هكذا تسهم الأُسر السودانية المضيفة في تحمل أعباء أزمة النزوح
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
الفاشر- في منزل تقطنه أسرة سودانية بسيطة بقرية شقرة، غرب مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، تجتمع ربة المنزلة سعادة الفاتح مع 10 أفراد نازحين تستضيفهم عائلتها، ورغم محدودية إمكانياتها، فإنها تُظهر روح التسامح والكرم التي طالما اشتهر بها السودانيون.
وبينما كانت تمتطي حمارها في طريقها لجلب المياه من بئر قريب، تقول سعادة للجزيرة نت: "لا سبيل لنا سوى مشاركة ما لدينا من طعام مع هؤلاء الضيوف الذين فروا من منازلهم بسبب النزاع والعنف، وحان دورنا الآن لنساعدهم قدر المستطاع".
وذكرت أن احتياجاتهم في تزايد مستمر وما تقدمه المبادرات والمنظمات المحلية لا يلبي سوى القليل منها. وتتحدث سعادة (35 عاما) بحزن عن معاناة النازحين وتحديات الأُسر المضيفة، وتقول إن الموارد المحدودة تشكل عبئا ثقيلا عليهم وإنهم بحاجة إلى مزيد من الدعم والمساعدات ليتمكنوا من استضافة هؤلاء النازحين بشكل أفضل.
ووفقا لتقارير الأمم المتحدة، بلغ عدد النازحين في السودان نحو 3.1 ملايين نازح، بينهم 1.5 مليون في دارفور وحدها، ويقيم أغلبهم في مراكز إيواء غير رسمية في ظروف صعبة، بينما يقطن الآخرون مع عائلات مضيفة تواجه تحديات كبيرة في توفير الغذاء والمياه والإيواء لهم، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
كما يعيش العديد من النازحين في هذه المراكز في خيام بدائية وغير مؤهلة للسكن، مما يعرضهم لمخاطر الطقس القاسي وانتشار الأمراض خاصة مع اشتداد هطول الأمطار هذه الأيام.
وفي حديثها للجزيرة نت، تقول عواطف إدريس، من قرية "قولو" غرب الفاشر، إن مساحة منزلها المتواضع والمحدود لم تمنعها من استقبال 10 أفراد من الأقارب الذين فروا من منازلهم في الفاشر. وأكدت أنهم سيستمرون في استضافتهم ولا يمكنهم التخلي عنهم وأنهم أصبحوا جزءا من الأسرة ويكافحون جميعا للحصول على الطعام.
في السياق نفسه، قال الناشط المتطوع محمد علي آدم -للجزيرة نت- إن استضافة العائلات الفقيرة للنازحين في القرى ذات الدخل المحدود تشكل تحديا كبيرا لهم. وتابع أن هذه الأسر بالكاد تستطيع تلبية احتياجاتها الأساسية، وأن إضافة عائلات لهم تشكل عبئا كبيرا عليهم وتزيد من معاناتهم وتعمق ضائقتهم المالية، وشدد على ضرورة تدخل المنظمات الإنسانية لدعمها وتخفيف العبء عنها.
وبرأي الباحث في علم الاجتماع محمد سليمان، فإن استضافة العائلات في القرى الآمنة لأعداد كبيرة من النازحين بمنازلهم، قد يسبب ضغوطا نفسية واجتماعية على هذه الأُسر، لا سيما في ظل محدودية الدخل.
وقال -للجزيرة نت- إن هذا الوضع قد يؤدي إلى توتر في العلاقات الاجتماعية وزيادة المنافسة على الموارد المحدودة، وإن الأسر المضيفة بدارفور تواجه تحديات كبيرة في توفير السكن والغذاء والرعاية الصحية للنازحين، مما يؤثر على قدرتهم على الوفاء باحتياجاتهم الأساسية.
وحسب سليمان، فقد يؤدي هذا الوضع إلى الفقر وإلى ظهور مشكلات سلوكية واضطرابات نفسية بين الأطفال والشباب في مجتمعات الاستضافة. كما أن أغلب النازحين يعانون من صدمات نفسية نتيجة الحرب وترك ديارهم ومنازلهم والتعرض للنزوح القسري.
وأوضح المتحدث نفسه أن تفكك الروابط الاجتماعية والأسرية للنازحين قد يؤدي إلى انعزالهم وزيادة شعورهم بالوحدة والاغتراب في مجتمعات الاستضافة، وقال إن هذا قد يعرضهم لمخاطر الاستغلال والتهميش الاجتماعي.
ودعا سليمان إلى ضرورة توفير برامج دعم نفسي واجتماعي للنازحين والأسر المضيفة لمساعدتهم على التكيف مع الأوضاع الجديدة وتجاوز الآثار السلبية للنزوح، كما أكد أهمية إشراك المجتمع المحلي في هذه البرامج لتعزيز التماسك الاجتماعي والتضامن.
تحدياتوفي ظل الأوضاع الراهنة وعدم حصول الجميع على مساعدات إنسانية، يشير التاجر المتجول آدم هارون، الذي يتنقل بين مدينة الفاشر وأريافها الغربية، إلى أن استضافة النازحين في المناطق الريفية زادت من الطلب على المواد الأساسية كالغذاء والسلع الاستهلاكية الأخرى.
وأضاف -للجزيرة نت- أن هذه الزيادة في الطلب شكلت ضغطا كبيرا على الموارد المحدودة "أصلا"، مما أدى إلى انخفاض مستويات المعيشة وارتفاع الأسعار، وقال إن هناك مئات الأسر النازحة وصلت إلى القرى الريفية غرب مدينة الفاشر، خاصة مناطق شقرة وطويلة، في ظل تفاقم البطالة وانتشار الفقر.
وشدد هارون على أهمية تقديم الدعم للمجتمعات المضيفة لتخفيف الأعباء عليها وتمكينها من الوفاء باحتياجات النازحين الوافدين.
وفي ضوء الآثار البيئية الناجمة عن النزوح وكثافة السكان، يقول الناشط البيئي أسامة عبد الله -للجزيرة نت- إن هناك عدة آثار مترتبة على النزوح في القرى المضيفة أبرزها:
استنزاف الموارد الطبيعية نتيجة للطلب المتزايد على قطع الأشجار للحصول على الفحم المحلي. زيادة المخلفات والنفايات مما يشكل تحديا في إدارتها والتخلص منها بطريقة آمنة.وأوضح عبد الله أن هذه التحديات تؤثر سلبا على البيئة والمجتمعات المضيفة، وقال إنها تتطلب اتخاذ إجراءات فعالة للتعامل معها وتقليل آثارها السلبية.
كما أشار إلى أن النزوح سبب ضغطا متزايدا على المرافق والخدمات العامة في القرى المضيفة حيث تم استغلالها كمراكز للإيواء، وتواجه هذه المجتمعات تحديات في المحافظة على التماسك الاجتماعي وعلى السلم الأهلي في ظل التغيرات الديمغرافية المتسارعة.
وأكد الناشط البيئي ضرورة تضافر جهود الحكومات والمنظمات المعنية لوضع إستراتيجيات شاملة تعالج هذه الآثار، من خلال تحقيق السلام وتطوير البنية التحتية والخدمات المجتمعية وتعزيز برامج الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات مدینة الفاشر للجزیرة نت فی القرى
إقرأ أيضاً:
اتهامات للدعم السريع بحرق 3 قرى في شمال دارفور
نفذت قوات الدعم السريع أمس الأربعاء سلسلة هجمات ممنهجة استهدفت قرى غرب مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، مما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات وتهجير مئات المدنيين، بحسب مصادر محلية وشهود عيان.
ووفقا للشهادات، أقدمت القوات على إحراق 3 قرى بالكامل ونهبت ممتلكات السكان، إلى جانب الاعتداء على العشرات من المدنيين، وإطلاق نار عشوائي على أعيان تلك القرى وتدمير البنية التحتية، مما أجبر مئات المواطنين على النزوح إلى مناطق أكثر أمانا.
وقال المتحدث الرسمي باسم نازحي مخيم زمزم محمد خميس دودة للجزيرة نت إن الهجمات أسفرت عن سقوط العديد من القتلى والجرحى، فضلا عن موجة نزوح كبيرة. وأوضح أن القرى المتضررة هي "قولو" و"قرني" و"حلة شريف".
كذلك، أشار خميس دودة إلى حادثة أخرى وقعت قبل يومين، حيث اختطف عناصر من الدعم السريع فتاتين وقتلوا 3 أشخاص في "حلة دبة النور" المجاورة لـ"قولو"، وتم نقل الجثث إلى الفاشر لتشييعها.
من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح العقيد أحمد حسين مصطفى للجزيرة نت إن هذه الاعتداءات تأتي في إطار سلسلة من الهجمات ذات الدوافع العرقية، وتهدف إلى تهجير السكان الأصليين.
إعلانوأكد أن القوات المشتركة ستستمر في عملياتها العسكرية ضد قوات الدعم السريع ومن يساندها في جميع أنحاء البلاد، خاصة في المناطق الغربية من الفاشر.
وأضاف أن النصر "أصبح وشيكا"، مشددا على أن دارفور ستكون النقطة الحاسمة في مواجهة هذه المليشيات.
تهجير قسريوبحسب الناشط محمد آدم، اجتاحت قوات الدعم السريع 3 قرى غربي الفاشر أمس الأربعاء، وأضرمت النيران فيها، مما أسفر عن مقتل 12 شخصا وتشريد المئات من السكان، من بينهم والد الصحفي السوداني عبد العظيم قولو.
وأشار آدم إلى أن عمليات التهجير القسري جعلت الفارين يواجهون أوضاعا إنسانية بالغة الصعوبة في الوديان والجبال.
وتشير تقارير محلية إلى أن هذه الهجمات تأتي ضمن إستراتيجية ممنهجة تتبعها قوات الدعم السريع منذ عدة أشهر لإحراق القرى. ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، نفّذت عمليات مشابهة أدت إلى تدمير نحو 11 قرية في منطقة أبو زريقة جنوب الفاشر، في حين شهد أكتوبر/تشرين الأول الماضي إحراق 45 قرية شمال غرب الفاشر، من بينها "بريدك" و"أنكا" و"أمراي" و"دونكي بعاشيم"، إضافة إلى قرى أخرى.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وسّعت قوات الدعم السريع عملياتها إلى 4 ولايات في دارفور، شملت الجنوب والشرق والغرب والوسط، ضمن محاولة للسيطرة على المنطقة، مما أدى إلى ارتكاب مجازر واسعة.
وفي أبريل/نيسان الماضي، تخلّت الحركات المسلحة في الفاشر عن حيادها، وأعلنت دعمها للجيش السوداني، مما دفع قوات الدعم السريع إلى محاصرة المدينة ومهاجمة مخيم زمزم المجاور.
وتشهد مدينة الفاشر حاليا قصفا مدفعيا عنيفا من قبل قوات الدعم السريع، التي تستهدف الأسواق والمرافق الصحية وأماكن تجمع المدنيين.
وأفادت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر عبر صفحتها على فيسبوك بأن التدمير ما زال مستمرا ليلا وصباحا، مشيرة إلى أن الوضع الإنساني أصبح مزريا ولا يحتمل.
إعلانوأضافت "رغم كل هذا الدمار والألم والمعاناة والقصف، سنبقى هنا مهما اشتدت الأزمات ومهما حاولوا كسرنا. سنظل ثابتين وصامدين لأن هذه الأرض تشبهنا ونحن نشبهها".