نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا أعده الصحفيون غريغ ميلر وكيت براون ولافداي موريس وشيرا روبن وجون سوين، تناول تفجير أجهزة الاتصال في لبنان الأسبوع الماضي.

وذكر التقرير، أن "تفجيرات أجهزة النداء، بيجر والاسلكي، ووكي توكي"، في لبنان الأسبوع الماضي تعتبر تتويجا لجهود الموساد في محاولات اختراق حزب الله وإنشاء شركات وهمية في أوروبا.



وقالت التقرير، إن القطع المحترقة من أجهزة بيجر أصبحت جزءا من أدلة عن جهد معقد استمر عقدا من الزمان قامت به إسرائيل لاختراق الجماعة اللبنانية المسلحة، بحسب قول مسؤوليين أمنيين غربيين وإسرائيليين، حاليين وسابقين.

واضاف، أن العلامات تركت على القطع المتناثرة من الأجهزة أثرا يقودنا عبر مصنع في تايوان إلى شركة وهمية مجرية يشتبه في أن المخابرات الإسرائيلية أنشأتها أو استغلتها لإخفاء دورها المزعوم في تسليم الأجهزة المجهزة بشكل قاتل إلى حزب الله.

كما قام مسؤولون أمنيون في عاصمة أوروبية أخرى بالتحقيق فيما إذا كانت شركة وهمية ثانية هناك هي البائع الحقيقي وراء صفقة أجهزة بيجر.

ووصف مسؤولون حاليون وسابقون أن العملية الأخيرة كانت جزءا من جهود طويلة ومتعددة قامت بها إسرائيل وعلى مدى عقود لتطوير ما وصفه مسؤولون إسرائيليون قدرات "الزر الأحمر"، أو ما يعني الإختراق المدمر لعدو ويبقى ساكنا لأشهر إن لم تكن سنوات قبل تفعيله.

ويظل السبب وراء تفعيل الزر هذا في الأسبوع الماضي غامضا، مع أن خبراء تحدثوا عن مخاوف إسرائيلية من اكتشاف حزب الله مشاكل في أجهزة بيجر. وهجمات كهذه عادة ما تكون بداية لهجوم عسكري شامل، بحسب قول مسؤولين، فمن خلال خلق الفوضى تقوم إسرائيل بتوجيه ضربتها القاتلة.



فقد قتل الهجوم الأول يوم الثلاثاء 12 شخصا من بينهم مقاتلون لحزب الله ومدنيون وجرح أكثر من 2,800 حسب وزارة الصحة اللبنانية. وفي يوم الأربعاء أدى تفجير ووكي توكي إلى مقتل 25 شخصا وجرح أكثر من 450 آخرين، فيما قتلت غارة على الضاحية الجنوبية أكثر من 37 شخصا من بينهم قيادات في حزب الله وعدد من المدنيين.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي قوله إن "الزر الأحمر" هو "مفهوم لشيء يمكنك استخدامه عندما تريد أو تحتاج إليه".

وأضاف المسؤول أن تفجير الأجهزة هذا الأسبوع "لم يكن جزءا من الخطة الشاملة" التي تم تصورها عندما بدأت العملية، رغم أنه أكد أن المسؤولين الإسرائيليين يعتقدون أن ذلك كان له تأثير كبير.

وقال المسؤول السابق: "انظر إلى النتيجة"، في إشارة إلى الانفجارات التي أصابت أو قتلت القادة، وملأت المستشفيات وجعلت عناصر الحزب غير قادرين على استخدام أو الثقة في معدات الاتصالات الأساسية.

وقال مسؤول ثان سابق في الإستخبارات الإسرائيلية إن الانفجارات كانت تتويجا لاستثمارات استمرت لسنوات طويلة في اختراق هياكل الاتصالات والخدمات اللوجستية والمشتريات لحزب الله.

وأضاف المسؤول أنه قبل وقت طويل من تعبئة أجهزة بيجر بالمتفجرات، كانت وكالة الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية، الموساد، وغيرها من الأجهزة، قد طورت رؤية شاملة "لما يحتاجه حزب الله وما هي ثغراته والشركات الوهمية التي يعمل معها، وأين توجد، ومن هي جهات الاتصال".

وأضاف المسؤول السابق أنه بعد تشكيل صورة عن تلك الشبكات "فأنت بحاجة لأن تقيم بنى تحتية من الشركات والتي تقوم ببيع بضائعها لأخرى ولأخرى"، وكلها تخفي صلتها بإسرائيل وتتحرك نحو وكلاء المشتريات التابعين لحزب الله، الذين يعتمدون على شركات وهمية خاصة بهم.

وتشير السجلات الرسمية الضئيلة للشركات الأوروبية المرتبطة بأجهزة بيجر إلى مؤسسين ليس لديهم خلفية واضحة كموردين لمعدات الاتصالات أو ارتباط واضح بالحكومة الإسرائيلية، الأمر الذي يترك مجالا للشك فيما إذا كانوا على علم بالأدوار التي ربما لعبتها شركاتهم في الهجوم على حزب الله.

ووصف أفراد الهجوم على حزب الله الذي ترك أفرادا جرحى في المستشفيات وآخرون يحاولون فهم ما حدث بأنه فشل ذريع.

وتساءل أحد الأفراد "لماذا لم يفحص حزب الله الشحنة التي وصلت" وبخاصة أن لديهم القدرات الفنية لمعرفة إن كانت الأجهزة هذه مفخخة أم لا و "لماذا لم يكتشفوا الإختراق؟".

ولا تزال التفاصيل حول العملية غير معروفة، بما في ذلك إمكانية اعتراض او تخريب الشحنة للبيجر أو ما إذا كانت قد نفذت مخططا قامت فيه أجهزة استخباراتية إسرائيلية بتصنيع أو تجميع أجهزة محملة بالمتفجرات.

وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأسبوع الماضي أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قامت بتصنيع هذه الأجهزة وأنشأت شركات وهمية لخداع حزب الله.

وقال مسؤولون أمنيون أمريكيون وغربيون إنهم ما زالوا يجمعون التفاصيل، فيما يفترض العديد من المسؤولين، وإن لم يتأكدوا بعد، أن العمل على تركيب المتفجرات داخل أجهزة بيجر تم في إسرائيل، لتجنب مخاطر الكشف أو التعرض لحادث على أرض أجنبية.

ورغم تعبير عدد منهم عن اندهاشهم من تعقيد العملية إلا أنهم شككوا في أهميتها الإستراتيجية.

وقال مسؤول استخباراتي أمريكي سابق إن قرار إسرائيل بتجهيز الأجهزة بالمتفجرات بدلا من معدات التجسس المتطورة يعكس "العقلية الهجومية" لدى حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، التي تعطي الأولوية لعروض القوة الحركية التي قد لا تحقق أهداف إسرائيل الأوسع في صراع إقليمي متصاعد.

ودافع آخرون عنها قائلين إنها ضربة لمراكز القيادة والتحكم لدى حزب الله. وبحسب  قائد البحرية الإسرائيلية السابق إيال بينكو فالعملية أربكت حزب الله ويحتاج نصر الله لوقت طويل كي يعيد ترتيب قيادته.

وربط توماس ريد مدير معهد البروفيتش لدراسات الأمن الإلكتروني بجامعة جونز هوبكنز العملية الإسرائيلية بعمليات الولايات المتحدة ضد ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، فقد تمكنت وكالات الاستخبارات الأمريكية والألمانية سرا من السيطرة على شركة مقرها سويسرا، وهي شركة كريبتو إيه جي، والتي باعت معدات اتصالات مزورة لعشرات الحكومات الأجنبية. وتضمنت العمليتان هدفا استخباراتيا دائما يتمثل في اختراق سلاسل التوريد للعدو.



كما استشهد الخبراء بالهجوم الذي أطلق عليه اسم "ستكسنت" والذي تعاونت فيه إسرائيل والولايات المتحدة على ضرب اجهزة الطرد المركزي الإيرانية ببرمجيات خبيثة مدمرة.

وقال مسؤولون وخبراء إن قضية أجهزة بيجر تثير تساؤلات أخلاقية جديدة، لأن هدفها، على الأقل جزئيا، كان القتل والتشويه بالإضافة إلى التخريب أو الحصول على معلومات استخباراتية.

وقال رالف غوف، وهو مسؤول سابق بارز سي أي إيه وخدم في الشرق الأوسط، إنه لو كانت الولايات المتحدة على علم مسبق بعملية بيحر، نظرا لطبيعتها الواسعة النطاق، فإن المسؤولين "كانوا ليصابوا بالذعر ولاستغلو كل وسيلة ممكنة لمنعهم من القيام بذلك". لكن مسؤولا إسرائيليا سابقا قال إن الهجوم "أصاب بدقة الأشخاص الذين كانوا بحاجة للإستهداف".

وبين التقرير، "إذا تم تأكيد دور إسرائيل بالتخطيط وتنفيذ العملية، فستواجه أسئلة عن سبب اختيارها دولا أوروبية وربما استغلال أفراد، بما في ذلك أصحاب واجهات تجارية، الذين ربما لم يفهموا عواقب أدوارهم المزعوم لتوقيع عقود لتزويد أجهزة بيجر لجهة ما".

وقال غافين وايلد، المسؤول السابق في البيت الأبيض والخبير بالأمن السيبراني وقفية كارنيغي للسلام الدولي: "هناك الكثير من الشركات الوهمية والشخصيات الوهمية. ولو كان هناك  ضحايا حقيقيون، فسوف يضطرون إلى العيش في خوف بقية حياتهم لأن حزب الله لن يصدق ذلك [حتى لو لم يكونوا على علم بالمؤامرة]".

ومع تجميع قطع البيجر المتناثرة، بدأت تطفو سلسلة من الكيانات التجارية على السطح، وقد تم تمييز الألواح الخلفية لأجهزة بيجر بمعلومات العلامة التجارية والطراز المرتبطة بشركة تصنيع تايوانية، وهي شركة أبولو غولد، التي لا تزال موردا رئيسيا للأجهزة التي كانت منتشرة على نطاق واسع في التسعينيات ولكن منذ ذلك الحين تم استبدالها إلى حد كبير بالهواتف المحمولة.

وأوضح، أن حزب الله لجأ إلى استخدام أجهزة النداء لأنه يعتقد أن القيود التكنولوجية المنخفضة تجعلها أقل عرضة للاختراق من قبل المخابرات الإسرائيلية.

ورد مسؤولون في الشركة التايوانية والذين واجهوا طوفانا من التحريات إن الشركة لم تصمم أو تصنع الأجهزة التي يتداولها حزب الله، وإنها أنتجت بموجب اتفاقية ترخيص مع شركة بي إي سي للإتصالات كي أف تي. ولا أحد يعرف الطبيعة الحقيقية لعمل شركة بي إي سي.

وبحسب الوثائق المجرية فقد تم تسجيلها في أيار/مايو 2022 ولديها 118 نشاط تجاريا، بما في ذلك نشر كتب وتوزيع أفلام وتصنيع زيت ودهون ومجوهرات مقلدة. ويروج موقع الشركة على الإنترنت، الذي تم تعطيله منذ هجوم يوم الثلاثاء لمجموعة واسعة النطاق من الخدمات، حيث يقدم المشورة الاستشارية في كل شيء من الاستثمار في التأثير الاجتماعي إلى حلول إدارة النفايات.

ووفق سجل الشركة فإن مديرتها هي كريستيانا بارسوني أرشيدياكونو، 49 عاما والتي لم ترد على محاولات الصحيفة المتعددة، وفي رد موجز من والدتها على  أسوشيتدبرس يوم الجمعة قالت فيه إن ابنتها باتت تحت حماية الأمن المجري.

كما أكد مسؤول أمن مجري أن شركة إي بي سي هي شركة وهمية ومتورطة في توصيل بيجر إلى حزب الله. وقال المسؤول إن الأجهزة "لم تصل قط إلى المجر"، إلا أن هوية بي إي سي استخدمت لخداع حزب الله، مع أنه ليس من الواضح إن كانت مديرتها "متورطة أو لديها معرفة عميقة" بالعملية.

وفي يوم الأربعاء داهمت شرطة تايوان مكتب بي إي سي بالعاصمة تايبيه وكشفت عن سجلات شحن من أبولو غولد إلى المجر عام 2022، وتم الكشف عن عقد تجاري آخر يظهر حصول الشركة في العاصمة التايوانية على 15 دولارا عن كل جهاز بيجر بيع إلى بي إي سي.

وفي نفس الوقت، قامت أجهزة الأمن البلغارية بالتحقيق في شركة ثانية، وهي شركة نورتا غلوبال المحدودة في صوفيا. وذلك في أعقاب تقرير إعلامي يوم الأربعاء يفيد بأن الشركة باعت وسلمت أجهزة بيجر المتفجرة إلى حزب الله. وقد نسب موقع تليكس الإخباري المجري هذه المعلومات إلى مصادر مجهولة.

وأصدرت وكالة الأمن القومي البلغارية بيانا يوم الجمعة قالت فيه إنها "أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك" أنه لم يتم "استيراد أو تصدير أو تصنيع أي أجهزة اتصالات تم تفجيرها في لبنان أو سوريا في بلغاريا".

ومع ذلك، لم يستبعد البيان وجود صلة بين شركة نورتا غلوبال وبيع بيجر لحزب الله، وقال فقط إن الشركة "لم تنفذ معاملات في داخل الإختصاص القانوني في بلغاريا".

وبحسب السجلات البلغارية فمالك شركة نورتا غلوبال هو النرويجي البالغ من العمر 39 عاما رينسون خوسيه، وهو مولود في الهند وأسسها في نيسان/أبريل 2022 لإدارة المشاريع التكنولوجية.

وحصلت الشركة خلال 2022 و 2023 على إيرادات تزيد عن 1.5 مليون دولارا، وفقا للتقارير المالية المقدمة إلى السلطات البلغارية.



وخلال تلك الفترة، كان خوسيه يعمل بدوام كامل في شركة إعلامية مقرها أوسلو، وفقا لسيرته الذاتية على الإنترنت.  وفي مقابلة قصيرة، لم يرد محاسب شركة نورتا غلوبال على أسئلة حول ما إذا كانت الشركة لها صلات بإسرائيل.

ووجه المحاسب ديميتار داسكالوف صحيفة "واشنطن بوست" إلى بيان الأجهزة الأمنية.
ولخوسيه ملف تعريف على شبكة فاوندرز نيشن على الإنترنت التي تنشر روابط لمنظمات عاملة أو توقفت على علاقة مع الجيش الإسرائيلي.

وقال غاي فرانكلين الذي تم تحديده بأنه واحد من مؤسسي الموقع إنه لم يسمع قط عن خوسيه أو نورتا غلوبال وأنه لا يعتقد أن حكومة إسرائيل قدمت أي تمويل له من خلال فاوندرز نيشن.

وفي رسالة نصية قال فيها: "في عالم التكنولوجيا، تريد أن يكون لديك أكبر عدد ممكن من الشعارات على منصتك لإظهار أنك تحظى بدعم (ليس من الناحية المالية) من العديد من الكيانات".

ولم يرد خوسيه على مكالمات ورسائل "واشنطن بوست".  وقال صديق له في أوسلو، بيبين بهسكاران، إنه وشقيق خوسيه لم يتمكنا أيضا من الوصول إلى خوسيه. وسافر الأخير  إلى بوسطن يوم الثلاثاء وظل في الولايات المتحدة حتى يوم الجمعة، وفقا لسجلات الحكومة الأمريكية.

وكان هناك لحضور مؤتمر تكنولوجي، وفقا لمصدر مطلع على خططه إلى جانب تقرير لموقع   في جي الإخباري النرويجي. وقال أحد منظمي المؤتمر الذي ترعاه هاب سيوت للبرمجيات إن خوسيه لم يأخذ بطاقة الحضور التي أعدت له من أجل المشاركة في المؤتمر.

وباءت محاولات الوصول إليه في أكثر من 30 فندقا مدرجا على موقع المؤتمر بالفشل.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية لبنان تفجيرات حزب الله تفجيرات لبنان حزب الله اجهزة الاتصال صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأسبوع الماضی وقال مسؤول أجهزة بیجر لحزب الله حزب الله بی إی سی هی شرکة أکثر من ما إذا

إقرأ أيضاً:

الموساد والشبكة الخفية في إيران

في 31 يناير/ كانون الثاني 2018، كشف الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي "الموساد"، يوسي كوهين، كيف تمكّنوا من الاستيلاء على الأرشيف النووي العسكري الإيراني في طهران باستخدام عشرين عميلًا إيرانيًا. قال حينها:

"قبل أكثر من عامين من تنفيذ العملية، تلقّى الموساد معلومات استخبارية حول المكان الذي يُخفى فيه الأرشيف النووي، وبدأنا في البحث عنه. وحين عثرنا عليه، حصلنا على خرائط كشفت عن بنية المبنى الداخلية. وبناءً على ذلك، شُيّد في إحدى الدول الصديقة مبنى مطابق تمامًا للبناء الذي تُخزن فيه الوثائق.

هناك، أجرينا تدريبات على اقتحام المبنى وإفراغ محتوى الخزائن بصمت. تم توظيف عشرين عميلًا مختارًا، لا يحملون الجنسية الإسرائيلية.

وخلال تنفيذ العملية، كان العملاء يرسلون بثًا مباشرًا لما يرونه، ويقدمون شروحًا باللغة الفارسية، ويرسلون صورًا. وعندما رأينا ما تحتويه تلك الخزائن الضخمة، أدركنا أننا عثرنا على ضالتنا. لقد أدركنا حينها أننا استولينا على البرنامج النووي العسكري الإيراني".

في تلك الأيام، اعتُبرت تصريحاته ضربًا من المبالغة، واستخفّت بها إيران قائلة إن "الوثائق المسروقة مزيفة". لكن الهجوم الإسرائيلي الذي وقع ليلة 13 يونيو/ حزيران 2025 كشف أن تلك التصريحات لم تكن خالية من الحقيقة.

فلم يكن القصف الجوي وحده هو الضربة، بل اغتيل عدد من كبار القادة والعلماء النوويين الإيرانيين، ليس فقط عبر طائرات " إف- 35″ والطائرات المسيرة، والصواريخ التي انطلقت من إسرائيل الواقعة على بعد 1600 كيلومتر، بل أيضًا عبر شبكة عملاء الموساد التي نُسجت داخل إيران على مدى سنوات كشبكة العنكبوت.

ولفهم مدى فاعلية شبكة العملاء هذه، يكفي النظر إلى هوية من سقطوا قتلى في الهجوم. فخلال الغارات، قُتل كل من رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية محمد حسين باقري، وقائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، وقائد مقر خاتم الأنبياء المركزي علي رشيد، وقائد أنظمة الدفاع الجوي للحرس الثوري داود شيحيان، وقائد القوات الجوية بالحرس الثوري أمير علي حاجي زاده، وقائد الطوارئ بالحرس الثوري علي شادماني.

إعلان

وقد شاركت الولايات المتحدة في الهجوم عبر تقديم دعم استخباري، وطائرات التزود بالوقود، والأسلحة، بحسب ما أفادت به وسائل الإعلام الأميركية التي أوضحت: "قبل أن تُغير طائرات " إف-35″ على الأهداف النووية والعسكرية، مهّد الموساد الطريق بعملية سرية. تم تهريب قطع طائرات مسيرة إلى داخل إيران، ونُفذت الهجمات من الداخل".

على مدار شهور، هرّب الموساد أجزاء من طائرات رباعية المراوح محمّلة بالمتفجرات، وذخائر تُطلق عن بعد، بواسطة حقائب سفر، وشاحنات، وحاويات شحن إلى داخل إيران. ثم قامت فرق صغيرة وسرية بتركيب هذه الطائرات قرب مواقع الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي. وعندما بدأت الضربات الجوية، حيّدت هذه الفرق الأنظمة الحرجة، واستهدفت منصات الإطلاق الخارجة من المخابئ.

استهدفت فرق الطائرات المسيّرة قوافل الصواريخ والمخازن، وتم تدمير عشرات الشاحنات المخصصة للإطلاق، وهو ما أدى إلى تأخير الرد الإيراني.

هذه الشبكة السرية التي جرى إعدادها على مدى سنوات، تأسست من عملاء دُرِّبوا في الخارج، وتسللوا إلى خطوط الإمداد، وحددوا الأهداف بدقة.

أما إيران، التي لطالما قللت من شأن تغلغل الموساد داخلها، فقد بدأت عمليات مضادة متأخرة. وتمكنت من اعتقال العشرات من عملاء الموساد الذين كانوا يجمعون المعلومات من الميدان، وشاركوا في الهجمات. وتم إعدام بعضهم.

لكن ذلك لا يعني أن تهديد الموساد داخل إيران قد انتهى. إذ إن الشبكة لم تتغلغل فقط بين الناس العاديين، بل وصلت إلى أعلى هرم السلطة، بحسب ما صرح به مسؤولون إيرانيون.

ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بعد عامين من استيلاء الموساد على الأرشيف النووي، قُتل أبرز علماء إيران النوويين محسن فخري زاده، عبر سلاح رشاش يتحكم به عن بُعد، باستخدام الذكاء الاصطناعي.

وبعد الاغتيال، صرّح وزير الاستخبارات الإيراني محمود علوي بأن الشخص الذي سهّل اغتيال فخري زاده هو أحد عناصر الحرس الثوري نفسه، دون أن يُكشف عن هوية ذلك العميل للموساد داخل الاستخبارات الإيرانية.

الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، أكد عام 2021 أن أحد كبار المسؤولين الأمنيين المكلّفين بالتصدي لعمليات الموساد، كان نفسه عميلًا لدى الموساد. وقال: "إسرائيل تنفذ عمليات معقدة داخل إيران، وتحصل على معلومات حساسة بسهولة تامة. وأجهزة الدولة لا تزال صامتة. الشخص المسؤول عن مقاومة إسرائيل كان عميلًا لها".

وواضح أن الموساد امتلك في إيران شبكة تجسس عملاقة، جعلته قادرًا على تنفيذ اغتيالات كيفما شاء.

وفي 2022، صرح علي يونسي، مستشار الرئيس السابق حسن روحاني ووزير الاستخبارات السابق، قائلًا: "الموساد تسلل خلال السنوات العشر الأخيرة إلى جميع مفاصل الدولة الإيرانية، لدرجة باتت معها أرواح كل المسؤولين في خطر. لقد أصبحوا يهددون المسؤولين علنًا. وبصفتي ممن عمل سابقًا في وزارة الاستخبارات، فإن هذا الوضع يؤلمني بعمق".

وفي 31 يوليو/ تموز 2024، وبعد وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث طائرة غامض، حضر الموساد حفل تنصيب خليفته مسعود بزشكيان، لينفّذ بعده عملية اغتيال دقيقة استهدفت قائد حركة حماس إسماعيل هنية، في دار ضيافة محصنة تابعة للحرس الثوري.

إعلان

وبحسب صحيفة "تلغراف" البريطانية، استخدم الموساد عملاء له داخل الحرس الثوري لتنفيذ اغتيال هنية.

ومع استمرار إسرائيل في ارتكاب المجازر في غزة، اتجهت نحو لبنان، مستهدفة حزب الله قبل شن عملية برية. وقد أظهرت مدى اختراقها حزب الله وإيران عبر عمليات اغتيال فردية وجماعية.

ففي عملية نوعية، فجّرت في وقت واحد أجهزة النداء التي يستخدمها الحزب للتواصل، فطالت 3000 من قادته وأفراده دفعة واحدة. وقد نُفذت العملية من جناحين؛ أحدهما في إسرائيل، والآخر في إيران. تم توفير الأجهزة من داخل إيران، في حين تولّى الموساد تحويلها إلى عبوات ناسفة.

ولم تكتفِ إسرائيل بذلك، بل استهدفت قيادات حزب الله واحدًا تلو الآخر، حيث اغتالت في 16 يونيو/ حزيران، قائد وحدة "ناصر" سامي طالب عبدالله، وفي 3 يوليو/ تموز، قائد وحدة "عزيز" محمد نعمة ناصر، ثم القائد الأعلى العسكري للحزب فؤاد شُكر، وفي 20 سبتمبر/ أيلول، قائد وحدة "الرضوان" إبراهيم عقيل، وفي 24 سبتمبر/ أيلول، القائد البارز إبراهيم محمد قبسي، وفي 26 سبتمبر/ أيلول، قائد الوحدة الجوية محمد حسين سرور، وأخيرًا، في 27 سبتمبر/ أيلول، زعيم حزب الله نفسه، حسن نصر الله.

واللافت أنه قبل أيام من اغتياله، وتحديدًا في 24 سبتمبر/ أيلول، وجّه له الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان، محمد علي الحسيني، عبر إحدى القنوات، تحذيرًا قائلًا: "لو كنت تعلم ما تقوله إيران عنك، لانقلبت المعادلة. اكتب وصيتك، فقد خدعتك أحلامك في دخول القدس، وخذلك شركاؤك".

وبحسب ما نقلته صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية عن مصدر أمني لبناني، فإن عميلًا إيرانيًا هو من قدّم لإسرائيل معلومة مفادها أن نصر الله يخطط لزيارة مقر حزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية يوم الجمعة. وأشارت الصحيفة إلى أن هذا العميل "من داخل النظام الإيراني نفسه".

وعقب عملية الاغتيال، صرّح الحسيني: "إيران باعت نصر الله مقابل الحلم النووي. الإحداثيات جاءت من طهران. أُقسم أن كل من سيخلف نصر الله سيُقتل. لقد سرّبت إيران معلومات الجميع".

ومن الواضح أن المقصود بـ"إيران" في هذا السياق هم عملاء الموساد المزروعون داخل مفاصل الدولة. فكما في الهجوم الأخير، لا يمكن أن تُعرف أماكن تواجد هؤلاء القادة بدقة إلا من قبل مسؤولين في مواقع مماثلة أو جواسيس يعملون داخل الاستخبارات الإيرانية لصالح الموساد.

بل إن القصف الذي استهدف المنطقة التي يقيم فيها المرشد الأعلى آية الله خامنئي، يثبت أن الموساد يمتلك معلومات داخلية دقيقة.

لكن نشاط الموساد لا يقتصر على إيران. فهذه الأحداث تُظهر أن إسرائيل قادرة على شن عمليات دقيقة ليس فقط في إيران، بل في مختلف دول الشرق الأوسط: لبنان، وسوريا، والعراق، من خلال شبكة التجسس التي نسجتها طوال سنوات.

وهذا الجهاز السري الإسرائيلي بات اليوم يشكّل تهديدًا حقيقيًا على وجود واستقرار دول المنطقة كافة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • ترامب: الهجمات الإيرانية على قاعدة "العديد" في قطر كانت ضعيفة
  • ‏الطائرات الإسرائيلية تقصف "ساعة فلسطين" التي كانت تؤشر إلى "العد العكسي لتدمير إسرائيل" عام 2040 وفقا للسلطات الإيرانية
  • عدوان همجي.. بيان لحزب الله بعد ضربات أمريكا على حليفته إيران
  • الموساد والشبكة الخفية في إيران
  • إذا كانت الملابس لا تناسب جسمك.. انتبه لهذه الأعراض الخطيرة التي تظهر دون ألم وراجع الطبيب فوراً
  • عاجل | استهداف الحارس الشخصي للأمين العام السابق لحزب الله
  • مدير مؤسسة توليد الكهرباء يبحث مع ممثلي شركة UCC نتائج الجولات الميدانية التي تم تنفيذها
  • إسرائيل تقصف موقعا لحزب الله وتحذره من القتال مع إيران
  • سفينة إسرائيلية تضرب موقعًا لحزب الله بعد تحذير كاتس
  • الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف موقع لحزب الله في الناقورة عبر سلاح البحرية