تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تجلت التأثيرات السلبية على اقتصاد إسرائيل بشكل واضح، كجبهة خاسرة في الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، والتي أتمت اليوم عامها الأول، وسط فشل القيادة الإسرائيلية في معالجة تلك التداعيات على الاقتصاد منذ ردود أفعالها الأولى.


فمنذ السابع من أكتوبر 2023، برز الوضع الاقتصادي كأكبر تحدٍ نظرًا لعجز الأنظمة الإسرائيلية الحالية في تلبية الاحتياجات وسط انشغالها بالصراعات العسكرية في غزة وتوسعه إلى جنوب لبنان دون أفق للنهاية.


وذكر تقرير نشرته صحيفة (جيرواليزم بوست) الإسرائيلية أن الجبهة الاقتصادية لا تقل تهديدًا عن أي جبهة تقاتل عليها إسرائيل عسكريًا؛ "فلا يمكن لأي دولة أن تعمل دون اقتصاد قوي بما يكفي لدعمها، متمثلا في نظام طبي ورعاية اجتماعية ونظام تعليمي جيد يلبي احتياجات مواطنيه؛ ورغم أن هذه ليست جبهة جديدة، فقد ظل خبراء الاقتصاد يصدرون التحذيرات لسنوات طويلة، في حين كان الساسة يؤجلون التغييرات الضرورية إلى وقت لاحق إلا أن الحرب على قطاع غزة أدت إلى تهدئة الاحتراق البطيء للتهديدات الاقتصادية الوجودية التي تواجهها إسرائيل؛ ما يهدد بتفجير العجز وإلحاق الضرر بثقة المستثمرين في البلاد بشكل لا يمكن إصلاحه".
وقال البروفيسور بجامعة تل أبيب ورئيس مؤسسة /شوريش/ الاسرائيلية المختصة في التمكين الاقتصادي، دان بن ديفيد، إن "أولويات الميزانية القطاعية في إسرائيل وسياسات المصالح الضيقة ساهمت في الفجوة الإنتاجية بينها وبين دول مجموعة السبع الأخرى والتي تضاعفت ثلاث مرات منذ منتصف السبعينيات"، مشيرًا إلى أن إسرائيل لا تواكب البلدان التي تريد مقارنتها بها من حيث نموها الاقتصادي.
ولفت التقرير إلى أن السياسات الحمائية والتنظيم غير الفعال والافتقار إلى البنية الأساسية العامة هي أيضًا من بين التحديات الاقتصادية التي تواجهها إسرائيل، فتواجه الانزلاق إلى حلقة مفرغة نظرا لتأخير إصلاح الأنظمة غير الفعّالة ما يؤدي إلى إبطاء النمو؛ فحوالي 50 بالمائة من الإسرائيليين لا يدفعون ضريبة الدخل لأنهم لا يكسبون ما يكفي للوصول إلى أدنى مرتبة على سلم الضرائب، بينما يدفع 20 بالمائة فقط إجمالي ضريبة الدخل.
ويوقف اتساع نطاق الحرب الإسرائيلية إلى جنوب لبنان أي تأثير إيجابي على سعر صرف العملة المحلية /الشيكل/، حيث بلغ سعر صرف الدولار أمامه 3.8 شيكل، رغم خفض الفائدة في الولايات المتحدة إلى مستويات أقل من نظيرتها في إسرائيل.
وفي عام "طوفان الأقصى"، تضررت بورصة تل أبيب بشدة نتيجة للتوترات الأمنية والسياسية، فخلال الأسبوع الأول من التصعيد، تراجع مؤشر "TA-35"، الذي يضم أكبر 35 شركة في البورصة الإسرائيلية، بنسبة 6.5 بالمائة، وهو أكبر انخفاض له منذ سنوات.
كما تأثرت قطاعات رئيسية بشكل ملحوظ، فعلى سبيل المثال، سجل قطاع التكنولوجيا انخفاضًا بنسبة 8 بالمائة، بينما تراجعت أسهم البنوك بنسبة 7.2 بالمائة، حيث فقدت إجمالي قيمة السوق المالية الإسرائيلية ما يقارب 150 مليار شيكل (حوالي 40 مليار دولار) من قيمتها في أسابيع قليلة فقط، ما دفع المستثمرين للتراجع عن الاستثمار وتسبب ذلك في تزايد الضغوط على الاقتصاد الإسرائيلي.
ويتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الاسرائيلي، وفق تقارير دولية، بنسبة تصل إلى 10 بالمائة بنهاية 2024، بالإضافة إلى توقعات عجز الموازنة إلى نحو 15 بالمائة، وأن تصل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى ما بين 80 بالمائة و85 بالمائة؛ ما سيكون لهذا الوضع تأثير طويل الأجل مشابه للتداعيات الاقتصادية التي شهدتها إسرائيل خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، مما يعقد قدرة إسرائيل على جذب رأس المال والاستثمار.
فأنشطة صناديق رأس المال الاستثماري التي تُمول الشركات الناشئة والواعدة في مراحلها المبكرة مقابل حصة في الملكية بهدف تحقيق عوائد مالية عالية من خلال بيع هذه الحصص بعد تقدم ونمو الشركة، منيت بخسائر حادة خلال النصف الأول من عام 2024 في إسرائيل، بحسب (جيرواليزم بوست).
وخلال الأشهر الستة الأولى من 2024، جمعت عشرة صناديق استثمارية رأسمال بلغ إجماليه 544 مليون دولار مقارنة بجمع 27 صندوقًا في عام 2023 مبلغًا قدره 1.6 مليار دولار؛ بحسب تقرير صادر عن معهد "إي في سي" المختص في أبحاث رأس المال الاستثماري بإسرائيل وشركة جورنيتسكي الإسرائيلية وشركة "كي بي إم جي" المختصة في الاستشارات المالية.
وتحت وطأة الحرب، كشفت بيانات لبنك إسرائيل المركزى عن تجاوز ملايين الإسرائيليين حدود الأمان بحسابتهم البنكية بسبب عمليات "السحب على المكشوف"، ما يعكس أزمة ثقة متنامية فى الاستقرار المالى للأسر الإسرائيلية.
فيواجه نحو 2.5 مليون إسرائيلي، أي ما يقرب من 40 بالمائة من السكان البالغين أزمة "السحب على المكشوف" وهو تسهيل يقدمه البنك يسمح للعميل بسحب أموال أكثر من رصيده الحالي لكنه يأتي مع فوائد مرتفعة على المبالغ المسحوبة حيث بلغ إجمالي الديون الناتجة عن السحب على المكشوف 10.7 مليار شيكل، أي ما يعادل 2.9 مليار دولار تحت وطأة الاضطرابات الاقتصادية المتزايدة في إسرائيل، الدولار يساوي 3.6 شيكل.
فتكاليف الحرب تضغط على إسرائيل، وكانت قد كشفت وزارة المالية الإسرائيلية عن مشروع قانون "الترتيبات الاقتصادية" سيتم إرفاقه بميزانية العام المقبل 2025، تضمن فرض ضرائب جديدة على أرباح البنوك بخلاف خصخصة ميناء أشدود - الوحيد المملوك للحكومة - وقرارات تقشفية أخرى.
واقترح المشروع فرض ضريبة خاصة على البنوك في عام 2026 بسبب الأرباح التي تحققها، كما تضمن مشروع القانون مقترح إغلاق خمس وزارات زائدة عن الحاجة من بين 31 وزارة، بالإضافة إلى تشديد الرقابة على ميزانية الدفاع خاصة فيما يتعلق بالرواتب والمعاشات والاتفاقيات الكبرى مع البلديات لتعزيز سرعة بناء المساكن.
وذكرت الصحيفة أن مشروع القانون يتضمن إصلاحات بوزارة المالية للعام المقبل وتشمل مجالات التمويل والعقارات والشركات الحكومية؛ لكنه لا يتضمن تجميد شرائح ضريبة الدخل أو معاشات وتأمينات الضمان الوطني، حيث سيتم التعامل مع هذه القضايا بشكل منفصل.
كما كشفت وزارة المالية الإسرائيلية في مشروع القانون عن خططها لخصخصة ميناء أشدود، وأنه من المقرر أن يتم تشكيل لجنة بين الوزارات لتسريع عملية بيع أسهم الميناء وستقدم اللجنة اقتراح الخصخصة إلى وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي دافيد أمسالم خلال 60 يومًا على أن يتم تقديم الاقتراح إلى اللجنة الوزارية للخصخصة في غضون 90 يومًا.
ويقترح المشروع أيضًا عدم السماح للوزراء بالتدخل في توزيع أرباح الشركات الحكومية وتعديل قانون الشركات الحكومية لتسهيل تحويل الأرباح إلى خزينة الدولة.
وأضاف أن مشروع قانون الترتيبات الاقتصادية، الذي سيتم إرفاقه بميزانية العام المقبل 2025، سيعتمد أسبوعا دراسيا من خمسة أيام بدلًا من ستة في النظام المدرسي الحكومي، بحيث يتماشى مع أسبوع العمل، ما يساعد النظام التعليمي في مواجهة نقص المعلمين.
وتعود أسباب ارتفاع العجز الحكومي الذي سجلته وزارة المالية الإسرائيلية إلى الزيادة في الإنفاق الحكومي التي حدثت في أكتوبر من العام الماضي بسبب الحرب على قطاع غزة؛ فتكلفة الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة هي الأكثر كلفة بين جميع الحروب الإسرائيلية السابقة، إذ تشير تقديرات سابقة للبنك المركزي الإسرائيلي إلى أنها ستتجاوز 100 مليار دولار بحلول 2025.
وقد تم إعداد ميزانية إسرائيل المعدلة لعام 2024، حول عجز مالي متوقع بنسبة 6.6 بالمائة، ووفق البنك المركزي الإسرائيلي تراجع احتياطي النقد الأجنبي في البلاد نهاية أبريل الماضي حوالي 5.63 مليار دولار حيث وصل إلى 208 مليارات، كما تراجعت الاحتياطيات بحوالي 41 بالمائة نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.
ومن بين التحديات الوجودية الموجودة تحت السطح وتصل إلى درجة الغليان في إسرائيل هي الهجرة؛ فأول من يغادر بلدًا تتدهور فيه نوعية الحياة هم أولئك الذين لديهم التعليم والمهارة للحصول على فرص جيدة في الخارج (هؤلاء الأشخاص الذين سيشعر الاقتصاد بغيابهم بسرعة) ففي عام 2022، كان هناك 44 ألفا و840 طبيبًا مسجلًا منهم 33 ألف فقط تحت سن 67 عامًا، وهذا يوضح مرة أخرى كيف يمكن للهجرة أن يكون لها تأثير كبير على قدرتها لتقديم الخدمات لمواطنيها.
أما عن المشهد العالمي، فقامت معظم وكالات التصنيف الائتماني العالمية بتخفيض تصنيف إسرائيل أكثر من مرة، فمن جانبها خفضت وكالة "موديز" التصنيف الائتماني لإسرائيل للمرة الثانية خلال عام.. محذرة من مخاطر ارتفاع تكاليف نفقات الحرب على غزة وتفاقم الأزمة الاقتصادية في إسرائيل.. وخفضت "موديز" التصنيف الائتماني لإسرائيل بمقدار، درجتين من A2 إلى Baa1، مشيرة إلى مخاوف اقتصادية حادة واستجابة غير كافية من الحكومة للتكاليف المتزايدة للحرب، محذرة من أن العجز المتوقع لعامي 2024 و2025 سيتجاوز بشكل كبير الأهداف المحددة.
كما خفضت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية مطلع أكتوبر الجاري، تصنيف إسرائيل على المدى الطويل من A+ إلى A، وأرجعت القرار إلى المخاطر الأمنية المتزايدة في ضوء التصعيد الأحدث في الصراع مع "حزب الله" اللبناني؛ وغيرت الوكالة نظرتها المستقبلية لاقتصاد إسرائيل إلى سلبية، مشيرة إلى أنها تعكس أيضا خطر اندلاع حرب أكثر مباشرة مع إيران.
وذكرت (جيروزاليم بوست)، في الختام، أنه "وسط التحديات الجسيمة للاقتصاد الإسرائيلي وحالة عدم اليقين يتطلب الوضع استجابة سريعة من حكومة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، لتخفيف حدة التوترات، فالأضرار الاقتصادية الناتجة عن النزاع لا تقتصر على الأرقام فحسب، بل تلقي بظلالها على حياة المواطنين واستقرارهم المالي؛ وفي حال استمرار الوضع على هذا النحو، فإن إسرائيل قد تواجه أزمة اقتصادية عميقة قد تمتد لعقود".
 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: اقتصاد اسرائيل التأثيرات السلبية الحرب غزة المالیة الإسرائیلیة وزارة المالیة على قطاع غزة ملیار دولار إسرائیل على فی إسرائیل إلى أن فی عام

إقرأ أيضاً:

تأهيل إسرائيل لعضوية الشرق الأوسط

بقدر ما أظهر استمرار حرب الإبادة تصاعُد الخلاف بين إسرائيل وبين الغرب الأوروبي، بقدر ما أظهرت تداعيات وقف الحرب خلافاً متنامياً مع آخر حليف لتل أبيب أي واشنطن، وكما قدرنا سابقاً ومنذ أكثر من شهرين مرا على البدء بتنفيذ خطة ترامب بشأن غزة، فإن حكومة بنيامين نتنياهو، لم تلتزم تماماً بتلك الخطة، التي وافقت عليها على مضض، ليس من سبب إلا لأن وقف الحرب جرى دون ان تحقق هدفها بعيد المدى، وهو تهجير سكان قطاع غزة، وضم أرضه تالياً لدولة إسرائيل الكبرى، وتجلى عدم التزام إسرائيل بوقف النار من خلال قتل نحو أربعمائة مواطن، ومواصلة تدمير ما تبقى من منازل، كذلك عبر تعميق ما يسمى بالمنطقة الصفراء التي تحتلها دون ان يكون فيها سكان سبق لها وان أجبرتهم على النزوح، والأهم ان مواصلة إطلاق النار، تبقي على احتمال مواصلة الحرب قائماً في مخيلة أركان الحكومة الإسرائيلية، بما يعني بأنها منذ البادية راهنت على وقف تنفيذ الخطة عند حدود الخط الفاصل بين مرحلتيها الأولى والثانية.

والحقيقة هناك كلام كثير يمكن أن يقال، لنؤكد على أن إسرائيل اليمينية المتطرفة حالياً، تعتقد بأنها وصلت إلى اللحظة التي أعدت لها أولاً أوضاعها الداخلية، وثانياً العلاقة مع الجانب الفلسطيني، وثالثاً الشرق الأوسط برمّته ليكونوا قد باتوا جاهزين لقيام دولة إسرائيل العظمى، عبر مصطلح خادع قال به بنيامين نتنياهو علناً وصراحة قبل أكثر من عام، وهو تغيير الشرق الأوسط، والأهم هو أن نتنياهو وطاقم الحكم المتطرف يعتقد بأنه إن لم يحقق ما يصبو اليه الآن، فلن ينجح في ذلك لاحقاً، أي ان هذه الحرب ليست كما كانت سابقاتها، حيث دأبت إسرائيل على شن الحروب سابقاً بمعدل مرة كل بضع سنوات، تحتل خلالها أراضي عربية إضافية، او تحقق أهدافاً أمنية_سياسية، وحين تواجه عقدة مستعصية توافق على وقف لإطلاق النار، لتقوم بالتحضير لتحقيق ما عجزت عنه فيما بعد، هذه المرة يعتقد المتطرفون الإسرائيليون أصحاب مشروع إسرائيل العظمى والكبرى، بأن العالم يتغير بسرعة في غير صالحهم، لذلك فهذه هي فرصتهم الأخيرة، لذلك يمكن القول بأنهم غامروا لدرجة ان يخسروا تأييد الغرب الأوروبي، ويغامرون اليوم بالمراهنة حتى آخر رمق من تأييد ودعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ذلك أن أميركا بعد ترامب ستكون ذات موقف مختلف.

لن نعيد في هذه المقالة، ما سبق لنا وقلناه عن دوافع وتفاصيل تلك الصورة، التي اتضحت خلال حرب العامين على فلسطين وعلى ست دول شرق أوسطية، لكن بالمجمل فإن كون إسرائيل كدولة بعد نحو عشر حروب خاضتها، بل بعد ما يقارب من ثمانين عاماً، على قيامها، أي منذ نشأتها حتى اليوم، والأهم بعد اربع معاهدات سلام وقعتها مع ست دول عربية، وعدد من اتفاقيات الهدنة ووقف إطلاق النار، ما زالت في حالة حرب، ليس فقط مع فلسطين، بل مع الشرق الأوسط برمّته، والأخطر بعد ان كانت تبدو في حالة حرب مع الدول العربية، بغض النظر عن كلها أو بعضها، باتت حالياً في حالة حرب مع الدول العربية والدول الإسلامية، وباختصار، باتت الشوفينية الإسرائيلية لا تكتفي بمواصلة مطالبة واشنطن بالحفاظ على تفوقها العسكري على مجمل دول المنطقة فرادى ومجتمعين وحسب، بل باتت تقول علناً بأنها تسعى لتغيير الشرق الأوسط، ولا تنكر ان طريقها لذلك هو إفراغ الشرق الأوسط من عوامل القوة العسكرية، بما يشمل تغيير الأنظمة، وأنها في سبيل ذلك تواصل شن الحرب، وأنها لا تثق بأحد، ولهذا فهي اليوم باتت في حالة حرب مع فلسطين ولبنان وسورية واليمن وإيران، فيما علاقتها متوترة مع الآخرين: مصر، الأردن، تركيا، قطر، السعودية، أي الجميع.

والحقيقة أن كون إسرائيل ما زالت في حالة حرب، منذ نشأتها، وهذا أمر لم يحدث في تاريخ العالم، سوى مع الدول الاستعمارية، نقصد المغول والبيزنطيين الذين أقاموا في مناطق شاسعة من العالم قروناً، كذلك الاستعمار في القرن العشرين، مثال الجزائر وفيتنام، يعني أو يؤكد بأن إسرائيل ورغم انه لاح وكأن اتفاقيات او معاهدات السلام التي عقدتها مع مصر أولاً ثم فلسطين والأردن، ولاحقاً مع الإمارات، البحرين والمغرب، قد وضعت حداً، او أنها قد فتحت الباب لإغلاق باب الحروب بينها وبين محيطها الشرق أوسطي، العربي والإسلامي، لكن ذلك لم يحدث، ولا حتى في عالم الرياضة، حيث هي حقل لجمع الدول، بما بينها من خلافات، حيث كان فريق الاتحاد السوفياتي في ظل الحرب الباردة يشارك في مباريات كرة القدم مع منتخبات الغرب الأوروبي في كؤوس العالم، بينما إسرائيل تشارك ضمن المنافسات الأوروبية، رغم أنها دولة آسيوية جغرافياً، وكثيراً ما انسحب المشاركون في مسابقات رياضية دولية، من دول عربية إفريقية ودول إسلامية تجنباً لمنافسة الرياضيين الإسرائيليين.

أي أن معاهدات واتفاقيات السلام والتطبيع، خاصة المصرية والأردنية منها، بقيت حبراً على الورق الرسمي، بينما كان توقيعها مناسبات لرفع وتيرة مواجهة التطبيع على الصعيد الشعبي. باختصار نريد القول، بأن إسرائيل لا قبل ولا خلال ولا بعد توقيع أربع اتفاقيات ومعاهدات سلام، صارت دولة طبيعية في الشرق الأوسط، وهي ما زالت دولة لم تحظ بشرف عضوية ذلك النادي الدولي، وربما كانت هذه الحقيقة التي لا شك بأنها تنغص حياة الإسرائيليين، أحد الدوافع التي تجعل منها شعاراً لمن يطمح في الحكم، وقد كان شعار السلام منذ ما بعد إعلان قيامها عام 48 طريقاً للأحزاب التي تنافست على الحكم خلال عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات حتى توقيع معاهدة كامب ديفيد مع مصر، أما شعار الشرق الأوسط الجديد، فقد تلا انتهاء الحرب الباردة، ورافق مفاوضات مدريد التي أجبر عليها اليمين الليكودي الحاكم عام 1991، وإعلان اتفاق أوسلو من قبل آخر حكومات اليسار، وبالتحديد من عراب أوسلو الإسرائيلي شمعون بيريس، الذي حرص على ان تشمل مفاوضات الحل النهائي مع (م ت ف) مفاوصات متعددة الأطراف، إقليمية بالطبع، لتقديم ما يغري الجانب الإسرائيلي بقيام شرق أوسط جديد، كنادٍ اقتصادي تكون لها فيه عضوية فاعلة، بالتوازي مع المفاوضات الثنائية مع الجانب الفلسطيني التي ستفضي الى الانسحاب الجغرافي.

أي أن الشرق الأوسط الجديد بمفهوم بيريس الذي بشّر به قبل أكثر من ثلاثة عقود، آخذاً بعين الاعتبار المتغير الكوني بعد انتهاء الحرب الباردة، ونشوء العلاقات بين الدول على أساس الشراكة الاقتصادية، اعتمد على أن نفوذ الدول بات مرهوناً باقتصادها وليس بتوسعها الجغرافي أو قوتها العسكرية، بينما شرق أوسط بنيامين نتنياهو، هو نقيض ذلك تماماً، حتى أن السلام عند بيريس كان يستند لمبدأ الأرض مقابل السلام، بينما عند نتنياهو يعني فرض الأمن بالقوة العسكرية، وقد كان يمكن أن يتحقق شرق أوسط جديد على أساس شراكة دوله وشعوبه في الأمن والسلام والرخاء الاقتصادي، ضمن نظام عالمي قائم على هذا المفهوم أساساً، ومثل هذا الشرق الأوسط ليس بعيداً، مع ملاحظة العلاقات البينية بين دوله، العربية والإسلامية، اي دول الخليج ومصر وكل من تركيا وايران، لكن ما حال دون ذلك هو إسرائيل بحكوماتها اليمينية التي تقول بتغيير الشرق الأوسط كله ليتوافق مع طبيعتها الاستعمارية، بينما المنطقي هو ان تتغير هي لتتوافق مع شرق أوسط طبيعي متوافق مع النظام العالمي.

هذه الوجهة هي التي ستفرض على إسرائيل التغيير الداخلي، وأهم سماته لفظ اليمين المتطرف، وإعادة التأكيد على دولة المؤسسات الديموقراطية، وذلك بالشروع فوراً في تحقيق جملة من الشروط هي: الانسحاب من ارض دولة فلسطين ومن الأراضي العربية المحتلة، وتصفية كل المناطق الأمنية، وإن كان لا بد من مناطق أمنية فعلى الجانبين، ثم تطبيق حق العودة والتعويض، مع تقديم ضمانات أمنية لدول الجوار، لأن إسرائيل هي الأقوى عسكرياً وهي التي تعتدي وتحتل، كذلك نزع الصفة الدينية عنها وبث رسالة سلام وتعايش للجوار.

وأهم أمر على إسرائيل أن تُقْدم عليه او إعلان الحدود الجغرافية النهائية للدولة، وكذلك دستورها الذي يثبت بأنها دولة طبيعية مدنية تعيش مع جيرانها وفق منطق حسن الجوار، كل ذلك يتطلب أولاً إحالة نتنياهو، عراب إسرائيل الكبرى الى المعاش السياسي، ثم إسقاط اليمين المتطرف، حتى يمكن التوصل لحل الدولتين.

الأيام الفلسطينية

مقالات مشابهة

  • سلطنة عُمان تحقق فائضًا تجاريًا بـ3.885 مليار ريال عماني حتى سبتمبر 2025
  • الميزان التجاري لسلطنة عُمان يحقق فائضا بأكثر من 3.8 مليار ريال
  • واشنطن بوست: الدعم السريع تحتجز آلاف الرهائن وتقتل مَن لا يدفع فدية
  • الجبهة الديمقراطية: ربط العدو الإسرائيلي الانتقال للمرحلة الثانية باستعادة جثة آخر أسير صهيوني هو محاولة مكشوفة لتعطيلها
  • تأهيل إسرائيل لعضوية الشرق الأوسط
  • حبس أو براءة.. مصير فادي خفاجة بعد حكم حبسه 6 أشهر أمام الاقتصادية
  • نواف سلام: الدولة وحدها تقرر الحرب والسلم والانتهاكات الإسرائيلية تقوض الاستقرار
  • خالد حنفي: 500 مليار دولار حجم مشروعات إعادة الإعمار التي تستهدفها مبادرة عربية - يونانية جديدة
  • السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟
  • صحة غزة: حصيلة جديدة لضحايا الهجمات العسكرية الإسرائيلية في القطاع