بين آيزنهاور وروزفلت .. نصرة غزة تكشف هشاشة القوة الأمريكية
تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT
يومًا بعد يوم تتكشف فصول معركة المضائق البحرية التي يخوضها اليمنيون، وأهميتها في مساندة ونصرة غزة وحصار الكيان الصهيوني، ويتضح كذلك أكثر فأكثر حجم الفشل الأمريكي في حماية الكيان، وقد بدأ ذلك يظهر في شهادات جنرالات وقادة حاملات الطائرات الأمريكية التي هربت من البحر الأحمر، وعلى صفحات الصحف وآخرها ما كشفته صحيفة “ستارز آند سترايبس” التابعة للجيش الأمريكي، والتي تحدثت عن إقالة البحرية الأمريكية قائد المدمرة “جون ماكين” بسبب فقدان الثقة في قدرته على قيادة المدمرة، مشيرة إلى أن المدمرة تعمل ضمن مجموعة حاملة طائرات منتشرة في الشرق الأوسط لمواجهة الهجمات من اليمن على ممرات الشحن في الخليج.
في 22 يونيو أعلن المتحدث باسم “البنتاجون”، باتريك رايدر، أن حاملة الطائرات “دوايت آيزنهاور” ومجموعهتا الضاربة غادرت مياه البحر الأحمر، على أن يتم استبدالها بحاملة الطائرات “ثيودور روزفلت”، المتمركزة حينها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إلا أن “روزفلت” لم تصل حتى كتابة هذه السطور.
لم يكن انسحاب حاملة الطائرات الأمريكية “أيزنهاور” من منطقة عمليات هامدة، بل كانت في ذروة نشاطها، لجهة استمرار العمليات اليمنية في استهداف سفن شحن ثلاثي الشر الأمريكي والبريطاني و”الإسرائيلي”، فعلى سبيل المثال في الأسبوعين السابقين لانسحاب “آيزنهاور” في شهر يونيو: كانت هناك 21 عملية، تم تنفيذها بعدد 58 صاروخًا باليستياً ومجنحًا وطائرة مسيرة وزورق حربي، وارتفع عدد السفن المستهدفة خلال أسبوع واحد فقط إلى 153 سفينة بزيادة قدرها 8 سفن، وبمعدل سفينة كل يوم، أبرز تلك العمليات هو غرق السفينة البريطانية “توتور”، واستهداف “آيزنهاور” بذاتها، وكشف السيد القائد عبد الملك الحوثي أن ذلك الاستهداف كان “للمرة الثالثة في شمال البحر الأحمر”، وأنها كانت “تهرب بعد الاستهداف لها، واستمرت المطاردة والقصف، وهذا عمل مهم، وعمل مؤثر، وعمل جريء”.
يشار هنا إلى أن أولى عمليات القوات اليمنية المسلحة لضرب “آيزنهاور” كانت في الـ31 من مايو 2024م، بعملية عسكرية مشتركة بعدد من الصواريخ المجنحة والباليستية، تبعها استهداف ثانٍ خلال أقل من أربع وعشرين ساعة.
ارتفاع ذروة الحاجة إلى بقاء تلك المجموعة، للتصدي للعمليات اليمنية، كما يقول الأمريكيون، يجعل من انسحابها، يشكل علامة استفهام كبيرة، نعم قد يكون الأمر مبررًا، إذا وصلت “روزفلت” ثم يتلو ذلك انسحاب “آيزنهاور”، أما ترك منطقة العمليات مكشوفة، فهذا له تفسير واحد فقط، هو الفشل وعدم قدرة “آيزنهاور” على البقاء تحت ضغط الضربات اليمنية، وهذا الأمر ليس تحليلاً بل هو ما صرح به قادة وضباط في حاملة الطائرات، نقلت في عدة تقارير غربية، أبرزها تقرير “آسوشيتد برس” قبيل مغادرة “آيزنهاور”، من على ظهر الحاملة، وكشف حينها عن حالة الإحباط واليأس والفشل لدى قادة الدفاع الأمريكيين، وحالة الإرهاق لدى بحارة مجموعة “آيزنهاور” الذين قالوا إنهم يخدمون في أجواء متوترة، وأن أعصابهم مشدودة بشكل دائم، ووصفوا المعركة في البحر الاحمر بأنها الأعنف منذ الحرب العالمية الثانية.
هذا هو الدافع الأبرز وراء هروب واحدة من أكثر السفن الحربية تقدمًا في البحرية الأمريكية، وهو مدعوم بتصريحات متعددة نقلتها التقارير الغربية، عن جنرالات أمريكيين، بينهم قائد القيادة المركزية الأمريكية الذي أرسل رسالة سرية إلى وزير الدفاع لويد أوستن، يعبّر فيها عن فشل العمليات العسكرية ضد اليمن، والمطالبة بنهج آخر، وكذلك مارك ميجيز، القائد السابق لمجموعة “آيزنهاور” بدوره قال في الأسبوع الماضي إنه “اضطر لتحريك حاملة الطائرات عدة مرات لحمايتها” من الهجوم اليمني، مؤكدًا أن تلك الكثافة في عمليات الطائرات المسيرة كانت شيئًا لم تتدرب عليه القوات الأمريكية من قبل.
تكتسب تصريحات ميجيز أهميتها لأنها تتناول فترة قيادته لـ”أيزنهاور”، وقد كشف عن حقائق خطيرة واجهتها “آيك” كما يحلو لهم تسميتها، وهي نفاد الصواريخ من مدمرات مجموعة حاملة الطائرات، مما يعكس، حسب محلل الشؤون العسكرية في موقع «Aviationist « بارث ساتام، الميزة غير المتكافئة الهائلة التي تتمتع بها القوات المسلحة اليمنية بمخزون ضخم من الطائرات بدون طيار والصواريخ الرخيصة.
والدافع الثاني هو التكلفة العالية لبقائها على مسرح العمليات، وآخر التقارير لموقع “بزنس إنسايدر” ينقل عن متحدث باسم البحرية الأمريكية: إن تكلفة الصواريخ الاعتراضية والذخائر بقيمة 1.16 مليار دولار خلال عمليات قتالية نشطة، هذا دون احتساب أي تكاليف إضافية لانتشار حاملة الطائرات، وأجور ومرتبات وإضافات لما يقرب من 7000 بحار على متنها، وغيرها من التكاليف اللوجستية لمدة تسعة أشهر من الانتشار. وهو الأمر الذي تم مناقشته في عدة جلسات من قبل لجان القوات المسلحة الأمريكية.
كل ذلك يفسر عدم وصول “روزفلت” حتى هذه اللحظة إلى البحر الأحمر لتحل محل “آيزنهاور”، حيث لا تزال مع حاملة الطائرات “لينكولن” برفقة ثماني مدمرات في خليج عمان، حسب ما نقله موقع “أكسيوس” الأمريكي، في تقرير أكد فيه خلو البحر الأحمر من أي وجود للبحرية الأمريكية، وحسب الموقع تتموضع غواصة حربية وثلاث مدمرات وثلاث سفن برمائية شرق البحر الأبيض المتوسط.
وقد ذهبت “التلغراف” البريطانية إلى أبعد من ذلك، حيث أكدت أن البحر الأحمر خالٍ من أي سفن أمريكية أو أي سفن تتبع تحالف ما سمي “حارس الازدهار” ضمن مسافة 500 ميل في منطقة العمليات.
ما الذي يمكن استفادته من كل هذه المعطيات؟ الإجابة ببساطة، هي أن قدرات الجيش الأمريكي قد جرى تضخيمها دعائيًا، حيث خلقت “البروباغندا” الأمريكية مهابة كبيرة، حتى أصبح مجرد تحريك حاملة الطائرات والإعلان عن توجيهها إلى منطقة ما، يخلق نفوذًا أمريكيًا ويحافظ على المصالح الأمريكية، ويحسم أي جدل لصالح واشنطن، اليوم ينقلب الحال، وتصبح الأسئلة الأكثر إثارة هي متى ينتهي عصر حاملات الطائرات، وكيف يمكن أن تغرق واحدة منها، وهل تلهم العمليات اليمنية كلاً من الصين وروسيا، لأي مواجهة بحرية قادمة؟!.
إن الازمة التي واجهتها “آيزنهاور”، وتتحاشاها “روزفلت” حتمًا، ليست أزمة حاملة طائرات بحاجة للصيانة، ولا بحارة بحاجة للراحة، وليست أيضًا أزمة تذخير ولا تكاليف، إنها أكبر من ذلك بكثير، بحيث تصبح أزمة للبحرية الأمريكية بشكل عام.
البحرية الأمريكية التي تعتمد منذ العقد الماضي على الانتشار الواسع في بحار ومحيطات العالم، باتت تدرك اليوم، أن هذا الانتشار الواسع، هو في الحقيقة نقطة ضعف خطيرة جدًا، وإذا أخذنا مثال “آيزنهاور”، فمن البديهي أن نطرح السؤال الآتي: كيف للولايات المتحدة أن تقوم بتزويد كل حاملاتها بالذخيرة عندما تواجه قدرات عسكرية أكبر من القوات اليمنية؟ كم من الوقت تستطيع أن تبقى في البحار في حال كانت هناك حرب كبرى، فضلاً عن الحرب العالمية.
كل هذه الأسئلة والمعضلات دفعت الخبراء الأمريكيين إلى الحديث عن نهاية عصر حاملات الطائرات، وتوجيه النصائح ببناء قوات تتلاءم مع التطور الذي أصبح واضحًا، وكشفته العمليات اليمنية، بعضها نصح بالاعتماد على زوارق ذكية، وبعضها الآخر على الصواريخ “فرط صوتية”، والاستثمار في هذه الأنواع من الأسلحة التي ستكون عنوان المرحلة العسكرية العالمية القادمة.
أمريكا تستعد لتلقي الهزائم، وعلى الأنظمة العربية التي لا تزال تخشى من بطشها، وترتعد من سماع اسم واحدة من غواصاتها أو بوارجها، أن تأخذ الدرس من الموقف اليمني، فنقاط الضعف البحرية الأمريكية تجعلها مجرد نمر من ورق، وإن بقيت أي خشية فإنما هي خشية من سراب كشفته العمليات اليمنية، ولم يعد لتلك الأنظمة عذر بتحاشي إغضاب البيت الأبيض، نصرة لغزة، وإن استمروا في التبرير فهناك أسباب أخرى، أولها الخيانة وآخرها التصهين والتماهي التام مع أعداء الأمة.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
انسحاب رواندا من إيكاس يكشف هشاشة التكتلات الإقليمية بأفريقيا
أعلنت رواندا رسميا انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا (إيكاس)، وذلك خلال القمة الـ26 للمنظمة التي عقدت أول أمس السبت في عاصمة غينيا الاستوائية مالابو بحضور 7 من قادة الدول الأعضاء الـ11.
وجاء القرار بعد أن قررت القمة في بيانها الختامي تمديد رئاسة غينيا الاستوائية للمنظمة لعام إضافي، وتأجيل تسليم الرئاسة الدورية إلى رواندا، وهو ما اعتبرته كيغالي تجاهلا متعمدا لحقها المشروع المنصوص عليه في المادة السادسة من الميثاق التأسيسي للمنظمة.
خلافات واتهامات بالتسييسووصفت وزارة الخارجية الرواندية القرار بأنه نتيجة لـ"استغلال المنظمة من قبل جمهورية الكونغو الديمقراطية بدعم من بعض الدول الأعضاء"، معتبرة أن هذا التوجه يعكس "تسييسا متعمدا لآليات المنظمة"، ويقوض مبادئها الأساسية.
وأشارت رواندا إلى أن هذا التجاوز ليس الأول من نوعه، إذ تم استبعادها سابقا من القمة الـ22 التي استضافتها كينشاسا عام 2023 تحت رئاسة الكونغو الديمقراطية.
ورغم احتجاج كيغالي آنذاك واعتبارها أن الإقصاء كان "غير قانوني" فإنه لم تُتخذ أي إجراءات تصحيحية، مما دفع رواندا إلى اعتبار "الصمت والجمود" دليلا على فشل المنظمة في احترام قوانينها الداخلية.
إعلان أجواء مشحونةوكشفت وكالة الأنباء الفرنسية من مصادر من داخل القمة عن أن التوتر بلغ ذروته بين الوفدين الرواندي والكونغولي، حيث أبلغت كينشاسا مدعومة من بوروندي رفضها المشاركة في أي أنشطة تعقد على الأراضي الرواندية في حال تولت كيغالي الرئاسة.
وأفاد أحد مفوضي المنظمة بأن "الجدل بين وزيري خارجية رواندا والكونغو الديمقراطية كان محتدما، مما أدى إلى تعطيل أعمال القمة".
وكانت جهود دبلوماسية عديدة قد بذلت -منها وساطة قطرية جمعت رئيسي الكونغو الديمقراطية ورواندا في الدوحة، مع سعي أميركي أيضا للتوصل إلى اتفاق بين البلدين- لم تؤت أكلها.
وأكدت رواندا في بيانها أن المنظمة "لم تعد تعمل وفق مبادئها، ولا تخدم أهدافها"، مما دفعها إلى اتخاذ قرار الانسحاب الذي يعد ضربة قوية للمنظمة التي تضم 11 دولة، وتعنى بتعزيز التكامل الاقتصادي والأمن الإقليمي في وسط أفريقيا.
يذكر أن هذا الانسحاب يأتي في سياق توتر متصاعد بين كيغالي وكينشاسا على خلفية النزاع في شرق الكونغو الديمقراطية، حيث تتهم الأخيرة رواندا بدعم متمردي حركة "إم 23″، وهي اتهامات تنفيها كيغالي بشدة.
تداعيات محتملة على المنظمةويعد انسحاب رواندا العضوة في المنظمة منذ عام 2007 مؤشرا على هشاشة التكتلات الإقليمية في أفريقيا، خاصة حين تتغلب الحسابات السياسية على المبادئ الاقتصادية، كما يُفقد المنظمة أحد أكثر أعضائها ديناميكية من حيث النمو الاقتصادي والاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا.
من جهة أخرى، قد يدفع هذا القرار رواندا إلى تعزيز تحالفاتها داخل تكتلات بديلة مثل مجموعة شرق أفريقيا، والتي قد تتماشى أكثر مع توجهاتها الاقتصادية والجيوسياسية.
إعلانولا يعد انسحاب رواندا من المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا مجرد خلاف دبلوماسي، بل يعكس أزمة ثقة أعمق تهدد مستقبل العمل الجماعي في القارة وقد يعيد رسم خريطة التحالفات الإقليمية فيها.