عربي21:
2025-05-20@12:52:48 GMT

هل يمكن تعليم الإبداع والتدريب عليه؟.. كتاب يجيب

تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT

هل يمكن تعليم الإبداع والتدريب عليه؟.. كتاب يجيب

الكتاب: صناعة العقول ـ إبداع ابتكار تجديد الذكاء الاصطناعي
الكاتب: د.عصام شيخ الأرض
الناشر: تموز ـ ديموزي للطباعة والنشر والتوزيع،الطبعة الأولى 2024،(160 صفحة من القطع الكبير)

مهارات وأدوات الإبداع

في الفصل الثالث، يطرح الباحث عصام السؤال التالي: هل يمكن تعليم الإبداع والتدريب عليه؟

إنَّهُ سؤالٌ مهمٌ يُطرحُ اليوم مع الحاجة المستمرة لوجود مبدعين في حياتنا لتطوير وابتكار مميزات جديدة وأفكار خلاقة مبدعة، حيث تؤكد العديد من الدراسات والبحوث أن تعليم الإبداع تحت شروطٍ خاصةٍ وفي حدودٍ معينةٍ أمر ممكن تحقيقه، إِذْ إِنَّ قمعظم الأساليب والطرق لتنمية الإبداع لدى الشخص تتجه إلى التدريب المستمر وإعادة التأهيل ورفع الكفاءة والمستوى على توليد الأفكار، وتقوم هذه الفكرة على مجموعة من الخطوات والإجراءات والأدوات المهمة التي يجب على الشخص معرفتها للدخول إلى عالم الإبداع.



يمتلك المبدعون القدرة على إيجاد العديد من الطرق المختلفة لإنجاز أعمالهم ومهامهم، ويستخدمون في حل المشاكل التي تقع في طريقهم والتحديات التي يواجهونها أساليب متميزة، ومهارات متطورة في العمل، وعلى الرغم من أن كل هذه المهارات تشير إلى قدرات إبداعية كبيرة يقوم بها المبدعون ولكن بحاجة إلى تنسيق وتحديد جوهرها وأسلوب التعامل معها على الوجه الأمثل.

فيما يتعلق بتعدد هذه المهارات المستخدمة التي يجب العمل على تطويرها والحفاظ على تحقيق تنفيذها الدائم في مراحل العمل ، يورد الباحث عصام بعض هذه المهارات والأدوات بالشرح لتوجيه المبدع نحو المهارة المناسبة التي يسعى لتطويرها لديه، ومنها مهارة التخيل، حيث يقول:"يعرف الخيال بأنه القدرة العقلية على تجسيد أحاسيس غير موجودة في أرض الواقع، ويعتبر من أهم الأشياء التي تشكل وعي الإنسان، وتزداد تلك القدرة عادة في الأطفال حيث أنها تشكل جزءاً كبيراً من تطورهم العقلي والعاطفي، لذا يستخدم الأطباء عادة العلاج بالألعاب في هذا السن معتمدين على خيال الأطفال للتغلب على مشاكلهم النفسية، ومساعدتهم على التأقلم مع الحياة.ويستخدم الخيال كمصطلح للتعبير عن القدرة على التفكير الابداعي عن طريق تخيل سيناريوهات روائية، وقصص خيالية، أو لوحات فنية، ودائماً ما يعرف المبدعون مثل الفنانون والكتاب وغيرهم بامتلاك خيال قوي ونشيط.

ولم يفلت التخيل من آراء الفلاسفة قديماً مما يدل على أهمية التخيل حيث قال أفلاطون عن التخيل أنه لغة الروح والجسد، أما أرسطو فقد أكد على أن التخيل هو حركة ناشئة عن الإحساس وأنه فعالية ديناميكية، أما هيوم فقد أشار إلى أن التخيل يساعد على تكوين صورة للموضوع تكون غير موجودة في الواقع وأنه وسيلة بين الإحساس والتفكير(ص 94).

ولم يغفو الفلاسفة العرب أيضاً عن وصف التخيل والحديث عنه حيث عرف الرازي التخيل أنه هو الظن والاستدلال على الشيء بالشيء، أما ابن سينا فقد قال عن التخيل بأنه القوة الخيالية وهي المسؤولة عن قوة الخيال عند الإنسان ويتحكم بها العقل البشري، وقال أيضاً أن ما يميز التخيل هو إعادة الصور الحسية بعد غياب التنبيهات وأكد الفارابي على أن التخيل قوة تحفظ رسوم المحسوسات بعد غياب المنبهات الحسية.

وهذه المهارة إحدى أهم المهارات الإبداعية والتي تنمي الحالة الخاصة للمبدع من خلال تحريك مخيلته ويستخدمها من خلال إطلاق العنان للصور الذهنية والتشكيلات الفكرية والأفكار دون اخضاعها للمنطق أو الواقع أو حتى قابلية التحقيق.

الإنسان عبر العصور تميز بالخيال الإبداعي ليطور حياته ويكتشف ويخترع مجموعة المستلزمات المساعدة لحياته وتحسين معيشته في ذلك الوقت، والتي استمرت للوصول ليومنا هذا بمجموعة اختراعات انتقلت من الحاجيات الأساسية إلى الرفاهية المطلقة.هذه المهارة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمكونات التفكير الإبداعي، حيث أن علماء النفس يشجعون على التخيل للوصول إلى الإبداع، فنرى السياسي الهندي غاندي يقول: (الإنسان هو منتوج أفكاره، وما يفكر به يصبح عليه).

والشخص المتميز عبر التاريخ بالخيال الإبداعي هو الفنان ليوناردو دافينتشي صاحب لوحة الموناليزا الشهيرة ولوحة العشاء الأخير، ولوحة الإنسان المشهورة، حيث أنه تخيل الآلة البخارية قبل قرون من اختراعها.

فالإنسان عبر العصور تميز بالخيال الإبداعي ليطور حياته ويكتشف ويخترع مجموعة المستلزمات المساعدة لحياته وتحسين معيشته في ذلك الوقت، والتي استمرت للوصول ليومنا هذا بمجموعة اختراعات انتقلت من الحاجيات الأساسية إلى الرفاهية المطلقة.

يستعرض الباحث عصام مقولات مهمة عن الخيال لعلماء وفلاسفة ورجال سياسة، ومنهم:

ـ وبهذا المقام قال مؤسس النسبية العامة ألبرت أينشتاين إن الخيال أكثر أهمية من المعرفة، فهو يحيط بالعالم، حينها كان يدرك أن للخيال فضلاً على العلم أكثر مما للعلم عليه، أي تأثير الخيال العلمي في العلم وأهميته في التقدم العلمي والتقني الذي وصلنا إليه بصفة عامة. وقال أيضاً: (المنطق يأخذك من أ إلى ب، الخيال يأخذك إلى كل مكان).

ـ أما بابلو بيكاسو فيخبرنا عن الخيال بمقولة عظيمة تعطينا مدى حجم هذا المبدع الكبير حيث قال: (كل ما تستطيع تخيله فهو حقيقي).

ـ ويحدثنا جيمي باولينيتي بجملة لطيفة مفادها: (الحدود موجودة فقط في دماغنا، لو أعملنا خيالنا لأصبح لدينا إمكانيات لا حدود لها).

ـ جوزيف جوبيه: الخيال هو عين الروح.

ـ يوهان غوته: الكثير من الناس يحسبون أنهم يفهمون ما يتخيلون.

ـ  أوريسون ماردن: كل العظماء حالمون جيدون.

إن الخيال هو من المميزات العظيمة التي ميزنا الله بها عن سائر خلقه، ونعمةٌ تجعلنا نربط كل شيء يحدث حولنا بشيء مادي بالنسبة لعقلنا ولا وجود له أمام أعيننا، ولكن بعض العقول يأسرها مرض الخيال فيعيش أصحابها فيه أكثر مما يعيشون واقعهم بين الناس، بل وينفصلون عن من حولهم إن أرادت عقولهم أن تأخذهم برحلة دون إخبار أحد ودون استئذان.

يجب علينا أن نتحكم بخيالنا وأن نسيطر عليه لأن الخيال الزائد عن حده بجعل من فكر الشخص منعزلاً، لا يريد واقعه وينكره، ويظل واقعاً تحت تأثير تخيله لحياة لا أصل لها، سوى أن عقله الباطن يصورها له حتى يصدقها رغبة في الهرب بها لعالم يريده ويرغب به هو، فيبدأ عقله بتكوين عالمه الخاص. فلنكن حدرين ومنضبطين.

الذكاء الاصطناعي وسلوك الإنسان المبدع

يتطرق الباحث عصام في الفصل الرابع و الأخير لموضوع الذكاء الاصطناعي وسلوك الإنسان المبدع، فيقول:"الذكاء الاصطناعي هو مصطلح استخدم لأول مرة عند فلاسفة اليونان في الخمسينات من القرن الماضي، وبدأت دراسته لأول مرة من خلال المدرسة الاتصالية باليونان، وكانت بداية الفكرة هو اختلاق تقنية تقوم بالتفكير كالإنسان، حيث قدم حينها الفيلسوف الآن تورينج بحث عام 1950 حول تنفيذ تقنية تفكر كالعقل البشري دون وجود اختلاف ملحوظ وكان البحث حول آلة كان يعتقد أن بإمكانها إجراء محادثة عن بعد عن طريق الطابعة، تبعه في الفكر هودجين هكسلي والذي قدم نموذج يحاكي العقل البشري على شبكة كهربية تشبه الخلايا العصبية، وقدم في بحثه الكهربا وجعلها تمثل النبض الذي يعمل على تشغيل الخلايا أو توقفها، وربما هذه الأفكار والأبحاث كانت النبتة التي ساهمت في ظهور الذكاء الاصطناعي في مؤتمر داتموث عام 1956م، ظل الأمر يتطور شيء فشيء حتى تحدى العلماء العقبات المتمثلة في وجود الذاكرة وعدم القدرة على التخزين وغيرها وذلك خلال فترة السبعينات، ولكن عاد مصطلح الذكاء الاصطناعي مرة أخرى يلمع في مجال العلم والتكنولوجيا وظهرت العديد من التقنيات الحديثة ففي أوائل التسعينات تمكن العلماء والمختصين من تقديم تقنية إجراء المحادثات واختراع صفحات الويب واستخدام برامج البيانات الضخمة، كما تبع ذلك إمكانية التسوق عبر الأنترنت، ثم تبع ذلك التطور الهائل للبرامج الإلكترونية وشبكة الإنترنت التي حققت نجاح باهر في عملية نقل البيانات والاطلاع على العلوم من قبل الجميع وغير ذلك من المعلومات التي توفرت للجميع(ص 137).

إنَّ مفهوم الذكاء الاصطناعي (Al Intelligence Artificial) يعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين لكن البعض يعتقد أن الذكاء الاصطناعي مرادف لأي شكل من أشكال الذكاء؛ ويؤكدون على أنه ليس من المهم أن يتم التوصل إلى هذا السلوك الذكي عبر نفس الآليات التي يعتمد عليها البشر.

بينما يرى آخرون أنه يجب أن تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي قادرة على محاكاة الذكاء البشري.

يتكون الذكاء الاصطناعي من كلمتين الأولى اصطناعي Artificial وتشير إلى شيء مصنوع أو غير طبيعي، الثانية ذكاء Intelligence ويعني القدرة على الفهم أو التفكري.

قد يكون تعريف الذكاء أكثر صعوبة من تعريف الاصطناعي. حيث يمكن تعريف الذكاء بأنه القدرة المعرفية للفرد على التعلم من التجربة، والعقل، وتذكر المعلومات الهامة، والتعامل مع متطلبات الحياة اليومية. فالهدف من الذكاء الاصطناعي هو تطوير آلات تتصرف وكأنها ذكية.

يمكن أن يكون هناك الكثير من تعريفات الذكاء الاصطناعي، تتمحور جميعها حول دراسة كيفية تدريب الأجهزة والآلات لتقوم بأشياء بشكل أفضل مما يفعلها الإنسان في الوقت الحاضر، لذلك فهو ذكاء حيث نريد أن نضيف كل القدرات التي يتميز بها الإنسان للآلة.

وعليه فمن الممكن وضع تعريف للذكاء الاصطناعي على أنه طريقة الصنع حاسوب، أو روبوت يتم التحكم فيه بواسطة الكمبيوتر، أو برنامج يفكر بذكاء، بنفس الطريقة التي يفكر بها البشر الأذكياء.

أو أن الذكاء الاصطناعي هو علم صنع الآلات التي تقوم بأشياء تتطلب ذكاء إذا قام بها الإنسان.

وبالتالي فالذكاء الاصطناعي هو نظام علمي يشتمل على طرق التصنيع والهندسة لما يسمى بالأجهزة والبرامج الذكية، والهدف من الذكاء الاصطناعي هو إنتاج آلات مستقلة قادرة على أداء المهام المعقدة باستخدام عمليات انعكاسية مماثلة لتلك التي لدى البشر.

يتم تصميم برامج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي من خلال دراسة كيف يفكر العقل البشري، وكيف يتعلم الإنسان، ويقرر، ويعمل أثناء محاولة حل مشكلة، ومن ثم استخدام نتائج هذه الدراسة كأساس لتطوير البرمجيات والأنظمة الذكية. فإذا أردنا أن نفهم كيف يقوم البشر بالسلوك الذكي، يجب أولاً أن نفهم الأنشطة التي تعتبر ذكية بالمعنى الفكري والعلمي والنفسي والتقني. على سبيل المثال، إذا أردنا بناء إنسان الى قادر على المشي مثل الإنسان، فعلينا أولاً أن نفهم عملية المشي من كل وجهة نظر، وبالرغم من ذلك فإننا إذا فهمنا عملية المشي إلا أن الأشخاص لا ينجزون الحركة من خلال الإعلان عن مجموعة من القواعد الرسمية التي تشرح كيفية اتخاذ الخطوات.

إنَّ مفهوم الذكاء الاصطناعي (Al Intelligence Artificial) يعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين لكن البعض يعتقد أن الذكاء الاصطناعي مرادف لأي شكل من أشكال الذكاء؛ ويؤكدون على أنه ليس من المهم أن يتم التوصل إلى هذا السلوك الذكي عبر نفس الآليات التي يعتمد عليها البشر.والإنسان الآلي (الروبوت) هو عبارة عن آلة كهروميكانيكية تتكون من هياكل مشابهة للإنسان، يمكن برمجتها لتؤدي بعض الأعمال الشاقة والمرهقة والخطرة التي يقوم بها الإنسان يدوياً بقوة أكبر - وأداء أسرع دون كلل أو تعب وبطريقة آمنة عن العنصر البشري. تعتمد على أنظمة الذكاء الاصطناعي لإعطاء الإنسان الآلي (الروبوت) القدرة على الحركة، وفهم المحيط، والاستجابة لعدد من العوامل الخارجية.

فالذكاء الاصطناعي هو مصطلح يستخدم لوصف عملية تطوير الذكاء الاصطناعي إلى الدرجة التي تكون فيها قدرة الآلة الفكرية مساوية وظيفياً للإنسان. في فلسفة الذكاء الاصطناعي القوي، لا يوجد فرق جوهري بين قطعة البرمجيات القائمة على الذكاء الاصطناعي، والتي تحاكي بالضبط تصرفات الدماغ البشري، وأفعال الإنسان الطبيعي، بما في ذلك القوة على الفهم وحتى الوعي.

وتشمل الخصائص الرئيسة للذكاء الاصطناعي: القدرة على التفكري والتفاعل الذكي، حل الألغاز، إصدار الأحكام، التخطيط والتعلم، والتواصل. كام يجب أن يكون لديه وعي، أفكار موضوعية، ومشاعر، وسلوك.

والذكاء الاصطناعي هو عملية محاكاة نظم الكومبيوترات العمليات الذكاء البشري بهدف تحقيق أمر ما. وكثيراً ما تروّج الشركات لخدماتها على أنها ذكاء صناعي، ولكن حقيقة الأمر أن الكثير من تلك الخدمات تستخدم عنصراً من التقنية، مثل "تعلم الآلة". ويتطلب استخدام الذكاء الاصطناعي أساساً متقدماً من العتاد الصلب Hardware المتخصص، والبرمجيات المطورة خصيصاً لهذا الغرض. ولا توجد لغة برمجة متخصصة بهذه التقنية حتى الآن، ولكن عدداً من اللغات يقدم أدوات مفيدة لهذا الغرض، مثل Python وJava وC++.

ويتم التركيز في برمجة الذكاء الاصطناعي على أربع مهارات، هي: التعلم والإدراك والتصحيح الذاتي والابتكار.

يركز جانب التعلم على الحصول على البيانات وإيجاد القوانين والروابط بينها وتحويلها إلى بيانات مفيدة. ويتم تقديم قوانين مختلفة على شكل خوارزميات كثيرة (الخوارزمية هي نهج عمل برنامج ما لتحقيق الهدف المرغوب) حول كيفية إكمال مهمة محددة، مثل التعرف على وجود إنسان في صورة (يجب تحديد ما يصف شكل معظم البشر العينان والفم والأنف والحاجبان والرقبة، وهكذا).

وبالنسبة إلى مهارة الإدراك، فإنها تركز على اختيار الخوارزمية الصحيحة بقوانينها المرتبطة لتحقيق الهدف المرغوب. أما التصحيح الذاتي، فتركز هذه المهارة على تعديل الخوارزميات وقوانينها بناءً على صحة المخرجات لإيجاد قوانين أكثر دقة من السابق، الأمر الذي ستنجم عنه نتائج صحيحة بنسبة أعلى في المرات المقبلة التي يعمل فيها ذلك النظام.

وتبقى المهارة الرابعة وهي الابتكار، التي تستخدم الشبكات العصبونية الرقمية والنظم المبنية على القوانين والبيانات الإحصائية وتقنيات أخرى بهدف إيجاد صور ونصوص وموسيقى وأفكار جديدة.

إقرأ أيضا: الذكاء الاصطناعي وقدرته على تعزيز الذكاء البشري.. قراءة في كتاب

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب لبنان كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الذکاء الاصطناعی هو القدرة على من خلال على أنه على أن

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي.. وصياغة التاريخ الموازي

منذُ أن بَزغَ فجرُ الخوارزميّات الذكيّة القادرة على إنتاج اللغة والصورة والمرئيات بقدراتٍ تُحاكي مخيّلة الدماغ البشريّ، انفتحتْ لنا نافذةٌ غير مسبوقة على ما يمكن أن نسمّيه «مجرَّة الاحتمالات التاريخيّة» الذي نقصد به الفضاء اللامتناهي من السيناريوهات التي لم تقع، ولكنها -لو وقعَتْ- لكان بوسعها أن تُبدِّل من مسار الحضارات الإنسانية وصورتها، ولعلّ ما نطلق عليه بـ«التاريخ الموازي» أو بـ«التاريخ المضاد» (Counterfactual History) يثير شغفنا باعتباره حقلًا نظريًّا ينشطُ حِينًا ويخبو أحايينَ؛ فيستهوي بعضَ المؤرِّخين والفلاسفة عبر طرح أسئلة تخالف أبجديات التاريخ وقواعده الثابتة، مثل: ماذا لو لم يُقتل يوليوس قيصر؟ ماذا لو انتصر العربُ في بلاط الشهداء؟ ماذا لو أُجهِضت الثورةُ الصناعيّة في مهدها؟ ماذا لو انتصر العربُ في حرب 1967 أو قبلها في حرب 1948؟ بيدَ أنّ هذه التساؤلات ـ قبل ظهور الذكاء الاصطناعي ـ كانت تنتمي إلى ضربٍ من العبث العقلي أو التأمّل الفلسفي غير الخاضع للقياسات المنطقية؛ إذ يفتقر الباحثُ إلى أدواتٍ تجريبية تمنحه القدرة على إخضاع مثل تلك الفروض لاختبارٍ شبه علمي.

لكننا اليوم، ومع تطوّر نماذج المحاكاة القائمة على خوارزميات التعلّم العميق والشبكات العصبيّة، أضحى بإمكاننا أن نزوّد هذه الخوارزميات الذكيّة بمكتباتٍ ضخمة من الوقائع، والمعطيات الاقتصاديّة، والديموغرافيّة، ونُطلقها لتُنجِزَ ملايينَ المحاكاة التي تتعقّبُ التغيّر البنيويّ لحدثٍ واحدٍ إذا انحرفَ عن مساره قيدَ أنملة؛ ليغدو الذكاءُ الاصطناعي أداةَ «إحياء» لا للتاريخ كما كان، ولكن للتواريخ الممكنة التي لم تكن؛ فيمدّنا بسرديّاتٍ بديلة تُظهِر مآلاتٍ تقترن بزمنٍ متخيَّل، ولكنها مُرتكَزةٌ علميًّا على نماذج سببيّة واحتمالات دقيقة. من المعلوم أن المؤرِّخَ التقليديّ يعتمد على الوثائق والشهادات والآثار المادّيّة، وبمعنى عام، يكون اعتماده على ما تبقّى من الأثر في الزمن، ولكنّ الخوارزميّات تُضيفُ إلى هذا الثالوث بُعدًا رابعًا، سنطلق عليه «الاحتمال المُحاكَى»؛ لتُرَكِّب بُنيانًا من البيّنات وتنسج خريطة علاقات سببيّة، ثمّ تُعطى حرّيّة تعديل عقدةٍ واحدة من عقد هذه الشبكة لترى كيف سيُعاد ترتيب الأنماط؛ فإذا أبدلنا نتيجةَ معركةٍ حاسمة أو قُيِّض لقائدٍ ما أن ينجو من الاغتيال؛ تدحرجت التأثيراتُ كسلسلة «دومينو» في نموذج رياضيّ يمكن تتبّعه عدديًّا وصُوَريًّا.

لا أستبعد أن يقول قائلٌ: أليست هذه مُغالاة في الثقة بقدرة الآلة -الذكاء الاصطناعي- في إعادتها لصياغة الأحداث ومساراتها المستقبلية؟ بلى، ويبقى الحذرُ واجبًا؛ فلا يملك الذكاء الاصطناعي معرفةً واعيةً بالماضي، وإنما يتوقّع تركيب الأنماط ويعيد تصميمها وفقًا لما لُقِّنَ من بيانات. غير أنّ قيمته الحقيقية لا تكمن في المطابقة القطعيّة ولا في النبوءة الغيبيّة، ولكن في أنّه يوفّر لنا «مِرآةً مُفترَضة» نعكس عليها تصوّراتنا؛ فنقارن بينها وبين الوقائع الحقيقيّة؛ لنفهمَ بشكل أعمق قانونَ الصدفة والضرورة في التاريخ.

تفترض التصوراتُ العقلية أنه حين تُمنح المجتمعاتُ الإنسانية فرصةَ الاطّلاعِ على سرديّات بديلة وفق المحاكاة العلمية؛ فإن بنيةَ الوعي تتغيّر وفقَ عدة سُبل، وأول هذه السبل أن ينكسر وَهْمُ الحتميّة التاريخيّة؛ إذ يدرك الفرد الإنساني أنّ المسارات الكبرى ليست قدَرًا محتومًا، وإنما حصيلةُ قراراتٍ بشريّة قابلةٍ لأن تُسلكَ أو تُستبدَل وتتفاعل مع قانون السببية والاحتمالات الكونية المتعددة، ويُحرّر مثل هذا الإدراك طاقاتٍ سياسيّة جديدة، لأنّ الفرد يرى في الحاضر مفصلًا مفتوحًا، لا ذيْلًا مقطوعًا من ماضٍ مكتوبٍ على حجر. ثاني هذا السبل أن تُسهم هذه «الواقعات المضادّة» في توسيع مخيّلة «المظلوميّات التاريخيّة»؛ فيمكن للشعوب التي تعرّضت للاستعمار أو الإبادة أن تجد ـ عبر المحاكاة ـ صورًا من التاريخ النزيه الذي حرمها إيّاه المنتصرون «المعتدون»، ولا يعني ذلك استبدال الماضي بحلم منزوع الواقعية، وإنما يكون عن طريق توزيع حسّ العدالة الرمزيّة؛ ليُعطي الضحيّةَ أفقًا روحيًّا للتعافي الجمعيّ. ثالث هذه السبل، نراه فيما يخص حقل علوم السلوك السياسيّ؛ حيثُ توفّر هذه النماذج مختبرًا افتراضيًّا لاختبار السياسات قبل تطبيقها؛ فيمكن لمحاكاةٍ مستندةٍ إلى تاريخٍٍ بديلٍ أن تكشفَ مخاطرَ أو فرصًا ما كانت لتظهر بالتنبّؤ الاستنباطيّ وحده.

يُعيدنا هذا كلّه إلى سؤالٍ جوهري: ما مفهومنا للتاريخ؟ هل هو تسلسلُ ضروراتٍ تحدّدها بنيةُ الأنظمة الاقتصاديّة والطبيعيّة؟ أم أنّه رقصة الاحتمالات حول محورٍ من القرارات الإنسانيّة الحرّة؟ لا أملك إجابات حتمية لهذه الأسئلة، ولكن جلَّ ما أدركُه أنّ الذكاءَ الاصطناعي ذو قدرةٍ على تمثيل آلاف الشُعَب الزمنيّة؛ ليوغل بنا في رؤيةٍ «كوسمولوجيّة»، حيثُ يتجاور الماضي الواقعيّ مع أطيافٍ لا تُعدّ من الأزمنة المحتملة، وتصبح سلسلة الوقائع أشبهَ بمتعدِّدٍ «طوبولوجيّ»، لا خطًّا مستقيمًا. هنا يلتقي العلمُ بالرياضيات الإحصائيّة مع الفلسفة القاريّة في نقدها لفكرة «التقدّم الخطيّ»، ويلتقي أيضًا مع قواعد الفيزياء الكوانتمية التي ترى الواقعَ «دالة موجيّة» تتقلّص إلى حدثٍ واحدٍ يعكس الوجود اللحظي الذي نعيش فيه؛ فالاحتمالات وفقَ النظام الكوانتمي متعددة ولها عوالمها الموازية التي تشمل ما نسميّه بالتاريخ الموازي.

في حالة مغايرة تستدعي يقظة وعينا، نجد أنّ فتح بوّابة «التواريخ البديلة» ليس فعلًا عادلا محضا؛ فيمكن لبعض الأنظمة السياسيّة أو الاقتصاديّة أن توظّفها لصنع سرديّات ترويجيّة تتلّبس بلباس العلم؛ فتختار المعطيات وتُعيد وزنها لتصيغ مستقبلًا مرغوبًا؛ فتدّعي أنّه المسار «الأكثر ترجيحًا»؛ فتتقاطع -حينها- المحاكاة مع تصورات الرأي العام، وتصبح الخطورةُ كامنةً في قدرة الخوارزميّة على إنتاج قصصٍ «مقنِعةٍ» بصريًّا ولسانيًّا تؤثّر في اللاوعي الجمعيّ أكثرَ من الخُطب والشعارات، وحينها يتطلب الأمر صياغة مواثيق أخلاقيّة تُنظّم استعمال هذه التقنيات؛ لتوثّقَ مصادرَ البيانات، وتُعلن افتراضات النموذج، وتمنح الباحثين تدقيق التصوّر الخوارزمي للمسار التاريخي ونموذجه المستوحى والمُحاكَى؛ لنتجنب عدم تحوّل المحاكاة من مختبرٍ معرفيّ إلى «مصنع أوهام» تخدم مصالح مجتمعات على حساب مجتمعات أخرى.

لابد أن نقرَّ أن الإنسان -بإرادته وتفوّقه العلمي- منح الذكاءَ الاصطناعي قدرةً غير مسبوقة على تفكيك الزمن وإعادة ترتيبه وفقَ رغبات الإنسان نفسه، لا لنهرب من الماضي، ولكن لنعيد تأويله ونكشف هشاشته، ولهذا من العدالة أن نتصور أنّ إحياء الواقعات المضادة ليس تمرينًا سرديًّا فحسب؛ ولكنّه مشروعٌ معرفيٌّ يعيد الإنسانَ إلى مركز الفعل التاريخيّ بعد أن ظنّ أنّه أسيرُ قَدَرٍ اقتصادي أو سياسي أو جينيّ، وإذا كانت الفلسفة ـ كما يقول الفيلسوف الألماني هوسرل ـ «علم البدايات المطلقة»؛ فإنّ هذه التقنية يمكن أن تمنحنا بدايةً جديدةً للتفكير في التاريخ: لا باعتبارها تراكم ما حدث، ولكن باعتبارها فضاء لما كان يمكن أن يحدث، ولا يزال بعضُه ممكنًا في مستقبلٍ لم يحن موعده بعد. هكذا، حين نجعل من الخيال المُحاكَى مختبرًا للعقل؛ فإننا نستعيد القدرةَ على السؤال، ونوسّع مساحةَ الحريّةِ العقلية ومخيّلته، ونمنح الأجيالَ القادمة وعيًا أكثر مرونةً واستعدادًا لكتابة فصولٍ أقلّ بؤسًا؛ فالذكاء الاصطناعيُّ، إن حَسُن استعماله؛ فإنه يُعيدنا إلى تلك اللحظة «البروميثيوسيّة» الأولى حين سرق الإنسانُ الأول النارَ من الآلهة -وفقَ خيالات الأدب الأسطوري القديم-؛ ولكنّ نارَ الاحتمالات -كما في معرض مقالنا وفرضياته المذكورة- لا تحرق، وإنما تُضيء ممرات التاريخ المظلمة؛ فترشدنا إلى دروبٍ ما كانت لتُعرفَ لولا رياضيات الخيال الخوارزميّ وملاحمه التاريخية القابلة لإعادة أحداثها ومساراتها.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

مقالات مشابهة

  • مميزات جديدة لواتساب من خلال الذكــاء الاصطناعي ..فيديو
  • كم من الأطفال يجب أن يَـقـتُـل الذكاء الاصطناعي؟
  • هل يمكن توظيف الذكاء الاصطناعي في صيانة وترميم المومياوات؟
  • هل يجوز للزوج إجبار زوجته على الإجهاض؟.. مفتي الجمهورية يجيب
  • العدالة الانتقالية ومصادرها في التشريع الإسلامي ضمن كتاب جديد
  • ما العيوب التي تمنع صحة الأضحية؟ الأزهر للفتوى يجيب
  • كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في المذاكرة؟ نصائح تربوية للطلاب
  • متخصص: يجب فهم الكتالوج الخاص بك لمعرفة الأشياء التي يمكن التحدث عنها ..فيديو
  • الذكاء الاصطناعي يحوّل الصور إلى فيديوهات عبر «تيك توك»
  • الذكاء الاصطناعي.. وصياغة التاريخ الموازي