من مستحيلات الواقع تقدير الخسائر المترتبة عن الحرب الإسرائيلية على لبنان. فكل الأخبار التي ترد إلى مسامع اللبنانيين من بلدات الجنوب الحدودية مفادها بأن نهاية الحرب ستكون مفاجئة وأن الخسائر ستكون كبيرة وأن تدميراً ممنهجاً للبلدات الجنوبية سارٍ على قدم وساق وان النتيجة ستكون أرض مسطحة غير قابلة للعيش فيها أو عليها.

فهناك بلدات لم يبق فيها منازل على الإطلاق واختلطت حجارة البيوت المهدمة ببعضها البعض.
وأمام هذا الواقع يعيش اللبنانيون هاجس توسع رقعة الأعمال القتالية الحربية بين لبنان من جهة والعدو الإسرائيلي من جهة اخرى، ومدى تأثير ذلك سلباً على اقتصاد لبنان، في وقت تُنذر المؤشرات السلبية المتتالية بمستقبل اقتصادي أكثر اضطراباً لبلد يواجه أزمة اقتصادية وصفت بالأصعب في تاريخ البلاد منذ نهاية عام 2019 ولا زالت تلقي بظلالها على مختلف القطاعات حتى اللحظة. وبين هاجس الحرب وحالة القلق اليومية التي يعيشها اللبناني، فإن الاهتمام سوف ينصب في مرحلة لاحقة على مستوى الخسائر الاقتصادية والبشرية الكبيرة التي أصابت البلاد بشكل كارثي.
ولا يمكن لأي خبير اقتصادي تقدير الخسائر التي ستخلّفها الحرب القائمة ما لم تتوقف الحرب وما لم يأخذ بالإعتبار الوضع الاقتصادي السيء الذي يعانيه البلد منذ عام 2019 .فالخسائر طالت القطاعات الاقتصادية المنتجة والخدماتية وتقدر حتى اليوم بحوالي 18 مليار دولار، مع نمو سلبي جدًا في الناتج المحلي. في حين أن لبنان يفتقر إلى الدعم المالي العربي منذ ما قبل الحرب. وكانت الإسكوا دعت في تقرير أصدرته الشهر الماضي إلى اتباع نهج منسّق للتعافي وإعادة الإعمار مخصص للمنطقة بدعم من المجتمع الدولي، وذلك لضمان مسار مستدام للمضي قدمًا في المناطق التي مزّقتها الحرب في لبنان. في حين أعلن برنامج الأغذية العالمي قبل أيام إنه يعمل على توسيع نطاق المساعدات للوصول إلى مليون شخص متضرر من الأزمة الحالية، داعيا المجتمع الدولي إلى تعبئة الموارد اللازمة لهذه الاستجابة الإنسانية الحاسمة، وأكدت منظمة الصحة العالمية أن ضمان الحصول على الأدوية اللازمة لعلاج الأمراض المزمنة يشكل أولوية قصوى في لبنان.
وبحسب أستاذ الإقتصاد بلال علامة فإن الضغوط التي فرضتها حرب المساندة نتج عنها الكثير من الخسائر وأبرزها نزوح مئات آلاف العائلات وتوقف النشاط الزراعي كلياً على الحدود الممتدة من بلدة الناقورة في القطاع الغربي إلى شبعا في القطاع الشرقي بالإضافة الى إقفال المصانع الصغيرة وإنهيار قطاع الدواجن والمزارع .
وبين هاجس الحرب وحالة القلق اليومية التي يعيشها اللبناني، يبقى الترقب الوحيد في نتائج الحرب، بحسب علامة، هو للخسائر الكبيرة جداً، منها المباشر ومنها غير المباشر والتي تتراوح حتى اليوم ما بين سبعة مليارات دولار و18 مليار دولار. ومن المؤكد أنه حالياً من الصعب إعطاء تقديرات نهائية للخسائر لأن الأعمال الحربية مستمرة. ففي الخسائر المتعلقة بالأبنية هناك ما بين 15 و20 ألف وحدة سكنية متضررة كلياً داخل البلدات الحدودية، وهناك أكثر من خمسين ألف وحدة سكنية متضررة بشكل جزئي.
بالنسبة للقطاع الزراعي، يقول علامة: هناك عشرات آلاف الهكتارات الزراعية في الجنوب تضررت نتيجة القصف بالقنابل الفوسفورية والمشهد يشبه الأرض المحروقة، وبالاضافة إلى الأرض الزراعية فإن التربة سوف تحتاج الى سنوات طويلة لكي تعود كما كانت، وتجدر الإشارة إلى أن الحرب منعت المزارعين من زراعة 20 مليون متر مربع من الأراضي الزراعية، وأيضاً من القطاعات التي لحقها الدمار آلاف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في محافظة الجنوب عموماً.
أما على خط عدد النازحين الذي وصل لحدود مليون وأربعماية ألف نازح، فإن هذا الواقع سيترتب على مستوى الإيواء والإغاثة، وفق علامة، كلفة كبيرة جداً على الدولة وماليتها وسيكون من الصعب على لبنان تحملها. ولذلك يمكن القول، وفق علامة، إن الحرب الدائرة منذ عام ساهمت في القضاء على كل منافذ الإقتصاد اللبناني كالسياحة والصناعة والزراعة بالإضافة الى تحميل مالية الدولة أعباء وخسائر قد يكون من سابع المستحيلات تغطيتها.
في المقابل، وبعد مرور عام على الحرب في غزة، يواجه الاقتصاد الإسرائيلي أزمة خانقة تتمثل في خسائر اقتصادية جسيمة تجاوزت كل التوقعات، ما يعكس بحسب علامة، الأثر العميق الذي تركته هذه الحرب على البنية الاقتصادية للكيان الإسرائيلي. فقد شهد الاقتصاد الإسرائيلي تراجعًا ملحوظًا في أداء معظم القطاعات الحيوية، بما في ذلك التكنولوجيا والسياحة والزراعة، بالإضافة إلى زيادة التكاليف العسكرية التي أثقلت كاهل الميزانية العامة.
فتحت ضغط هذه الحرب المستمرة، اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى تقديم الدعم المالي للسكان في المناطق المتضررة، ما أدى إلى توفير إقامات مؤقتة ورعاية للنازحين، وزيادة العبء المالي على كاهل الكيان في وقت تتزايد فيه التحديات الأمنية والاقتصادية. كما شهد الشيكل الإسرائيلي تراجعًا ملحوظًا أمام العملات الرئيسية، وتشير التقديرات إلى أن قيمة العملة الإسرائيلية تراجعت بنسبة 10% على الرغم من ضخ البنك المركزي الإسرائيلي قرابة 30 مليار دولار للحفاظ على قيمة الشيكل، وقد أثر ذلك على رصيد إسرائيل من احتياطيات النقد الأجنبي ما أثر سلبًا على ثقة المستثمرين في السوق الإسرائيلية.
هذا التراجع في الثقة على مستوى الاستثمار أدى بدوره، وفق قراءة علامة، إلى خفض التصنيف الائتماني للكيان الإسرائيلي من قبل وكالات التصنيف الدولية، حيث خفضت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية تصنيف إسرائيل على المدى الطويل من "إيه+" (A+) إلى "إيه" (A) جرّاء المخاطر الأمنية المتزايدة في ضوء التصعيد الأحدث في الصراع مع حزب الله في لبنان، بالإضافة إلى خطر اندلاع حرب أكثر مباشرة مع إيران. وكانت وكالة موديز من ناحيتها قد خفضت تصنيف إسرائيل الائتماني درجتين إلى "بي إيه إيه1" (Baa1) الأسبوع الماضي، وحذرت من خفضه إلى درجة "عالي المخاطر" إذا تحوّل التوتر الحالي المتصاعد مع حزب الله إلى صراع واسع النطاق.
وسط ما تقدم يعتبر علامة، أن الحروب بكل أشكالها ينتج عنها خسائر بعضها يظهر مباشرةً وبعضها يظهر بعد انتهاء الحروب. والأكيد أن الخسائر المتراكمة لكيان العدو الإسرائيلي كبيرة، ولكن حسب ما هو معمول به في هيكلية الإقتصاد الإسرائيلي فإن هذا الكيان قادر على تغطية هذه الخسائر بمساعدة الولايات المتحدة والدول الغربية .أما بالنسبة لخسائر لبنان فالواضح أن الإقتصاد اللبناني المترنح لن يتحملها وقد يكون لبنان بحاجة لعشر سنوات لتغطية الخسائر في حال مدت الدول الصديقة والشقيقة يد العون والمساعدة.

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: ملیار دولار

إقرأ أيضاً:

صراع الحياد والولاء في ظل التصعيد الإسرائيلي الإيراني.. هل ينزلق لبنان لحرب جديدة؟

مع تصاعد عدوان الاحتلال الإسرائيلي على إيران، بات لبنان يجد نفسه أمام اختبار جديد لسياسته الخارجية القائمة على "النأي بالنفس"، وسط قلق متزايد من انزلاقه لمواجهة عسكرية جديدة بعد إعلان جماعة "حزب الله" انحيازها لإيران وعدم وقوفها على الحياد.

وبحسب وكالة "الأناضول" فإنّ: "هذا القلق يأتي بينما لم يطوِ لبنان بعد صفحة العدوان الإسرائيلي الذي اندلع في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/ أيلول 2024، مخلفا أكثر من 4 آلاف شهيد ونحو 17 ألف جريح ودمار واسع".

وتابعت الوكالة، عبر تقرير لها: "رغم سريان اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، إلا أن إسرائيل ارتكبت آلاف الخروقات له، خلّفت ما لا يقل عن 216 قتيلا و508 جرحى، وفق إحصاء للأناضول استنادا إلى بيانات رسمية".

وأضافت: "ينقسم الموقف اللبناني بين تصريحات رسمية تتمسك بعدم التورط في حرب إسرائيل على إيران والتزام الحياد، وخطاب عسكري يفتح الباب أمام احتمال اندلاع مواجهة جديدة"؛ فيما تشن قوات الاحتلال الإسرائيلي، بدعم أمريكي، منذ 13 يونيو، عدوانا، على إيران، استهدف منشآت نووية وقواعد صاروخية وقادة عسكريين وعلماء نوويين.

من جهتها، ردّت طهران بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيرة باتجاه عمق الاحتلال الإسرائيلي، في أكبر مواجهة مباشرة بين الجانبين.


إلى ذلك، قال الصحفي طوني عيسى، في حديثه لـ"الأناضول"، إنّ: "بلاده تعيش حالة من الترقب إزاء تطور العدوان الإسرائيلي على طهران"، متابعا: "حتى الآن لم تظهر النتائج أو الترددات المحتملة على المنطقة ككل وعلى لبنان".

"لذلك يبقى هناك مجال للانتظار لأي سيناريوهات سوف يقبل عليها الوضع العسكري، والوضع السياسي بين إيران وإسرائيل وبين إيران والولايات المتحدة والغرب إذا دخلت قوات أخرى في مرحلة لاحقة" بحسب عيسى. وهو ما جعل المحلل السياسي اللبناني، توفيق شومان، يتّفق معه بالقول: "البلاد تعيش حالة ترقب ناجمة عن العدوان الإسرائيلي على إيران".

وأوضح شومان، في حديثه لـ"الأناضول" أنّ: "هذا الترقب ممتزج بمسار الحرب ونتائجها"، مشيرا إلى: "وجود مخاوف من توسيع الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، خصوصا أن تل أبيب لم تلتزم بوقف إطلاق النار المعلن في 27 نوفمبر الماضي".

أما الصحفي والمحلل السياسي قاسم قاسم، فقال لـ"الأناضول" إنّ: "الحرب الإسرائيلية على إيران قد انعكست سلبا على القطاع الاقتصادي بلبنان، إذ أثرت على الموسم السياحي الذي كان ينتظره البلاد في هذا الصيف".

أيضا، أورد التقرير أنه: "على غرار الدول المحيطة، تأثرت حركة الملاحة الجوية في بيروت بسبب الصواريخ الإيرانية حيث ألغت العديد من شركات الطيران رحلاتها الجوية من وإلى مطار بيروت، كما أُعيد جدولة مواعيد رحلات أخرى لأسباب أمنية".

ومضى بالقول إنّه: "في لبنان، تتباين المواقف إزاء الانحياز إلى إيران من عدمه، حيث يؤكد الموقف الرسمي على سياسة "النأي بالنفس"، إلا أن "حزب الله" أعلن انحيازه لطهران. وصدر الموقف الرسمي من هذه الحرب عن كل من الرئيس اللبناني جوزاف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، ورئيس البرلمان نبيه بري".


وأكّد عون في 16 حزيران/ يونيو الجاري، على ضرورة بذل كل الجهود الممكنة لإبعاد لبنان عن الصراعات التي لا شأن له بها، معربا عن أمله في ألا يؤثر الوضع الإقليمي على الفرص المتاحة أمام لبنان. فيما دعا أيضا، المجتمع الدولي، إلى التحرك فوراً لمنع دولة الاحتلال الإسرائيلي من تحقيق أهدافها.

أما سلام فقد شدد على "ضرورة الحؤول دون توريط لبنان في أي شكل من الأشكال بالحرب الدائرة لما يترتب علينا من تداعيات لا علاقة لنا بها". بينما قال بري إن "لبنان لن يدخل الحرب 200 بالمئة وإيران ليست بحاجة لنا بل إسرائيل هي التي تحتاج دعماً".

وفي آخر تصريح لأمين عام "حزب الله" نعيم قاسم، قال إننا "لسنا على الحياد في حزب الله بين حقوق إيران المشروعة واستقلالها وبين باطل ‏أميركا وعدوانها، ونتصرفُ بما نراه مناسبا في مواجهة العدوان ‏الإسرائيلي الأميركي على إيران".

مقالات مشابهة

  • الموسوي: ايران الدولة الأولى التي تقف على خط الجهاد لتمثل قلعة المقاومة
  • 11 مليار ريال اعتمادات مالية إنمائية لـ"الخمسية العاشرة" بزيادة 72% عن "المعتمدة"
  • مختص بالشأن الإسرائيلي: تذمر من الحرب وبوادر مساءلة يتوقع اتساعها
  • صراع الحياد والولاء في ظل التصعيد الإسرائيلي الإيراني.. هل ينزلق لبنان لحرب جديدة؟
  • جولد بيليون: خسائر الذهب ترتفع إلى 1.9 % خلال أسبوع رغم الحرب
  • بوتين: 200 مليار يورو خسائر الاتحاد الأوروبي جراء التخلي عن الغاز الروسي
  • عاجل | الذهب يتراجع بتأجيل واشنطن قرار التدخل بشأن إيران وإسرائيل
  • صحيفة أمريكية تكشف حجم خسائر إسرائيل اليومية
  • ريم الهاشمي: نثمّن الشراكة المتنامية مع إيرلندا
  • تقديرات أولية: هجوم إيران الصاروخي كبد الاحتلال خسائر بنصف مليار دولار