لجريدة عمان:
2025-05-24@09:39:29 GMT

الفلسفة والأدب بين إدراك الحقيقة ونسج الخيال 1

تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT

الفلسفة والأدب بين إدراك الحقيقة ونسج الخيال 1

هذه الكلمات أخُطها بمداد قلمي مضمخة بدمي، فما أن أُلهمتُ الكتابة عن هذا الموضوع، وقبضت على أسنات قلمي حتى خلتني " ميشال دي مونتاني" أو "فريدريك نيتشه " أو "كيركيجارد"، أو "دستويفسكي"، أو طه حسين ونجيب محفوظ.

نعم، وجدتني تغشاني الفرحة، فالحديث ذو شجون، يشتجر بالفروع والأغصان، يأتلق بالألوان والظلال، ومن هذا الشعور الألق النضير، خلتني ألج إلى روض زاهر، فقد قيل "إن من البيان لسحرًا" وأجدني أصدّق على هذه العبارة، وغشيتني حالة حب، وتلبسني الجمال، واستثارني الحدس والخيال، واستنهضتني العاطفة، ودفعني الفكر، وتملكتني هزة وجدانية جعلتني أغوص في لجة الكتابة أمخر عُبابها الساحر، معطياتي فيها الحق والخير والجمال والخيال والتأمل.

وأرى أن من دفعني للكتابة عن هذا الموضوع، ملاحظة قيمة لصديق لي عندما قرأ أحد أبحاثي، وبعضا من صحف ومذكرات، وأخبرني أن حظ الأدب في كتاباتي يطغى على حظ القانون، كما لا يخلو منها الحس الفلسفي، فراقني حديثه، وأكبرت ملاحظته، وقلت له: إن القانون من العلوم الإنسانية ولا يبعد عن الفلسفة والأدب، فجميعهم يرفدون من نبع واحد، فالقانون يهدف إلى تنظيم سلوك الأفراد في المجتمع، والأدب يعبر عن هذا السلوك، من خلال تناوله لهذا السلوك بأساليبه المختلفة من شعر ومقالة أو رواية أوقصة أو خاطرة أو مسرح، والفلسفة تُعبر عن الحقائق التي يتغيّاها هذا السلوك.

أنهيت حديثي ولا أدري هل اقتنع صديقي أم لا، وقد انصرف لبعض شؤونه وتركني ووجداني يحترق ونفسي تتوق للحديث عن علاقة الفلسفة بالأدب، وهل بينهما تقارب واتصال، أم تنافر وانفصال، وهل لغة الأدب بخصوصيتها الانفعالية والوجدانية لها علاقة بالفلسفة المنوط بها إبداع المفاهيم وإدراك حقيقة الوجود؟

وجدتني سعيدًا ومقبلًا للإجابة عن هذه الأسئلة في حدود رؤيتي المتواضعة وإن لم يسعفني الوقت ومحدودية المساحة هنا، فآمل في القريب أن أوفق في ذلك في غير موضع، وإلى أن يحين هذا الوقت، استهل البداية بتحديد العلاقة بين الفلسفة والأدب من خلال تحديد ماهيتهما، فالفلسفة، تعني التأمل والمعرفة والتفكير في الحقائق والبحث عن معاني الحياة، من خلال منهج التفكير في هذه الحقائق واستنباطها وتحليلها وتفسيرها، فالفلسفة معنية بالتفكير في الناس والموجودات والقيم والعالم من خلال طرح الأسئلة الوجودية الكبرى، كالموت والحياة، الحرية، الاختيار، النفس، الحرب، السلم.

أمّا الأدب فهو أحد أشكال التعبير الإنساني عن الإنسان ومشاعره واختلاجاته الداخلية والحياة وما يدور فيها، من خلال الأسلوب الشعري أو النثري، سواء كان على شكل قصيدة أو رواية أو قصة قصيرة أو مسرح.

من خلال تحديد ماهية الفلسفة والأدب، يتبين أن الفلسفة تهتم بطرح الأسئلة من خلال مناقشتها للموضوعات الوجودية الكبرى، وهي تميل لاستخدام العقل والتفكير والنقد واستخدام أساليب الاستقراء والاستنباط، أمّا الأدب فأسلوبه وطريقته تختلف فهو يعتمد على الخيال والإيحاء ويتم التعبير عن المشاعر في قالب شعري وسردي، قصيدة ورواية وقصة قصيرة ومسرح.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل الرؤية الفلسفية عند الفيلسوف والرؤية الأدبية عند الأديب بينهما ثمة التقاء أم تنافر؟، ولكي نجيب عن هذا السؤال، يلزم أن نحدد تاريخ كل منهما، وهل الفلسفة أسبق في النشأة أم الأدب؟

الفلسفة مرتبطة بالحضارة، فقد نشأت الفلسفة مع بزوغ شمس الحضارة، وقد تفجر ينبوع الحضارة مع معرفة الإنسان الزراعة، أما مرحلة ما قبل الزراعة والمتمثلة في مرحلة الصيد، كانت الفلسفة لا تزال في علم الغيب لم تولد بعد، في هذه المرحلة مرحلة الصيد وقبل ظهور الحضارة، كان الأدب يتنفس الحياة من خلال الآداب والفنون والرسومات والنقوش التي كانت على جدران الكهوف وعلى آلات الصيد، ومع ظهور الزراعة وبزوغ شمس الحضارة ولدت الفلسفة التي آمنت بالفكر والرؤية وناقشت الأسئلة الوجودية الكبرى، وبعدت عن فكرة الأسطورة التي عني بها الأدب منذ مولده، لذلك نجد علاقة التنافر والتضاد التي نشأت قديمًا بينهما جسدها الفيلسوف " أفلاطون "في كتابه" الجمهورية "واستبعد الشعر والأدب من مدينته الفاضلة، وراح يعزي سبب الاستبعاد إلى أن الشعر مجاف للحقيقة، لا يقولها أبدًا، بل ذهب أفلاطون أبعد من ذلك في توصيف العلاقة بينهما بأنها علاقة عداوة وحرب ومعارك.

"إن بين الفلسفة والشعر معركة قديمة"، نشبت المعركة بينهما بسبب اختلاف الرؤية والميول لكل من الفيلسوف والأديب، فأفلاطون يرى أن الشعراء يعتمدون على المعرفة الوهمية من خلال إدخالهم في النفس الإنسانية ميولًا تجافي المنطق العقلي ويضللون البصيرة بتصوراتهم المتخيلة، وهو بذلك ينزع عن الشعراء أي تفكير عقلي ومنطقي، فهم أبعد ما يكون عن استخدام العقل، في المقابل فالفيلسوف هو الأجدر على سبر غور الحقيقة لأن تصوراته قائمة على استخدام العقل والمنطق، فالفيلسوف من وجهة نظره هو وحده القادر على فهم حقيقة الكائنات، لذلك فالفيلسوف في رأيه يصنع الحقيقة، أمّا الشاعر أو الأديب فهو يصنع الوهم.

"للحديث بقية"

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من خلال عن هذا

إقرأ أيضاً:

تفاصيل التكوين الموسع والخدمة التي سيستفيد منها مجندو الخدمة العسكرية في 2025

كشف محمد إدلمغيس، رئيس قسم بالمديرية العامة للشؤون الداخلية بوزارة الداخلية، أن مجندي ومجندات فوج 2025 المؤهلين سيستفيدون، من تكوين يركز، بصفة خاصة، على توسيع مجالات التخصص.

وأوضح إدلمغيس، في حديث لوكالة الأنباء الرسمية، أن المدة المقررة للخدمة العسكرية تتحدد في 12 شهرا، تخصص الأربعة أشهر الأولى منها لتزويد المجندين والمجندات بتكوين مشترك أساسي، يشمل تكوينا عسكريا وبدنيا، ثم يتلقى المجندون والمجندات خلال الثمانية أشهر الموالية، تكوينا في إحدى التخصصات المتوفرة في مراكز التكوين التابعة للقوات المسلحة الملكية، « مما سيساعدهم على اكتساب خبرات ومهارات جديدة تفتح لهم فرص الاندماج في سوق الشغل بعد انتهاء مدة الخدمة العسكرية ».

وأكد مسؤول الداخلية، أن المجند يستفيد، خلال فترة هذه الخدمة، من عدة حقوق وامتيازات، مبرزا أن الخدمة العسكرية تمنح للمجند رتبة عسكرية حسب النظام التسلسلي الجاري به العمل في القوات المسلحة الملكية، وذلك بحسب المستوى التعليمي الذي يتوفر عليه.

وأضاف أنه إذا كان المجند يتوفر على مستوى تعليمي يقل عن البكالوريا تمنح له رتبة جندي، وإذا كان حاصلا على الأقل على شهادة البكالوريا، تمنح له رتبة ضابط صف، أما إذا كان حاصلا على الأقل على الإجازة أو دبلوم أو شهادة أخرى تعادلها، فتمنح له رتبة ضابط.

وأشار إلى أن المجند يتلقى، بحسب الرتبة الممنوحة له أجرة شهرية، غير خاضعة لأي ضريبة أو اقتطاع، تتراوح بين 1050 درهم بالنسبة للجندي، و1500 درهم بالنسبة لضابط الصف و2100 درهم بالنسبة للضابط، فضلا عن الاستفادة من مجانية العلاج بالمؤسسات الاستشفائية العسكرية ومن التغطية الصحية والمساعدة الطبية والاجتماعية والتأمين عن الوفاة وعن العجز.

وسجل أن المجند يخول له الحق في المشاركة في المباريات التي يعلن عنها خلال مدة الخدمة العسكرية سواء من لدن المؤسسات العسكرية أو الأمنية أو الإدارات العمومية، لافتا إلى أنه إذا تعلق الأمر بمجند أو مجندة تابع كذلك للوظيفة العمومية، فإن القانون يكفل له حق الاحتفاظ بالأجرة التي يتقاضاها عن وظيفته وكذا الحق في الترقية وفي الأقدمية، ويعود إلى إدارته الأصلية بعد أدائه لواجبه الوطني.

وفي جوابه عن سؤال بخصوص الآفاق المهنية التي تفتحها الخدمة العسكرية أمام المجندين بعد انتهاء خدمتهم، قال السيد إدلمغيس إن الإجابة عن هذا السؤال تقتضي التوفر على معطيات دقيقة ومضبوطة بخصوص عدد الشباب المنتسبين للأفواج السابقة الذين تمكنوا بكيفية فعلية من الولوج إلى سوق الشغل.

وأكد أنه في غياب هذه المعلومات الدقيقة، وحسب المعطيات الأولية المتوفرة، يمكن القول أن نسبة مهمة من المجندين ذكورا وإناثا، الذين أنهوا مدة الخدمة العسكرية برسم الأفواج السابقة، تمكنوا فعلا من ولوج سوق الشغل في ميادين وقطاعات مختلفة، سواء في المؤسسات العسكرية أو الأمنية أو في الإدارة العمومية أو في القطاع الخاص، كما أن البعض منهم استطاع خلق مشاريع خاصة، وذلك بفضل التكوين المتميز الذي تلقوه خلال مدة الخدمة العسكرية.

وخلص، في هذا الصدد، إلى أن الشباب، ذكورا وإناثا، الذين يظهرون في الوصلات التواصلية المتعلقة بالخدمة العسكرية، في إطار مواكبة عملية الإحصاء الجارية، يشكلون نماذج واقعية لنجاح عدد من المجندين في ولوج سوق الشغل بسهولة، وذلك بفضل المؤهلات التي اكتسبوها، والتكوين المتميز الذي تلقوه خلال مدة الخدمة العسكرية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمات دلالية التكوين الخدمات الخدمة العسكرية

مقالات مشابهة

  • الأونروا: المساعدات التي تدخل غزة"إبرة في كومة قش" ولا وقت للانتظار أكثر
  • تفاصيل التكوين الموسع والخدمة التي سيستفيد منها مجندو الخدمة العسكرية في 2025
  • ???? الصورة التي قال ترامب إنها “لمزارعين بيض قتلوا في جنوب إفريقيا”.. هي في الحقيقة لحادثة في الكونغو!
  • شظف الطبع
  • نائب رئيس الجمهورية: أمن اليمن ونهضتة واستقراره لن تُبنى إلا على إدراك قيمة الوحدة ووعي الشعب بحتمية تكامل كل مدنه ومحافظاتخ وعلى رأسها 3 محافظات
  • المجلس الأعلى للشئون الإسلامية يصدر الترجمة الإنجليزية لكتاب "الأدب مع الله والخلق"
  • الأعلى للشئون الإسلامية يصدر الترجمة الإنجليزية لكتاب الأدب مع الله والخلق
  • كاتب مغربي
  • رحلة فليك تستمر مع برشلونة.. ما مدة العقد الجديد بينهما؟
  • هل يجوز أداء السنة بعد التسليم من الفريضة مباشرة دون فصل بينهما؟ ..الإفتاء تجيب