حزب الله أمام مراجعة جدّية بعد إطاحة إسرائيل قواعد الاشتباك
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
لم يخرج لبنان من الصدمة التي حلت به باغتيال إسرائيل للعدد الأكبر من قيادات "حزب الله" وكوادره العسكرية، أثناء اجتماعهم في الضاحية الجنوبية لبيروت، في محاولة ليست الأولى ولا الأخيرة، لاستدراج الحزب لتوسعة الحرب، رغم أنه ليس في وارد الانزلاق إليها إلا إذا اضطر للرد لمنعها من الإطاحة نهائياً بقواعد الاشتباك وإسقاطها الخطوط الحمر التي تجاوزتها للمرة الثالثة بعد اغتيالها القيادي في "حماس" صالح العاروري، والقيادي في الحزب فؤاد شكر.
وكتب محمد شقير في "الشرق الاوسط": لبنان يتخوف من أن تكون إسرائيل قد حسمت أمرها، وقررت توسعة الحرب استجابة لدعوة رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بوجوب تغيير الوضع الميداني على الأرض، وهذا ما دفع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى تشغيل محركاته دولياً وعربياً لمنعها من توسعة الحرب، بعد أن صرف النظر عن التوجّه إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العادية، مكلفاً، بالإنابة عنه، وزير الخارجية عبد الله بو حبيب بالدفاع عن وجهة نظر لبنان، محملاً إسرائيل مسؤولية ما ارتكبته من اغتيالات. لكن منسوب القلق أخذ يتصاعد حيال إصرار إسرائيل على استدراج الحزب لتوسعة الحرب، مع أنها كانت السباقة إلى توسعتها باجتياح أجهزته الخاصة بالاتصالات واغتيال المزيد من قادته وعلى رأسهم قائد وحدة الرضوان إبراهيم عقيل. وإلى أن يكتمل المشهد العسكري في الجنوب وتمدده إلى الضاحية، فإن لبنان برمته أصبح مكشوفاً سياسياً وأمنياً، لافتقاده حتى الساعة شبكة الأمان الدولية لمنع تمادي إسرائيل من توسعة الحرب، وهذا يتطلب من القوى السياسية انفتاح بعضها على بعض لتحصين الوضع الداخلي، الذي يتآكل يوماً بعد يوم، بوصفه شرطاً لإعادة تكوين السلطة لضمان انتظام المؤسسات الدستورية، لئلا يتحول إلى جمهورية بلا رئيس. لكن إعادة تجميع الصفوف تبدأ أولاً بـ"حزب الله"، الذي يُفترض أن يبادر إلى إجراء مراجعة جدية لتقويم وضعه سياسياً وعسكرياً كونه شرطاً للخروج من الصدمة التي حلت به، ولإخراج البلد من حالة القلق التي يمكن أن تهدد مصير اللبنانيين ما لم تتدارك القوى السياسية خطورة الوضع وتبادر للبحث عن صيغة للملمته قبل فوات الأوان، لن تتأمن إلا بالتوافق على تسوية تاريخية قاعدتها انتخاب الرئيس. ولأن الممر الإلزامي لتقويم الوضع يبدأ بـ"حزب الله"، فيتوجب عليه الابتعاد عن المكابرة لتصويب الخلل غير المسبوق والاعتراف بالأخطاء التي أتاحت لإسرائيل اختراق صفوفه وصولاً لاغتيالها أبرز قياداته الميدانية. فالخطأ الذي ارتكبه الحزب، كما يقول عدد من أصدقائه قبل معارضيه، يكمن في أنه سمح بأن تتحول وحداته القتالية إلى جيش نظامي تسبب في الانفلاش المشكو منه، بخلاف السنوات الأولى من انخراطه في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي التي اتسمت بسرية تامة، واقتصرت على مجموعات تعداد عناصرها محدود، ولا تخرج من أماكن وجودها تحت الأرض، إلا لاستهداف المواقع الإسرائيلية. كما يُفترض بالحزب أن يعطي فرصة لنفسه ويتعاطى بمرونة وانفتاح مع الدعوات للتفاوض غير المباشرة، وأن يطلق يد الرئيس بري في كل شاردة وواردة تتعلق بالعروض الدولية، ومنها الأميركية، للتوصل إلى وقف إطلاق النار، ولم يكن أمينه العام حسن نصر الله مضطراً لتأكيد مساندته لـ "حماس" في ردّه على اجتياح إسرائيل أجهزته اللاسلكية والأخرى المعروفة بالـ"بيجر". ولا يعني هذا، كما يقول أصدقاء الحزب قبل معارضيه، إن هناك من يريد حشر الحزب في الزاوية، بمقدار ما أن المطلوب من قيادته عدم حشر اللبنانيين الذين يقولون، على لسان معظم قياداتهم، باستحالة تسويق تسوية لإنقاذ لبنان، ومنعه من الانزلاق نحو المجهول، تكون على حساب الحزب.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
هل تصمد الهدنة في طرابلس أمام التوترات الأمنية؟
طرابلس- على الرغم من محاولات حكومة الوحدة الوطنية فرض الاستقرار الأمني في العاصمة طرابلس، لا تزال الأوضاع الأمنية هشة، وسط تصاعد التحذيرات من الانزلاق إلى موجة جديدة من التوتر والعنف.
ويستمر هذا الوضع في وقت قدمت فيه مبعوثة الأمم المتحدة في ليبيا هانا تيتة إحاطة شاملة أمام مجلس الأمن الدولي، مساء الثلاثاء 24 يونيو/حزيران، حول تطورات الوضع في ليبيا، حيث ركزت بشكل خاص على الوضع الأمني المتأزم في العاصمة، وحالة الجمود السياسي التي تُعيق الوصول لحل شامل.
وفي كلمتها، أعربت تيتة عن قلق البعثة الأممية إزاء التصعيد المتكرر في طرابلس، مؤكدة أن استمرار الانقسام السياسي والتضارب في الولاءات الأمنية يُهددان فرص السلام، وشددت على أن معالجة الأزمة الليبية لا يمكن أن تتحقق دون مؤسسات موحدة، وسلطة مدنية فاعلة قادرة على احتواء الفوضى المسلحة، وإنهاء ظاهرة المجموعات غير النظامية.
يقول عضو المجلس الأعلى للدولة ورئيس اللجنة الأمنية السابق بلقاسم دبرز، إن الوضع في طرابلس مستقر نسبيا، موضحًا أن أي اختلال أمني يظل في حيز ضيق ويتم التعامل معه بمرونة وفعالية.
ويضيف دبرز في تصريحه للجزيرة نت إن "العاصمة آمنة، والحركة طبيعية، ولا وجود لتمركزات مسلحة واسعة، وما حدث في جنزور من تمركز مسلح كان على خلفية تعيين رئيس جديد لجهاز دعم الاستقرار، وعولج خلال ساعتين فقط".
ويشير إلى أن الحكومة أصدرت قرارات بحل وإعادة هيكلة بعض التشكيلات الأمنية غير المنضبطة، مضيفا أن الأسلحة الثقيلة التي كانت تملأ الشوارع سابقا اختفت، وأن الأسلحة الشخصية هي المتبقية فقط، لكنها أيضا في طريقها إلى الزوال.
لكن الصورة ليست بهذا الهدوء في نظر عضو مجلس النواب خليفة الدغاري، الذي وصف الوضع الأمني في العاصمة بأنه "مختطف من المليشيات" حسب وصفه.
إعلانويحمّل الدغاري المجلس الرئاسي والحكومة مسؤولية غياب سلطة أمنية قوية. ويقول "كل مربع في طرابلس واقع تحت سيطرة تشكيل مسلح، ولا توجد إرادة حقيقية لتجفيف منابع الفوضى"، مضيفا أن طرابلس لم تنعم بأي استقرار حقيقي منذ سنوات.
ويرى الدغاري في حديثه للجزيرة نت، أن المعضلة الأمنية مرتبطة بمشكلة أعمق على المستوى السياسي "حيث لا تزال البلاد غارقة في صراع السلطة والمال منذ 12 عاما"، حسب تعبيره.
من جهته، يعتبر دبرز أن الانقسام السياسي العميق بين حكومة "الوحدة" غربا و"الاستقرار" شرقا، إلى جانب النفوذ المتزايد للواء المتقاعد خليفة حفتر في الشرق والجنوب، هو العامل الأكثر تأثيرا في هشاشة الاستقرار.
ويقول إن حفتر هو العقبة الكبرى أمام أي حل سياسي، ويمنع التوافق من خلال فرض أبنائه في مناصب عليا، ومحاولته فرض نفسه، بمطالبة حكومة الوحدة الوطنية بتسليمه حقيبة الدفاع منذ تسلم الحكومة لمهامها.
أما على صعيد المجالس، فيؤكد الدغاري أن كلا من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة يتصرفان بشكل فردي، دون التزام فعلي بالاتفاقات السياسية، مما يجعل المشهد أكثر تعقيدا.
تعطّل سياسييرى المحلل السياسي أحمد دوغا أن السبب الجذري لهشاشة الهدنة هو غياب اتفاق سياسي نهائي يعالج جذور الأزمة، ويضيف "عندما يشعر طرف بأنه سيكون هدفا في المرحلة القادمة، فإنه يبادر بالتصعيد، كما أن تداخل مناطق النفوذ بين المجموعات المسلحة يؤدي إلى احتكاكات يومية تخرق الهدنة بشكل متكرر".
ويؤكد دوغا أن الهدنة ستظل مهددة ما لم تتوفر سلطة موحدة، وبإشراف نزيه وفعّال من بعثة الأمم المتحدة، مشددا على ضرورة فرض عقوبات صارمة على من يخرق الاتفاقات.
وفي السياق ذاته، يرى المحلل السياسي مصباح الورفلي، أن الهدنة في طرابلس هي نتيجة انسداد سياسي وعسكري وانقسام مؤسساتي، ويعتبر أن الفوضى الحالية تعكس غياب دور رادع من البعثة الأممية، وأن الانقسامات داخل مجلس الأمن تعزز شعور بعض الأطراف بأنهم فوق المحاسبة.
وحذر الورفلي في حديثه للجزيرة نت، من أن استمرار الوضع على هذا النحو سيؤدي إلى تقسيم تدريجي للبلاد، وعودة الفوضى والنهب، وتوسّع الفساد، وانهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة.
أجمعت أغلب آراء المحللين على ضعف دور بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، حيث غابت إجراءات الردع الفعّالة ضد الأطراف التي تخرق الهدنة، مما أفقدها كثيرا من المصداقية، ويقترحون مجموعة من الإجراءات التي يمكن أن تُعيد للبعثة دورها، من بينها:
فرض عقوبات مالية على الأطراف المعرقلة. إصدار مذكرات قبض دولية بحق قادة الجهات المسلحة. الحرمان من المناصب والتمثيل السياسي أو العسكري.لكنهم يؤكدون أن نجاح هذه الخطوات مشروط بتوافق دولي وإقليمي واسع، وهو ما لا يبدو متاحا في ظل التنافس الدولي الحاد على الملف الليبي.
وفي ظل هذا الواقع المعقد، تتراوح السيناريوهات المطروحة بين استمرار الهدوء النسبي مع تجدد الخروقات، أو اندلاع اشتباكات أوسع في حال فشل الحكومة في ضبط الأمن، أو تفكك تدريجي لمؤسسات الدولة وعودة النزاع المفتوح.
إعلانبدورها، أكدت المبعوثة الأممية هانا تيتة في إحاطتها أن الوضع الأمني في طرابلس لا يمكن التنبؤ به، واصفة الهدنة بالهشة. وأضافت "يرغب الليبيون بعملية سياسية تمنحهم فرصة الانتخاب، وإنتاج حكومة ذات ولاية واضحة، تعد بتقديم خارطة طريق بمدة زمنية محددة، وعملية سياسية تحقق مطالب الليبيين بإنهاء المراحل الانتقالية في السلطة".
ورغم أن الهدنة صامدة في ظاهرها -حتى الآن- فإن الوقائع على الأرض تكشف أنها تقف على حافة الانهيار في أي لحظة. والمطلوب -كما أجمع الخبراء- هو حل سياسي شامل، وسلطة أمنية موحدة، ومجتمع دولي جاد في فرض الاستقرار.