جريمة حرق المصحف: أحدث تجليات الإسلاموفوبيا
تاريخ النشر: 10th, August 2023 GMT
جريمة حرق المصحف: أحدث تجليات الإسلاموفوبيا لا جذرها
وصفت الشرطة الدنماركية مظاهرة ركل المصحف الشريف بالأقدام بأنها «كانت سلمية.. من وجهة نظر البوليس»!
«الإسلام» هنا يتم تحويله لـ«تهديد خارجى» الذى يوحد الأمة ويؤدى لتماسكها الوطنى. وهى فكرة يعاد إنتاجها لتتناسب مع كل عصر.
كغيرها من أنماط كراهية الآخر، الإسلاموفوبيا ليست ثابتة بل تأخذ أشكالًا كثيرة تختلف من مكان لآخر ومن زمن لآخر، وتعيد إنتاج نفسها بنفسها.
«الإسلاموفوبيا» تقوم على فرضية اخترعتها تيارات بالثقافة الغربية وصدقتها وهي أن «الإسلام» دين عدوانى بطبعه ويستحيل انصهاره فى بوتقة المجتمعات الغربية.
رئيس وزراء السويد، رغم إدانة حكومته حرق المصحف، فقد قال إن الفعل «رغم قانونيته، غير مناسب». ولم يعتبره مثلًا «جريمة كراهية»، بل فقط «غير مناسب».
* * *
كنت فى المقال السابق عرضت باختصار لأحداث حرق المصحف الشريف وتدنيسه بالسويد والدنمارك. وقلت فى نهاية المقال إننى أتفق مع الرؤى التى ربطت الأحداث بالـ«إسلاموفوبيا»، وإن ارتأيت ألا نختزل الظاهرة فيها وحدها. فالإسلاموفوبيا هى أحدث تجليات المشكلة، لا جذورها ولا حتى جوهرها.
لكن قبل تناول الإسلاموفوبيا أجد من المهم الإشارة لما يقوله المسؤولون بالبلدين، لأنه يمثل نموذجًا ممتازًا للطبيعة الهيكلية لما نحن بصدده وجذوره، كما سيتضح فى هذه السلسلة.
فالشرطة الدنماركية وصفت مظاهرة ركل المصحف الشريف بالأقدام بأنها «كانت سلمية.. من وجهة نظر البوليس»!، أما رئيس وزراء السويد، فرغم أن حكومته أدانت حرق المصحف يوم عيد الأضحى، فقد قال الرجل إن الفعل «رغم قانونيته، إلا أنه غير مناسب». وتعبير «غير مناسب» هو ما يستحق التأمل. فهو لم يعتبره مثلًا «جريمة كراهية»، وإنما اعتبره ببساطة «غير مناسب».
أكثر من ذلك، فرغم أنه وصف اقتحام سفارات بلاده فى العالم الإسلامى، احتجاجًا على حرق المصحف بأنه «ليس مقبولًا على الإطلاق»، فإنه لم يستخدم حتى تلك العبارة نفسها أى «ليس مقبولًا على الإطلاق» لوصف الجريمة الأصلية التى نتج عنها الاقتحام، وإنما دعا «للهدوء» داخل السويد لأن «الوضع الأمنى خطير، ولا داعى لإهانة الآخرين».
وكلمة «الآخرين» لافتة هى الأخرى، إذ إن المسلمين الحاملين للجنسية السويدية صاروا يندرجون تحت اسم «الآخرين»، الأمر الذى يغذى بالضرورة فكرة اختلافهم عن باقى السويديين!
فالمفردات التى يستخدمها السياسيون عادة ما يتم انتقاؤها بعناية خصوصًا فى ظروف قال عنها الرجل بنفسه إنها تمثل «وضعًا أمنيًا خطيرًا»، الأمر الذى يلزم معه أن نولى اهتمامًا معتبرًا لعملية إنتاج المعنى فى الغرب لأنها تقع فى القلب من الظاهرة برمتها.
أما «الإسلاموفوبيا» فتقوم، باختصار، على فرضية اخترعتها تيارات بالثقافة الغربية وصدقتها، ومؤداها أن «الإسلام» دين عدوانى بطبعه ويستحيل انصهاره فى بوتقة المجتمعات الغربية.
لاحظ هنا أن ما يزعمون استحالة انصهاره ليس المسلمين وإنما الإسلام نفسه. والفرضية تضيف، دون دليل، أن «المسلمين» فى الغرب مرتبطون بشبكات عالمية للإرهاب، كالقاعدة.
وكغيرها من أنماط كراهية الآخر، فـ«الإسلاموفوبيا» ليست ثابتة وإنما تأخذ أشكالًا كثيرة تختلف من مكان لآخر ومن زمن لآخر، وتعيد إنتاج نفسها بنفسها.
فـ«الإسلاموفوبيا» فى الكثير من المجتمعات الغربية ليست مجرد أحداث فردية، إذ تم مأسستها، بمعنى أنها صارت إطارًا من الأعراف والتقاليد والسلوك، وتنبنى عليها أيضًا القوانين. ومن هنا لا يجوز الاعتداد بأن من حرق المصحف الشريف من أصل عراقى.
فهو انسحق فى ذلك الإطار الهيكلى نفسه. ولغة خطاب السياسيين ذات طابع هيكلى هى الأخرى. فخطابها موجه للجماهير ويمثل استراتيجية للوصول للحكم تلعب على مشاعر الناس وتستغل مظالمهم. وتلك استراتيجية اتخذت مؤخرًا طابعًا شعبويًا فاشيًا بأمريكا وأوروبا.
معنى ذلك أن «الإسلاموفوبيا» ليست مجرد ظاهرة تستهدف المسلمين وإنما لها وظيفة فى المجتمعات الغربية. إذ إن آسيا والشرق الأوسط، حيث يعيش المسلمون، يُستخدمان كمحدد للهوية الغربية.
فـ«الإسلام» هنا يتم تحويله لـ«تهديد خارجى» الذى يوحد الأمة ويؤدى لتماسكها الوطنى. وهى فكرة يعاد إنتاجها لتتناسب مع كل عصر.
فهى بالأمس كانت بزعم «مواجهة الإرهاب»، واليوم بطابعها اليمينى الفاشى تزعم «حماية القيم» من المهاجرين الجدد، بل وضد من صاروا مواطنين منهم ولكن جاؤوا من العالم العربى الإسلامى، بمن فيه المسيحيون الشرقيون بالمناسبة. فالقضية تتعلق بالثقافة والحضارة التى أتوا منها، بل وبلون البشرة بالمناسبة، أكثر منها متعلقة بالدين!
*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، باحثة في الشأن الأمريكي.
المصدر | المصري اليومالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: السويد الدنمارك الغرب الإسلام المسلمون آسيا الشرق الأوسط مواجهة الإرهاب حرق المصحف المصحف الشریف حرق المصحف غیر مناسب
إقرأ أيضاً:
الاحتياطي الفيدرالي: النهج الحذر مناسب وسط حالة عدم اليقين
اتفق مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على أن تصاعد حالة عدم اليقين الاقتصادي يبرر تبنّي نهج حذر حيال تعديل أسعار الفائدة، وفق ما ورد بمحضر الاجتماع الأحدث للبنك المركزي الأميركي، الصادر يوم الأربعاء.
ورأى صانعو السياسات النقدية أن مخاطر ارتفاع كل من البطالة والتضخم قد ازدادت منذ اجتماعهم السابق في مارس، ويرجع ذلك إلى التأثير المحتمل للرسوم الجمركية. وأن مثل هذا السيناريو قد يضع الاحتياطي الفيدرالي أمام معضلة تحقيق التوازن بين استقرار الأسعار وتحقيق أقصى قدر من التوظيف.
وجاء في محضر اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة المنتهي في 7 مايو: "اتفق المشاركون على أن النمو الاقتصادي وسوق العمل لا يزالان قويين، ومع السياسة النقدية الحالية التي تُعد تقييدية بشكل معتدل، فإن اللجنة في وضع جيد لانتظار المزيد من الوضوح بشأن آفاق التضخم والنشاط الاقتصادي".
عدم وضوح التوقعات الاقتصادية
"اتفق المشاركون على أن الغموض بشأن التوقعات الاقتصادية قد ازداد، ما يجعل من المناسب اعتماد نهج حذر إلى أن تتضح المحصلة الاقتصادية النهائية للتغيرات التي تشهدها السياسات الحكومية"، وفق ما ورد بمحضر الاجتماع.
المحضر يبرز استعداد مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي للإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير لبعض الوقت، في ظل الغموض الذي تخلقه تحولات السياسة في واشنطن على التوقعات الاقتصادية. وأبقى صانعو السياسات النقدية على النطاق المستهدف لأسعار الفائدة المرجعية للبنك المركزي عند 4.25% و4.5% خلال اجتماع مايو، وذلك للمرة الثالثة على التوالي.
سياسات اقتصادية متغيرة تخيم على التوقعات
تُعد السياسات التجارية المتغيرة التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترمب من بين أبرز العوامل التي تزيد غموض التوقعات الاقتصادية. وتجدر الإشارة إلى أن اجتماع الفيدرالي هذا الشهر عُقد قبل أيام فقط من إعلان الولايات المتحدة والصين عن اتفاق مؤقت لخفض الرسوم الجمركية على واردات كل منهما من الأخرى.
ورغم هذا التخفيف الأخير في الرسوم، لا تزال التعريفات الجمركية على الواردات مرتفعة تاريخياً، مما دفع العديد من الشركات إلى تجميد قرارات التوظيف والاستثمار.
يتوقع الاقتصاديون على نطاق واسع أن تؤدي الرسوم إلى رفع التضخم وإبطاء النمو الاقتصادي، رغم أن بعض المحللين خفّضوا توقعاتهم حيال حدوث ركود هذا العام بعد تهدئة التوترات مع الصين.
احتمالات ركود الاقتصاد الأميركي
أظهر المحضر أن مسؤولي الفيدرالي خفّضوا توقعاتهم للنمو الاقتصادي في عامي 2025 و2026، استناداً إلى السياسات التجارية المعلنة.
وجاء في المحضر: "رأى المسؤولين أن احتمال دخول الاقتصاد في حالة ركود بات قريباً من فرص السيناريو الأساسي المتوقع".
ضعف سوق العمل
وتوقع المسؤولون أن تشهد سوق العمل "ضعفاً كبيراً"، مع ارتفاع معدل البطالة فوق ما يسمى بالمعدل الطبيعي هذا العام وبقائه مرتفعاً حتى 2027. كما لوحظ أن التعريفات الجمركية ساهمت في تعزيز التضخم "بشكل ملحوظ" هذا العام.