كتابٌ حول جماليات السّينما الوثائقيّة
تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT
الجزائر "العُمانية": يتجاوز الفنُّ، في جوهره، حدود اللُّغة والمنطق ليخاطب الروح الإنسانية بمفاهيم أعمق من الإدراك العقلي السّطحي.
وفي هذا الإطار، يأتي كتابُ "جماليات السّينما الوثائقيّة: إضاءات فكرية ودراسات سيميولوجية" لمؤلّفه، د. توفيق ذباح، كدعوة إلى قراءة جديدة للفن السابع، السينما، والسيميولوجيا، من خلال عدسة الجماليات.
ويؤكد المؤلّف، في تقديم هذا الإصدار، بالقول "ليس هذا الكتابُ مُجرّد دراسة عن السّينما الوثائقيّة من حيث، التقنية أو الشكل، بل هو محاولة لفهم البنية الجمالية التي تتحرّك في خلفية الأفلام الوثائقيّة، متجاوزة ما نراه على الشاشة، لتكشف عن قوّة الفنّ في التأثير على وعي الجمهور. إنّه رحلة فكرية تأخذ القارئ إلى عمق المفاهيم الجماليّة، حيث تتلاقى الفلسفة والفن في مساحة تسمح بتجاوز التقاليد الجماليّة المألوفة، نحو آفاق جديدة من التحليل والتفسير".
ويضيفُ المؤلّف "الكتاب يطرح أسئلة حول طبيعة الجمال في السينما، وكيف يمكن للأفلام الوثائقية أن تُعبّر عن الواقع بأسلوب يتحدّى الخيال، ليمنحنا فهمًا أعمق للعالم من حولنا. هنا، يبقى السؤال حول طبيعة الجمال وتأثيره على الإنسان محورًا رئيسيًّا للنقاش الفلسفي والفني. ومن بين الفنون التي استطاعت أن تجمع بين الجمال والتعبير عن الواقع تبرز السينما الوثائقية كأحد أكثر الأشكال الفنيّة تأثيرًا وعُمقًا. ولا يُعتبر هذا الكتاب "جماليات السينما الوثائقية.. إضاءات فكرية ودراسات سيميولوجية"، مجرّد دراسة أكاديميّة حول الأفلام الوثائقيّة، بل هو رحلة فكرية عميقة في مفاهيم الجماليات وكيفية تداخلها مع السّرد السينمائي".
ينطلق الكتاب من تأصيل نظري لمفاهيم السّينما والجماليات، إذ يتمُّ وضع السّينما الوثائقية في إطارها التاريخي والفلسفي. ويعالج الفصل الأول من الكتاب المأسسة المفاهيميّة، مُستعرضًا الأبعاد المختلفة للسّينما كفن، بما في ذلك تطوُّرها، منذ بداياتها وحتى العصر الحديث. كما يناقش التمييز بين السّينما الروائية والسّينما الوثائقية، مع توضيح الخصائص الفنيّة والجماليّة التي تُميّز الأفلام الوثائقيّة عن غيرها.
كما يُركّز هذا الفصل أيضًا على مفهوم الجماليات، ليس فقط كتعريف فلسفي، ولكن كأداة تحليليّة لفهم الجوانب الفنيّة في السّينما الوثائقية، وكيف يمكن لفيلم وثائقي أن ينقل حقائق الحياة اليوميّة بأسلوب يجعل منها تجربة جماليّة فريدة؟ هذا التساؤل يُمثل نقطة انطلاق للكتاب في استكشاف العلاقة بين الواقع والجمال الفنّي.
ويتناول الكتابُ، في فصوله التالية، جوانب الجماليات السّينمائيّة من زوايا مُتعدّدة، بدءًا من الفكرة والعنوان، مرورًا بالصوت والموسيقى، ووصولًا إلى الديكور والإضاءة والألوان. وهنا يظهر تداخل الجماليات السّينمائية مع العناصر الفنيّة التي تُشكّل الفيلم الوثائقي، وكيف يمكن لهذه العناصر أن تتضافر لخلق تجربة حسيّة وجماليّة متكاملة. وهل يمكن للصورة أو الصوت في فيلم وثائقي أن يُعبّر عن أكثر من مجرّد تسجيل لحظات عابرة؟
ويجيب الكتابُ على هذه التساؤلات من خلال تحليل مُفصّل للأفلام الوثائقيّة وإظهار كيف أنّ التفاصيل الصّغيرة، مثل زاوية الكاميرا أو نغمة الموسيقى، يمكن أن تكون حاسمة في توصيل رسالة الفيلم.
بعد ذلك، ينتقل الكتاب إلى دراسة جماليات السّرد السّينمائي. ويعالج هذا الفصل كيفية استخدام السّينما الوثائقية للسّرد كأداة فنيّة، حيث لا يُنظر إلى السّرد على أنّه مجرّد تسلسل للأحداث، بل كعملية جماليّة تساهم في تشكيل التجربة السّينمائية. وكيف يمكن للسّرد أن يتحوّل إلى لغة جماليّة، وما هي الأدوات التي يستخدمُها المخرجون لتوصيل هذه اللُّغة؟
كما يُولـي الكتابُ اهتمامًا كبيرًا لجماليات المونتاج؛ فالمونتاج لا يُعتبر هنا مجرّد عمليّة تقنية لتنظيم اللّقطات، بل هو عملية جماليّة تُسهم في تشكيل بنية الفيلم وتحويله إلى عمل فنّي متكامل. ويناقش الكتاب أيضا كيفية تأثير اختيار اللّقطات وترتيبها على بناء الجمال السّينمائي، وكيف يمكن أن يكون المونتاج أداة لنقل الإحساس بالواقع بطرق تتجاوز ما هو مرئي.
وفضلًا عن ذلك كلّه، يُبَررُ الكتاب العلاقة بين السّينما الوثائقية والروائية، ويعرضُ التداخلات والتقاطعات بينهما، مُوضّحًا كيف يمكن للأفلام الوثائقيّة أن تستخدم أساليب روائيّة لخلق تأثير درامي وجمالي أعمق. هذا التداخل بين الواقع والخيال، بين الوثائقي والروائي، يُشكّل جزءًا مهمًّا من النقاش حول السّينما والجماليات.
ويفتح الكتاب أخيرًا بابًا للتأمُّل في مستقبل السّينما الوثائقيّة من منظور جمالي، وكيف ستتغيّر مفاهيم الجماليات مع تطوُّر التكنولوجيا واستخدام التقنيات الرقميّة في السّينما؟ وكيف سيستمرُّ المخرجون في استكشاف الجوانب الجماليّة للأفلام الوثائقيّة في ظلّ هذه التغيرات؟
ويُوجّه كتاب "جماليات السّينما الوثائقية.. إضاءات فكرية ودراسات سيميولوجية" دعوة للقارئ، سواء كان باحثًا في حقل الإعلام والاتصال، أو مخرجًا، أو ناقدًا، أو عاشقًا للفن، إلى إعادة النظر في الأفلام الوثائقية من زاوية جديدة، ويُقدّم أيضا دراسة عميقة للعناصر الجمالية التي تُميّز هذا النوع من السّينما، وتحليل كيفيّة استخدامها لتقديم الواقع بطريقة تتجاوز حدود التسجيل العادي للأحداث.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: للأفلام الوثائقی الأفلام الوثائقی وکیف یمکن ة التی ت جمالی ة الفنی ة
إقرأ أيضاً:
"تحت القبة شيخ" كتاب يرصد حكايات الأولياء بالفيوم
«تحت القبة شيخ ... حكايات الأولياء» كتاب يرصد حكايات الاولياء فى محافظة الفيوم والذين نسج حولهم العامة اساطير ارتبطت اغلبها باسمائهم.
الدكتور إبراهيم عبد العليم حنفي فى كتابه بين واحداً من أهم أنماط التدين الشعبي في مصر وأبرزها، ألا وهو ذلك النوع من التدين المرتبط بالأولياء الصالحين والذي يرقى في كثير من الأحيان إلى درجة الأسطورة.
حدد الكتاب ثمانية أولياء بمدينة الفيوم خمسة منهم في منطقة «درب الطباخين» والآخريْن في مدينة الفيوم ومنطقة السواقي وواحد فى قرية فيديمين وهم سيدي علي الروبي، وسيدي حابس الوحش، وسيدي أبو الحمل، وسيدي جاد الحق، ومقام الشيخ رجب، ومقام «أبو الحارس»، ومقام «أبو خلف»، ومقام الشيخة مريم. وكما هو واضح من الأسماء السابقة، فإن أغلبها يرتبط بوظيفة ما عادة ما يشتهر بها هذا الولي أو ذاك: فحابس الوحش يشير إلى قدرة الولي على ردع الأرواح الشريرة، وأبو الحارس يدل على وظيفة الحماية، وأبو خلف يدل على قدرة الولي على التخصيب والبرء من العقم.
اساطير حول الاولياءوبديهي أن يرتبط ذلك كله بأجواء أسطورية، كما في القصة المتعلقة بتسمية الولي «أبو الحارس»، والتي تشير إلى أنه كان فارساً حربياً أبلى بلاء حسنا في الحروب، حتى أنه فقد في إحدى المعارك ثلاثة أرباع جسده على حين طار الربع المتبقي قاطعاً الفيافي إلى أن استقر بقرية «فيديمين» ونزل بها!! وقد ارتبط نزوله هذا بقدوم الخير والبرَكة على أهل القرية وما حولها، فإذا بالمسلمين والمسيحيين يحتفلون به، كما لو أنه صورة إسلامية لمار جرجس الفارس الشهيد المدافع عن الحق في المسيحية.
واهتم "حنفى" بدراسة الصلة بين حكايا الأولياء من جهة والنصوص الأدبية والأغنية الشعبية في مناطق محافظة الفيوم من جهة أخرى، إلا أنه توسع في دراسة الأنماط الشعبية والأدبية المعبرة عن ذلك لتشمل، إلى جانب الأغنية الشعبية، كلاً من: الإنشاد الديني، وطقوس الزار، والبكائيات، والتعاويذ، والأغاني المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالزواج، والسبوع والأغاني المحفزة على العمل، والموال... إلخ.
ويتحدث الباحث عن «قداسة الزمان والمكان»، حيث يتوزع الزمان على ثلاثة أزمنة هي: زمان متكرر، وهو الزمان الذي يُمارِس فيه المجتمع طقوسه أسبوعياً مرة أو مرتين، وزمان مفرد يأتي مرة واحدة كل عام ويتبع التقويم الشمسي (يوم شم النسيم) ويُحتَفل فيه بموالد الأولياء (أبو خلف أبو قرعة، وأبو الحارس، والشيخة مريم)، أو يتبع التقويم القمري (ليلة النصف من شعبان التي يُحتَفل فيها بمولد سيدي علي الروبي). وأخيراً يتمثل الزمن الثالث في العيدين، عيد الفطر وعيد الأضحى، حيث يُحتَفل فيهما بمولد الولي «أبو الحمل»، والولي جاد الحق.
أما قداسة المكان، فتنبع من وجود الأولياء أنفسهم، وهي تتعدد بحسب أماكنهم: فهناك البرية وبها مقام سيدي حابس الوحش، وموطن الماء أو سيل الماء وبها مقام الشيخ رجب أو بِرْكَةُ الشيخ رجب والشيخة مريم، أو في المقابر كمقام الولي جاد الحق.
ثم يتحدث الدكتور ابراهيم عبد العليم حنفى فى كتابه عن جملة الشعائر والطقوس المتعلقة بالأولياء وهي تنقسم إلى: طقوس أسبوعية، وطقوس موسمية. أما الأولى فتحمل في نسيجها علاقة المجتمع بالولي الذي يمثل له معنى «العدل»، في حين تُؤدَى الطقوس الثانية لولي يُمثِّل «قضاء الحاجة». وضمن الطقوس الأولى نصادف: «كنس مقام الولي، وتخضيب مقدمة المقام بالحناء، والاستحمام بماء البِرْكَة المقدسة، والمظلمة، وثقب الأذن، والربط بسعفات النخيل الثلاث، والاستحمام بالماء والملح، والتدحرج، وقراءة الكف». أما الطقوس التي تُمارَس بهدف قضاء الحاجة، ففي مقدمها: «طقس شرب الخمر- البُوظَة، والضرب بالبرسيم، والطواف بالمقام والمشاركة في حلقات الذكر، وأكل عيش- خبز مريم، والمرماح، وتنصيب المريد الصوفي إلى درجة خليفة، وطقس عاشوراء».
و خصص المؤلف فصلا لطقوس الزار وارتباطه بحكايا الأولياء ومراحل أدائه الأربعة: التدحرج، الكشف، الاستمالة، الحكم على الجان بالخروج من جسم الإنسان؛ تناول الفصل الأخير الأداء والمؤدين فرفع الستار عن كيفية الأداء/ الإنشاد، وعلاقة المؤدين بالجمهور، وأنواع الجمهور. كما تناول علاقة الشيخ بمريديه، وآليات المشاركة النسائية في البكائيات حيث تتشكل على هيئة مثلث تجتمع عند رأسه النساء للمشاركة في الندابة، وضلعا هذا المثلث هو الدوران حول المتوفى، أما قاعدته فتتمثل في باب الوداع، وهو المكان الذي تودع فيه النساء فقيدهن، أي المدخل الرئيس للمقابر.
على أن الطقوس المرتبطة بالأولياء تتعدد بتعدد الأولياء وطبائع وظائفهم المرتبطة بأسمائهم من جهة، كما تتعدد وتتنوع بتعدد الأمكنة والأزمنة من جهة أخرى. فإذا كان طقس «ثقب الأذن» الذي يُؤدَى عند مقام سيدي علي الروبي يرتبط بالرغبة في طرد الأرواح الشريرة وإبعاد حسد الحاسدين عن المولود الجديد، ذكراً كان أم أنثى، فإن طقس «الاستحمام في بحر يوسُف» الذي يُمارس في «أربعاء أيوب» يرتبط بالرغبة في الشفاء من الأمراض عامة. وهكذا تتنوع الطقوس لتشمل حياة الإنسان كلها: مولداً، وزواجاً، ومرضاً، ووفاة.
وإلى جانب الطقوس المتعلقة بالوفاة، كصلاة الجنازة في مقام الولي علي الروبي ليكون عوناً للمتوفى في قبره عند سؤال الملَكين، هناك طقوس عدة تُمارَس بعد الانتهاء من الجنازة، على رأسها «طقس التوبة»، ويتمثل في رجوع النساء بعد تشييع الجنازة إلى مقام الولي بهدف قبول الولي توبتهن على ما فعلن أثناء الجنازة من لطم الخدود وشق الجيوب إلى غير ذلك!! وهكذا يكون مبتدأ الإنسان الميت عند الولي ومنتهاه، وكذلك يكون مبتدأ السعي للإنسان الحي عند الولي وإليه منتهاه!
و طقس الدحرجة امام مقام حبس الوحش وهو للسيدات الباحثين عن "الخلفة" او لطرد الجن من الجسد او حتى الشفاء من الامراض ومرور الاسياخ فى الخد وهو طقس كان يؤديه اتباع الطريقة الرفاعية امام مسجد الروبى فى يوم المولد لجذب الانتباه .
وهناك العديد من الموالد التى لم يرصدها الكتاب مثل مولد اولاد ميزار فى قرية شكشوك يقال انهم 7 ابناء اخوه كانوا يعيشون فى الجانب الشمالى لبحيرة قارون ولذلك يتبرك مريدو المولد بالاستحمام فى البحيرة لاخذ البركة من اولاد ميزار الذين تتجسد ارواحهم فى المياه.
كما ان هناك مولد الصايم فى ابشواى والشيخ شعبان فى قرية عبود وتنفرد قرية سنهور القبلية باقامة 3 موالد للمشايخ الدرينى والمغربى والشيخ على "نور الدين" ومولد الشيخ عطالله فى قرية الياس ومولد الشيخ العبد فى قرية سنهور البحرية واغلب هذه الموالد تقام يوم الجمعه ويسبقها غالبا الخميس وايضا يتبعها السبت.