رواية قيامة الزئبق للراحل كمال الجزولي
تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT
تقديم
عرف المستشار القانوني المحامي كمال الجزولي منذ ريق يفاعته وحداثته شاعراً مطبوعا، ومن بعد مشتغلاً بالشأن السياسي العام بما في ذلك العمل في المكتب القيادي أميناً عاماً لإتحاد الكتاب السودانيين؛ كما اشتهر بكتابة المقالات الضافية في المسائل الفكرية والثقافية وتحرير صفحات راتبة في الصحافة السودانية.
وقد يتساءل المرء عن علاقة الزئبق بأحداث رواية تجري معظم أحداثها في أم درمان. يبدو لي أن الكاتب استعان بما في الحكايات المتواترة عن الزئبق الأحمر من أساطير فهذه المادة العجيبة ارتبطت بالسحر والجن وقيل أنها تعمل على تحقيق الرغبات فالحكايات المتصلة عن الزئبق لاسيما الأحمر منه تعود إلى آلاف السنين إذ تعتبر القصص عن الزئبق الأحمر في معابد الكهنة في مصر الفرعونية سراً لا يعرفه إلا الكهنة فقد وجد الزئبق الأحمر في أفواه المومياءات .
يتضح لنا اختيار الكاتب لحيلة الزئبق في قيامته حيث يتكشف لنا أن صديقه السيراليوني المزعوم ديفيد روبرت مورغان الذي صور لنا الراوي لقاءه به ثم صداقته أثناء دراسة القانون بكييف ما هو إلا كائن وهمي أنبته الزئبق في خيال الراوي ومن عجب أن الراوي أفصح عن اسم الكاتب الحقيقي للرواية حين مد يده لروبرت ديفيد مورغان محيياً وقال "أوه معذرة لاعليك؛ كمال الجزولي من السودان”.
وقد أفصح هذا الكاتب-الراوي عن دراسته بالخارج في أوكرانيا وعن مهنة أبيه الحقيقية حين استقبله بمطار الخرطوم لدى عودته. وربما قصد الكاتب من وراء ذلك أن يبين لنا الواقع الحي مقابل الخيال والرؤى فيما تبدى من سيرة روبرت ديفيد مورغان.
وتستمر المفاجأت في حبكة هذه الرواية فمورغان السيراليوني الكييفي يشبه في الهيئة والملكات الأمدرماني أسعد محمود مرجان الشهير بمورغان هو الآخر، صديق الراوي وابن سرحته في الطفولة والشباب وفصول الدراسة، وتمضي حبكة الرواية أبعد من هذا إذ لم تتم مراسلات بين الراوي وروبرت مورغان فحين عاد الراوي من كييف لأم درمان نسي العنوان في الطائرة بدفتر كان مورغان قد أعطاه له.
وبه الفصل الأخير من قصة برنس مارغاي التي كتبها مورغان وبعد خمسة عشر عاماً من تلك الأحداث قام الراوي كمال حين أصبح أمينا عاماً لإتحاد الكتاب السودانيين بزيارة للقاهرة بدعوة في مناسبة أدبية وحين اطلع على قائمة المدعوين وجد اسم ديفيد روبرت مورغان بينهم ولدى مقابلته بعد لأي من البحث عنه حياه مستفسراً عنه وعن قصصه و للدهشة وقف روبرت ديفيد مورغان بكل هيئته وملامحه مستنكراً معرفته بالراوي وقال إنه شاعرلم يكتب قصةً قط ونفى صلته بالقانون ولم يزر كييف في حياته فهو قد درس علم النفس بلندن. عاد الراوي لأم درمان تلفه الصدمة وحين بحث في ألبوم صور ذكرياته الجامعية بكييف لم يعثر داخله أية صورة لروبرت مورغان صديقه القديم ولا لقطة تجمعهما معاً على الرغم من الصداقة الممتدة بينهما طوال سنوات الدراسة فيما روى الراوي بخيال جنيّ ربما بفعل قيامة الزئبق. فلعلها كانت رؤى دافعها الحب العميق من قبل الراوي لصديقه الأمدرماني أسعد محمود مرجان الشهير بمورغان
القتل بفصل الرأس عن الجسد والغموض حدث فيه تطابق بين قصة البرنس مارغاي التي ألفها مورغان بكييف وسلمها للراوي وبين مقتل أسعد مرجان إذ فصل رأسه بنفس الكيفية و نفس الغموض. هذه الكتابة ليس الغرض منها التوغل بعيداً في سرد حبكتها المشوقة والفقرة التالية منها تكشف عن سر ومعنى قيامة الزئبق بين ما هو قائم في الواقع فعلاً وما هو من نسج أخيلة الراوي:
و"وضـــعت الدفتر فـــي جيـــب ظهـــر المقعـــد القـــائم أمـــامي، واسُّتغرقتني، بفعل الإرهــاق، غفــوُة عميقــة تخللتهــا بعــض المرائي المشوشة لحفــل عــرس فــي داخلية جامعتنــا بحــي الضباط بأم درمان! غنى فيــه روبــرت موُرغــان، دويتو مع شــرحبيل احمــد! وعــزف لهمــا أسُّــعد مرجــان علــى الجيتار الكلاســـيكي إلـــى جـــانب صـــلاح بـــراون علـــى الساكس وقاد حلبة الرقص برنس مارغاي وكمال كيلا!
وعلى القارئ الكريم الاستمتاع بالتغريبات المواترة في سيرة محمود مرجان والد أسعد وبالحكي عن والدة أسعد مرجان المصرية و أدم أب أضان عم أسعد وهذا في الرواية عالم بحاله.
وأعتقد أن القراء موعودون في الإطلاع على رواية قيامة الزئبق بمتعة كبيرة فالرواية تنساب بلغة سلسلة مزدانة بالصورالشعرية الأخاذة للكاتب الشاعر المبدع.
بشرى الفاضل
تورونتو- كندا
في 14 أكتوبر 2023
bushralfadil@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
هيئة الكتاب تصدر رواية «جبل الشوع» لـ زهران القاسمي
أصدرت وزارة الثقافة المصرية، ممثلة في الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، رواية جديدة بعنوان "جبل الشوع" للكاتب العُماني زهران القاسمي، وذلك ضمن سلسلة الإبداع العربي المعنية بنشر أبرز الأعمال السردية في العالم العربي.
تدور الرواية حول رحلة يقوم بها بطل العمل عبد الله الصربوخ، بعد تقاعده من الخدمة العسكرية، حيث يعود إلى ماضٍ لم يغادره، بل بقي حيًا في الذاكرة رغم مرور الزمن.
يصاحب البطل في رحلته أربعة من أصدقائه، أحدهم والده، وينطلقون معًا في مسارات متعددة بين عُمان، البحرين، الهند، وزنجبار، في سردية تمزج بين التوثيق والتخييل.
يعتمد القاسمي في الرواية على نسق السرد الحر، متنقلاً بين الأمكنة والأزمنة، ليكشف عن تاريخ من الشح والمعاناة، صراع طويل مع قسوة الطبيعة وظروف العيش في حياة القبائل.
كما ترصد الرواية تناقضات صارخة ومعاناة إنسانية شديدة، تضع الشخصيات في مواجهة الرحيل والفقد والظلم.
ويُعد زهران القاسمي أحد أبرز الأصوات الأدبية في سلطنة عمان، حيث ولد عام 1974، وله عدة أعمال شعرية وسردية، من أبرزها "جوع العسل" و"تغريبة القافر"، وحصد العديد من الجوائز الأدبية، أبرزها الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) عام 2023، ووسام الإشادة السلطاني عام 2024.
تأتي الرواية كإضافة مهمة في مشهد السرد العربي، وتؤكد حرص هيئة الكتاب على تقديم أصوات أدبية متنوعة، تسلط الضوء على تجارب إنسانية من عمق الثقافة العربية.