التقرير، لم تُظهر التزامًا كاملاً بالقوانين المنظمة لاستخدام هذه الأنظمة، ما يثير مخاوف إضافية حول سوء استخدامها.

وفي تصريحات لمجلة فوربس، قال جاي ستانلي، كبير محللي السياسات في اتحاد الحريات المدنية الأمريكية (ACLU): "من المؤسف أن نرى إحدى أكبر الشركات في العالم تروج لتقنيات المراقبة التي يمكن أن تُستخدم بطرق استبدادية"، مضيفًا: "لم أكن أعلم أن أمازون أصبحت تلعب دور الوسيط لتقنيات الذكاء الاصطناعي الموجهة لإنفاذ القانون".

ويرى محللون أن تحركات أمازون الأخيرة تمثل محاولة واضحة للدخول بقوة في قطاع الأمن العام، الذي يشهد منافسة متزايدة بين شركات التكنولوجيا الكبرى مثل مايكروسوفت وجوجل، اللتين تقدمان بالفعل خدمات سحابية متطورة لجهات حكومية وأمنية. 

غير أن دخول أمازون إلى هذا المجال يثير قلقًا خاصًا بسبب سجلها الواسع في جمع البيانات عبر أجهزتها الاستهلاكية مثل رينغ وكاميرات المراقبة المنزلية، وهو ما يمنحها وصولًا استثنائيًا إلى كميات هائلة من البيانات التي يمكن ربطها بشبكات المراقبة الحكومية.

وفي ظل هذا التوجه المتسارع، يُتوقع أن يزداد الجدل حول العلاقة بين شركات التكنولوجيا العملاقة والسلطات الأمنية، خصوصًا في غياب تشريعات واضحة تحدد حدود استخدام الذكاء الاصطناعي في المراقبة وإنفاذ القانون.

 ومع اتساع نفوذ أمازون في هذا القطاع، يبقى السؤال مطروحًا: هل ستظل التقنيات الذكية أداة لتعزيز الأمن فقط، أم أنها ستتحول إلى وسيلة جديدة لتقليص الخصوصية وتوسيع المراقبة في الحياة اليومية؟

مقالات مشابهة

  • تدمج بين القدرات الجوية والبرية للروبوتات.. اتفاقية لترخيص ملكية مركبة جوية بدون طيار
  • يراقب المرء بأسى التدهور العقلي الذي اصاب كاتب رصين مثل النور حمد
  • «كاوست» و«أرامكو» توقعان اتفاقية ترخيص ملكية فكرية لتقنية المركبة الجوية بدون طيار الهجينة (HUCT)
  • سمو الأمير يصل مدينة شرم الشيخ
  • «كاوست» و«أرامكو» توقعان اتفاقية ترخيص ملكية فكرية لتقنية المركبة الجوية دون طيار الهجينة «HUCT»
  • الاتحاد الأوروبي سيستأنف المراقبة في معبر رفح بين غزة ومصر
  • حدود غزة ومصر.. أوروبا تعلن استئناف مهمة المراقبة
  • “درع السودان” تحبط محاولة تسلل إلى مدينة محورية في شمال كردفان
  • توسع أمازون في تسويق أدوات المراقبة والذكاء الاصطناعي للشرطة
  • ليلى علوي: محبة الناس هي أعظم تكريم في حياتي